ملخص
حرص معمر القذافي على دعوة المطربين من دول الخليج إلى تقديم عروض عنده، فكيف كان حاكم ليبيا يتعامل مع الموسيقيين؟
"ملامح شخصيته التي تتضح من خلال كلامه وتصرفاته تتأرجح بين الدهاء ورجاحة العقل من ناحية، والجنون والشطط من ناحية أخرى، إذ إنه عندما يتعرض إلى ضغوط شديدة يفقد صلته بالواقع وتصبح تصرفاته انفعالية وغير متوقعة".
هذه كلمات نشرتها صحيفة "بي بي سي" البريطانية ضمن مقابلة مع الأستاذ بجامعة واشنطن ومؤسس مركز تحليل شخصيات زعماء الدول جيرولد بوست، وفيها تحدث عن شخصية حاكم ليبيا من عام 1977 وحتى 2011.
وتصرفات العقيد القذافي الغريبة امتدت من مضمار السياسية إلى ساحة الفن والفنانين، فقد كانت علاقته بالموسيقيين معقدة ومتعددة الأوجه، فبينما كان مهتماً بالموسيقى وروج لها إلا أنه في الوقت نفسه اتهم باضطهاد الموسيقيين واعتقالهم وبخاصة المطربين الذين فضلوا الصمت عن الترويج لسياسته المثيرة للجدل، وفي المقابل كان سخياً مع الفنانين الذين أظهروا ولاءهم له عبر فنهم.
القذافي ومطربو الخليج
وامتدت محبته للغناء والطرب إلى بقاع العالم، فقد حرص معمر القذافي على دعوة الموسيقيين من مختلف الدول إلى تقديم عروض له، لا سيما من السعودية ودول الخليج، ومن المواقف التي ظهرت على الساحة أخيراً حينما استضاف القذافي محمد عبده وطلال مداح إلى جانب عدد من كبار الفنانين العرب لإحياء حفلات الفاتح من سبتمبر عام 1983، وهي ذكرى انقلاب 1969 الذي قاده معمر القذافي على النظام الملكي الليبي وإعلان قيام الجمهورية العربية الليبية.
وخلال لقاء لفنان محمد عبده على برنامج "بوشعيل" الذي يقدمه الفنان الكويتي نبيل شعيل على قناة "الرأي" الكويتية ذكر فنان العرب تفاصيل الحادثة قائلاً إن القذافي أجرى اتصالًا في إحدى الليالي بالملك فهد آنذاك، وهو ما جعل الأخير يعتقد أن لدى القذافي أمراً طارئاً، ولكنه كان اتصالاً لطلب سفر محمد وطلال في طائرة خاصة وبشكل مستعجل لإحياء ذكرى الفاتح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف محمد عبده، "القذافي في تلك الزيارة كان يمتلك دفتراً أخضر يستخدمه لتدوين أشعاره، وناوله لي ولطلال لنتغنى بتلك الأشعار، وكان أحد الأبيات التي لا تزال عالقة في ذاكرتي هي’ عيونك صواريخ زي صواريخ البازوكة‘"، واصفاً محمد عبده تلك الكلمات بـ "الاختراعات العجيبة".
ويختم أبو نورة تفاصيل زياته إلى ليبيا بأن العقيد القذافي عرض طائرته الخاصة لعودة المطربيْن إلى السعودية، ولكنها ظلت تحوم في الأجواء السعودية بعض الوقت، وعندما هبطت في المطار كانت القوات الأمنية مستنفرة وتحيط بالطائرة، وتم التحقيق مع الطاقم والفنانيْن ليتضح لاحقاً أن الطائرة دخلت الأجواء السعودية من دون استئذان بسبب إيمان القذافي أن "الحدود أقيمت فقط لتقسيم الشعوب العربية ومنعها من تحقيق الوحدة".
ويروي الفنان القطري علي عبدالستار خلال مقابلة له في برنامج "مراحل" عبر قناة "سي بي إس" السعودية لقاءه القذافي فيقول، "كانت له هيبة وخلفه الحرس وكان جالساً في الخيمة مرتدياً الزي الليبي، فقلت له مرحباً يا سيادة الرئيس فضرب على الطاولة وأفزعني، وقال لي كيف تقول الرئيس؟ أنا مش الرئيس أنا الأخ العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية".
الموسيقى الليبية
ويحتفظ التاريخ الليبي بذكريات حملات العقيد القذافي ضد الآلات الموسيقية من عام 1968، إذ تم منعها إيماناً منه بأن الموسيقى الغربية "إهانة للإسلام والثقافة العربية التقليدية ومن الواجب حظرها"، فمُنع البيانو والغيتار والكمان وصودرت الآلات وأحرقت في أحد الميادين العامة، ليكون الخروج من أرض الوطن أحد الخيارات التي قام بها بعض الفنانين الليبيين وأبرزهم حميد الشاعري، فقد روى في برنامج "عايشة شو" على قناة "النهار" الجزائرية أنه غادر بلاده أواخر سبعينيات القرن الماضي بسبب الحملات الوطنية التي قام بها القذافي ضد الموسيقى، ووصف الشاعري في اللقاء مشهد حرق "الأورغ" الخاص به والذي كان يعتبره مميزا جداً لديه بـ "الموقف المؤثر" الذي سيظل عالقاً في ذاكرته للأبد.
وعلى رغم المنع والحظر فقد كانت الموسيقى الشعبية والتي تتفرع منها الموسيقى البدوية والأندلسية والمعلوف ضمن أدوات الدعاية التي اهتم بها العقيد خلال فترة حكمه، إذ انتقى مجموعة من المطربين الشعبيين الذين قدموا عشرات الأغاني الوطنية التي مجدته واحتفلت بإنجازاته الثورية، ومن أبرزهم الفنان الليبي محمد حسن الذي أيّد النظام السابق في ليبيا ودعمه من خلال أغانيه وموسيقاه، مثل أغنية " فكر بلادي فكر الكتاب الأخضر... فكر ينادي يا الخوت الله وأكبر".