ملخص
يرى مراقبون أنه يجب تجاوز فئة المشاركين في "حرب التحرير" من الطرفين قبل التفكير في طي "ملف الذاكرة"
أعاد رفض الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) عرض قانون يسمح بإعادة جماجم "المقاومين الجزائريين" إلى الجزائر، فتح ملف الذاكرة الذي لطالما كان سبباً في توتر العلاقات بين فرنسا والجزائر، كما أن تزامن تلك المسألة مع التحضير لزيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس يهدد بتحريك مياه الخلاف الراكدة مرة أخرى.
رفض رغم موافقة
وما أثار استغراب الطرفين هو أن القانون حظي بموافقة 80 عضواً في البرلمان الفرنسي، وفق قول صاحب المبادرة، النائب كارلوس مارتنيز بيلونغو، الذي أبرز أن سلطات بلاده رفضت عرض المشروع على "الجمعية الوطنية" بسبب حساسية الملف وتجنباً لإعادة التوتر في علاقاتها مع الجزائر.
وأوضح النائب الفرنسي أن "وزيرة الثقافة الفرنسية، ريمة عبدالمالك، قررت استرجاع تسيير ملف الجماجم الموجودة في متحف الإنسان بباريس وشكلت لذلك لجنة من أجل تحديد هوية أصحاب الجماجم لا سيما الجزائرية منها في مرحلة أولى قبل نهاية العام الحالي، لتتفرغ لعملية تحديد هوية أصحاب بقية الجماجم البالغ عددها 18 ألف جمجمة"، مضيفاً أن "وزيرة الثقافة أكدت أنها ستنتظر نتائج عمل لجنة المؤرخين المشتركة الفرنسية- الجزائرية، من أجل الفصل النهائي في الملف، الذي يعد من المسائل الحساسة التي ترهن مصير العلاقات الجزائرية- الفرنسية".
إصرار جزائري وتكرار فرنسي
وتصر الجزائر على إعادة جماجم ثوارها الذين قاتلوا ضد فرنسا خلال فترة الاستعمار، وهي موجودة بمتحف الإنسان أو متحف "التاريخ الطبيعي" بباريس، وتطالب بالاعتراف والاعتذار عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الجزائري، فيما تواجه فرنسا عراقيل يبدو أنها من أطراف داخلية ترفض التعاطي الإيجابي مع المطالبات الجزائرية المتعلقة بالفترة الاستعمارية، وهو مما تسبب في مرات عدة بتوتر العلاقات بين البلدين. وليست هذه المرة الأولى التي يواجه عرض القانون على البرلمان الفرنسي الرفض، فقد سبق أن اقترح نواب فرنسيون سن قانون جديد يتيح بمجرد دخوله حيز التطبيق، التنازل نهائياً عن جميع جماجم المقاومين الجزائريين في المتاحف الفرنسية، في ظرف أقصاه شهر واحد على الأكثر، لكن جلسة مناقشة المشروع تأجلت بسبب تصرفات عنصرية ضد البرلماني صاحب المقترح كارلوس مارتينيز، من قبل أحد نواب اليمين المتطرف، أثناء جلسة عامة للبرلمان، مما أدى إلى تعليقها، ومعاقبة النائب اليميني بحرمانه من دخول البرلمان لمدة 15 يوماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وثيقة مشروع القانون من 3 مواد
وجاء المقترح في إطار مشروع قانون بالجمعية الوطنية الفرنسية مؤرخ في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، حمل عنوان "مقترح قانون يهدف للترخيص بتسليم جماجم جزائرية من طرف فرنسا"، وشمل ثلاث مواد فقط، نصت الأولى على أنه ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التطبيق، وعن طريق عدم التقيد بمبدأ عدم التنازل عن المحفوظات العمومية الفرنسية المنصوص عليها في المادة 451-5 من قانون التراث، فإن الجماجم الجزائرية الـ13 المحفوظة ضمن المجموعات الوطنية تحت رعاية المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي أو متحف الإنسان، لا تبقى جزءاً من هذه المحفوظات.
وجاء في المادة الثانية أن السلطات الإدارية تمنح اعتباراً من التاريخ نفسه، أي مع دخول القانون حيز التطبيق، مهلة شهر واحد على الأكثر لتسليم هذه الجماجم إلى السلطات الجزائرية. أما المادة الثالثة فنصت على أن "الجماجم الـ24 التي أعيدت إلى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في يوليو (تموز) 2020، تعتبر أنها عادت نهائياً إلى هذا البلد".
"ملك وتراث للأمة الفرنسية"
في السياق، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إبراهيم بادي، إلى أن "السلطات الفرنسية تعرقل تسليم هذه الجماجم، بحجة أنها ملك وتراث للأمة الفرنسية، ولا يملك أي طرف حق التصرف فيها"، موضحاً أن "هناك أطرافاً ترفض طي ملف الذاكرة بالاعتراف والاعتذار الفرنسيين، وتفضل عرقلة أي تقارب من شأنه فتح صفحة بيضاء جديدة بين البلدين". وقال "إنهم من قدماء المحاربين والمعمرين وأبنائهم، والأقدام السوداء، الذين يحنون إلى الماضي الاستعماري"، مبرزاً أن "محاولة البرلماني الفرنسي إنما تندرج في سياق إصدار تشريع يخرج ملف الجماجم من دائرة المجموعات العامة الوطنية التي تمنع التصرف فيه باعتباره ملكاً عاماً للأمة الفرنسية".
ويشير بادي إلى أن "مسودة القانون ذكرت في الحيثيات التمهيدية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد تعهد خلال زيارته إلى الجزائر، في ديسمبر (كانون الأول) 2017، بتسليم الرفات والجماجم التي تعود لجزائريين قاتلوا الاستعمار الفرنسي، وهو ما يكشف عن تعرض ماكرون إلى ضغوط من أطراف فرنسية داخلية"، مضيفاً أن "الخطوة الفرنسية قد يكون القصد منها التشويش على زيارة الرئيس تبون إلى باريس المقررة في النصف الثاني من يونيو (حزيران) المقبل".