Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هيئة الصحة الوطنية في بريطانيا تحتاج إلى الإصلاح فهل من يتجرأ؟

الوسط السياسي البريطاني يعلم أن الهيئة بشكلها الحالي لا يمكن أن تستمر، لكنه يعرف أيضاً أن المجتمع البريطاني متعلق بها

السياسيون البريطانيون يعلمون تماماً أن الشكل الحالي لطريقة عمل هيئة خدمات الصحة الوطنية لا يمكنه الصمود والاستمرار (رويترز)

ملخص

يدعو الكاتب أندرو غرايس إلى عملية إصلاح لهيئة خدمات الصحة الوطنية في بريطانيا من دون الإضرار بالمبادئ الأساسية التي قامت عليها

إنه أكثر الأسرار المعلومة في وستمنستر [الأوساط الحكومية البريطانية]. السياسيون البريطانيون يعلمون تماماً أن الشكل الحالي لطريقة عمل هيئة خدمات الصحة الوطنية، لا يمكنه الصمود والاستمرار، لكنهم يدركون أيضاً أن الهيئة مقدرة للغاية حتى إن العامة في بريطانيا يعشقونها، وهم متخوفون من اقتراح أي تعديل على النظام الحالي. ولذلك فهم يواصلون ضخ المليارات لمساعدة هيئة الخدمة الصحية الوطنية المتعثرة في مواصلة العمل، مع عائدات أقل ــ بجزء منها ولكن ليس حصراً ــ بسبب ارتفاع عمر السكان في البلاد.

إن مقاربة تضميد الجرح أسوأ الأمثلة على التخطيط القصير النظر، لكن السياسيين يتهربون من اقتراح الحلول البعيدة المدى التي تحتاج إليها البلاد ــ مثل إجراء عملية إصلاح واسعة لنظام الرعاية الصحية في البلاد لتخفيف الضغوط على المستشفيات والتي تفترس معظم الرساميل الإضافية المتاحة، حتى لو كان من الأفضل إنفاقها في رعاية الأفراد في أماكن إقامتهم أو بالقرب منها. إن طوابير انتظار سيارات الإسعاف خارج مباني خدمات الطوارئ في المستشفيات البريطانية تلخص هذا الفشل.

إن السياسيين المنتمين إلى الأحزاب كافة ينادون بالإصلاح من دون أن يقدموا أي أفكار عملية حوله. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقبلة، باتت الوسيلة الناجعة أكثر، تتمثل في ضخ مزيد من الأموال، وهو تمويل مطلوب، لكنه ليس الحل الوحيد. فبريطانيا بات لديها اليوم ما يعرف "بخدمات المرض الوطنية" التي تضر بالاقتصاد بسبب لجوء الموظفين إلى أخذ الإجازات من قطاع عملهم، ومغادرة آخرين سوق العمل إضافة إلى إفساد الحياة الفردية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن عامة البريطانيين أبدوا اهتمامهم، وهم معنيون بذلك، أن من بين كل شرائح الناخبين يحل موضوع [إصلاح] هيئة خدمات الصحة الوطنية في المرتبة الثانية في سلم الأولويات بعد موضوع التعامل مع ملف غلاء المعيشة. ولدى الجميع تجربة محزنة مع "خدمات الصحة الوطنية"، إذ عانوا أو أحد أقربائهم فترة انتظار طويلة، أو أنهم اختاروا الاستسلام وعدم طلب المساعدة لحل مشكلتهم الصحية"، بحسب ما عبر عنه لوك تريل، رئيس مؤسسة "مور إن كومون" More in Common التي تدير مجموعات "تركيز" بحثية.

وأضاف "إن الإعجاب الذي يكنه المجتمع البريطاني لهيئة خدمات الصحة الوطنية يساند الدعم لإضرابات الممرضين، حتى لو كانوا قلقين حيال تداعيات الإضرابات على حياتهم. ومن الملاحظ أيضاً أن هناك تعاطفاً أقل مع المطالب لتحسين أوضاع أطباء الصحة العامة، مع شعور البريطانيين بالإحباط جراء نظام صحي بات متقادماً ومن المستحيل استخدامه".

على رغم أن إضرابات العاملين في خدمات الصحة الوطنية قد تصل إلى نهاياتها في الأسبوع المقبل عندما ستنظر الاتحادات العمالية بنتائج تصويت الأعضاء المتناقضة، إلا إن النزاع حول تحسين الأجور كان زاد من حجم طوابير انتظار البريطانيين للحصول على المراجعات الطبية اللازمة.

إن رئيس الوزراء ريشي سوناك كان وعد بخفض قوائم الانتظار، كجزء من إستراتيجيته المكونة من خمس نقاط، وربما سيحتم عليه ذلك ضخ كمية إضافية من المال في خدمات الصحة الوطنية ليتسنى له الادعاء بأنه نجح في تحقيق ذلك الهدف. لكن بعضهم في حزب المحافظين يتخوف من أن تلك المسألة ربما تؤدي إلى خسارة الحزب للانتخابات.

"أعتقد بأنه في الإمكان أن يحتسب للمحافظين أنهم نجحوا في تحسين الوضع الاقتصادي، لكنه سيكون من الصعب جداً جداً عليهم تحقيق الأمر نفسه في مجال خدمات الصحة الوطنية"، بحسب ما قاله لي أحد الوزراء البريطانيين.

إن حزب العمال البريطاني يعترف بأن عملية إعادة إصلاح هيئة خدمات الصحة الوطنية "المعطوبة" ستتطلب 10 أعوم. وهناك نقاش عمالي في الكواليس بين بعض الشخصيات الذين يؤيدون زيادة ضريبية تفرض بعد الانتخابات، تخصص لإنقاذ قطاع خدمات الصحة الوطنية.

لكن زعيم حزب العمال كير ستارمر يبدو ملتزماً بإستراتيجية تقوم على تجنب إخافة الناخبين، من خلال تصريحه إلى مجلة "إيكونومست" بأنه سيعارض "الضغوط التي تمارس علينا من قبل كثيرين، بأن أول حل تلجأ إليه أي حكومة عمالية هو فرض الضرائب".

ربما يفاجئ ستارمر الجميع من خلال قراره رفع الضرائب، من دون أن تكون هناك إشارة إلى ذلك الموضوع في برنامج حزب العمال الانتخابي. لكن قضية الإصلاح لا بد من أن تشكل عبئاً ثقيلاً، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة. إن على الحكومة المقبلة أن تتحرك وبسرعة في ذلك الموضوع، وقبل حلول موعد الانتخابات التالية.

لكن ماذا ستشتمل عليه خطة الإصلاح؟ ربما يكون قطاع خدمات الصحة الوطنية مريضاً، لكن لحسن الحظ، أن في المملكة المتحدة نظاماً من المؤسسات البحثية التي لا تزال تعمل بشكل سليم ــ وهي بمثابة مصانع للأفكار، ويمكنها أن تذهب إلى أبعد من الحيز الذي يجرؤ السياسيون على الخوض فيه. وخلال هذا الأسبوع تحديداً، قامت ثلاثة معاهد بحثية، تمثل تيارات اليسار والوسط واليمين بطرح أفكار منطقية لمحاولة إنقاذ هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

خلص "معهد أبحاث السياسات العامة" IPPR، وهي مؤسسة تمثل التيار الوسطي اليساري، إلى أن الأمراض الصحية الجديدة تكلف الأشخاص ما يصل معدله إلى حوالي 2200 جنيه استرليني سنوياً (2650 دولاراً أميركياً تقريباً)، وإن الحال الصحية المتردية للأشخاص كانت السبب الأساسي لترك أكثر من نصف أولئك الذين غادروا سوق العمل قبل جائحة كورونا، وهذا كان له أثر أعظم منذ ذلك الوقت.   

وقامت لجنة المؤسسة البحثية بالتحذير من أن "معدي السياسات البريطانيين يخاطرون بأن يتحولوا إلى مقتصدين بحكمة في الوقت الحالي، من دون أن يعوا أن خياراتهم تلك ستكلفهم ثمناً باهظاً في المستقبل" من خلال تركيزهم على [العناية] مشكلات الأمراض المزمنة الآنية، بدلاً من وضع آليات للكشف عن تلك الأمراض في وقت مبكر. واللجنة البحثية اقترحت "قانوناً للصحة والرفاهية" Health and Prosperity Act، مقتبساً من قانون التغير المناخي الذي وضع عام 2008، لجعل المملكة المتحدة البلد الذي يتمتع سكانه بأفضل صحة في غضون 30 عاماً، ويؤدي ذلك إلى زيادة عمر الفرد الصحي إلى ما بعد سن التقاعد في مناطق البلاد كافة.

أما مؤسسة الأبحاث الوسطية "ديموز" Demos، فاقترحت التحول إلى نظام وقاية يقوم على مستوى المجتمعات. وزيرة الصحة البريطانية السابقة باتريسيا هيويت، كانت قالت في أحد نشاطات مؤسسة "ديموز" إن "قطاع خدمات الصحة الوطنية يتعامل مع المريض وكأنه مصاب بمجموعة من الأمراض المتفرقة، إذ يمكن أن يكون للمريض الواحد 30 أو 40 موعداً لاستشارات طبية مختلفة في العام الواحد، في أجزاء مختلفة من هيئة خدمات الصحة الوطنية. المعلوم أن ذلك الشخص يعاني تلك الحالات المرضية على مدار الساعة. ولذلك فإنه سيكون من الصعب التوصل إلى حل لقوائم الانتظار الطويلة من خلال ضخ مزيد ومزيد من المال لتوفير أسرة إضافية في المستشفيات، ومزيد من غرف الطوارئ والإسعافات".

في مراجعة أجريت لمصلحة حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك، أوصت هيويت مجالس إدارات 42 هيئة متحدة للعناية الطبية عاملة في إنجلترا، بأن تقوم بتخصيص واحد في المئة إضافية في الأقل من موازناتها لتصرف على برامج الوقاية. ولكن هل ستقوم وزارة الخزانة البريطانية بالتفكير للمدى البعيد، إذا ما أخذنا في الاعتبار الضغوطات الموجودة على المدى القصير؟ الجواب هو أنه عليها القيام بذلك.

أما مؤسسة "ريفورم" البحثية التي تمثل التيار الوسطي اليميني، فتجادل بأنه على قطاع خدمات الصحة الوطنية أن يتعلم من التطوير الجاري في الدول الأخرى، حتى لو لم يكن هناك نظام "جاهز ومثالي لاعتماده فوراً". وتقترح أن الجواب عن ذلك يندرج في عدم التركيز على تطبيق عملية إصلاح على المستوى العام أو على التمويل، بل في العمل على تحسين الأداء والكفاءة.

إذاً ليس هناك نقص في الأفكار المطروحة لإيجاد الحلول. إن عملية الإصلاح يمكن أن تتم من دون تمزيق المبادئ الأساسية التي قامت عليها خدمات الصحة الوطنية، كما كان حزب "العمال الجديد" New Labour، برهن بأن هناك دائماً طريقاً ما، حيث تتوافر الإرادة. وفيما تستعد هيئة خدمات الصحة الوطنية العجوز للاحتفال بالعيد الـ75 لتأسيسها في يوليو (تموز) المقبل، على السياسيين البريطانيين اتخاذ القرار الصعب بتمديد عمرها لتخدم الجيل المقبل. إن عامة الشعب البريطاني يعلمون أن القطاع بات مفتقراً إلى الفاعلية، وهم ربما أكثر استعداداً حالياً، مما يتوقعون، للموافقة على ضرورة التغيير.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات