ملخص
وظيفة الفنون القتالية هي الإجهاز على الخصم وقد تؤدي إلى قتله لكن اللعبة تخلو من الضربات القاتلة والمميتة.
أخذت مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية المعروفة اختصار بـ"دبليو دبليو إي" كثيراً من مبادئها القتالية الاستعراضية من لعبتي "الجودو" و"الكاراتيه" الحديثتين، التي تقوم على الأداء المحترف والتوازن وإسقاط الخصم وتثبيته دون التسبب في إيذائه.
طبقت أيضاً كثيراً من قيم الثقافة الآسيوية القتالية التي تطورت أواخر القرن التاسع عشر بعد أن تخلت عن مفهومها الدموي، خصوصاً بعد إدراج هذه الألعاب تحت سلطة الاتحادات الرياضية العالمية والألعاب الأولمبية، إلى جانب ذلك أقرت "دبليو دبليو إي" (WWE) استخدام بعض الأدوات المحيطة مثل الكراسي والطاولات والعصي والسلالم بوصفها أسلحة غير مميتة، ما حقق لها شعبية واسعة وعاد على المؤسسة الربحية بملايين الدولارات.
وتعد مؤسسة المصارعة، وفق صياغتها الترفيهية الراهنة مزيجاً فلكلورياً يجمع بين مختلف الرياضات القتالية القديمة وعلى رأسها الـ"جوجيتسو" والـ"جودو" والـ"بوكسينغ" والـ"كاراتيه"، إضافة إلى المصارعة الرومانية. فيما يرى البعض لعبة المصارعة التي يتابعها ملايين المشاهدين حول العالم أنها أهانت الرياضات العريقة التي أخذت عنها مهاراتها، ويعود عمر بعضها إلى أكثر من 3000 سنة، من أجل تحقيق الأرباح المالية.
تعود حكاية اللعبة إلى عام 1983، حين ورث فينيس ماكمان الابن، الشركة الشهيرة وزاد أرباحها من خلال اختراع الشخصيات المكروهة وتحدثت وسائل إعلام عن بيع الشركة أخيراً مقابل تسعة مليارات دولار مع استمرار ماكمان وعائلته في إدارتها.
لمحة تاريخية
أدى انحسار ثقافة الغرب الأميركي (الكاوبوي) قديماً، الذي تبعه انقراض ثقافة القبائل الأصلية (الهنود الحمر) إبان تأسيس الولايات المتحدة إلى ظهور عقيدة قتالية شعبية جديدة مستمدة بشكل شبه كامل من الفلسفة اليابانية والصينية (الآسيوية) وظفت لأغراض التسلية والكسب المالي، إذ استغل رجل أعمال أميركي يدعى فينيس ماكمان الأب (1914-1984) مخاض الأمة الأميركية الجديدة لاستلهام وتطوير مفهوم المصارعة الحرة العالمية الترفيهية، وعبر عنه تجاريا من خلال إنشاء شركة مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية الشهيرة (WWE)، وحقق عبرها أرباحاً مالية طائلة.
مفارقة ثقافية
عبرت هذه الرياضة الترفيهية بصيغتها الحالية عن الثقافة الأميركية الربحية، ولكنها في الوقت ذاته تعبر عن الاختلاف الجوهري بين مبادئ الحضارتين الآسيوية والأميركية القتالية، فالعقيدة القتالية للحضارتين اليابانية والصينية تقوم على مرتكزات عقلية وبدنية طبيعية مستمدة من ظواهر الطبيعة المحلية الرئيسة مثل فصل الشتاء وتساقط الثلوج على الأشجار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الثقافة الآسيوية التي تتميز بروحانياتها العالية رصدت أدق تفاصيل المكان حول المحارب واستمدت منه أفكاراً مثيرة للانتباه مثل استلهام الثبات والمحافظة على التوازن في مقابل شل قدرة الخصم وإسقاطه وصولاً لتثبيته.
مهمة الألعاب القتالية
لا تهدف مهمة الألعاب القتالية في الثقافة الآسيوية إلى تسلية المشاهد أو جني الأرباح من ذلك، بل إن وظيفة هذه الفنون الأولى هي القضاء على الخصم التي تصل إلى درجة قتله، وقد تطورت هذه الرياضات في مجملها عن أقدم فن قتالي آسيوي وهو الـ"جوجيتسو"، الذي حمل بصمة صينية واضحة، إذ تشكلت فكرته لدى اليابانيين نتيجة التبادل الثقافي بين الحضارتين المتجاورتين قديماً، وحدث ذلك التطور عبر محطات زمنية شهيرة كان أهمها ظهور الـ"كاراتيه" سنة 1879 في جزيرة (أوكيناوا) الإقطاعية، إذ أرسل (ميجي) موحد اليابان إلى الجزيرة قوات هائلة من الساموراي لإخضاعها وتوحيدها عام 1600، ومنع الأسلحة فيها فابتدع سكانها فن القتال بالأيدي والقبضات الفارغة (الأيدي والأقدام والركب والمرافق) إضافة إلى استخدام بعض الأدوات الزراعية كأسلحة.
لكن فن الـ"جوجيتسو" وصف أنه بدائي ويتميز بالعنف والدموية، لذلك طوره الياباني "جيغورو كانو" سنة 1882 ليصبح خالياً من التقنيات القاتلة والضربات المميتة، وتعني الـ"جودو" الحديثة السيطرة على الخصم وشل حركته دون الحاجة لإيذائه.
لقب المصارع
ظل لقب المصارع خاضعاً للمفهوم الإغريقي والروماني منذ 775 قبل الميلاد حتى جاء الياباني "جيغورو كانو" عام 1882 وحذف منه النزعة للقتل والتسبب في موت الخصم، ثم أسهمت الألعاب الأولمبية الحديثة في تحديث هذا اللقب وتغيير مضمونه ليعبر عن أغراض استعراضية بحتة بهدف المتعة البصرية والتسلية، وترسخ ذلك أكثر من خلال انضمام معظم هذه الرياضات الشعبية إلى اتحادات دولية ومحلية وانضوائها تحت لوائح وتعليمات جديدة مما أهلها لتقدم فنونها ضمن أجواء احتفالية ومن خلال مفهوم الرياضة الترفيهية.
وضمن مفهوم المصارعة الترفيهية الحديث أنشئت في أواخر القرن الماضي والوقت الحالي اتحادات عالمية عدة، حل أغلبها واستمر بعضها في العمل حتى يومنا هذا، وكان من أشهرها "WWF" و"AEW" و"WCW" و"NPW اتحاد اليابان" وغيرها، وحاولت هذه الاتحادات استقطاب أشهر المصارعين من مختلف ساحات الفنون القتالية، حتى أن لقب المصارع المحترف صار متاحاً أمام بعض المشاهير الذين لا يتمتعون بخبرات قتالية، أمثال المغني "باد بوني" والرئيس الأميركي السابق "دونالد ترمب" وغيرهم.
يعد أشهر من حمل هذا اللقب من الرجال حديثاً الحانوتي "اندر تيكر" و"ستيف اوستن كولد ستون" و"ذا روك دوين جونسون" و"بروك ليسنر" و"ريك فلير" إضافة إلى الرجل الذي وصف بأنه يدير اللعبة كلها "فينيس ماكمان الابن".
فينيس الابن
ولد ماكمان الابن سنة 1945، وهو مشهور بلقب مروج عروض ومنتج أفلام ومصارع أميركي محترف، يحمل شهادة البكالوريوس في تخصص الفنون، فيما تخصص واقعياً في التسويق، وشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية في الفترة بين (2009-2022) ومارس مهماته منذ 1984.
كان أول ظهور له في 1998 ويعد ماكمان مهندس هذه الرياضة الاستعراضية، إذ حمل اللعبة إلى أقصى درجات شعبيتها، وتتكون عائلته من زوجته ليندا وابنه المصارع شين ماكمان وابنته ستيفاني وجميعهم يعملون في هذا المجال .