Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نزوح الأسر السودانية... من يمحو الأثر النفسي للأطفال؟

خوف وهلع نهاراً واضطرابات النوم ليلاً

يحتاج السودان إلى نظام صحي مجتمعي يتفهم مدى أهمية الصحة النفسية لاسيما لدى الأطفال (أ ف ب)

ملخص

عند سؤال الطفلة السودانية منار عن الحرب دخلت في نوبة بكاء بحرقة وغادرت بهلع

تفاقمت الأزمات الإنسانية والصحية في السودان بسبب الحرب التي تدور رحاها منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، مما أدى إلى نزوح آلاف الأسر برفقه أطفالهم هرباً من العاصمة الخرطوم إلى مدن وقرى في أقاليم البلاد المختلفة طلباً للأمان.

كابوس الحرب التي طال أمدها وصوت القذائف والرصاص الذي ظل يطارد أطفال الأسر النازحة على رغم هربهم من مسرح القتال، فضلاً عن الظروف القاهره التي تعرضوا لها على امتداد الطريق أثناء هربهم من العاصمة بمشاهدتهم جثث ضحايا الحرب، وعديداً من الجرحى الملطخين بالدماء، إلى جانب الانتشار الكثيف لقوات الطرفين (الجيش السوداني والدعم السريع) مدججين بالسلاح، كان له بالغ الأثر في تدهور الصحة النفسية لأعداد كبيرة من هؤلاء الأطفال.

حزن وذعر

الطفل محمد حسن (12 سنة) خرج برفقة أسرته من أم درمان بعد أن تعرض منزلهم للشظايا نتيجة القصف المتواصل على أحياء المدينة، إلى جانب عدم قدرة الأسرة على توفير الطعام أو العيش في ظل انقطاع الكهرباء والماء، وعبر عن ذلك بقوله "لا أتمنى العوده إلى الخرطوم مرة أخرى بسبب ما رأيناه من عنف وهدم المنازل. فقدت كثيراً من الأصدقاء، وما يحزنني أيضاً عدم إتمام العام الدراسي".

وبدا الطفل السوداني متأثراً وهو يضيف "حتى اللحظة كل مشاهد الرعب أمامي، أحاول نسيانها، لكنها لم تفارقني، هؤلاء وحوش وليسوا بشراً، القتل عندهم عادي، شاهدت مناظر بشعة في الطرقات، المواقف صعبة ومؤلمة (...) كل ما أتمناه وقف هذا القتال المروع".

بكاء بحرقة

الطفلة منار الصادق (9 سنوات) انتابها الذعر والخوف عندما توجهنا إليها بالسؤال عن الحرب في الخرطوم وأثر ما شاهدته، فلم تستطع الحديث، بل دخلت في نوبة بكاء بحرقة وغادرت المكان فوراً.

التقطت والدتها سهير حسن (43 سنة) طرف الحديث لتفسير حالة ابنتها قائلة "سيطر الخوف على ابنتي منذ اندلاع الحرب، وأحاول جاهدة التخفيف عنها، وهو السبب الرئيس الذي جعلنا نهرب من الخرطوم، فلم تكن تنام أبداً، لأن صوت الرصاص ودوي الانفجارات كان قوياً، وكأنه داخل منزلنا".

وتابعت الأم القول "وضع ابنتي منار الحالي أفضل مما كانت في الخرطوم، لكن إذا تفاقمت مشكلتها سنلجأ إلى معالج نفسي لكي يساعدنا في التخفيف من سوء حالتها، بعد أن رأت مشهد الجثث والدماء والدبابات التي ترتكز داخل الأحياء".

هرع وهلع

فاطمه عبدالله (39 سنة) أم لثلاتة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات، فرت من مسكنها بأحد الأحياء القريبة من وسط الخرطوم، وتحكي قائلة "أسرتنا عانت كثيراً لأن وسط الخرطوم كان معقل الاشتباكات، فدوي الرصاص وصوت القذائف كان قوياً، وكان أطفالي طول الوقت يهرعون ويلجأون إلى حضني وأحاول – على رغم خوفي - أخفف عنهم"، مواصلة كلامها بالقول "هذا الرعب المستمر جعل أبنائي قليلي الحركة، ولا يمارسون أي نوع من الألعاب، سواء داخل المنزل أو خارجه، حتى الألعاب الإلكترونية المحببة لهم تركوها، فكان لا بد من مغادرة الخرطوم في ظل هذه الأوضاع السيئة، وبالفعل جئنا إلى مدينة عطبرة إلى أن تنجلي هذه الحرب المدمرة".

صدمات فجائية

وقالت استشارية الأمراض النفسية ابتسام محمود إن "الحروب واحدة من الكوارث البشرية التي تخلق أزمة نفسية لكل أفراد المجتمع الذين تعرضوا لها، فضلاً عن أن هذه التجربة مهددة للحياة والأمن، بالتالي تنعكس على كل فرد في مناحي حياته، سواء النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية". وبينت أن هناك فئة من المجتمع أكثر عرضة للضغوط النفسية والأمراض، وهي شريحة الأطفال التي تسببت الحرب الدائرة في الخرطوم في نزوح الأسر برفقه أطفالهم بطريقة فجائية بعد تعرضها لضغوط مختلفة من أبرزها صوت القذائف، ودوي الرصاص إلى جانب جرائم الاعتداء عليهم داخل المنازل، وكذلك جثث الموتى الملقاة علي الأرض في الشوارع العامة، مؤكدة أن هذه المشاهد الصادمة تؤثر تأثيراً مباشراً في الطفل، بالتالي تنعكس على الأسرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اضطرابات الأطفال

وأردفت ابتسام محمود "من خلال تلمس أوضاع الأطفال النازحين، سواء من هم بالمعسكرات أو من لجأوا إلى معارفهم وأهاليهم، خرجنا بكثير من ردود الفعل التي نعتبرها أكبر مهدد لصحة الطفل النفسية، من أبرزها عدم الشعور بالأمان والاستقرار".

وتابعت الاستشارية قولها "إن ظهور اضطرابات نفسية عند الأطفال ناتج من تأثيرات الحرب يمكن تقييمها منذ الأيام الأولى، ونطلق عليها أعراض مصاب ما بعد الصدمة المتمثلة في الذكريات المؤلمة، والقلق النفسي، وفقدان الشهية، وكذلك اضطرابات النوم التي تتعدى إلى التبول غير الإرادي أو التأتئة في الكلام".

وأشارت الاستشارية النفسية إلى القيام بزيارات لعدد من الأسر النازحة وإجراء دراسات لحالة الأطفال النازحين بمدينة ود مدني بولايه الجزيرة التي شهدت نزوحاً كثيفاً، فضلاً عن إقامة معسكرات لهم بلغت نحو 18 معسكراً، مؤكدة أنه بعد الدراسة وجدت حالات تحتاج إلى علاج نفسي، وبالفعل تم تحويلها لمعالجات طبية من خلال الاستشاريين أو فرق الصحة النفسية التي تتكون من الأطباء والباحثين الاجتماعيين حتى يتسنى للطفل الخروج من هذه الصدمة".

وأوضحت أن السودان يحتاج إلى نظام صحي مجتمعي اجتماعي يتفهم مدى أهمية الصحة النفسية والخدمات التي لا تقتصر على الأكل والشرب والدواء والمأوئ، بل تتعدى "الدعم النفسي والإسعافات الأولية التي يمكن لكل فرد القيام بها، ونجدها في أسفل هرم حاجات الأطفال في هذه المرحلة".

رعاية نفسية

وأكدت الاستشارية أن فرق العمل الصحية، وبتوجيه من وزارة الصحة بولاية الجزيرة، ستبدأ عملها في الأيام القادمه لتقديم الرعاية النفسيه لكل الأطفال، منوهة بأن الحرب تؤثر في كل أفراد الأسرة، ولذلك ستشمل الرعاية الصحية كل الأفراد مع التركيز على الأطفال، لافتة إلى أن مثل هذه الظروف ربما "يتأثر بها الوالدان أو يصاب أحدهما باضطراب نفسي، بالتالي سيكتسب الطفل هذا الشعور تلقائياً". وأضافت أن الخدمات الصحية في الجانب النفسي ستتناول التأثيرات الاقتصادية والمعيشية أيضاً من خلال عدم اقتصار الزيارات على المعسكرات، بل الوصول إلى المنازل التي تستضيف أسراً نازحة، والتي قد تعاني الضغط الاجتماعي مع وجود أوضاع اقتصادية متهالكة يترتب عليها ضغط في المعيشة في ظل توقف عمل البنوك وعدم توفر السيولة إلى جانب عدم صرف الرواتب لموظفي الدولة، مشددة على أهمية وجود معالجات نفسية واجتماعية واقتصادية لها من أجل قبول الآخر والتعامل مع الظروف الراهنة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات