ملخص
نجحت مصر في جمع القوى السياسية والمدنية السودانية في مؤتمر يؤمل منه فتح الطريق باتجاه حل نهائي للأزمة في البلاد ووقف الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
انطلقت اليوم السبت في العاصمة المصرية القاهرة، أولى جلسات مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية والتحضير للمسار السياسي، ويستمر ليومين تحت شعار "معاً لوقف الحرب في السودان".
وعلى رغم الترحيب بالدعوة المصرية وتلبيتها بحضور لافت من جانب القوى السودانية بمختلف توجهاتها، عقد المؤتمر وسط كثير من التحفظات وظلال الانقسامات والجفاء السياسي بين المشاركين فيه، ضمن مظلتَي "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم) و"الكتلة الديمقراطية" التي تبدي تحفظاً في الحوار المباشر والجلوس على طاولة واحدة مع "تقدم"، إذ تصفها بأنها ذراع لقوات "الدعم السريع" وشريكة في انتهاكاته، إلى جانب احتجاج قوى أخرى لم تتم دعوتها إلى المشاركة أصلاً.
مؤشرات وتحفظات
عقب الجلسة الافتتاحية، دخل المؤتمرون في جلسات حوار ونقاش مغلقة عبر ثلاث مجموعات عمل، الأولى خاصة بورقة حول وقف الحرب والثانية تختص ببحث المسار الإنساني والثالثة لموضوع الرؤية السياسية.
وعلى رغم تحفظات "الكتلة الديمقراطية"، فإن مصادر سياسية مقربة رجحت أن ينجح مؤتمر القاهرة في الخروج بوثيقة توافق سياسية تمثل مساراً سياسياً موازياً لمسار التفاوض العسكري المتعطل منذ أشهر، مما قد يفتح الباب أمام تكامل المسارين والتعجيل بتحريك المسار التفاوضي العسكري.
وكشفت مصادر متابعة عن وجود مؤشرات عدة إلى نجاح المؤتمر في الخروج باتفاق سياسي توافقي، أبرزها الاجتماعات غير المعلنة التي سبقت هذا المؤتمر بين تنسيقية "تقدم" و"الكتلة الديمقراطية" في سويسرا برعاية منظمة "بروميديشن" الفرنسية، مما يفتح الطريق أمام اتفاق سياسي بالقاهرة.
رؤية سودانية
وقال وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبدالعاطي، لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، إن "إنهاء الأزمة في السودان يتطلب معالجة جذورها والحل يجب أن يتم عبر رؤية سودانية خالصة من دون تدخلات أو ضغوط أو إملاءات خارجية، فقط بتسهيل من المؤسسات الأفريقية والدولية"، مضيفاً أن المؤتمر يأتي وصلاً لجهود مصر ومساعيها واتصالاتها لوقف الحرب وبذل كل ما في وسعها لوقف نزيف الدم والمحافظة على مكتسبات الشعب السوداني، وناشد المشاركين من القوى المدنية والسياسية إعلاء مصلحة وطنهم وتحقيق تطلعات الشعب السوداني، مشدداً على أن "أي حل للأزمة لا بد من أن ينبع من السودانيين أنفسهم بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين".
وحدة الجيش
ورأى عبدالعاطي أن "النزاع قضية سودانية داخلية وأي عملية سياسية مستقبلية يجب أن تشمل كل الأطراف الفاعلة من دون إقصاء للحفاظ على الدولة السودانية ومؤسساتها التي تمثل العمود الفقري الراسخ للدولة وحماية شعبها، كما أن وحدة القوات المسلحة ضرورة أثبتتها التطورات الجارية، ولها أهمية بالغة في حماية السودان وأمنه وشعبه".
ولفت عبدالعاطي إلى أن "تداعيات الأزمة في السودان انعكست في تدمير ممتلكات مرافق الدولة ونزوح ولجوء ملايين السودانيين، إلى جانب التدهور الحاد للأوضاع الإنسانية والتداعيات الغذائية والصحية الكارثية في السودان، مما يتطلب العمل الفوري لوقف الأعمال العسكرية"، مطالباً أطراف المجتمع الدولي كافة بالوفاء بتعهداتهم والتزاماتهم الإنسانية تجاه السودان في كل من مؤتمري جنيف وباريس لسد الفجوة التمويلية.
ترحيب أممي أفريقي
من جانبها رحبت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة نايلة حجار بخطوات التوافق السوداني، مؤكدة التزام الأمم المتحدة ودعمها لكل جهود وقف الحرب وعدم السماح باستمرارها لأطول من ذلك من أجل بناء استقرار الدولة السودانية.
وأعربت الممثلة الأممية عن أملها في أن يوفر المؤتمر مخرجاً من الأزمة السودانية والتعويل على وحدة القوى السياسية والمدنية في ذلك، معلنة استعداد المنظمة الأممية للتنسيق مع الشركاء الدوليين والإقليميين لدعم جهود وقف الحرب، مع التعويل على وحدة القوى السياسية والمدنية السودانية في تجاوز مصاعبها وخلافاتها والإسهام في الجوانب المتعلقة بالسلام والترتيبات الخاصة بحماية المدنيين والتطلع إلى المستقبل.
من جانب الاتحاد الأفريقي، دعت نائبة رئيس الاتحاد المعنية بالسودان سبشيوزا وانديرا إلى "الوقف الفوري للقتال في السودان لوضع حد لمعاناة المواطنين المتفاقمة"، مبدية استعداد الاتحاد وعمله من أجل تمكين السودانيين من التخطيط والتنسيق المشترك للشروع في عملية سياسية تنتج حواراً سودانياً وصولاً إلى حلول نهائية للأزمة.
حوار أفريقي
وأعربت وانديرا عن تطلعها لدعم المجتمع الدولي لتحركات تحقيق السلام في السودان باستخدام كل الأدوات الفاعلة، وبذل مزيد من الجهود لمعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وكشفت الممثلة الأفريقية عن أن اللجنة رفيعة المستوى في الاتحاد تعكف على تنظيم حوار سوداني يتفادى أخطاء الماضي، يجري التحضير لمرحلته الأولى محدودة المشاركة للتمهيد لانطلاق الحوار الشامل.
وأشارت إلى أنه "في إصرار الطرفين المتحاربين على الحل العسكري، ووجود من يصطف مع أحدهما بما يقوض جهود الحل السلمي، فإن القوى المدنية مطالَبة بممارسة الضغوط على طرفي الصراع لوقف الاقتتال وإنهاء الحرب.
بدوره طالب سفير الاتحاد الأوروبي لدى السودان إيدن أوهارا "الأطراف المتقاتلة بالوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء الحرب غير المبررة في البلاد، وتوفير كل السبل والممرات لتوصيل المساعدات الإنسانية، مع ضمان حق المدنيين في الحماية اللازمة باحترام القوانين الدولية، لا سيما القانون الدولي الإنساني".
التداعيات الإنسانية
وأكد أوهارا دعم الاتحاد لـ"جهود الحل السلمي كافة ومواصلة كل المساعي والاتصالات والتحركات من أجل وقف لإطلاق النار، بما يضمن نجاة السودان من هذه الحرب"، لافتاً إلى "الحاجة الملحة لتخصيص مبلغ ملياري دولار لمواجهة التداعيات الإنسانية، مع ضرورة فتح المسارات الآمنة بصورة فورية لتوصيل المعونات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنب مزيد من التدهور الإنساني والمجاعة والمعاناة".
على الصعيد العربي، اعتبر ممثل جامعة الدول العربية زيد الصبان، المؤتمر "فرصة لانطلاق الحل السياسي السلمي للأزمة السودانية، بعدما باتت الحرب تهدد مستقبل ملايين السودانيين وتدمر مقومات الدولة الحديثة هناك"، محذراً من أن "إضاعة الوقت تضاعف معاناة السودانيين".
ودعا الصبان إلى "وقف شامل لإطلاق النار وتحمل النخب السياسية السودانية لمسؤوليتها السياسية والأخلاقية التاريخية في إطفاء هذا الحريق والدخول في حوار سوداني شامل بعيداً من الإقصاء والتهميش من دون تدخل خارجي، وتكوين حكومة انتقالية بمهمات محددة للحفاظ على وحدة السودان وسيادته واستقلاله والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المسؤولية الأكبر
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية نيابة عن المشاركين في المؤتمر، أوضح الكاتب والسياسي السوداني الشفيع خضر أن "القوى السياسية والمدنية المشاركة في المؤتمر باتت على قناعة بأن الوطن أضحى في مهب الريح"، وأن "وقف الحرب ومعالجة الكارثة الإنسانية والتحضير لعملية سياسية بقيادة السودانيين واجب الساعة الذي ينتظره كافة السودانيين".
واعتبر خضر أن "المؤتمر هو ضربة البداية وفرصة ثمينة تضع المسؤولية الأكبر في إيقاف الحرب على عاتق القوى السياسية والمدنية، بالتأسيس للعملية السياسية لمعالجة جذور وأسباب الأزمة وإنهاء الحرب".
وأضاف أن "ما يجمع القوى السياسية السودانية هو وقف الحرب واستكمال أهداف ثورة الشعب ورتق جراح الوطن بتوسيع مبدأ القبول والمشاركة ومضاعفة المشاركات، باستثناء من ارتكب جرماً يستدعي تقديمه إلى المحاكمة".
طرفا الصراع
في السياق، قال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة مختار غباش إن "المؤتمر يأتي في سياق الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر لتخفيف حدة التوتر بين الأطراف المتصارعة داخل الساحة السودانية"، ولفت إلى أن "وجود الطرفين المتصارعين (الجيش السوداني و"الدعم السريع") أو تمثيل لهما في المؤتمر سواء كان بوفد أو عبر ممثل شخصي بصرف النظر عن الموقف من أي من الطرفين، كان أمراً مهماً وحيوياً لكي يثمر المؤتمر وينجح بصورة تامة، إذ إن محاولة التوفيق بين طرفين متصارعين تتطلب بالضرورة وجود تمثيل لهما في المؤتمر".
وأعرب غباش عن اعتقاده بأن "الشخصيات السودانية العامة والسياسية والمدنية والدينية المشاركة في المؤتمر، يفترض أن لها القدرة على التأثير في الأطراف المتصارعة بمعنى أنها حاضرة للإدلاء بدلوها حول المشكلة ووسائل وآليات حلها، فضلاً عن أن لها القدرة على القيام بدور توفيقي بين المتصارعين".
وأردف أن "النجاح في إحضار القوى السياسية والمدنية إلى جانب شخصيات سودانية فاعلة على الأرض ولها القدرة على التأثير وتقديم رؤية تحظى بالاحترام، مع الأطراف المتصارعة كان سيصب ويعزز من نجاح المؤتمر".
تكامل المسارات
وتابع أنه "من الصعب نجاح مؤتمر كهذا من دون وجود طرفي الصراع أو حتى بوجود طرف واحد دون الآخر، وهذه هي الإشكالية التي واجهت الصراع على الساحة اللبيبة مثلاً، وهو ما ينطبق على الوضع في السودان أيضاً أو أي صراع بالمنطقة"، موضحاً أن "الخطأ الذي يقع فيه كثيرون بإهمال دعوة طرف الصراع، بينما تُدعى أطراف أخرى مؤثرة وذات صلة، من شأنه لاحقاً أن يضعف من آليات ومخرجات المؤتمر، فيصعب تنفيذها إن لم يكُن مستحيلاً، مما يعني استمرار وطول أمد الصراع"، وأعرب عن أمله في أن يكلل المؤتمر بالنجاح ويحقق أهدافه المعلنة لجهة لملمة هذا الصراع المميت في السودان الذي له تأثير كبير في الدولة السودانية ودول الجوار كذلك.
وأشار الباحث والمحلل السياسي السوداني النزير نور الدين من جانبه إلى أن "من أهم دواعي نجاح المؤتمر أنه يبحث سبل حل الأزمة السودانية بصورة متكاملة بمساراتها الإنسانية والسياسية والأمنية، وبحضور طيف سياسي واسع أقرب إلى لمّ شمل الساحة السياسية السودانية بمختلف توجهاتها السياسية والفكرية".
واعتبر أن "جلوس فرقاء الساحة السياسية السودانية تحت مظلة المؤتمر في حد ذاته خطوة إيجابية وتخطٍ للحواجز ومؤشر عودة جسور الثقة بين تلك الأطراف التي انقطعت منذ انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وتعمقت أكثر بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي".
تعدد الضغوط
وأوضح نور الدين أنه "في ظل تعقيدات الوضع العسكري الميداني المستعر والأزمة الإنسانية المتفاقمة على نحو مخيف تجد القوى السياسية والمدنية السودانية نفسها أمام ضغوط أخلاقية وسياسية وإنسانية على الطرفين"، منوّهاً بأن "مخرجات المؤتمر من شأنها أن تشكل مساراً سياسياً جديداً موازياً لمسار التفاوض العسكري- العسكري بين الطرفين المتقاتلين، مما ظل غائباً طوال مراحل التفاوض السابقة التي استبعدت الحوار السياسي أثناء استمرار القتال".
وحذر من أن "فشل المؤتمر سيكون بمثابة إعلان عجز القوى السياسية عن الوصول إلى رؤية وطنية موحدة للخروج بالبلاد من مأزقها الراهن، ونضوب الحلول الداخلية، مما يعني انصراف المجتمعين الإقليمي والدولي إلى التعامل مع الوضع ربما بفرض حلول خارجية وفق آلياتهما المناسبة".
وتأتي التحركات المصرية بعد إخفاق مبادرات إقليمية ودولية عدة في إعادة الطرفين إلى طاولة التفاوض مرة أخرى، ودخلت الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023 عامها الثاني من دون إحراز أي تقدم في المفاوضات منذ الـ11 من مايو (أيار) 2023، فيما يستمر القتال وتتمدد المعارك وتتسع رقعة الحرب في ولايات ومناطق جديدة، مخلفةً مزيداً من موجات النزوح والأوضاع الإنسانية الكارثية.