ملخص
التصاعد المتنامي في نسب ومعدلات المهجرين قسراً فرض تساؤلات ملحة حول ما إذا كانت الصراعات أجبرت البلدان المستضيفة على تخفيف قيودها وتغيير إجراءاتها لاستيعاب العدد الأكبر من الوافدين؟
خلفت الحروب والنزاعات العسكرية، التي تعانيها بعض البلدان العربية على مدى السنوات الماضية، ملايين النازحين والفارين هرباً من ويلاتها، إلى الحد الذي لا تكاد تخلو فيه دولة عربية من ضحايا تلك الصراعات.
التصاعد المتنامي في نسب ومعدلات المهجرين قسراً، جعل المشهد الراهن مغايراً عما كان قبل هبوب رياح "الربيع العربي"، وفرض بدوره تساؤلات ملحة حول ما إذا كانت الصراعات أجبرت البلدان المستضيفة على تخفيف قيودها وتغيير إجراءاتها المتعارف عليها لاستيعاب العدد الأكبر من الوافدين، وهل أسهمت تلك النزاعات في إنعاش حركة السفر والتنقل الحر بين البلدان العربية فباتت الحدود بين البلدان العربية مفتوحة على مصاريعها، ومتى تتقاطع الاعتبارات الإنسانية مع الدواعي الأمنية في الظروف والأحداث الاستثنائية الطارئة؟
رصد تقرير "حالة الهجرة الدولية في المنطقة العربية لعام 2021" الصادر عن المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للمنظمة الدولية للهجرة، أن المنطقة العربية لا تزال منطقة منشأ وعبور رئيسة وإحدى الوجهات المفضلة للمهاجرين الدوليين والأشخاص الذين هجروا قسراً.
ووفقاً للتقرير، استضافت الدول العربية نحو 15 في المئة من المهاجرين واللاجئين في العالم (41.4 مليون مهاجر ولاجئ) في 2020، وهاجر 32.8 مليون شخص أو أجبروا على النزوح من البلدان العربية، بينما مكث 44 في المئة منهم بالمنطقة، وبلغت نسبة اللاجئين القادمين من بلدان عربية 43 في المئة من مجموع اللاجئين المشمولين بولاية مفوضية اللاجئين.
تخفيف قيود السفر
يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق صلاح حليمة، أن الصراعات التي نشبت في بعض البلدان جعلت الدول المستضيفة "تخفف من قيودها في حركة السفر والتنقل من أجل استقبال الوافدين"، لاعتبارات إنسانية ووفقاً للقانون الدولي الإنساني الذي أوجب حمايتهم، لكنه في الوقت نفسه يشدد على "ضرورة مراعاة الأبعاد الأمنية ووضعها في الحسبان لمنع تسلل العناصر الإرهابية والإجرامية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأقرت المادة (31) من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951، بـ"أن اللاجئين الموجودين بصورة غير مشروعة في بلد الملجأ تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني، وعلى اللاجئين الذين يدخلون إقليماً أو يوجدون فيه من دون إذن قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة، أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات من دون إبطاء، وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني".
وتختلف إجراءات السفر والتنقل من دولة إلى أخرى، بحسب العلاقات التي تربط البلدين ومدى هدوء واستقرار الأوضاع الداخلية". يوضح حليمة لـ"اندبندنت عربية"، أن هناك بلداناً يتطلب السفر إليها الحصول على تأشيرات، وأخرى تتطلب استعلاماً أمنياً من الجهات المتخصصة بجانب باقي الموافقات، فيما تشترط أخرى عمل مقابلات بجانب التحقق من باقي الأوراق الهوية الثبوتية، وهناك بلدان تطلب ملء بيانات السفر عبر الإنترنت.
مناشدات بفتح الحدود
وتفاقمت أزمة السودان، التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ، بسبب تصاعد المعارك الضارية التي دخلت أسبوعها الثالث بين قوات الجيش من جانب و"الدعم السريع" من جانب آخر، وهو ما دفع الدول إلى المسارعة بإجلاء دبلوماسييها ورعاياها، ونتج عن تلك المعارك نحو 73 ألف شخص نازح إلى الدول المجاورة (مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان)، وفق تقديرات رسمية للأمم المتحدة.
تفاقم الأزمة السودانية أجبر المفوض الأممي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، على إطلاق مناشدة للدول المجاورة لها لإبقاء حدودها مفتوحة أمام اللاجئين، وتعهد بأن المنظمة ستزيد دعمها لحكومات هذه الدول مع استعدادها لاستقبال أعداد أكبر من الوافدين، إلا أن تصريحاته لم تلق آذاناً مصغية لدى المنظمة الليبية لحقوق الإنسان، التي سارت في اتجاه معاكس، وخرجت محذرة من انعكاسات الصراع في السودان على الأوضاع التي وصفتها بـ"الهشة" في ليبيا، مع إمكانية تدفق آلاف النازحين من دون أي ضوابط، لا سيما أن كل الحدود الليبية الترابية شبه مفتوحة، وطالبت المنظمة بوضع ضوابط لاستقبال النازحين.
في هذا السياق يقول أشرف ميلاد المحامي المتخصص في شؤون اللاجئين لـ"اندبندنت عربية"، إن "هناك أعرافاً تحكم البلدان المجاورة حتى لو لم يكن هناك اتفاقيات موقعة، وهو ما يسهل عملية التنقل من دولة لأخرى"، موضحاً أن "كل دولة تحمي سيادتها على حدودها، لكنها تضع الاعتبارات الإنسانية خلال الأزمات الدولية في الحسبان".
معضلة النزوح
ولا تزال البلدان المستضيفة تدفع فاتورة مضاعفة جراء استقبال أعداد كبيرة من المهجرين قسراً، علاوة على الضغوط والأعباء الاقتصادية التي تعانيها بالداخل، التي شكلت عبئاً متزايداً عليها، الأمر الذي دعا حكومات تلك البلدان إلى التفكير في إيجاد حلول للتخلص من تلك الأعداد الزائدة.
يشير رئيس الأمانة الفيدرالية للهجرة والتنوع بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والمستشار بهيئة الصليب الأحمر الألماني حسين خضر نائب، لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن ثمة مخاوف أمنية نتيجة هذا التدفق تكمن في إمكانية تسلل عناصر إرهابية أو متشددين من بلدان الحروب والنزاعات، مما قد يشكلون خطراً متزايداً على البلدان العربية في المستقبل.
ويستشهد خضر بتعامل بلدان الخارج مع ملف النازحين واللاجئين، قائلاً "بعض البلدان الأوروبية حينما أرادت حماية نفسها من طوفان الهجرة غير الشرعية وطالبي اللجوء وقعت على اتفاقية دبلن، التي لا تسمح للاجئ الذي يصل إليها بالانتقال إلى دولة أخرى حولها، وهو ما جعل أعداد اللاجئين تتكدس مع مرور الوقت وتسبب مشكلات ضخمة نتج عنها التدخل لتعديل الاتفاقية مرتين لإيجاد حل لتلك الإشكالية، كما تدخلت دول الاتحاد الأوروبي لإحكام قبضتها على حدود البحر المتوسط لمنع تسلل اللاجئين غير الشرعيين بعد التنبه لخطورة النزاعات التي تواجه البلدان العربية".
"طالب لجوء" كلمة السر
يرى المتخصص في قضايا السكان ودراسات الهجرة أيمن زهري، أن جملة "أنا طالب لجوء" أصبحت كلمة السر، موضحاً أن أي طالب لجوء أصبح معفياً من الأوراق في حال وصوله لنقطة الحدود في الدولة الأخرى، التي غالباً ما تكون مجاورة لحدود دولته، وهي المرحلة التي تسبق الاعتراف به كلاجئ في الدولة، وتفتح الباب نحو تدفق أعداد كبيرة إلى البلدان العربية.
ويوضح زهري لـ"اندبندنت عربية"، أن أغلب النازحين يلجأون إلى البلدان المجاورة في حال حدوث نزاعات، مثلما حدث من قبل في سوريا حيث فر نحو ربع مليون نازح إلى الشرق، ومثلهم إلى الشمال، فيما لجأ نحو مليونين إلى الأردن ولبنان.
يشير تقرير "الاتجاهات العالمية" السنوي الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منتصف العام الماضي، إلى تعرض أكثر من 100 مليون شخص للنزوح قسراً في جميع أنحاء العالم، بسبب الاضطهاد أو الصراعات أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان.
تضييق أوروبي
وخلال السنوات الماضية، عانت تونس وليبيا والجزائر والمغرب من هجرة الأفارقة، بخاصة من بلدان جنوب الصحراء إلى أوروبا، وكان ينظر إليها باعتبارها مناطق عبور للأفارقة للجوء والهجرة السرية إلى بلدان جنوب أوروبا وخصوصاً إيطاليا وإسبانيا، مما دفع أوروبا لإجبار شركائها على التدخل لطلب مساعدة تونس في محاولة لحل الأزمة.
المحلل السياسي التونسي أبوبكر الصغير يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن النزاعات والصراعات التي تعانيها بعض البلدان العربية ضاعفت الأمور تعقيداً في عملية التنقل والسفر، لا سيما لبلدان الخارج، وجعلت الأوروبيين أكثر حذراً وحيطة في منح التأشيرات لمواطني البلدان العربية، وهو ما تجلى في الإجراءات التي اتخذتها مثلاً فرنسا مع بلدان المغرب العربي بتقليص عدد التأشيرات للنصف، والتضييق على الكفاءات والكوادر في السفر للخارج بسبب الصورة الذهنية لدى الأوروبيين عن البلدان العربية وما تشهده في الظروف الراهنة.
ويشير تقرير صادر عن مركز "مالكوم كير – كارنيغي" للشرق الأوسط، تحت عنوان "آفاق عربية.. أزمات اللاجئين في العالم العربي"، إلى أن حركات النزوح السكاني الضخمة عبر الحدود الوطنية مثلت الموجة الرابعة والأوسع نطاقاً من عمليات النزوح القسري الذي واجهته المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
كما أظهر التقرير، الحاجة الملحة إلى خلق إطار إقليمي من التعاون يسمح للاجئين بحرية التنقل والحصول على التوظيف والخدمات في أرجاء المنطقة، مشيراً إلى ارتفاع عدد سكان لبنان من 4.4 مليون إلى أكثر من 5.9 مليون نسمة في غضون سنتين جراء تدفق اللاجئين، وفي الأردن تكشفت تطورات مماثلة حين ارتفع عدد السكان بما يقارب 87 في المئة بين عامي 2005 و2016، وأغلب هذه الزيادة السكانية من غير الأردنيين، بخاصة العراقيون ثم السوريون الذين هربوا من الصراعات التي احتدمت في البلدين، ويحتل البلدان المرتبتين الأولى والثانية في حصة الفرد من اللاجئين في العالم، فلبنان يستضيف 164 لاجئاً لكل 1000 شخص من السكان، بينما يستضيف الأردن 71 لاجئاً لكل 1000.25.
اتجاه معاكس
في المقابل يطرح وزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي رؤية مغايرة، إذ يشير إلى أن تلك النزاعات لم تغير من الإجراءات المتعارف عليها والمتبعة في استقبال الوافدين من أي دولة، مؤكداً "يخطئ من يظن أن العالم العربي أصبح مفتوحاً على مصراعيه".
وتوقع العرابي أن "تزداد الإجراءات لتكون أكثر تعقيداً بعد أزمة السودان"، لافتاً إلى أنه "على رغم الجهود والتيسيرات التي قدمتها القاهرة لاستقبال الوافدين السودانيين فإنها كانت تضع ضوابط أيضاً لتنظيم عملية استقبال الوافدين".
تتفق مع الرؤية ذاتها مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية منى عمر، مؤكدة أن الاضطرابات السياسية التي نشبت في بعض البلدان "جعلت إجراءات السفر والتنقل أصعب مما كانت عليه، بسبب الاعتبارات والدواعي الأمنية خشية تسلل عناصر إرهابية أو خارجة عن القانون عبر الحدود".
ونشطت حملة من عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لدعم السودانيين النازحين إلى الأراضي المصرية للدخول من دون تأشيرة بعد تدهور الأوضاع الأمنية في بلدهم، وطالبوا بتفعيل اتفاقية "الحريات الأربع" التي وقعتها مصر والسودان عام 2004، وتنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك.