Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بدناء المغرب" ضحايا الصور النمطية في المجتمع

واقعة وفاة شاب سمين لم يجد سيارة إسعاف مناسبة لنقله إلى المستشفى تثير ضجة بين المغاربة

يفكر نشطاء في تأسيس جمعية معنية بأوضاع وحقوق البدناء في المغرب (اندبندنت عربية)

ملخص

السمنة تزحف بشكل مخيف بين سكان المغرب، فهل البلاد جاهزة للوجستيات الوزن الزائد؟

يجلس عبدالله محاصراً بهموم وزنه الزائد وصعوبة في الحركة، ولا مقاعد تناسب حجمه بالمقاهي والمطاعم وحتى الولوج إلى المستشفيات أمر يحتاج ترتيبات، أزمات تلاحقه هو وأشباهه ممن أصابهم مرض السمنة في المغرب، إلى أن سقط أحدهم صريعاً بعد سنوات مع معاناة البدانة المفرطة من دون تلقي العلاج المناسب.

واقعة مؤلمة شهدها المغرب لشاب عانى البدانة، وحين احتاج النقل السريع إلى أحد المستشفيات لم يجد سيارة إسعاف تناسب حجمه، إذ يواجه عديد من البدناء في البلاد مشكلات نفسية واجتماعية، فضلاً عن تداعيات صحية للسمنة المفرطة، وجميعها أزمات تشمل صعوبة التنقل أيضاً.

وتزحف السمنة بشكل لافت على الهرم السكاني للمغرب، إذ كشفت بيانات أطلس السمنة لـ 2023 أن هذا البلد يتبوأ المرتبة 89 عالمياً من بين 183 بلداً، كما توقعت البيانات أن أكثر من ثلث السكان سيعانون السمنة خلال الأعوام الـ 12 المقبلة.

البيانات توقعت كذلك أن يصل عدد الأطفال والمراهقين ما بين خمس سنوات و19 سنة الذين سيعانون من السمنة المفرطة بالمغرب إلى 18 في المئة من هذه الشريحة العمرية، أي أكثر من 1.7 مليون طفل ومراهق.

أين الإسعاف؟

عبدالله شاب تخطى عامه الأول في عقد الـ 30 ولخص معاناة البدناء في المغرب ممن هم على شاكلته، إذ لا يجدون الفضاءات التي تناسب وضعيتهم الجسدية الاستثنائية، ويتفقدون المقاعد المناسبة لهم في الحافلات والقطارات وكثير من الأماكن والخدمات العامة.

يزن عبدالله أكثر من 140 كيلوغراماً، ويؤكد لـ "اندبندنت عربية" أنه يجد صعوبة بالغة في إيجاد مقعد يناسب حجم جسده في مقهى أو مطعم مما يجعله يتفادى الجلوس في هذه الفضاءات أو التنقل عبر الحافلات أيضاً مما يعوق تحركاته وأنشطته بشكل كبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مأساة الشاب المغربي تمتد إلى حال الحرج التي تحاصره عندما يضطر إلى الذهاب للمستشفى، إذ لا يجد سريراً يناسب كتلته الجسدية مما يضيق من فرص علاجه كباقي أبناء بلده، مبرزاً أن "هناك نقصاً في الاهتمام بخصوصيات هذه الفئة من الناس وحقوقها الاجتماعية".

تلتقط لبنى خيط الحديث، وهي شابة مغربية في عقدها الثاني ويبلغ وزنها أكثر من 130 كيلوغراماً، تقول لـ "اندبندنت عربية" إنها لا تعثر على الملابس التي تناسب حجمها في جميع المحال التجارية، و"كأن الإنسان البدين ليس من حقه ارتداء ملابس تستره وفي الوقت نفسه لا تكشف بدانته المفرطة."

وتدخل المعاناة النفسية في حياة الشابة المغربية فتزيدها سوءاً، تقول "أجد نفسي مضطرة إلى الاعتماد على خياطة ملابسي لتتلاءم مع حجم جسدي، بينما المفترض أن يوفر تجار الملابس ثياباً للبدناء بمختلف الأحجام، السمين يشعر بأنه مقصي من عدد من الحقوق الطبيعية ومن الخدمات الاجتماعية التي تبدو للآخرين عادية".

آلام للفقراء والميسورين

مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري قال لـ "اندبندنت عربية" إن واقع المواطنين الذين يعانون السمنة المفرطة مؤلم جداً، سواء لأنفسهم أو لذويهم ميسورين أو فقراء وتتعلق معاناتهم بـ "اللوجستيات".

ويرى أن "النظام الصحي المغربي لا يوفر التجهيزات والمعدات الطبية المناسبة لعلاج أصحاب السمنة المفرطة في القطاعين العام والخاص على حد سواء"، على حد قوله.

ويستحضر واقعة وصفها بالمؤلمة لابن الناشطة في المركز المغربي لحقوق الإنسان مريم الهاشمي، إذ أصيب بحال اختناق مفاجئة، وظل ينتظر الإسعاف لنقله إلى أحد مستشفيات العاصمة الرباط لأكثر من ثلاثة أيام متتالية إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

ويمضي الخضري "لا يتوفر في المغرب سيارة إسعاف واحدة قادرة على نقل البدين، وحتى لو تم نقله إلى المستشفى، تغيب معدات طبية تناسب حجمه، مما يؤكد أن هذه الفئة ببساطة محرومة من حقها في العلاج علاوة على الحرمان من حقوق أخرى".

ومن هنا أفضت وفاة هذا الشاب إلى التفكير في تأسيس جمعية معنية بأوضاع وحقوق البدناء في المغرب، وتوفر لهم سيارات إسعاف مناسبة وبعض المعدات الطبية اللازمة من خلال مساعدات إنسانية من الجالية المغربية في الخارج ونخبة من الأطباء والطبيبات لإنقاذ حياتهم.

صور نمطية

الأكاديمي المتخصص في علم النفس الاجتماعي بجامعة مراكش مصطفى السعليتي على رغم تأكيده على مواجهة البدين لأضرار صحية خطرة في كل المجتمعات، لكن تظل الصحة النفسية والقيمة الاجتماعية له تختلف باختلاف العقليات والثقافات والمعتقدات الاجتماعية والجنس ومتغيرات أخرى.

ويتحدث السعليتي لـ "اندبندنت عربية" فيقول إن تقويم البدانة يختلف من ثقافة إلى أخرى، أو من مجتمع إلى آخر وداخل المجتمع نفسه، فمثلاً في البيئة الصحراوية تظل حظوظ المرأة البدينة في الزواج أكثر من غيرها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الأضرار النفسية والاجتماعية نفسها، إذ تخضع للسياق الثقافي والبيئي والاجتماعي.

ويرى أن الذين يعانون البدانة "المحددة اجتماعياً"، أي التي يحكم عليها بمعيار اجتماعي وليس طبياً، يتعرضون للوصم الذي يفقدهم القيمة الاجتماعية، وتبنى حولها صور نمطية سلبية، موضحاً أن "عدم القدرة على تحدي هذه الصور يؤدي إلى فقدان الثقة في النفس وسوء التقدير الذاتي".

وهناك نساء يحاولن الالتزام بنظام غذائي صارم مع مزاولة أنشطة رياضية من أجل خفض وزنهن أو المحافظة على رشاقتهن، نظراً إلى عدم تقبل صورتهن في جسد بدين واتخاذ نماذج جسدية معياراً للجمال والجاذبية، في حين أن أخريات يبحثن عن سمنة مرغوب فيها اجتماعياً لتلبية حاجات وعلاقات جنسية وعاطفية.

وما بين هذا وذاك ترتبط المعاناة برفض السمنة التي تتجاوز المعيار الاجتماعي لتقبلها، أي عندما تصبح في مستوى مبالغ فيها وضحية الصور النمطية، وبالتالي تضمحل حظوظ الشخص في كسب القيمة الاجتماعية والعلاقات العاطفية، لذلك تزداد معاناته عندما يفقد السيطرة على وزنه وتتراكم أعراض الأمراض الجسدية والاجتماعية لديه.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي