Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالقون في حلفا السودانية بين فرحة النجاة ومصاعب العبور

مشاهد وروايات الحرب من دفاتر الفارين والعالقين بانتظار تأشيرات طال وصولها

يعيش العالقون في حلفا مزيجاً من القلق والإحباط بسبب تأخر إجراءات التأشيرة لمن تنطبق عليهم (اندبندنت عربية)

ملخص

لمحات إنسانية وسط قلق وإحباط العالقين في حلفا جراء الحرب في الخرطوم

حكايات ومآسي العالقين في وادي حلفا، تكاد لا تنتهي، فلكل قادم من حي ملتهب، ظروفه ومواجعه الخاصة جراء ويلات الحرب المستعرة في أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم التي هي الآن على مشارف إكمال شهر كامل، من دون أي مؤشرات على توقفها في وقت قريب، القاسم المشترك بين روايات الفارين جميعاً هو الخوف من آلات الموت التي تجوب الأحياء وتملأ الأجواء، وشبح الموت والرعب المخيم على النفوس والفزع المفضي إلى الفرار والمغادرة الفورية لأماكن السكن.

قلق وإحباط

مع تقاسمهم الأحزان والهموم، يعيش العالقون مزيجاً من القلق والإحباط بسبب تأخر إجراءات التأشيرة لمن تنطبق عليهم، ينتابهم قلق وإحباط عميقين وهم يتابعون أخبار استمرار القصف والنهب وتزايد حدة الاشتباكات والمعارك المشتعلة وتمددها، يحاصرهم من جانب آخر تزايد تكلفة البقاء في حلفا مع كل يوم يمر، بينما تقل القدرة على الصمود بعدما بدأت أموالهم في النفاد، فمعظمهم خرجوا بالحد الأدنى من المقتنيات والمتعلقات الشخصية، وقليل جداً من المال هرباً من الموت.
ومن المشكلات المشتركة التي تواجه الفارين العالقين بوادي حلفا، الذين ظل بعضهم عالقاً لأكثر من ثلاثة أسابيع بالمدينة، وبعضهم أسر كاملة، هي مشكلة انتظار الحصول على تأشيرة الدخول إلى الأراضي المصرية لأحد أولادهم أو أكثر ممن تقل أعمارهم عن 50 سنة وتكبر عن 18 سنة، كونها الفئة المطالَبة بالحصول على التأشيرة.

لمحات إنسانية

منذ الأسبوع الأول للحرب كانت مدينة وادي حلفا وجهة الكثير من الفارين من المعارك المحتدمة في الخرطوم، وشهدت المدينة موجة ضخمة مفاجئة من النازحين وفتحت صدرها بكل سعة ورحابة لاستقبال مَن دهموها فجأة مثلما دهمتهم الحرب.
وأدى امتلاء الفنادق والاستراحات والمنتزهات والبيوت، إلى اضطرار المدينة إلى فتح أبواب المدارس والمساجد والمؤسسات الحكومية، لكن العدد فاض لاحقاً وتمدد حتى وصل إلى تحت ظلال الأشجار في شوارع المدينة الناشئة من رحم التاريخ بعد قرار تهجير أهلها في منتصف الستينيات.
ولم يقصّر مجتمع حلفا تجاه الفارين باتجاه مصر، على رغم شح ذات اليد، فنشطت في الأسابيع الأولى منظمات المجتمع المدني المحلية في تقديم العون واستقبال الفارين لحظة وصولهم إلى المدينة وتوزيعهم على المساكن.
وعلى بوابة مسجد السوق المجاور لمحطة الباصات السفرية والمواصلات الداخلية، تنتشر عشرات الأسرّة المستأجرة في فناء المسجد حيث توقفت الصلوات إذ بات يستخدمه الفارون كمسكن لأكثر من أسبوعين، ويتبادل القادمون والمغادرون مساحات النوم داخله.


المنظمات مرهقة

وقال أحد المسؤولين بإدارة التعليم الأساس بمحلية حلفا، "لم نمانع في فتح وتخصيص المدارس وأجزاء كبيرة من المكاتب الإدارية لإيواء الفارين ونعمل مع موظفينا في النصف الآخر على رغم ظروف الامتحانات، لكن الواقع الذي رأينا إخوتنا وأخواتنا الفارين يعيشونه أجبرنا على القيام بما هو واجب تجاه من تقطعت بهم السبل وأكرهتهم الحرب على الفرار". وأضاف، "يوجد هنا منذ أكثر من أسبوع أسر كاملة بأطفالها ونسائها فتحنا لهم المكاتب لاستخدامها كغرف وبسطنا لهم المتاح من الخدمات، بخاصة المياه، وما زلنا نشعر بالتقصير تجاههم بخاصة بعد رؤيتنا لوضعهم والحال التي وصلوا فيها بعد رحلة طويلة مضنية، لكن ما بيدنا حيلة لتقديم الأكثر".
بدورها ظلت منظمات المجتمع المدني الصغيرة تكابد بشدة من أجل تقديم خدمات خفيفة كالمياه المبردة والثلج والعصائر، وبعض وجبات السندويتشات الخفيفة، لكن مع طول الفترة تناقصت المعونات التي كانت تقدمها تلك المنظمات تدريجاً وتوقفت، وبات على كل الناس الاعتماد على أنفسهم في توفير مطلوبات البقاء، ما أدى إلى تعقيد وضعهم أكثر مما هو عليه.

روايات الفزع والفرار

كثير من القصص المشابهة يرويها الفارون، على رغم أنها من مناطق متباينة بالخرطوم، فقال إبراهيم مدثر، وهو تاجر ممن تجاوزوا الخمسين سنة، ولا ينطبق عليه شرط تأشيرة الدخول، لكنه عالق منذ ثلاثة أسابيع بسبب انتظار التأشيرة لابنه البالغ من العمر 16 سنة.
وترك مدثر متجره وهو لا يدري ما مصيره، بخاصة وأن السوق حيث يقع محله تم السطو عليه ويتوقع بين لحظة وأخرى أن يصله نبأ نهبه، إذ به بضائع تقارب قيمتها 18 مليون جنيه سوداني أي أكثر من 30 ألف دولار، بينما لم يتمكن من سحب أي سيولة من حساباته بالبنوك، وآثر المغادرة بما لديه من مال شحيح.
أما مجاهد معاوية، من منطقة العمارات بالخرطوم، فقال، "كنا نعيش وسط الجثث بعضها نراها من بعيد وأخرى غير معلومة المكان لكننا نشتم رائحتها، بخاصة وأن هناك بعض المباني المتهدمة جزئياً من حولنا، لذلك لم يعد الحي يطاق بعدما هجره أكثر من 90 في المئة من سكانه، معظمهم توجه إلى منطقتي الكاملين وود مدني بولاية الجزيرة، حيث يمكن الانطلاق من هناك إلى سنار أو حتى مدن كسلا أو بورتسودان أو القضارف".

توقف الحياة

ويلخص معاوية الوضع بأن "كل أسباب الحياة تكاد تكون توقفت، بينما توافرت كل أسباب الموت ولم تعد هناك إلا رائحة البارود والجثث التي تنبعث من الشوارع الضيقة وتحت أنقاض بعض البنايات والبارود، كما لا توجد كهرباء ولا ماء إلا في الطوابق السفلى إذ تعتمد الأدوار الأخرى على عمل موتور الكهرباء لرفع المياه". وعن مغامرة خروجهم ووصولهم إلى وادي حلفا، يقول معاوية، "لقد كان خروجنا من هناك أشبه بالأعجوبة فقد مشينا في الظلام مسافة طويلة بين الجثث والركام والأزقة حاملين فقط بعض الحقائب الصغيرة حتى وصلنا إلى بداية أحياء الصحافة لحوالى 3 ساعات حتى وصلنا إلى مكان فيه بعض الحركة والحياة، ومن هناك أقلتنا عربة صغيرة (أمجاد) إلى بداية شارع الستين، وهناك وجدنا أحد الباصات المغادرة إلى دنقلا عبر كبري الحلفايا الذي تسيطر عليه القوات المسلحة".
ويتابع، "أمضينا في دنقلا ثلاثة أيام ومنها تحركنا إلى وادي حلفا، لقد أدركتنا عناية الله ورافقنا لطفه الخفي ونحن ممتنون ولن ننسى أبداً تلك اللحظات الرهيبة ما حيينا، فنحن حقيقة نجونا بأعجوبة ولو إلى حين، لكن المشكلة الحالية هي أنني عالق مثل الكثيرين، مع أحد أبنائي منذ أكثر من أسبوع بانتظار تسليم جوازاتهم للقنصلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


انتظار الأبناء

كذلك تنتظر محاسن الأمين، تأشيرة أبنائها منذ أسبوعين ولم تعد تملك شيئاً من المال وهي تغالب دموعها يومياً في انتظار حلم الدخول إلى مصر، بينما تقول إن أقاربها بالقاهرة سيتكفلون بتوفير المطلوب، وابنها الكبير سيتكفل بدوره بتحويل المصاريف لهم من المملكة العربية السعودية حيث يعمل، لكنها تتساءل بألم وحيرة، كيف السبيل إلى الوصول إلى هناك وما زلت انتظر تأشيرة ابني البالغ من العمر 16 سنة؟
وتتابع، "لقد استنزفت الرحلة والإقامة كل ما عندي على رغم أنني تاجرة لكنني الآن محرومة من الاستفادة من أموالي في أكثر من ثلاثة بنوك ولا أستطيع أن أصل إلى السيولة النقدية للعيش خلال أي فترة انتظار، بخاصة وأن الرحلة لا تنتهي هنا فما زالت هناك تكاليف الرحلة من حلفا إلى المعبر ثم إلى موقف كركر الدولي في أسوان".

تساءلت الأمين، "ماذا نفعل؟ لقد أُرهقت منظمات حلفا الصغيرة وتوقفت، فأين المنظمات الدولية؟ أين الهلال الأحمر والصليب الأحمر؟ أين منظمة الهجرة الدولية بل وأين المنظمات المهتمة باللاجئين عموماً؟ الناس هنا تعبت بشدة وتحتاج إلى دعم وعون لتدبير حالها المتأزم يوماً بعد يوم".

مرحلة الكارثة

في السياق ذاته، يعتبر محمد نور بشير، من حي ودنوباوي بأم درمان، أن الحرب الحالية في الخرطوم من أكبر المحن التي مر بها في حياته، حين أجبرته ويلات وظروف الحرب على نحو مفاجئ إلى اعتماد خيارات صعبة لم تكن في الحسبان. ويصف بشير، الانتقال من حياة السلم الطبيعية وحالة اليسر التي كان يعيشها إلى حد الكفاف الأدنى وثقافة التقشف الإجباري، معتبراً أن ذلك شكّل "اختباراً صعباً لا بد من اجتيازه للحفاظ على القليل المتاح على أمل انفراج قريب"، لافتاً إلى أن "وضع الفارين من فقراء وأثرياء هو الآن على حد سواء، مع كل ذلك فإن النجاح بالفرار يعد بمثابة الفرصة الجديدة للحياة ولو إلى حين".
وكان الاتحاد الأوروبي قال في تعميم صحافي، الثلاثاء 9 مايو (أيار) الحالي، إن الحرب في السودان قد دخلت مرحلة الكارثة الإنسانية، مشيراً إلى أنه يعمل مع شركائه الآخرين على وقف إطلاق النار والانتقال إلى مفاوضات سياسية، فيما وصف الوضع في إقليم دارفور بأنه غامض وخطير.

"نساء لا للحرب"

وأطلقت مجموعة نسائية تسمي نفسها "نساء من أجل وقف الحرب وإدارة وبناء السودان"، مبادرة تدعو لوقف الحرب والعمل على عودة الأمن والاستقرار وحل الخلافات بين أبناء الوطن بالحوار والتفاوض.
وشددت رئيسة اللجنة التأسيسية للمبادرة، تيسير الفكي مصطفى، على أن "الحرب ما هي إلا موت ودمار وخراب، لذلك نصرخ بأعلى الصوت: لا للحرب"، مطالبةً بـ "تجنب خطاب الكراهية وبذل الجهود لرتق النسيج الاجتماعي بالبلاد".
وكان الجيش السوداني أكد في بيانه اليومي عن موقف العمليات ليوم الثلاثاء 9 مايو استقرار الوضع بكل الولايات، باستثناء ما قال إنها "الأعمال العدائية والإجرامية للميليشيات المتمردة (قوات الدعم السريع) ببعض مناطق العاصمة من قصف عشوائي لبعض المناطق في بحري، والخرطوم، وأم درمان بما فيها المناطق السكنية". وأوضح بيان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، أن "قوة من الجيش اشتبكت مع مجموعة من الميليشيات المتمردة أثناء تمشيط منطقة موقف جاكسون بوسط الخرطوم وتم تدمير عدد من العربات القتالية والاستيلاء على أسلحة وأسر عدد منهم فيما لاذت البقية بالفرار". وأضاف البيان، أن "الجيش دمر شاحنة ذخيرة للمتمردين بالقرب من كوبري المك نمر"، متهماً الدعم السريع بارتكاب "أعمال نهب البنوك والمحال التجارية ومنازل المواطنين وتخريب مرافق الخدمات، واقتحام عدد كبير من المنازل وسرقة ممتلكات المواطنين ببعض الأحياء تحت تهديد السلاح".
وطالب البيان المواطنين بضرورة تفادي الاقتراب من أي أجسام غير معروفة إلى حين التعامل معها بواسطة الفرق الفنية المتخصصة، وجدد دعوته لأفراد الميليشيات للاستفادة من عفو القائد العام والتبليغ لأقرب وحدة عسكرية، مع استعداد لتسهيل ترحيل المرتزقة الأجانب إلى بلادهم في حالة تسليم أنفسهم للجيش.
وينذر الصراع على السلطة في الخرطوم الذي تحول إلى حرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي، بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وأزمة إنسانية طاحنة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات