ملخص
من المتوقع أن تقدم القمة العربية دعماً سياسياً ودبلوماسياً للسودان يقود لإنهاء الاقتتال إلى جانب تقديم مساعدات إنسانية
لم يمر السودان في تاريخه الحديث بأزمة مستفحلة كتلك التي تشهدها عاصمته الخرطوم منذ 15 أبريل (نيسان)، بعد نشوب حرب ضروس طرفاها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 700 شخص وإصابة أكثر من خمسة آلاف، فضلاً عن نزوح قرابة المليون إلى داخل البلاد وخارجها، هذا إضافة إلى تدمير بنيتها التحتية من مستشفيات ومصانع ومدارس وبنوك وغيرها.
تأتي هذه الحرب في ظل ترقب انعقاد القمة العربية التي تستضيفها السعودية في مدينة جدة الجمعة المقبل، لمناقشة ملفات عدة، في مقدمتها العمل العربي المشترك والتطورات المستجدة على صعيد الساحة العربية، وذلك لضمان خروج هذه القمة بأفضل صيغة ممكنة، وبما يلبي تطلعات المواطن العربي.
فما مدى إمكان مساهمة هذه القمة في إنقاذ السودان من محنته في ضوء ما توصلت إليه مفاوضات جدة من توقيع اتفاق مبدئي بين طرفي الصراع لحماية المدنيين برعاية سعودية - أميركية؟
"بيان خجول"؟
يقول وزير خارجية السودان الأسبق إبراهيم طه أيوب "للأسف سينعقد مؤتمر القمة العربية وستأخذ المسألة السودانية جانباً هامشياً وسط تفاقم الأزمات في المنطقة، إذ تتصدر القضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية أجندة النقاش، فضلاً عن عودة سوريا إلى حضن العرب، وعودة العلاقات السعودية - الإيرانية، إضافة إلى تطورات الأحداث في بعض دول المنطقة مثل تركيا والعراق. وقبل كل ذلك الموقف الماثل في الحرب اليمنية وانعكاسات التقارب السعودى - الإيراني على ذلك، بالتالي فإن الأوضاع في السودان وليبيا لن تجد حظها من اهتمام القادة العرب، الذين أوكلوا مهمة إيجاد حل القوى الخارجية".
وتوقع طه أن "يتجه القادة العرب إلى إصدار بيان خجول يدعو إلى وقف إطلاق النار والدعوة إلى نجاح المساعي السعودية الأميركية في هذا الاتجاه".
ونوه بأن "لدى الرياض وواشنطن أوراق ضغط كثيرة في ما يتصل بالحرب الدائرة في البلاد، ويقيني أن الدولتين قادرتان على إرغام القوتين المتصارعتين على القبول بالأمر الواقع والرضوخ إلى النداءات الدولية والإقليمية التي تنادي بعدم التصعيد، وتجنيب المنطقة ويلات نزاع قد يمتد إلى القارة بأسرها. في المقابل، أرى أن حصر إيجاد الحلول السريعة لها في الدولتين يبعد شبح تدويل الأزمة السودانية، وهذا يتطلب بالضرورة السعي إلى ممارسة مزيد من الضغوط على طرفي النزاع للقبول بالجنوح إلى السلام الدائم".
واستبعد وزير خارجية السودان الأسبق "أن يتمكن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان للمشاركة في أعمال القمة، لغيابه شبه التام عن الحياة السياسية والعسكرية في الفترة الأخيرة. وفي تقديري، لن يقبل المشاركة في القمة لكي يجنب نفسه التعرض لمزيد من الضغوط من الأشقاء لإيقاف الحرب التي لم يشعل فتيلها، ولم يكن يود إطالتها، إذ يتحكم في كل ذلك أشخاص من خارج المؤسسة العسكرية"، على حد قوله.
تشجيع التسوية
من جهته، يوضح الكاتب السوداني عثمان ميرغني قائلاً "أعتقد أن أهم حدث في قمة جدة التي تعقد بعد مرور سبعة أشهر من القمة السابقة في الجزائر، هو عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، لكن في ما يتصل بالشأن السوداني فقد تتجه القمة إلى تشجيع وتحفيز طرفي الصراع (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) نحو التسوية وفق المفاوضات الجارية في المدينة نفسها برعاية سعودية - أميركية، فضلاً عن تقديم مساعدات لإعادة بناء البنى التحتية في العاصمة الخرطوم التي دمرتها الحرب، إضافة إلى توجيه الطرفين على المضي قدماً في هذه المفاوضات بوتيرة سريعة وللتوصل إلى اتفاق نهائي".
وأشار ميرغني إلى أنه يتوقع أن "يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في وقت قريب من خلال وضع آلية للمراقبة والتحقق من أي تجاوزات تحدث من أي طرف، ومن ثم تبدأ المحادثات العسكرية - العسكرية التي تتناول القضايا المشتركة، وأهمها كيفية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، يليها إطلاق عملية سياسية جديدة بمشاركة المكون المدني".
أزمة سياسية
في السياق، يقول مساعد رئيس "حزب الأمة القومي" للشؤون الولائية في السودان، عبدالجليل الباشا "في تقديري أن السودان مر بمأساة كبيرة بسبب الحرب التي خلقت وضعاً إنسانياً صعباً، ويعد اتفاق جدة المبدئي بداية في الاتجاه السليم، لكن حماية المدنيين تتطلب وقفاً لإطلاق النار بشكل حقيقي يلتزم به الطرفان، وتوفير المساعدات الإنسانية، وإجراءات كثيرة على أرض الواقع، لذلك نأمل في أن تتوصل المفاوضات الجارية بين طرفي النزاع بوساطة سعودية - أميركية إلى وضع آليات لمراقبة الهدنة المتفق عليها، وخطة لخروج القوات العسكرية من المستشفيات والمرافق الخدماتية المختلفة ومنازل المواطنين في الأحياء السكنية".
وتابع الباشا "من المؤكد أن تقدم القمة العربية المقبلة التي تستضيفها السعودية دعماً سياسياً ودبلوماسياً للسودان يقود إلى وقف إطلاق النار الدائر في العاصمة الخرطوم بين الجيش والدعم السريع، فضلاً عن دفع مفاوضات جدة بين طرفي الصراع باتجاه تحقيق اتفاق شامل ينهي هذه الحرب، لا سيما أن معظم الدول العربية طالبت الجانبين بوقف القتال، كما من المتوقع أن تكون هناك دفعة مساعدات إنسانية كبيرة من دواء وغذاء، لكن في ما يخص إعادة تأهيل البنى التحتية فهذا يحتاج إلى دعم أكبر، بالتالي فإن الأولوية الآن للاستقرار الأمني في البلاد".
وزاد مساعد رئيس "حزب الأمة القومي" للشؤون الولائية "في نظري الأزمة بين الطرفين المتحاربين هي أزمة سياسية، ولا خيار غير السير في طريق الحوار، لأن أي حرب لا بد أن تنتهي بالتفاوض خصوصاً أنها مستمرة منذ شهر، واستمرارها أكثر من ذلك يعني وقوع مزيد من الخسائر البشرية والمادية".
استمرار المفاوضات
وكان أن استأنف طرفا الصراع في السودان الأحد في جدة المحادثات بينهما حول كيفية تنفيذ خطط إيصال المساعدات الإنسانية وسحب القوات من المناطق المدنية، وذلك كمرحلة تالية للاتفاق المبدئي الذي وقع في 11 مايو (أيار)، وتعهد فيه الجانبان بالامتناع عن أي هجمات قد تلحق الضرر بالسكان المدنيين، فضلاً عن التزامهما السماح لجميع المدنيين في البلاد بمغادرة مناطق الأعمال القتالية والمناطق المحاصرة، والتزام حماية العاملين في القطاع الصحي والمؤسسات العامة في السودان.
ومنذ اندلاع الاشتباكات بشكل مفاجئ في 15 أبريل، لم يبد أي من الجانبين استعداداً يذكر لإنهاء القتال الذي أودى بحياة كثيرين، وقد يزج بالسودان في أتون حرب أهلية شاملة، في حين ظل الجانبان يصدران بيانات متواصلة يتبادلان خلالها الاتهامات بإيذاء المدنيين وغض الطرف عن الحاجات الإنسانية للسكان. في وقت تسبب الصراع في شل الاقتصاد السوداني وخنق حركة التجارة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكبيرة.