ملخص
هل من بديل لتأمين حق الأطفال اللبنانيين في التعليم مع إعلان مدارس خاصة عن أقساطها للعام المقبل من الآن؟
في الأسابيع الأخيرة، بدأ التداول للأقساط المدرسية للعام الدراسي المقبل، كما بلغت مدارس خاصة عديدة الأهل بالزيادة المستجدة، أرقام صادمة بآلاف الدولارات تبلغها الأهل من إدارات مدارس مختلفة في لبنان، وزيادات تصل إلى أربعة أضعاف أو أكثر تنتظرهم للعام الدراسي المقبل على المبلغ الذي فرضته، العام الماضي، بالدولار الأميركي كـ"صندوق دعم" يموله الأهل للأساتذة لديها، وتضاف إليها زيادات على القسط المدرسي الأساسي بالليرة اللبنانية، أما حجة المدارس فهي الحفاظ على الاستمرارية وعلى أساتذتها. في هذا الوقت، بدأ كثيرون من الأهل يبحثون عن البدائل والحلول لتعليم أطفالهم، ومنهم من يرجحون ألا يتمكنوا من الاستمرار في تعليمهم، العام المقبل، وقد تكون هذه القرارات التي اتخذتها إدارات المدارس مجتمعة من تلك الأشد إيلاماً للأهل، لأنها قد ترغمهم على اتخاذ القرار الأصعب لهم بحرمان أطفالهم من التعليم، بوجود العائق مادي. ويعلم الجميع أن الانتقال من المدارس الخاصة إلى تلك الرسمية ليس بالقرار الأمثل الذي قد يتخذه الأهل، وقد يشكل ضربة لمستقبل الأطفال وتعليمهم، بما أنها أقفلت أبوابها طوال أشهر، العام الدراسي الماضي، بسبب إضرابات الأساتذة تحقيقاً لمطالبهم، فكيف للأهل أن ينقذوا مستقبل أطفالهم ويستمروا بتعليمهم في هذه الظروف الصعبة؟
أقساط بآلاف الدولارات
بحسب ما تبين من الأقساط التي نشرتها مدارس عدة على صفحاتها الإلكترونية، وتلك التي تمكنا من الحصول عليها من مدارس أخرى، تتفاوت الأرقام للعام الدراسي المقبل بحسب المنهج المعتمد، ومستويات المدارس، وما إذا كانت من مدارس البعثات الفرنسية أو إذا كانت تعتمد التعليم وفق المنهج الأميركي، لكن تظهر الأرقام بوضوح أن قلة من المدارس حددت قسطاً مدرسياً دون مبلغ ألف دولار أميركي للعام المقبل في إطار صندوق الدعم للأساتذة، وراوحت أقساط الأغلبية الساحقة منها بين 1500 و2000 دولار أميركي، هذا، إضافة إلى عدد من المدارس التي تخطت أقساطها بالدولار الأميركي ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف وصولاً إلى ستة آلاف دولار أميركي، وارتفعت الأقساط بمعدل أضعاف مقارنة مع العام الماضي، ولو بمستويات متفاوتة بين المدارس، يضاف إليها القسط بالليرة اللبنانية.
ومن الواضح أن المدارس التي فرضت في مرحلة أولى مبلغاً بالدولار الأميركي معتمدة تسمية "صندوق الدعم" للأساتذة لتبرير هذه الخطوة المنافية للقانون، تنتقل حالياً إلى دولرة أقساطها لاحقاً. وفي الوقت نفسه تضاعف القسط بالليرة اللبنانية، معتبرة أن هذه الخطوة هي الحل الوحيد للحفاظ على القطاع التربوي الذي بدأ يشهد انهياراً ملحوظاً، ولضمان الاستمرارية في تعليم الأطفال في لبنان والحفاظ على الأساتذة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أكد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر أن العودة إلى مرحلة ما قبل الأزمة تتطلب زيادة تصاعدية للأقساط المدرسية، من العام الدراسي 2023-2024، كما أكد خبراء اقتصاديون، وهذه الزيادة للعام المقبل محدودة، على أن تتبعها زيادات أخرى لتستعيد المدارس والقطاع التربوي وضع ما قبل الأزمة، كما أنه من المفترض أن تترافق هذه الزيادات مع تعديلات عديدة تجنباً للوقوع في الأخطاء نفسها "في عام 2022-2023 كانت هناك زيادة لم تتخط 10 أو 15 أو 20 في المئة، ومن المفترض أن تساوي زيادة العام المقبل ضعف القسط المدرسي الحالي بمعدل 20 إلى 40 في المئة من قيمة قسط العام الماضي، إلا أنه لا يمكن تعميم ما تقوم به مدارس معينة من خطوات في زيادة الأقساط، بوجود ما لا يقل عن 1500 مدرسة كاثوليكية، فما يسري على مدرسة لا ينطبق على الكل".
زيادة غير محددة بعد بالليرة اللبنانية
وأبلغ قسم من المدارس الخاصة الأهل بالأقساط المدرسية للعام المقبل، فيما تؤكد أخرى عدم صدور أي قرار نهائي بهذا الشأن حتى اللحظة، كما تتريث مدارس عديدة في تحديد القسط بالليرة اللبنانية من الآن، علماً أن تحديد الزيادات من الآن لا يعتبر قانونياً لاعتبارها لا تستند على موازنات المدارس للعام الجديد، فمن المفترض أن يحتسب القسط بالليرة اللبنانية على أساس الموازنة بحسب القوانين والمراسيم المرعية الإجراء، ومن المفترض التقيد بالقانون واحترامه لتحديد الزيادات بالليرة اللبنانية، بحسب الأب نصر، وانطلاقاً من ذلك، تبقى الموازنة المعتمدة للعام الدراسي الحالي قائمة، وفق ما يفرضه القانون، إلى أن توضع موازنة العام الذي يلي لتحديد الزيادة على القسط بالليرة اللبنانية على أساسها، أما "صندوق الدعم"، فكان الهدف منه تصحيح الفرق الناتج عن تدهور قيمة الليرة اللبنانية خلال الأزمة وتداعياته على المدارس، على حد قوله، بانتظار صدور تشريعات تصحح الوضع، فقيمة المبلغ التي وضعت للعام الحالي للحوافز المالية والإنتاجية، كانت على أساس سعر صرف الدولار الأميركي 30 ألف ليرة لبنانية، فيما ارتفع حالياً بمعدل أضعاف، لذلك، كان لا بد من تصحيح مسار الأمور ومضاعفة حوافز الأساتذة بمعدل ثلاثة أضعاف، وفق ما تقتضيه الظروف "نحن ندرك صعوبة الوضع الحالي، خصوصاً لموظفي القطاع العام والمواطنين جميع الذين لا تزال أجورهم بالليرة اللبنانية، كما نعلم جيداً أن نسبة 50 في المئة من اللبنانيين في حالة فقر، لذلك، من المفترض أن تأخذ موازنات المدارس هذا الواقع بالاعتبار، وأن تكون تقشفية من دون أرباح، لذلك ندعو الجميع إلى التصرف بحكمة وقراءة الواقع وإعداد موازنات شفافة وواضحة توضع على أساس الحد الأدنى من المتطلبات، خصوصاً أننا لا نزال في قلب الأزمة، ولا بد من مراعاة ظروف الطبقة الفقيرة".
وقد لا تكون المدارس الرسمية اختياراً أمثل للأهل الذين يخشون على مستقبل أطفالهم، وإن كانوا عاجزين عن الاستمرار بتأمين آلاف الدولارات سنوياً لتعليمهم في المدارس الخاصة، فيعلم الجميع أن طلاب المدارس الرسمية مكثوا أشهراً، العام الدراسي الماضي، في منازلهم، بسبب إضراب الأساتذة. وأكد الأب نصر أن المدارس الكاثوليكية المجانية تعتبر الحل وهي مفتوحة للطلاب ليستكملوا تعليمهم، وهي تشكل نسبة 60 في المئة من المدارس، كما أنها متوافرة في القرى أيضاً، وفي الوقت نفسه شدد على أن القطاع التربوي والمدارس لن تتمكن من الاستمرار بغير هذه الطريقة، حفاظاً على مستوى التعليم لطلاب لبنان.
زيادات غير قانونية والمسؤولية على الأهل
وإذا كانت إدارات المدارس تتقاضى قسماً من القسط بالدولار لدعم للأساتذة، قالت رئيسة اتحاد لجان الأهل في لبنان لمى الطويل، إن الأساتذة لم يحصلوا على حقوقهم بما يوازي الزيادات التي وضعت على الأقساط، وفي عملية حسابية بسيطة، أكدت أن المبالغ التي تتقاضها المدارس بحجة إعطاء الأساتذة حقوقهم غير مبررة، فهي تهدف من خلالها إلى تحقيق أرباح بعشرات آلاف الدولارات في السنة "إدارات المدارس لا توفر فرصة للاستفادة وتحقيق الأرباح، إن في الأقساط أو في التأمين على الطلاب أو في الرحلات والأنشطة، إذا كانت المدرسة تمتاز فعلاً بالشفافية، ما عليها إلا أن تكشف عن موازناتها من دون تردد لتؤكد ذلك".
لذلك من واجب الأهل المشاركة في انتخابات لجان الأهل في مدارس أطفالهم ترشيحاً واقتراعاً، حفاظاً على حقوقهم وحقوق أطفالهم، والمخالفات القانونية التي تقوم بها المدارس كثيرة في دولرة الأقساط، أو في الزيادات التي تضعها من الآن بشكل غير قانوني قبل تقديم "قطع الحساب"، وصولاً إلى انتخابات لجان الأهل المخالفة للقوانين التي تجريها لاستبعاد الأهل وآرائهم، ففي كل ذلك تخطٍ للقوانين، حتى إن تحديد الأقساط قبل تسجيل الطلاب وتحديد أعدادهم في المدرسة، يعتبر مخالفة لقانونية أيضاً "نحن نشدد دوماً على ضرورة مشاركة الأهل بانتخابات لجان الأهل في أكتوبر (تشرين الأول) لتمثلهم، فيتمكنوا من رفع الصوت ويحدثوا تغييراً، خصوصاً أنهم شركاء في قانون تحديد الأقساط، وهم قادرون على الوقوف في مواجهة إدارات المدارس التي تقوم بهذه المخالفات وعلى الإشراف على الموازنات، تؤكد إدارات المدارس على استعدادها للكشف عن موازناتها، وهذا غير صحيح، نتحداها لتعرض موازناتها بشفافية، لذلك، رفعنا الصوت في اجتماع لجنة التربية النيابية في مجلس النواب وناقشنا الارتفاع العشوائي في الأقساط، ونقلنا صرخة الأهل لأن الوضع لم يعد يحتمل نظراً إلى المخالفات التي لا تعد ولا تحصى التي تقوم بها إدارات المدارس على حساب الأهل والطلاب، ووعد رئيس لجنة التربية النيابية حسن مراد بتقديم اقتراح قانون معجل مكرر لإقراره في الجلسة التشريعية الأولى لمنع إدارات المدارس من استيفاء أي أقساط مدرسية من دون موافقة نسبة 75 في المئة من أعضاء لجان الأهل"، وهناك خطوات عديدة حالياً في مواجهة هذا الارتفاع الجنوني في الأقساط وثمة إجراءات عديدة تتخذ، على أمل أن تصل إلى نتيجة حفاظاً على حق الأطفال في لبنان بالتعليم وحتى لا يصبح التعليم حكراً على فئة محدودة من الشعب اللبناني.