على نحو غير متوقع، فاجأت "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) إحدى فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال سوريا أطراف النزاع الأخرى، بقبولها الهدنة المشروطة وبانسحابها مسافة 20 كيلومتراً.
وجاء رضوخ "الهيئة" للهدنة بعد قبول النظام السوري بنودها بوقف النار شرط انسحاب مسلحيها وفتح الطرق الدولية التي تمر عبر ريف إدلب الجنوبي.
خدعة الهدنة
وأعلنت الهيئة قبولها الهدنة بعد ظهر الجمعة 2 أغسطس (آب) الحالي، بعدما دخلت بنودها حيز التنفيذ ليل الخميس، ورفضت تنفيذها، مستهدفةً نقاطاً للجيش السوري في ريف حماة الشمالي في الساعة الثانية فجراً، معلنةً عدم قبولها الهدنة في ذاك الوقت.
في المقابل، أكد مصدر معارض مطلع على مجريات عمليات التفاوض التي تدور في نور سلطان، العاصمة الكازاخية على مدى يومين، أن آثار ضغوط تركية بدت واضحة على بعض قيادات الفصائل المسلحة، لدفعها إلى الرضوخ وقبول الهدنة، معاكسةً كل التوقعات منذ ليل الخميس مع سريان الهدنة، إثر قبول تلك الفصائل لها.
وجاء في بيان "هيئة تحرير الشام" أنه "بعد 90 يوماً من شنّ الحملة العسكرية ضد الشمال السوري أعلن يوم أمس (الخميس) وقف إطلاق نار وفي ذلك فشلها وانكسارها".
في السياق ذاته، أعلنت "الهيئة" التزامها وقف النار والهدنة في أجواء من الحذر والحيطة من الخديعة، حيث حذرت من أنه "في حال حدوث أي قصف أو اعتداء يطاول مدن وبلدات الشمال السوري، سيؤدي ذلك إلى سقوط وقف إطلاق النار من جهتها وسيكون لها حق الردّ عليه".
سوتشي وأستانا
في غضون ذلك، ما زالت أجواء الهدوء الحذر تعمّ أجواء خطوط التماس والاشتباك في ريفَي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي بعد اشتعال المعارك وبدء الحملة العسكرية نحو إدلب منذ أواخر فبراير (شباط) الماضي.
ويرى مراقبون أن تطبيق الهدنة يشكل بداية الطريق نحو حلول سياسية مقبلة، إن كُتب لها النجاح، وما انسحاب "هيئة تحرير الشام" الميداني، إلا تطبيقاً لاتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه في 17 سبتمبر (أيلول) 2018 بين روسيا وتركيا، الدولتين الضامنتين إضافة إلى إيران.
أما مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة، بشار الجعفري فعبّر عن امتعاض من تصرفات تركيا، ملوّحاً بأن "صبر دمشق لن يستمر إلى الأبد" وذلك في مؤتمر صحافي عقده الجمعة في العاصمة الكازاخية.
حلول إيجابية
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخيّمت أجواء وصفتها مصادر معارِضة بـ"الإيجابية" على المفاوضات، لكنها مشروطةً بالتزام النظام وحلفائه عدم خرق الهدنة ووقف النار.
وتلوح في الأفق حلول بشأن قضايا وملفات عالقة ومنها أسماء المرشحين الـ 6 للجنة صياغة الدستور السوري ومن المرجح أنَّ توافقاً حصل على حل أزمة الأسماء في المحادثات.
وشارك وفد المعارضة الذي ضم 14 شخصية سياسية، ممثلين عن المعارضة المسلحة برئاسة أحمد طعمة، الذي أبدى تطلعاً إلى الدفع نحو حل سياسي واستقرار البلاد وخروج القوات الأجنبية.
وضمّت المحادثات وفوداً روسية وإيرانية وتركية ومشاركات عربية بصفة مراقب، مثل لبنان والعراق والأردن في حين تغيّب المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسون" لأسباب صحية.
وأعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ارتكاب النظام السوري وروسيا، 33 مجزرة في مناطق الشمال، بين 26 أبريل (نيسان) ولغاية 27 يوليو (تموز) الماضي.
وقال مدير دائرة آسيا وأفريقيا في وزارة الخارجية الكازاخية إن "الهدنة دخلت حيز التنفيذ وفق المشاركين بعد موافقة الأطراف عليها".
وسعت كل من موسكو وأنقرة باتفاقهما في سوتشي في العام 2018 إلى إخراج الفصائل المتشددة ونزع أسلحتها الثقيلة من صواريخ وقاذفات ودبابات.
كما شمل اتفاق سوتشي الذي أُجهض مع توغل هذه الفصائل المنبثقة من "النصرة" استقدام الشرطة الروسية والتركية بهدف مراقبة المنطقة المنزوعة السلاح، بعرض يتراوح بين 15 إلى 20 كيلومتراً على طول خط التماس.
وتسعى موسكو من خلال الهدنة إلى تأمين قاعدة حميميم في ريف اللاذقية، والطرق الدولية "حلب - اللاذقية" و" حلب - حماة" وصولاً إلى دمشق، ما يعزّز الحركة التجارية بين المدينة الاقتصادية السورية الأولى في الشمال مع العاصمة في الجنوب، ويمنح حركة المدنيين سهولةً ويساعد على تدفق المنتجات وتخفيف تكاليف الإنتاج.