ملخص
مع زيادة حدة المعارك بين الجيش والدعم السريع... هل تتسارع خطى وجهود الوساطة الدولية لإيجاد مخرج ينقذ السودان من هذا الانزلاق الخطر في ضوء زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى السعودية؟
كلما هدأت الأوضاع في الخرطوم بدا وكأن الأمر مجرد تراجع تكتيكي من الجيش وقوات "الدعم السريع" استعداداً لمعارك أعنف. وتحت أصوات رصاص لا تهدأ، استؤنفت خلال اليومين الماضيين المحادثات غير المباشرة بين طرفي القتال في مدينة جدة برعاية سعودية - أميركية بعد تعليقها من جانب الأخيرة (الوساطة)، احتجاجاً على عدم التزام الجانبين بالهدن المؤقتة السابقة.
مشهد مؤسف زاد من معاناة المدنيين الذين يعيشون أوضاعاً في غاية من الصعوبة بالسودان نتيجة نقص الغذاء وانقطاع خدمات المياه والكهرباء في معظم أحياء العاصمة الخرطوم، علاوة على توقف معظم المستشفيات عن العمل.
أمام هذه التطورات المتلاحقة في المشهد السوداني، يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً هل تتسارع خطى وجهود الوساطة الدولية لإيجاد مخرج ينقذ السودان من هذا الانزلاق الخطر في ضوء المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع القيادة السعودية خلال زيارته إلى جدة والرياض أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس والتي تناولت ملف الأزمة السودانية؟
رقابة وعقوبات
وقال مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية، عبدالجليل الباشا "من المؤسف أن هذه الحرب العبثية دفع ثمنها الوطن والمواطن السوداني، وصحيح أن الطرفين المتحاربين وقعا في الفترات السابقة بموجب مفاوضات جدة على اتفاق لحماية المدنيين، وآخر لوقف إطلاق نار قصير المدى، لكن لم يلتزم كلاهما به لأن كل طرف كان يسعى إلى تعزيز وجوده على أرض الواقع من أجل تقوية موقفه التفاوضي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "تتوافر حالياً معطيات يمكن أن تسهم في إحداث اختراق جديد يؤدي إلى إيقاف هذا الصراع بشكل موقت وصولاً إلى الوقف النهائي، تتمثل في الضغط الدولي والإقليمي على الطرفين للموافقة على توقيع هدنة برقابة على الأرض، واقتناع الجانبين (الجيش والدعم السريع) بعد مرور قرابة الشهرين من القتال بأنه لا يوجد في هذه المعارك مهزوم أو منتصر، وأنه على رغم مما خلفته الحرب من مأساة على جميع الصعد لكنها خلقت نوعاً من الوعي لدى المواطن تمثل في رفضه للعنف وخطاب الكراهية".
وتابع الباشا "كذلك من المعطيات أن أنصار النظام السابق (حزب عمر البشير) الذين كانوا يعتقدون أن هذه الحرب سيتم حسمها عسكرياً خلال 48 ساعة ليصلوا من خلالها إلى سدة الحكم، تراجعوا وأعادوا حساباتهم وتوصلوا إلى الحقيقة بأن استمرار الحرب سيكون عكس أهدافهم، علاوة على ما حدث من إجماع وسط المجتمع الدولي ممثلاً في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد للاتفاق على خريطة طريق واحدة تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار ومعالجة أثار هذه الحرب".
وزاد "في اعتقادي أن الرياض وواشنطن بذلتا جهداً مضنياً بإقناع الطرفين المتحاربين على توقيع اتفاق حماية المدنيين ووقف إطلاق النار الموقت، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح على رغم ما حدث من خروقات، ومن المؤكد أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي إلى السعودية سيكون لها أثر كبير في دفع المفاوضات غير المباشرة بين الجيش والدعم السريع نحو تحقيق نتائج مثمرة باتجاه إنهاء هذه الحرب، لما تتمتع به الولايات المتحدة من وزن عالمي يمكنها من التأثير في طرفي الصراع ودعم المجتمع الدولي والإقليمي للوساطة التي ترعاها الرياض وواشنطن".
ومضى مساعد رئيس حزب الأمة القومي بالقول إنه "ليس لدى الطرفين خيار غير السير في اتجاه المفاوضات، لأن استمرار الحرب يعني دمار الوطن وضياع المواطن، صحيح في البداية يكون هناك تشدد في المواقف التفاوضية، لكن في النهاية لا سبيل غير توقف الحرب وهو القرار الوطني الذي ينادي بها كل الشعب السوداني باعتباره المتضرر الأول من هذا القتال، ويجب على الوساطة أن تقود الطرفين لوقف دائم لإطلاق النار بشرط وجود رقابة لصيقة على الأرض، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وحركة تنقل المواطنين، والالتزام بعدم انتهاك حقوق الإنسان، وإخلاء المنازل والمستشفيات والمرافق الخدمية، ولا بد أن تكون هناك عقوبات صارمة وواضحة لمن يخرق الاتفاق".
خفض التوتر
في السياق، ذكر الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم، محمد خليفة صديق، "الآن المشهد السوداني يمر بحالة سيئة من التعقيد بسبب تصعيد عمليات القتال بين الطرفين المتحاربين بصورة عنيفة جداً فاقت الأيام الأولى للحرب، مما يتطلب توجيه ضغوط كبيرة لهما من قبل المجتمع الدولي، بخاصة من جانب دولتي الوساطة، وأعتقد أن تحرك وزيري خارجية السعودية والولايات المتحدة يمكن من إحداث اختراق يؤدي إلى خفض حدة التوتر الحالي والوصول إلى نتائج مثمرة".
وذكر "من المؤكد أنه تمت إحاطة الوساطة بعودة تدهور الأوضاع بشكل مريع في الخرطوم عقب انتهاء الهدنة الأخيرة، وما يقال عن أدوار روسية ممثلة في دعم مجموعة فاغنر لقوات الدعم السريع، وكل هذا قد يسرع خطوات واشنطن لإنهاء هذا الصراع حتى لا يتوسع أفريقياً باعتبار أن السودان يمثل العمق الأفريقي والاستراتيجي، وأن حدوث انفلات فيه سيلقي بظلاله السالبة على القارة بأكملها، مما يهدد المصالح الأميركية".
واختتم صديق حديثه بالقول "ما تشهده معظم أحياء مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وأم درمان، وبحري) من أعمال نهب وسلب، واحتلال للمستشفيات، وإعاقة مسارات توصيل الإغاثة الإنسانية إلى المتضررين من المواطنين يجعل من الضرورة استنفار الجهود والعمل على إيجاد وقف شامل لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن، على أن يتم التنفيذ بشكل واضح وحقيقي، ومن ثم التوصل إلى تسوية تحقن دماء السودانيين".