ملخص
لم تعتد مصر في مثل هذه الأوقات تساقط الأمطار وتأخر رياح الخماسين بأتربتها ورمالها، فما الذي يحدث؟
عانت مصر على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية آثار التغيرات المناخية، وبات حديث المواطنين عن حال الطقس وتقلباته مادة دسمة لنقاشات جمعت بينهم في المواصلات العامة والتجمعات الأسرية وأماكن العمل ووسائل التواصل في ظل حيرة منطقية من تبدل حال الطقس من الحرارة الشديدة والرطوبة إلى البرودة في اليوم نفسه من دون مقدمات.
ووفق عضو هيئة الأرصاد المصرية منار غانم "لم تعتد مصر في مثل هذه الأوقات تساقط الأمطار وتأخر رياح الخماسين بأتربتها ورمالها، حيث كان من الطبيعي الاصطدام بتلك الظواهر من مارس (آذار) حتى بدايات مايو (أيار)، لكننا أصبحنا نراها في يونيو (حزيران)، وهو الفصل الذي يرتبط بشهر الصيف".
وتضيف غانم لـ"اندبندنت عربية" أن "مصر تتعرض لظواهر جوية في غير مواعيدها، وأنماط مناخية مختلفة أكثر عنفاً عن ذي قبل، وتلك الشواهد تثبت أن التغيرات المناخية تلعب دوراً كبيراً فيها، حيث أحدثت تغيراً بمنظومة التوزيعات الضغطية".
"الطبيعة تعاقبنا"
"الطبيعة توجه إنذاراً شديداً لنا"، هكذا لخصت غانم ما يحدث، محذرة من المستقبل بالقول "إذا لم نعمل على خفض الانبعاثات ستصبح تلك الظواهر الجوية أكثر عنفاً، وربما تؤدي إلى تأثير سلبي في كل جوانب الحياة من تدمير للبنية التحتية وخفض في إنتاجية المحاصيل الزراعية، بالتالي تصاعد خطر الأمن الغذائي والاقتصاد.
وتوضح عضو هيئة الأرصاد المصرية الصورة التي بات عليها الطقس في مصر قائلة "التغيرات المناخية جعلت الظواهر الجوية أكثر عنفاً، حيث نرى الآن نوبات طقس جامحة، وأمطاراً مصحوبة بضربات البرق الرعد على السواحل والقاهرة الكبرى، وإذا استمر معدل زيادة الانبعاثات سيكون العالم بأسره أمام أزمة تتجاوز متوسط درجات الحرارة العالمي.
وكان اتفاق باريس للمناخ عام 2015 يهدف إلى تفادي ارتفاع درجة الحرارة بصورة خطرة، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية إلى أقل من درجتين مئويتين، والوقوف عند 1.5 درجة.
بحثاً عن مساعدات
يشير استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغيرات المناخ سمير طنطاوي إلى ضرورة توجيه مساعدات للدول النامية، ومنها مصر للتكيف مع آثار التغير المناخي، عبر تقديم وسائل تكنولوجية تسهم في الحد من الانبعاثات.
وأقر ممثلو الوفود المشاركة في مؤتمر المناخ في مصر "كوب 27"، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إنشاء صندوق لتعويض "الخسائر والأضرار" التي تتكبدها الدول النامية جراء التغير المناخي، وذلك بعد أسبوعين من المفاوضات الصعبة التي تجاوزت الموعد المحدد لختام المؤتمر، حيث ظل المفاوضون يعملون على إنهاء النص النهائي للاتفاق.
ويقول عضو الهيئة الدولية لتغيرات المناخ لـ"اندبندنت عربية" إنه على رغم أهمية الصندوق للدول النامية، فإنه في حاجة إلى نحو 10 سنوات حتى يبدأ في تنفيذ مشروعات وتمويلها.
وحذر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في سبتمبر (أيلول) الماضي من تأثير ظاهرة التغير المناخي على بلاده. وقال إن مصر من أكثر الدول تعرضاً للآثار السلبية الناجمة عن هذه الظاهرة، على رغم أنها ضمن الدول ذات المساهمة الأقل في الانبعاثات الحرارية حول العالم، مؤكداً أن جهود التكيف مع التغيرات المناخية تعاني نقصاً في التمويل.
وعلى رغم التزام الدول المتقدمة بجمع 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة الدول النامية في معالجة آثار تغير المناخ خلال مناقشات قمة كوبنهاغن التي انعقدت 2009، فإنها لم تفِ بتعهداتها.
تضرر المحاصيل
يشرح عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ أبعاد الأزمة التي تمر بها مصر، قائلاً "دخل علينا فصل الصيف بدرجات حرارة عالية، وعواصف ترابية ورملية شديدة بشكل لم نعتده من قبل، وهو ما من شأنه أن يحدث ضرراً بعدد من المحاصيل الزراعية، كما يؤثر أيضاً في الأمن الغذائي، ويزيد من معدلات البخر في مسطحات المياه العذبة مثلما هي الحال في نهر النيل وبحيرة ناصر، بالتالي يحدث فقر مائي في وقت نعاني فيه أساساً من أزمة مياه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ما يتعلق بالتأثيرات السلبية على المناخ يقول طنطاوي إن "التغيرات المناخية تسببت في أحداث مناخية جامحة في مصر، مثل شدة موجات حرارة وبرودتها وعملية التصحر والمواطن العادي بدأ يلحظ ظواهر مناخية غريبة عليه مثل امتداد فصل الشتاء إلى شهر مايو، على رغم أنها الفترة التي تشهد نهاية الربيع والاستعداد لحلول الصيف".
ويمضي طنطاوي في حديثه "انتشرت أمراض جراء هجرة الحشرات من مناطق وسط أفريقيا هرباً من درجات الحرارة العالية تجاه الشمال بحثاً عن مناخ ملائم لها حتى وصلت الحدود المصرية، كما أن بعض أنواع من النحل بدأت تنقرض على مستوى العالم، ومن أكثر القطاعات المتأثرة في مصر من تلك الظاهرة الصحة والزراعة والموارد المائية".
ووفق الاستشاري الدولي في المناخ فإن "من الطبيعي حدوث ظواهر مثل البرق والرعد في مثل هذا التوقيت من العام، لكن المشكلة تكمن في حدتها، وهو أمر مرتبط بالتغيرات المناخية".
الأستاذ المساعد بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي عاصم عبدالمنعم يقول لـ"اندبندنت عربية"، إن "مصر تشهد أحداث طقس متطرفة نتيجة تغير المناخ، فعلى سبيل المثال تأثرت أشجار الزيتون بموجة حرارية أحدثت تساقطاً لثمارها في السنوات الثلاث الأخيرة، وعمل مركز البحوث الزراعية في مصر على التكيف مع التغيرات المناخية من خلال استنباط أصناف تتحمل الحرارة العالية وتقاوم الجفاف".
وسبق أن تقدم عضو مجلس النواب عن الدائرة الثانية بمحافظة الإسماعيلية (شرق البلاد) محمد طلبة في يوليو (تموز) من العام قبل الماضي، بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد القصير، بسبب تراجع إنتاج المانجو بالمحافظة.
وقال طلبة إن أشجار المانغو خلال السنوات الأخيرة أصبحت مهددة بالاختفاء بسبب انتشار العفن الهبابي بنسبة 90 في المئة، مرجعاً السبب إلى الغياب التام للتوعية من جانب جمعيات الزراعية للمزارعين، وعدم متابعة العوامل الجوية والتغيرات المناخية، مما تسبب في خسائر فادحة للمزارعين والتجار في الإسماعيلية.
يذكر أن المعمل المركزي للمناخ الزراعي أنشئ بقرار وزاري رقم 815 لسنة 1996 لتجنب الخسائر في قطاع الزراعة من خلال التنبؤ بالضرر قبل حدوثه، ويملك المعمل نحو 55 محطة رصد لمتابعة العناصر المناخية، وإعداد تقارير للفلاحين والشركات الزراعية المتوسطة والصغيرة، وإصدار توصيات بكيفية التعامل مع المحاصيل الزراعية حال تضررها.
ظواهر جوية متطرفة
وفق أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق ونائب رئيس هيئة الأرصاد الأسبق علي قطب، فإن "الثقافة البيئية والمناخية كانت غائبة لدى المواطن المصري لأن الظواهر الجوية لم تكن متغيرة بصفة دائمة، لكننا نشهد اليوم تغيراً في جميع عناصر الطقس، وتقلبات في درجات الحرارة، وباتت الموجات الساخنة تتلاحق، كما تعرضت مصر الوسطى لعواصف ترابية، وشهدت محافظتا سوهاج وقنا أمطاراً رعدية وسيولاً".
وأوضح قطب في تصريح خاص أنه على رغم خصائص فصل الربيع التي تتصف بالتقلبات الجوية، فإن تلك الظواهر باتت أشد بفعل التغيرات المناخية، وتحولت إلى ظاهرة متكررة على فترات متقاربة.
ولم تسلم الحيوانات أيضاً من تأثير التغيرات المناخية في مصر، إذ بات بعض أنواعها مهدداً بالانقراض، مثل الغزلان والفهد الصياد والضبع المخطط والنمر السيناوي والسلحفاة المصرية والقط البري والذئب العربي.
يعدد رئيس هيئة الأرصاد المصرية السابق أحمد عبدالعال أسباب التغير المفاجئ في درجات الحرارة، فـ"من سمات فصل الربيع عدم استقرار الجو، وهو ما نراه في نشاط رياح الخماسين والأمطار في جنوب مصر، لكن بفعل تغير المناخ استمرت هذه الظواهر حتى شهر يونيو، وبدأ المواطن العادي يدرك تأثير التغيرات المناخية التي ظهرت آثارها في عودة الخماسين التي انقطعت عن مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، وبدأت الأمطار تصل إلى حد السيول في جنوب مصر، كما تتساقط أمطار على السواحل في أوقات غير معتادة، فضلاً عن هطول الثلوج خلال الشتاء الماضي".
يوضح متخصص الأرصاد والمناخ وحيد سعودي لـ"اندبندنت عربية" أن "زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان والكبريتات الموجودة في الغلاف الجوي أدى إلى بعض التغيرات المناخية في الآونة الأخيرة، فعلى سبيل المثال أتى الشتاء بدرجات الحرارة أعلى من معدلها الطبيعي، مما أدى بدوره إلى ظاهرة الجفاف، وهجرة بعض الكائنات الحية من موطنها الأصلي إلى مواطن أخرى، وارتفاع منسوب المياه في بعض المسطحات المائية والأراضي المنخفضة، ويمكن وصف ما تواجهه مصر الآن بأنه تطرف في المناخ أدى إليه تغير في التوزيعات الضغطية على سطح الأرض وطبقات الجو العليا، مما نتج منه حدوث تلك الظواهر الجوية العنيفة".