Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أطلق السودان رصاصة الرحمة على اتفاق جوبا؟

حرب الجنرالين ألقت عبئاً ثقيلاً عليه وتوقعات بإدخال تغييرات عليه

متخصصون يرون أن اتفاق جوبا بني على قسمة السلطة والثروة بتركيز مخل (أ ف ب)

لم تكن العثرات المتتالية تفارق يوماً خطوات تنفيذ اتفاق جوبا للسلام في السودان منذ توقيعه في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، فمنذ ذلك الحين وحتى نشوب معارك الخرطوم وما حولها قبل شهرين، لم تكد نسبة تنفيذ بنوده تتجاوز في أفضل التقديرات خمسة إلى ثمانية في المئة، مما عرضه لعاصفة من الشكوك حول مدى قدرته على إرساء سلام حقيقي على الأرض.

وعلى رغم المراجعات التي تعرض لها اتفاق جوبا والتحديث الذي طاول جداول مصفوفته الزمنية، لكنها لم تسعف بتحريك نصوصه وبنوده التي ظلت حبيسة السطور وأضابير وثيقة الاتفاق.

أين السلام؟

أضافت حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي عبئاً ثقيلاً وشكلت اختباراً جديداً ألقى بظلاله على جدوى الاتفاق نفسه، خصوصاً بعد انتقال صدى القتال واشتعال دارفور على نحو عاد بالإقليم لمعارك  2003 الدامية بكل فظائعها، ليبقى السؤال أي أثر ستخلفه الحرب على مصير هذا الاتفاق بعد أن فقد وجوده على أرض الواقع بصورة دفعت القواعد إلى البحث عنه والتساؤل في لحظات المحنة والموت... أين السلام؟

في السياق يرى رئيس حزب الأمة السوداني مبارك الفاضل المهدي أن اتفاق جوبا سيفقد أهميته كوثيقة بعد انتهاء هذه الحرب بعد أن تكشف مدى صورية حجم الحركات المسلحة الموقعة عليه ودورها العسكري، معتبراً أن الأطراف الموقعة عليه ستجد نفسها بعد الحرب تحت ضغطي الجيش والرأي العام بما يحتم عليها تسليم سلاحها ودمج قواتها والتحول إلى حركات مدنية أو أحزاب سياسية.

المهدي قال في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن انجلاء الحرب وإنهاء أي دور لقوات الدعم السريع سيضعان الحركات المسلحة في مأزق كبير، علاوة على أن إعلان حيادها وتقاعسها عن حماية أهل دارفور سيترك أيضاً أثره السلبي على صورتها ودورها أمام الرأي العام السوداني عامة وفي دارفور بصفة خاصة.

مكسب مفقود

من ناحيته توقع المتخصص في شؤون الحركات المسلحة محمد موسي بادي أن يشهد كل من اتفاق جوبا لسلام السودان والاتفاق السياسي الإطاري كثيراً من التحورات بسبب العوامل السياسية والواقع الجديد الذي سيفرزه وقد يفرضه الصراع الذي تحول إلى حرب.

بادي نبه إلى أن الرهان على استكمال عملية السلام بإلحاق كل من حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور سيكون له تأثيره الكبير في اتفاق سلام جوبا لأن واقع ما بعد حرب أبريل سيكون له وقع مختلف على الحركات مما كانت عليه الأحوال قبل ذلك، منوهاً إلى أن العالم ما زال ينظر إلى اتفاق جوبا من زاوية أهمية السلام والأمن في دارفور، خصوصاً في أعقاب خروج قوات البعثة الأممية المختلطة لحماية المدنيين (يوناميد) والشروع في بناء القوات المشتركة السودانية لحفظ الأمن في الإقليم.

وأعاد التذكير بأن قرارات مجلس الأمن الأخيرة تمسكت بالاتفاق كمكسب، مع الإشارة إلى ضرورة حيادية الحركات عما يدور من صراع بين الجيش والدعم السريع، معتبراً أن هذا الموقف يعني ضمنياً عدم تخلي الشركاء الدوليين عن اتفاق جوبا لسلام السودان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن بادي يلحظ أن الاتفاق ينقصه مزيد من عمليات المراجعة الحقيقية الجادة لمسار التنفيذ وتفاصيله، لافتاً إلى أن توقيع المصفوفة المحدثة برعاية الوساطة في جوبا كان الهدف منها تفعيل عملية تنفيذ الاتفاق وفق أسس ومواقيت والتزامات محددة، لكن ظل التحدي الأكبر والمعرقل الرئيس ضعف الحركات نفسها علاوة على عدم توفير التمويل اللازم وغياب الدعم الدولي الجاد.

ويعتقد المتخصص في شؤون الحركات المسلحة بأن سبب إضعاف عملية السلام يرجع إلى أن معظم الحركات التي وقعت على الاتفاق، حركات قبلية التكوين ولا تملك رؤية سياسية واضحة، مما جعلها عرضة للاستقطاب الذي كرس من ضعفها وقسمها بين رؤى مشروعي الجنرالين، فمنها ما هو داخل "الاتفاق السياسي الإطاري" ومنها خارجه ورافضة له كجزء من "الكتلة الديمقراطية".

داء الميلاد

على نحو متصل رأى المتخصص السوداني في مجال الثقافة والهوية عبدالروؤف الأمين أن اتفاق جوبا "ولد معطوباً من الأساس ويحمل أسباب فنائه في أحشائه" لأنه بني على قسمة السلطة والثروة بتركيز مخل، بينما أهمل تماماً العوامل الأساسية لبناء سلام راسخ وسط مجتمعات تضعضعت الثقة بين مكوناتها الإثنية وتجذرت فيها ثقافة الكراهية بطول أمد الحروب ورواسب الاقتتال بينها، خصوصاً في دارفور.

وذكر أن إهمال الاتفاق لأهم عوامل وأسباب نجاح السلام هو الذي خط أول أسباب فشله باعتبار أن الشروع في تطبيق نصوصه من دون معالجة جذور ودوافع ومحركات النزاعات والعنف، وذلك بإهماله للسياق الثقافي في فهم جذور المشكلات العرقية والثقافية والدينية، مما أضعف النظرة المتعمقة لقضايا السلام والعنف وأهمل كذلك خطاب التسامح كخطوة أساسية أولية في إرساء ثقافة السلام والتعايش السلمي وسط مجتمعات تتسم بالتباين الواضح الديني والعرقي والثقافي.

وتوقع أن يخبو أي صدى لاتفاق جوبا للسلام بعد توقف الحرب لأنها اختبرت نصوصه وأظهرت عجزه وفشله التامين، بخاصة في دارفور، كما فقدت المؤسسات والآليات التي نتجت منه مثل السلطة الإقليمية وولاة الولايات بدارفور جميعها مبرر وجودها بعد نشوب الحرب على النحو الذي يشهده العالم اليوم.

سلام جديد

ينتظر أن يكون السياق الجديد للسلام، بحسب الأمين، صيغة تبحث عن جذور المشكلات ولا تقوم على المسارات كما في اتفاق جوبا التي لم تجترح إلا لضمان الحصص والمكاسب في الثروة والسلطة، فضلاً عن عدم شموله واستيعابه للحركات الأخرى التي لم تكن موقعة عليه.

وذهب إلى أن اتفاق جوبا قبرته الحرب الراهنة ولن تفلح الوساطة الجنوبية في إنقاذه، مما يحتم البحث عن صيغة جديدة تتكئ على أخطائه وتصححها وتؤسس من بعد لسلام حقيقي جديد تكون فيه المكاسب الأكبر للقواعد وليس لقيادات الحركات فحسب.

 إلى ذلك أصدرت ما تسمى كتلة ثوار ولاية غرب دارفور، بياناً استنكرت فيه ما وصفته بالمواقف الرمادية من قبل الحركات المسلحة الموقعة على السلام وغير الموقعة تجاه مقتل رفيقهم قائد حركة التحالف والي غرب دارفور خميس عبدالله أبكر بطريقة بشعة، إذ نسبت كثير منها في بيانها عملية الاغتيال إلى مسلحين من دون الإشارة إلى قوات الدعم السريع صراحة.

وأعلنت الكتلة سحب اعترافها بما يسمى السلطة الإقليمية لدارفور، مطالبة "بمحاسبة قيادات اتفاق جوبا للسلام الذين باتوا يبررون المجازر والمحارق التي ترتكب ضد المواطنين في دارفور". ودعت إلى "تشكيل لجنة تحقيق دولية في شأن جرائم الإبادة الجماعية المستمرة التي تواصل الدعم السريع في ولاية غرب دارفور حتى اللحظة، وسرعة تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل لإنقاذ حياة المدنيين العزل، الأمل الوحيد المتبقي لهم بعد أن تقاعست الدولة عن حمايتهم".

ونوهت إلى أن هجمات الميليشيات على المواطنين العزل لا تزال متواصلة، متهمة قوات الدعم السريع "بارتكاب مجزرة جديدة بمنطقة اديكونق المتاخمة للحدود السودانية التشادية في منتصف يونيو (حزيران) الجاري بقتلها أكثر من 300 شاب بطريقة انتقائية أثناء عملية خروج المدنيين العزل وهربهم إلى دولة تشاد".

تحركات نور والحلو

 إلى ذلك دعا رئيس جيش وحركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور  (غير الموقعة على اتفاق السلام) السودانيين والسودانيات بمختلف مكوناتهم السياسية والعسكرية والمدنية والشعبية والدينية إلى السعي لوقف هذه الحرب اليوم قبل الغد كواجب وطني مقدس، عبر حل سياسي شامل والانتظام في جبهة عريضة لمناهضتها وتعزيز السير في طريق التحول الديمقراطي، بعيداً من خطاب الكراهية والعنصرية.

وقال في خطاب نعى فيه والي غرب دارفور، القائد خميس أبكر، إنه بات ضرورياً إنقاذ السودان من شبح الحرب الأهلية الشاملة والتفكك والانهيار والتأسيس لبناء دولة  معافاة من جميع جراح وأمراض الماضي، تكون فيها المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات.

وفي تطور جديد بجنوب كردفان وعلى رغم اتفاق وقف النار الموقع بين الحركة والحكومة منذ أواخر 2019، استولت قوات الحركة الشعبية (عبدالعزيز الحلو) على أربعة معسكرات للجيش، مبررة تحركاتها العسكرية بالسعي إلى حماية المدنيين هناك بعد مقتل أحد أفرادها في المنطقة التي تشهد توترات قبلية.

تجاوز مصفوفة التحديث

كانت عاصمة جنوب السودان (جوبا) شهدت في الأسبوع الثالث من فبراير (شباط) الماضي، التوقيع على مصفوفة المواقيت الجديدة (المحدثة) لاتفاق جوبا للسلام، تضمنت 25 بنداً ضمن نحو 70 صفحة، وشملت تصنيفاً لقضايا وفصول الاتفاق المطلوب فيها إجراءات للتنفيذ الفوري.

تضمنت المصفوفة كذلك جداول زمنية جديدة حول قضايا وفصول الاتفاق المطلوب ذات الطابع القابل للتنفيذ الفوري بقرارات عاجلة، وتلك تحتاج إلى مواقيت تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى 100 يوم كحد أقصى، علاوة على تصنيف وحصر الأنشطة المرتبطة بتنفيذ بنود أخرى، غير أن الزمن قد تجاوز كل تواريخ ومواقيت المصفوفة المشار إليها من دون أي إنجاز فيها.

وحددت المصفوفة المحدثة جدولاً زمنياً لتنفيذ التزامات الترتيبات الأمنية الخاصة بـ"مسار دارفور"، وكذلك بالنسبة إلى البنود الخاصة باتفاق المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، وتحديد ما يحتاج منها إلى إجراءات وقرارات عاجلة والأنشطة المتداخلة مع بعض البنود ذات الصلة، إلى جانب برتوكولات تقاسم السلطة والثروة واتفاق العدالة والمساءلة والمصالحة والأرض والحواكير وقضايا الرحل والرعاة والتعويضات وجبر الضرر وعودة النازحين واللاجئين.

 وحددت المطالب والبرامج الزمنية لتنفيذ مسارات الشرق والشمال والوسط، وكذلك لإنفاذ أنشطة الترتيبات الأمنية.

ومنذ توقيع اتفاق جوبا للسلام في السودان قبل نحو ثلاثة أعوام ظلت خطوات تنفيذه تتعثر بصورة كبيرة وشكلت الأزمات السياسية والاقتصادية وما تبعها من توقف للمساعدات الخارجية، أبرز المشكلات التي عرقلت تنفيذه.

المزيد من تقارير