Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الآبار العشوائية تهدد الزراعة المصرية وتستنزف المياه الجوفية

تزيد على 100 ألف بئر وتضخ مياهاً مالحة تؤدي إلى تبوير الأراضي وعمليات الحفر لا تعتمد على دراسات

كثير من آبار منطقة سيوة تضخ مياهاً مالحة تتسبب في ملوحة التربة وتبوير الأراضي الزراعية (أ ف ب)

ملخص

واجهت الحكومات المصرية المتعاقبة على مدى الـ 27 عاماً الماضية صعوبات في إيجاد حلول نهائية للحفر غير المنظم للآبار والسحب العشوائي للمياه الجوفية

في مايو (أيار) الماضي أعلن وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم بدء تطوير واحة سيوة (الصحراء الغربية في مصر)، ووضع حلول جذرية لمشكلة زيادة الملوحة بمياه خزان الحجر الجيري المتشقق نتيجة الحفر العشوائي للآبار.

لكن ذلك التحرك الجاد دائماً ما يصطدم بمعوقات فنية ومجتمعية تجعل عملية السيطرة على الآبار العشوائية مسألة شديدة التعقيد والصعوبة، لا سيما أن عدداً من الخطط اعتمدت من وزراء سابقين لم تتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها، في ظل استمرار عمليات التعديات على المياه الجوفية، وعدم معالجة أزمات تملح التربة وارتفاع مناسيب مياه الصرف وتلف زراعات واندثار بعضها.

ومنذ عام 1996 بدأت وزارة الري المصرية محاولات القضاء على الآبار العشوائية بمنطقة واحة سيوة، وتوالت منذ تلك الفترة الوعود الرسمية الرامية إلى وقف تلك الممارسات غير المشروعة، وتقنين عمليات السحب من خزانات المياه الجوفية.

تبوير الأراضي الزراعية

من جانبه يكشف مدير مديرية وزارة الزراعة بمرسى مطروح أحمد يوسف، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، عن مشكلة تعرقل عملية الرقابة على الآبار العشوائية تتمثل في "عدم وجود حيازات لنحو 95 في المئة من الأراضي الزراعية بالمحافظة".

ويوضح يوسف "هذه الأراضي غير مقننة، واستولي عليها بـ’وضع اليد‘، إذ لا عقود ملكية لها، بالتالي لا يمكن تحديد نسبة الأراضي الزراعية المتضررة جراء استخدام الآبار العشوائية"، مشيراً إلى اتجاه بعض الأهالي إلى "حفر آبار عشوائية خارج واحة سيوة، وهو ما يستدعي إحكام الرقابة، وتحرير محاضر عن طريق الغلق الفوري لها".

يقول المسؤول المصري إن كثيراً من آبار سيوة "ليست عميقة (فوق سطحية)، تضخ مياهاً مالحة تتسبب في ملوحة التربة وتبوير الأراضي الزراعية وفقد عديد من الأفدنة، نظراً إلى أن عمليات الحفر لا تعتمد على دراسات"، لافتاً إلى أنه خلال الأشهر الماضية جرى إغلاق معظم الآبار العشوائية غير المرخصة في سيوة.

وتبلغ المساحة الكلية لمحافظة مرسى مطروح 166.563 كم2، ما يعادل 16 في المئة من مساحة مصر، وتضم نحو 450 ألف فدان مستغلة في أعمال الزراعة، موزعة إلى 250 ألف فدان تعتمد على مياه الأمطار، تمثل الجزء الغربي الذي يمتد من الضبعة إلى السلوم، فيما تعتمد سيوة على المياه الجوفية، بينما مركز الحمام فإنه يستخدم الري الدائم.

100 ألف بئر عشوائية

يقول مصدر مطلع، فضل عدم ذكر اسمه، "بدأنا التعامل مع الآبار المخالفة في سيوة عام 1996، كانت تبلغ في تلك الفترة 1256 بئراً، منها 145 عيناً طبيعية لا يمكن غلقها، فمياهها المتدفقة تتجه مباشرة إلى البحيرات، وتمثل جزءاً من الاتزان البيئي".

وأضاف المصدر، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "أغلقنا الآبار العشوائية وحفرنا أخرى بديلة"، مشيراً إلى اضطرار الأهالي إلى التوسع في أعمال الزراعة، لكن عدم الصيانة الدورية أدى إلى تلف محابس الآبار الجديدة، بالتالي تدفقت المياه إلى البحيرات من أخرى وارتفعت مناسيبها.

خلال تلك الفترة أعلنت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الري تطهير المصارف الرئيسة والحقلية لدى المزارعين و"تدبيش" المصارف، وإقامة محطات رفع مياه من المصارف الرئيسة إلى برك الصرف، وألزمت وزارة الري المصرية جميع مشاريع الاستثمار الزراعي باستخدام وسائل الري الحديثة شرطاً تعاقدياً، وتحويل نظام الري بالغمر تدريجاً إلى نظم حديثة.

يعود المصدر للحديث عن أزمة أخرى تمثلت في أن الأهالي اتجهوا إلى زراعة بعض الأراضي خارج الواحة بمنطقة الكثبان الرملية المرتفعة، مؤكداً أن عمليات الحفر العشوائي للآبار بدأت تتزايد في تلك المناطق التي يصعب مراقبتها، مقدراً عدد الآبار العشوائية في مصر بأنها "تزيد على 100 ألف بئر".

تعاقبت الحكومات والأزمة مستمرة

وأعلنت مصر في فترات ومناسبات مختلفة خططاً لإزالة الآبار المخالفة وإقامة أخرى بديلة، فعلى مدى الأعوام الـ27 الماضية حرص مسؤولو قطاع المياه الجوفية على إعلان مشاريع تستهدف "إعدام" الآبار العشوائية، لكنها لم تؤد الغرض منها، فلم تصل جميع تلك المحاولات إلى آليات مناسبة لصرف المياه الزائدة على حاجة الواحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عهد رئيس الوزراء المصري السابق أحمد نظيف، [تولى المسؤولية من الـ14 من يوليو (تموز) 2004 إلى 29 يناير (كانون الثاني) 2011]، اتفقت وزارتا الموارد المائية والري والزراعة واستصلاح الأراضي مع محافظة مرسى مطروح عام 2010، على وضع خطة عاجلة لحماية واحة سيوة التي تقدر مساحتها بنحو 150 ميلاً مربعاً من البوار والغرق، نتيجة ارتفاع مستوى المياه إلى أقل من متر في مختلف أنحاء الواحة.

كما أصدرت اللجنة الفنية بالوزارة تقريراً مفصلاً عن الأزمة، موجهة بغلق الآبار العشوائية والمخالفة بشكل فوري، ووقف حفر آبار جديدة بالواحة، وتطوير الري من الري بالغمر إلى الري المطور والحديث بالتنقيط والرش لترشيد استخدام المياه في الزراعة.

وفي مايو (أيار) 2017 أعلن قطاع المياه الجوفية بوزارة الري إجراءات لحل مشكلات الصرف الزراعي في سيوة، منها وضع خطة عاجلة للتخلص من الآبار العشوائية عن طريق حفر آبار وزارية محكمة وغلق آبار الأهالي، وحفر 332 بئراً سطحية وعميقة "اختباري وإنتاجي ومراقبة"، مع غلق 625 بئراً عشوائية، وتطوير وصيانة 151 عيناً طبيعية وإنشاء خزانات وشبكات ري للاستفادة القصوى من مياه العيون وعدم إهدارها.

وعندما استعرضت وزارة الري المصرية خطتها عام 2019، أكدت أنها حفرت ثلاث آبار ووردت وركبت طلمبتين بالطاقة الشمسية بهدف استخدام الطاقة النظيفة في تشغيل الآبار بكلفة 10.312 مليون جنيه (330 ألف دولار).

كما أصدرت الوزارة عام 2012 تعليمات بعدم السماح بحفر آبار جوفية جديدة بواحة سيوة مدة لا تقل عن سنة مع إزالة الآبار العشوائية المخالفة، لحين انتهاء وزارة الري من تنفيذ مشاريعها وخططها لإنقاذ الواحة من أخطار مشكلة مياه الصرف المزمنة، لكن تلك المبادرات على رغم كثرتها فإنها لم تحقق أهدافها الرئيسة.

تنظيم عملية سحب المياه الجوفية

بينما يقول مستشار وزير الري المصري الأسبق ضياء القوصي إن مئات الآلاف من الآبار حفرت سواء من جانب الأهالي أو الشركات خلال السنوات الـ10 الماضية، قبل صدور قوانين تلزمهم بالحصول على تراخيص، مشدداً على أن الحكومة المصرية تسير في طريقها الصحيح، وأجهزة الدولة المعنية تعمل على تنظيم عملية السحب من خزان الحجر النوبي غير المتجدد بواحة سيوة حتى لا ينضب.

ووفقاً لقانون وزارة الموارد المائية والري لا يمكن حفر أية آبار للمياه الجوفية داخل الأراضي المصرية إلا بترخيص من الوزارة وطبقاً للشروط التي تحددها، كما يحظر على القائمين بحفر الآبار الجوفية من المقاولين والشركات والأفراد التعاقد على حفر أية آبار ما لم تكن حاصلة على ترخيص بذلك من الوزارة بما لا يتعارض مع القانون رقم 143 لعام 1981 بشأن الأراضي الصحراوية أو فرض غرامة تقدر بنحو 20 ألفاً (646 دولاراً أميركياً) إلى 200 ألف (6460 دولاراً أميركياً)، وتضاعف في حال التكرار وضبط الآلات والمهمات المستخدمة.

يشير القوصي إلى أن القانون يجبر أصحاب الآبار القائمة على ضرورة الحصول على تراخيص وتركيب عدادات على مضخات المياه، مؤكداً أن مثل تلك الآبار تضر بالزراعات بسبب ارتفاع نسبة تركيز الأملاح مثلما الحال في سيوة، مطالباً أجهزة الدولة بالرصد المستمر من خلال الاعتماد على الآبار الاختبارية لمعرفة كمية المياه المسحوبة من الخزانات وعدد الآبار المرتبطة بها.

ملوحة قاتلة

وحول مدى انتشار الآبار العشوائية يقول كبير متخصصي المياه بالأمم المتحدة أحمد فوزي دياب إن معظم المناطق في مصر مليئة بتلك الآبار، مما يتطلب منع التعديات على المياه الجوفية في ظل ندرة المياه التي نواجهها، موضحاً أنها تتزايد في كل من الصحراء الغربية والشرقية وغرب وشرق الدلتا، وعلى جانبي نهر النيل، إضافة إلى بعض المناطق في سيناء، ضارباً المثل بأن كمية المياه التي تغذي الخزان الجوفي في غرب الدلتا تكفي 4 آلاف بئر فقط، لكنها على أرض الواقع تتجاوز 20 ألف بئر، مما يتسبب في انخفاض مناسيب المياه وارتفاع الملوحة وتدهور في الإنتاجية الزراعية.

يتوقع دياب أن تتزايد أعداد الآبار العشوائية إلا في حال إسناد الأمر إلى أهله، مشدداً على أن القضاء على مشكلة الآبار العشوائية يتطلب خمس سنوات من العمل والرقابة بصفة مستمرة، فالعاملون في حقل المياه والزراعة لديهم القدرة على معرفة كميات المياه المستهلكة من خلال الزراعات القائمة وكميات الصرف الزراعي، التي تمكنهم من تحديد عدد الآبار المرتبطة بالخزانات والتحكم في معدلات المياه الجوفية المتدفقة، لافتاً إلى أن الخزانات الجوفية بالصحراء الغربية تمتد إلى دول السودان وليبيا وتشاد.

وأضاف دياب، في تصريحاته إلى "اندبندنت عربية"، "على رغم المبالغ التي صرفت للسيطرة على الآبار العشوائية وحفر آبار بديلة لإمداد المزارعين بكميات المياه اللازمة، حدث هبوط عام على مستوى مصر في مناسيب المياه الجوفية"، مشيراً إلى انعكاس تلك الأزمة على سيوة بانخفاض كميات المياه المتدفقة من العيون وارتفاع ملوحتها، مما دفع المزارعين إلى زيادة معدلات حفر الآبار للوصول إلى أعماق تمكنهم من الحصول على مياه ذات جودة عالية.

ويؤكد متخصص المياه بالأمم المتحدة أن بعض الممارسات تسببت في تحول معظم البحيرات إلى منتجة للملح بسبب الارتفاع المفرط في ملوحة المياه، مشدداً على أن عمليات الحفر العشوائي غير المنظم للآبار للأهالي محدود مقارنة بتصرفات الشركات الزراعية والصناعية، متهماً إياها بالاعتماد على متخصصين غير مؤهلين، ووفق دياب فإن تجاوزات الأفراد لا تتجاوز 15 في المئة من إجمالي التعديات.

ويشدد دياب على ضرورة تحول الحفر العشوائي إلى منظم، والتزام الجميع بالقوانين الصادرة عن وزارة الموارد المائية والري المصرية التي تنظم تلك المسألة، مع طرح بدائل تنظر في الاعتبار إلى ظروف الأهالي واستيعاب واضعي اليد، بتسهيل تمليك الأراضي الزراعية وفق خطة دولة منظمة بعد تحملهم التكاليف اللازمة للعمل تحت أعين الدولة بعد تقنين أوضاعهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات