ملخص
في الأيام الأخيرة جدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحديث عن موقع بلاده الجغرافي بالقول إن مصر لم تستغل مكانها الجغرافي اقتصادياً بالشكل الأمثل
الحديث عن موقع مصر الجغرافي قديم ومتجدد، فكثير من الكتاب تناولوا جغرافية مصر وإسهامها في المكانة التي حظيت بها عبر العصور، ولعل أبرزهم عالم الجغرافيا الشهير جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان".
في الأيام الأخيرة جدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحديث عن موقع بلاده الجغرافي بالقول إن مصر لم تستغل مكانها الجغرافي اقتصادياً بالشكل الأمثل.
تصريحات السيسي جاءت خلال افتتاح مشروع تطوير ميناء الإسكندرية على البحر المتوسط، إذ أشار إلى أن مصر تقع على شريان رئيس للتجارة العالمية، و"بالتالي كان لابد من العمل على الاستفادة من قدراتنا وموقعنا لتطوير الموانئ، مضيفاً أن الدولة المصرية حالياً تعمل على استغلال مكانة البلاد.
على امتداد نحو 3 آلاف كيلو متر من الشواطئ تمتلك مصر 18 ميناء على البحرين الأحمر والمتوسط، وبدأت الحكومة في تنفيذ خطة لتطوير الموانئ بهدف زيادة حجم التجارة وجذب الاستثمار في مجال اللوجيستيات والنقل البحري. ووفق تقارير صحافية محلية يتم تنفيذ 80 مشروعاً ضمن مخطط تطوير الموانئ المصرية بكلفة 129 مليار جنيه، منها إنشاء أرصفة بميناء السخنة على خليج السويس، ومحطة متعددة الأغراض في ميناء الدخيلة، وزيادة المساحات التخزينية في ميناء دمياط وغيرها.
ضمن ذلك المخطط افتتح الرئيس المصري محطة متعددة الأغراض في ميناء الإسكندرية، التي وصفها بـ"خطوة من ألف خطوة"، وذكر بيان لرئاسة الجمهورية المصرية أن ذلك الافتتاح هو ضمن خطة مصر للتحول إلى مركز لوجيستي وتجاري عالمي عبر إنشاء محاور وممرات لوجيستية تربط البحرين الأحمر والمتوسط، وفي سيناء "بما يحقق زيادة الدخل القومي لا سيما بالعملات الأجنبية وتوفير فرص عمل مميزة للشباب".
الميزة التنافسية
أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس حسن مهدي قال لـ"اندبندنت عربية" إن مصر مرت بفترات طويلة شهدت مشكلات في البنية الأساسية ولا سيما بمجال النقل، لذلك اهتمت الدولة في السنوات الأخيرة بهذا المجال بمختلف قطاعاته البرية والبحرية، مشيراً إلى أن بعض التوكيلات الملاحية كانت بدأت تهجر الموانئ المصرية منذ سنوات إلى دول إقليمية تقدم خدمات لوجيستية أفضل، في مقابل إهمال مر به قطاع النقل البحري بمصر لسنوات، لذلك بدأت الدولة في العمل على تطوير الموانئ لاستعادة الميزة التنافسية، بخاصة أن النقل البحري يمثل 90 في المئة من حجم التجارة الدولية لمصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبه مهدي إلى خطورة الارتكان إلى وجود مصر في موقع جغرافي مميز، قائلاً إنها "بالفعل ميزة كبيرة، لكن إن لم تنتبه البلاد لمسار التطوير في العالم وتبدأ بالعمل فمن الطبيعي أن يأتي من يقدم خدمة أفضل منها وينافسها مهما كانت مميزاتها التي ستتحول مع الوقت إلى عيوب في ظل عدم التطور وتردي الخدمات التي تقدمها، سواء صيانة أو منظومة للإحلال والتجديد".
التطوير وحده لا يكفي وفق الأستاذ بجامعة عين شمس الذي يوضح أن منظومة التشغيل والصيانة مهمة جداً بجانب التركيز على التسويق العالمي لمشاريع النقل، ومن دونهما تصبح موازنة التطوير مليارات مهدرة، وهو ما يؤكد أهمية تعاقد مصر مع الشركة الفرنسية لتشغيل الموانئ الجديدة، مشيراً إلى أن استعانة مصر بشركة تعد ثالث أفضل مشغل على مستوى العالم سيكون مفتاحاً لوضعها على الخريطة الدولية للنقل البحري.
الجسر العربي
تدرس مصر إمكان أن يؤدي نجاح خطة تأهيل وتطوير الموانئ إلى تخطي إيرادات تجارة "الترانزيت" إيرادات السياحة التي سجلت 12.2 مليار دولار العام الماضي، بحسب حديث وزير النقل كامل الوزير خلال افتتاح تطوير ميناء الإسكندرية، كما تسعى مصر إلى أن تكون مركزاً رئيساً لإعادة التصدير في منطقة الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا عبر ربط المناطق اللوجيستية المصرية بسلاسل الإمداد العالمية من خلال الموانئ البحرية والجافة وربطها عبر شبكة الطرق.
من بين تلك الطرق محور يربط بين ميناء السخنة على خليج السويس والإسكندرية على البحر المتوسط، مروراً بميناء جاف في العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية والعاصمة القاهرة.
كذلك تخطط مصر لإنشاء ممر لوجيستي يصل بين العريش بشمال سيناء وطابا على خليج العقبة التي تفصل بين مصر وإسرائيل والأردن، ويمتد بعد ذلك من العريش إلى شرق بورسعيد، وسيكون أساساً لخط تجارة يربط العراق والأردن ومصر، بحيث تنقل المنتجات من العقبة إلى طابا بعبارات تابعة لشركة مملوكة للدول الثلاث باسم "الجسر العربي"، ثم تصدير المنتجات عبر مينائي العريش وشرق بورسعيد إلى أوروبا وغيرها من الأسواق.
الإعلامي القريب من الدوائر الرسمية أحمد موسى اعتبر أن مشروع ربط العريش وطابا يعد رداً على مشروع إسرائيلي لربط ميناء أشدود على البحر المتوسط بميناء إيلات والبحر الأحمر عبر خط قطار.
المشاريع المنافسة
المتخصص في الأمن القومي اللواء محمد عبدالواحد قال لـ"اندبندنت عربية" إن إسرائيل تسعى منذ سنوات إلى خلق مشروع منافس لقناة السويس عبر إنشاء قناة تصل البحرين المتوسط والأحمر، لكن دراسات الجدوى تشير إلى كلفة مرتفعة للغاية، مؤكداً أن أي مشروع منافس قد يهدد الأمن القومي المصري، لكن لا يمكن منع أية دولة من إقامة مشاريع، وفي المقابل يجب العمل على زيادة الميزات التنافسية المصرية باعتبارها خطوة استباقية قبل أية منافسة.
وأضاف عبدالواحد أن مصر ليست دولة غنية بالموارد، لكن الموقع الاستراتيجي المميز جعلها مطمعاً للقوى الاستعمارية بخاصة بعد حفر قناة السويس، لكن "لم يتم توظيف ذلك الموقع بعد"، مشيراً إلى أن "تركيا نجحت في استغلال موقعها الاستراتيجي بين قارتي أوروبا وآسيا عن طريق ربط كل الدول المجاورة بسلسلة من المصالح، مما ساعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحقيق نجاحات سياسية، ومصر تستطيع أن تتبوأ مكانة عالية إذا أحسنت استغلال موقعها الاستراتيجي".
يمر عبر قناة السويس نحو 30 في المئة من حاويات الشحن في العالم يومياً، ونحو 12 في المئة من التجارة العالمية على امتداد القناة البالغ طولها 193 كيلو متراً.
إضافة إلى المشروع الإسرائيلي تخطط روسيا لإنشاء طريق بحري للتجارة عبر بحر الشمال يصل الموانئ الأوروبية والآسيوية خلال وقت أقصر من قناة السويس بنحو 15 يوماً، وفي العام الماضي خصصت موسكو قرابة 30 مليار دولار لتطوير ممر الملاحة الشمالي حتى عام 2035.
كما تعمل روسيا على تنشيط ممر الشحن "شمال - جنوب" الواصل بين ميناء سان بطرسبرغ في روسيا ومومباي في الهند عبر إيران، ويضم مسارات للسكك الحديدية والنقل البري.
كذلك أطلق العراق الشهر الماضي مشروعاً للنقل يربط موانئ الخليج بتركيا، مما يختصر وقت السفر بين آسيا وأوروبا عبر شبكة سكك حديدية وطرق بقيمة 17 مليار دولار، وهو المشروع الذي يراه مراقبون منافساً لقناة السويس.
ثقة مصرية
لكن لا يبدو أن المسؤولين عن القناة المصرية صاحبة 150 عاماً قلقون من المشاريع الوليدة أو التي في طور التشكل، إذ قال رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع في تصريحات صحافية العام الماضي، إنه "حتى الآن لا يوجد منافس لقناة السويس، وتبحث الهيئة ما يظهر بين الحين والآخر من حديث عن مشروع منافس".
وأكد ربيع أن توسعة القناة التي افتتحت في أغسطس (آب) 2015 "أغلقت الباب أمام أي مشاريع منافسة، بعد أن أصبحت القناة مؤهلة لاستقبال سفن ذات غاطس ضخم"، مشيراً إلى أنه في حال وجود بديل كان العالم سيتجه إليه خلال أزمة توقف الملاحة بقناة السويس لمدة ستة أيام بسبب جنوح سفينة عام 2021.
وسجلت قناة السويس في الربع الأول من العام الحالي عائدات بقيمة 2.3 مليار دولار بزيادة 35 في المئة عن المدة نفسها من العام السابق، كما زادت أعداد السفن لتصل إلى 6300 سفينة بزيادة تصل إلى 19 في المئة، والحمولة 366 مليون طن بزيادة 17 في المئة عن العام الماضي.