ملخص
ترفض الأحزاب فكرة الديكتاتور الواحد وتقبل بتوزيع السلطة على عدد من الزعامات
شهد العراق متغيرات عدة على مدى العقود الماضية، أنتجت خلال الأعوام الـ 20 الماضية نظاماً برلمانياً يجري فيه انتخاب مجلس النواب عندما يدلي أفراد الشعب العراقي بأصواتهم في صناديق الاقتراع.
ووفق النظام البرلماني يتم انتخاب رئيس الجمهورية الذي بدوره يكلف شخصية بتشكيل الحكومة، فيما يصوت البرلمان على التشكيلة الوزارية. ولم يكن هذا معمولاً به قبل عام 2003 بسبب طبيعة النظام السابق، إذ إن الأجيال تربت اعلى فكرة الحزب الواحد والزعيم الأوحد، بينما يجري اليوم تبادل السلطات وفق السياقات المعمول بها في النظام البرلماني.
ويشير متخصصون في الشأن السياسي العراقي إلى أن الوعي المجتمعي في حال تنامٍ ورفض لكل الخطوات الديكتاتورية التي كانت قبل عام 2003.
تجربة العراق الناجحة
في اليوم الدولي للعمل البرلماني شدد زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم على "أهمية البرلمانات في تعزيز الحريات وحقوق الإنسان وتحقيق التقدم الاجتماعي، فضلاً عن أنها إحدى أهم سمات الديمقراطية، ويدخل تأثيرها كمؤشر أساس إلى مدى ديمقراطية البلدان من عدمها"، وأشار إلى "تجربة العراق الديمقراطي المهمة في العمل البرلماني ونجاحه بتجاوز عدد من مخلفات الديكتاتورية المتسلطة لعقود طوال"، داعياً "المؤسسة التشريعية في البلاد وجميع المؤسسات الأكاديمية المختصة إلى العمل على تطوير العمل والنشاط البرلماني كمؤسسة وأفراد".
النظام النيابي
في هذا السياق قال الباحث السياسي العراقي علي البيدر إن "العراقيين تجاوزوا أحادية الديكتاتورية وصنعوا بعد عام 2003 عناوين ديكتاتورية جديدة تحت مظلة الدين والمذهب القومية والعشائرية المناطقية"، وتابع "على مستوى الديكتاتورية الأحادية مثلما كانت سابقاً، لا أعتقد بأنها ستعود أو ستمتلك نفس القوى والإمكان لمواجهة حال التمرد التي منحتها التجربة الديمقراطية للعراقيين"، مضيفاً أن "النظام النيابي يوزع السلطات على الجميع ويمنح كل حق استحقاقه، إضافة إلى أن الوعي المجتمعي في حال تنامٍ ورفض لكل الخطوات الديكتاتورية التي كانت تحصل قبل عام 2003".
وأوضح أن "ما يحصل الآن من محاولة فرض إرادة داخل سلطة من السلطات أو التداخل بين السلطات هو حال طبيعية قياساً بالتجربة الفتية للديمقراطية في منطقة لا ترحب بها، لكنها فرضت واقعها وهي في طريقها إلى التقدم وربما ستنتقل إلى بلدان أخرى بعد أن تصبح هذه التجربة شبه بالعراق في المراحل المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفائز الأكبر
من جهته يعتقد الباحث السياسي عصام الفيلي بأنه "من الناحية العملية استناداً إلى طبيعة كل النظم السياسية، لا يمكن أن يعتبر النظام السياسي مكتمل المعالم وقادر على النمو بغياب معارضة حقيقية".
ورأى أن "غياب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وما طرحه من مشروع معارضة حقيقية ترك شرخاً في المشهد السياسي العراقي".
الزعامات المتعددة
في سياق آخر قال الباحث رافد العطواني إن من "مخلفات الديكتاتورية في العراق أن هناك أكثر من ثلاثة إلى أربعة أجيال تربت على فكرة الحزب الواحد أو فكرة الرئيس الزعيم الأوحد، وشهد بعضها الحكومات التي تعاقبت على السلطة في العراق ما بعد مرحلة السلطنة العثمانية وخلال الحرب العالمية الأولى التي انتهت وجاءت الملكية ثم توالت الحكومات المدنية والعسكرية على حكم العراق وتربت أجيال كثيرة على فكرة الشمولية أو الحزب الواحد. ويجب أن يمر جيل كامل حتى نتجاوز فكرة الديكتاتورية تماماً". وأضاف أن "العراق يعيش حالياً مرحلة تجاوز الديكتاتورية التي لا تزال حاضرة في سلوكات الأحزاب المسيطرة على البلاد في ديكتاتورية موزعة، إذ ترفض تبادل السلطة بشكل سلمي لذلك وُجدت فكرة المحاصصة والمغانم. وهناك أكثر من شخصية تتحكم في المشهد السياسي العراقي بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي تعتمد على صندوق الاقتراع، فحتى هذه اللحظة كل الحكومات التي تشكلت ما بعد عام 2003 موزعة وفق المحاصصة ولا تخضع لفكرة الفوز في الانتخابات".
وعبر المتحدث ذاته عن اعتقاده بأنه "لم يعد في العراق ديكتاتورية واحدة وإنما ديكتاتوريات موزعة ما بين زعماء متعددين، ست الى عشر زعامات ترفض مبدأ تبادل السلطة ولا تخضع للديمقراطية التي هي حكم الشعب. وليست لدى هذه الأحزاب النية الصادقة في تعديل المواد الدستورية ومنها المادة 76 المفسرة لتعبير الكتلة الأكبر أو الفائز الأكبر في الانتخابات ومن يشكل الحكومة. ويستمر ذلك منذ عام 2010 وحتى اليوم هناك أكثر من تفسير للمادة 76".
وبحسب العطواني فإن "الأحزاب العراقية ترفض وجود ديكتاتورية واحدة خوفاً من أن تفقد في ظل حكمها زمام الأمور، لكنها تقبل بالديكتاتوريات المتعددة أو الزعامات المتعددة".
وختم بالقول إنه "حتى هذه اللحظة لم يخرج لدينا جيل مؤمن بالديمقراطية التي تحتاج إلى فترة زمنية أكبر كي تترسخ في عقلية شعب ما. ويجب أن تتربى أجيال على فكرة الديمقراطية وتتمكن من إزاحة هذه الأحزاب من دفة الحكم. وبطبيعة الحال، لا تؤمن الأحزاب بالنظام الديمقراطي بشكله الحقيقي الصحيح، وليست مع فكرة الديكتاتور الواحد وإنما مع فكرة توزيع هذه الفكرة على زعامات متعددة".