ملخص
يبدو أن طرفي المعادلة يستفيدان بمنطق "رابح - رابح" من هذه المبادرات وعقد المؤتمرات
تتضافر عوامل انجذاب سياسي واقتصادي وحضاري متبادل بين الصين والبلدان العربية، سواء على مستوى القيادات السياسية والقرارات الاستراتيجية، أو على مستوى الدبلوماسية الحزبية بين طرفي هذه العلاقات المثمرة بهدف تحقيق مبدأ "رابح رابح"، وفي هذا الصدد تنعقد حالياً الدورة الرابعة من مؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية في العاصمة بكين تحت شعار "التبادل بين الحضارة الصينية والحضارة العربية: من طريق الحرير القديم إلى بناء مجتمع المستقبل المشترك في العصر الجديد".
أهداف المؤتمر
ويهدف المؤتمر الذي ينعقد حالياً في بكين ويستمر حتى الـ 18 من يوليو (تموز) الحالي إلى تعزيز تبادل الأفكار والثقة السياسية بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب العربية، وتطوير الشراكات الاستراتيجية الصينية - العربية إلى الأمام، كما تتم مناقشة ملفات من قبيل مآلات مبادرة الحضارة العالمية بين الصين والعالم العربي، والفرص والتحديات أمام التشارك الصيني - العربي في بناء مشروع "الحزام والطريق".
وتشارك في هذا المؤتمر عشرات القيادات الحزبية والمنظمات السياسية التي وفدت من أكثر من 17 دولة عربية فضلاً عن مبعوثين دبلوماسيين عرب، لكن من دون اشتراط أن تكون هذه الأحزاب العربية شيوعية أو تنهل من معين الفكر الشيوعي والاشتراكي، بدليل وجود أحزاب مغربية معروفة بخطها الليبرالي والرأسمالي.
وتأتي الدورة الرابعة من مؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية في سياق حدث بارز كانت وراءه الصين تحديداً، باحتضانها وساطة سياسية أفضت قبل بعضة أسابيع إلى تطبيع العلاقات المقطوعة منذ عام 2016 بين السعودية وإيران.
ويربط الصينيون هذا الحدث الذي وصفه مراقبون بأنه "أكبر مفاجأة أو هدية" قدمتها الصين إلى العالم والشرق الأوسط تحديداً، بمبادرة بكين المسماة "مبادرة الحضارة العالمية" التي من شأنها تعزيز أمن واستقرار المنطقة العربية.
وسبق للرئيس الصيني شي جينبينغ أن أعلن في مارس (آذار) الماضي خلال الاجتماع رفيع المستوى للحزب الشيوعي الحاكم، مبادرة الحضارة العالمية التي تسوّق لها بكين على أنها مبادرة من الحزب الشيوعي الصيني لإيجاد توافقات دولية بين الحضارات المختلفة عبر العالم.
منطق "رابح - رابح"
وقبل هذه المبادرة كان الرئيس الصيني اقترح في سبتمبر (أيلول) 2021 مبادرة التنمية العالمية التي تهدف أساساً إلى جعل تنمية الشعوب أولوية من خلال "الالتزام بالابتكار والإبداع، والتمسك بالتعايش بين الإنسان والطبيعة في عالم أكثر اخضراراً واقتصاد أكثر متانة، وتعزيز التعاون بين دول العالم لمحاربة الفقر والأوبئة وتغيرات المناخ، ودعم التنمية الخضراء والتصنيع والاقتصاد الرقمي".
وتظل مبادرة "الحزام والطريق" الأشهر على الإطلاق ضمن مبادرات "العملاق الصيني"، وهو المشروع الذي أعلن عام 2013، وكانت الغاية الرئيسة منه ربط الصين بباقي دول العالم من خلال إرساء استثمارات ضخمة لتطوير البنيات التحتية للمعابر الاقتصادية عبر العالم تتيح للصين الارتباط بدول أفريقية وعربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن تجربة بكين بإطلاق هذه المبادرة العالمية وغيرها أغرت عدداً من الدول العربية، سواء الواقعة على طول "الحزام والطريق" أو باقي الدول العربية، وذلك لما أظهرته بكين من منجزات ونجاحات في تنفيذ مشاريع استثمارية استطاعت الحد من معدلات الفقر وتحسين معيشة الناس، وهي التجربة التي تبحث عنها بلدان عربية للاستلهام منها والتأسي بها.
وفي المجمل يبدو أن طرفي المعادلة، سواء الصين من جهة أو الدول العربية من جهة ثانية، يستفيدان بمنطق "رابح - رابح" من هذه المبادرات وعقد المؤتمرات، فبكين ترى في الطرف العربي أرضاً خصبة تضج بالموارد الطبيعية والطاقات البشرية والفرص الاقتصادية الخام، بينما يستفيد العرب من جني ثمار هذه العلاقات عبر الاستثمارات الصينية في مجالات الابتكار والتواصل والصناعات، حتى قيل إن "الصين هي مصنع العرب".
شيوعية لينة
ووسط هذه الأجواء، قال المتخصص في الشأن الصيني ناصر بوشيبة إنه "خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وبفضل السياسات الإصلاحية الجريئة التي قادها جيل جديد من قادة دول الخليج العربي، حظيت الدول العربية باهتمام كبير من الصين، وانعكس ذلك على حجم التبادلات التجارية التي تعرف منحى تصاعدياً مستمراً، والأمر نفسه بالنسبة إلى حجم الاستثمارات".
ورأى بوشيبة أن هذا المؤتمر الذي يجمع الأحزاب العربية والحزب الشيوعي الصيني يهدف بالأساس إلى تعريف الفاعلين السياسيين العرب بالمبادرات التي أطلقتها الصين في موازاة مبادرة "الحزام والطريق" التي تدخل عامها العاشر.
وتابع المحلل ذاته أن مبادرة "الحزام والطريق" عملت على تسهيل حصول الدول المنضمة إلى هذا المشروع على الاستثمارات من أجل تحديث البنية التحتية، بخاصة التي تسهّل خلق تبادلات تجارية مع الصين، وكذلك لتعويض الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الصيني نتيجة السياسة الحمائية الأميركية.
ويرى بو شيبة أن مبادرة التنمية العالمية تهدف إلى مساندة الدول لتحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، المعتمدة من طرف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في حين تسعى مبادرة الحضارة العالمية إلى التخفيف من حدة الصراعات الإقليمية وتقليص الفجوة بين دول الشمال والجنوب.
وخلص بوشيبة إلى أن "نية القيادة الصينية تتجسد في تفادي المواجهة المباشرة مع الغرب وتبني مواقف أكثر ليونة تتيح لبكين الاستفادة ولو إلى حين من أوقات سلم ثمينة، بقصد تعزيز قدراتها الاقتصادية والاجتماعية والدفاعية".
رهانات متبادلة
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية إدريس لكريني إن "أحداً لا ينكر المنجزات والمكتسبات التي حققتها الصين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي أصبحت تؤهلها للعب أدوار دولية وازنة، خصوصاً في ظل الارتباك الذي يطبع النظام الدولي الراهن الذي فرضته أميركا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي على بكين".
وأوضح أن الصين تريد أن تظهر للعالم كونها قوة عظمى تستحق الاستئثار بأدوار طلائعية داخل نظام تعددي إلى جانب قوى أخرى مثل روسيا، لافتاً إلى ما حققته بكين في حقبة الحزب الشيوعي من منجزات في سياق عالم متغير خلال الأعوام الأخيرة، بالاعتماد على دبلوماسية ناعمة تعتمد في جزء كبير منها على التواصل واستحضار البعد الاقتصادي ودبلوماسية المساعدات الاقتصادية والتكنولوجية.
وتابع أستاذ العلاقات الدولية، "تراهن الصين على الفضاء العربي لكونه أولاً يمثل سوقاً تجارية رحبة، وأيضاً لأنه يشكل أرضية خصبة لإنجاح مشروع الطريق والحزام، ونظراً للإمكانات البشرية والطبيعية والاستراتيجية التي تحظى بها الدول العربية على مستوى التحكم في عدد من المعابر المائية المهمة"، مضيفاً أن "الصين تحاول أن تتجاوز الخطاب الرسمي في تعاملها مع الدول العربية الذي انطلق منذ عقود عدة، ويعكس التعاون على مستويات تجارية واقتصادية وثقافية وحضارية".
ولفت لكريني إلى أن "رهان الصين على الانفتاح على أحزاب سياسية عربية من مشارب وأيديولوجيات مختلفة يعطي دفعة مهمة وزخماً وقدراً من الاستدامة للعلاقات العربية - الصينية، خصوصاً أنه بالقدر الذي ترى فيه الصين الدول العربية فضاء استراتيجياً يزخر بمجموعة من الفرص التي يمكن أن تدعم مكانة الصين دولياً، بالقدر أيضاً الذي ترى فيه الدول العربية الصين دولة لها موقعها الوازن بالنظر إلى عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وإمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، والتي يمكن أن تدعم كثيراً من القضايا العربية وتعزز السلم والأمن في الفضاء العربي الذي شهد هزات متتالية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي".