Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تعزز قواعدها الجيوسياسية بمعاهدة "آسيان"

سارعت الرياض إلى تكثيف حضورها في التكتلات الإقليمية مثل "شنغهاي" و"بريكس" والباسيفيك" ومجموعة "وسط آسيا"

وزير الخارجية السعودي يوقع على وثيقة انضمام السعودية إلى معاهدة الصداقة مع آسيان (الخارجية السعودية)

ملخص

وقعت الرياض معاهدة "آسيان" في جاكرتا... فما هي بنود تلك المعاهدة وماذا تضيف إلى الرياض اقتصادياً وسياسياً؟

شهد حراك السعودية الدبلوماسي زخماً خلال الأعوام الأخيرة جعلها تسارع إلى تكثيف حضورها في منتديات وتكتلات إقليمية ودولية، تجسيداً لسياسات أعلنتها بالسعي إلى أن تكون "جسراً بين الشرق والغرب" في سياق تحولات المملكة الغنية نحو توظيف موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط قارات العالم.

وفي أحدث تطبيق لذلك النهج، أوفدت الرياض وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان إلى جاكرتا لتوقيع معاهدة الصداقة مع دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مباشرة بعد إقرار مجلس الوزراء أمس الثلاثاء موافقته على الانضمام إلى معاهدة التكتل الذي يضم نحو 10 في المئة من سكان العالم، في سباق مع الزمن تلاحق "النمور الآسيوية" جاراتها، الأكثر إصراراً على تحقيق أرقام نمو نادرة سنوات مضت.

توسيع التحالفات

وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن الخطوة جاءت إثر حرص قيادة البلاد الذي وصفته بـ"الحثيث" على مواصلة تعزيز "جسور التواصل مع كافة الدول حول العالم، ودعم كافة أوجه التنسيق المشترك بما فيها العمل المتعدد الأطراف".

وأوضحت أن توقيع الوزير كان على "وثيقة انضمام إلى المعاهدة" بدعوة من نظيرته الإندونيسية التي تترأس بلادها الدورة الحالية لدول الرابطة، المعروفة دولياً بـ"آسيان"، وليس اختصارها الرسمي "تاك".

وبررت الوكالة سعي الرياض إلى توقيع المعاهدة بشقين ثقافي وسياسي، فهي أرادت من خلال ذلك "تأكيد الروابط الوثيقة مع دول شرق آسيا في مجالات عدة"، واستكمال دور الرياض الذي قالت إنه "ريادي في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، ونهجها القائم على تعزيز الحوار وتكثيف التنسيق المشترك وتوطيد العمل المتعدد الأطراف مع الدول نحو مزيد من الاستقرار والازدهار والتقدم لكافة الدول والشعوب".

ما هي بنود المعاهدة؟

وتنضوي تحت المعاهدة الموقعة 44 دولة في أنحاء متفرقة من العالم، وهي إحدى محاور المنظمة الرئيسة، وذراعها الخارجية لتنمية علاقاتها السياسية مع المحيط الدولي، وهي غير العضوية التي تقتصر فقط على 10 دول مكونة لـ"آسيان"، هي "تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفيليبين وفيتنام وبروناي وكمبوديا وبورما ولاوس".

 

لكن أهمية المجموعة تأتي من موقعها الاستراتيجي على أبواب الصين وتحقيقها أرقاماً صاعدة في سجل مؤشرات التنمية الدولية.

وتنص أهم بنود المعاهدة الموقعة على "الاحترام المتبادل للاستقلال والسيادة والمساواة والسلامة الإقليمية والهوية الوطنية لجميع الأمم"، كما تنص على "حق كل دولة في أن تعيش وجودها الوطني من دون تدخل خارجي وتخريب وإكراه"، إضافة إلى "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الموقعة" والتمسك بـ"تسوية الخلافات بالطرق السلمية"، فضلاً عن "نبذ التهديد أو استخدام القوة"، وذلك وفقاً لموقع المنظمة الرسمي على "الإنترنت".

وتقول مجموعة "جي بي مورغان" المالية إن التكتل الآسيوي لا يزال يحتفظ بحيويته على رغم تراجع قفزاته الرائجة في العقدين الماضيين، وإن كانت التحديات هي الأخرى لم تزل قائمة "فمع ازدياد عدد السكان والزخم الاقتصادي الإيجابي، لا يزال جنوب شرق آسيا يواجه تحديات في إنشاء اتحاد اقتصادي سياسي مترابط عبر دول آسيان الـ10، فعلى سبيل المثال، لا توجد عملة مشتركة ولا حدود مفتوحة كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي".

ويرى محللو المجموعة الرائدة أن "محافظة كل بلد على لوائح مالية خاصة به من شأنها أن تعقد حركة الأموال، فبينما تتسم لوائح سنغافورة بالمرونة، تخضع فيتنام لرقابة شديدة، وبينهما تأتي كل من إندونيسيا وماليزيا والفيليبين وتايلاند في منطقة وسط".

"سوق غير مستغلة"

أما لماذا هي منطقة واعدة، فإن تقرير "جي بي مورغان" في يونيو (حزيران) الماضي عن التكتل أشار إلى أن عمل دول "آسيان" على دمج اقتصاداتها في بعضها وجذب الاستثمار الأجنبي من خلال منظمتها، نجح في "دفع النمو السريع في بلدانها من خلال مؤشرات عدة، أبرزها الزيادة السكانية السريعة والتحول العالمي نحو تنويع سلاسل التوريد"، فينظر إليها على أنها "سوق استهلاكية غير مستغلة"، طبقاً لما نقلت المجموعة عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول المنطقة الذي أكد أنه بحلول 2030  ستكون "واحدة من كل ست أسر مستهلكة على مستوى العالم، هناك في جنوب شرق آسيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل الاستقطاب الدولي الراهن بين أميركا والصين، رجح التقرير أن قرب "آسيان" من بكين زاد من نمو شعبيتها، إذ "وجدت فيها الشركات متعددة الجنسيات مكاناً مناسباً لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها".

وفي مؤتمر "مستقبل الاستثمار" العام الماضي في الرياض، رأى مستثمرون عالميون، خصوصاً من أميركا أن دولة مثل فيتنام تشكل بديلاً واعداً عن الصين في تحويل مصانع الشركات الأميركية المؤثرة إليها، وإن اعتبروا أن جائحة كورونا أوحت بأن ذلك سيكون حلاً موقتاً وأن الحاجة قائمة إلى عودة تلك المصانع لدولها تدريجاً، بينما رأى البعض الآخر أن فيتنام وهي من دول "آسيان"، تعتبر حلاً وسطاً خلال هذه المرحلة في الأقل التي يصعب فيها ادعاء قدرة أي تكتل على تعويض الصين باعتبارها سوقاً كبرى ومصنعاً لكل العالم.

البحث عن فرص

من جهته أشار وزير الخارجية السعودي على هامش توقيع المعاهدة إلى أنها ستكون مهمة في خلق مزيد من الفرص في المنطقة "لا سيما أنها تتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة"، معتبراً أن العلاقات الوثيقة مع الدول الأعضاء في المعاهدة ستسهم في تحقيق تطلعات البلدان كافة نحو "تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز العمل المشترك وخلق فرصة تنموية واقتصادية جديدة للجميع".

وليست "آسيان" وحدها المنظومة التي بادرت الرياض إلى تنشيط دورها في إطارها، ففي وقت وقعت اتفاق المعاهدة في جاكرتا، تحضر جدة لقمة موسعة تجمع دول "وسط آسيا" مع دول الخليج على مستوى الرؤساء لتوسيع دائرة التعاون بين التكتلين، كما عقد وزراء خارجية العرب مؤتمراً مع مجموعة دول جزر "الباسيفيك" ذات الموقع الحيوي في المحيط الهادئ. وفي وقت مضى من العام الحالي تقدمت الرياض كذلك بطلب عضوية في مجموعة "بريكس"، مثلما أصبحت "شريك حوار" في منظمة "شنغهاي" تمهيداً لاعتمادها عضواً قريباً، طبقاً للوائح الخاصة بالتكتل الآسيوي أيضاً.

وكانت القمة العربية- الصينية التي عقدت في الرياض في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قربت جسور القارة من السعودية على نحو أكبر، مما ترجم سريعاً بـ"صفقة بكين" التي أنهت التوتر الأشد في الإقليم بين السعودية وإيران بضمانة صينية وأشاعت جواً غير متوقع من التهدئة في المنطقة.

ويعتبر مجلس التعاون الخليجي "جي سي سي" منذ حين ضمن الشركاء الاستراتيجيين والاقتصاديين لـ"آسيان" وتجمع الطرفين حوارات دورية، مما جعل توقيع المعاهدة اليوم الأربعاء تتويجاً لمحطات بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، نسق الطرفان خلالها مواقفهما في أزمات مثل استهداف منشآت "أرامكو السعودية" في 2019 والتجارة الحرة بينهما، ووقعت أمانة الطرفين في البحرين عام 2009 مذكرة تفاهم شكلت "أساساً لمزيد من التعاون بين المنطقتين" بغية تحقيق أهدافهما.

دفعة للزخم السياسي

وكانت السعودية في وقت مضى وعلى رغم العلاقات الإيجابية التي تجمعها بمعظم الدول، تكتفي بالانتماء إلى منظماتها الإقليمية فقط مثل الجامعة العربية والتعاون الإسلامي، لكن التطورات الدولية زادت من قناعة صانع القرار السياسي في الرياض بالتوجه إلى تنويع الروابط الاستراتيجية وتنمية العلاقات السياسية، كلما أمكن ذلك، إذ يعتقد سياسيون سعوديون مثل مندوب المملكة السابق في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي بأنه يعزز موقف البلاد في المنابر الأممية وتأثيرها، خصوصاً أن النهج السياسي للدولة وإمكاناتها الاقتصادية ووزنها الدولي والإقليمي العربي والإسلامي تجعل منها صاحبة نفوذ يمكن توظيفه على مستويات عدة.

ويدافع عن ذلك رئيس معهد "رصانة" للدراسات الايرانية محمد السلمي الذي يرى أن الروابط المتشعبة التي تصل الرياض بدول كثيرة، تحتاج إلى تفعيل يوازي زخم التحولات التي تشهدها.

منطقة القوقاز على الخط

وضرب مثالاً على ذلك بدول منطقة القوقاز، إذ قال إنه "منذ منتصف التسعينيات، نظرت السعودية إلى منطقة القوقاز على أهها سوق مهمة وعززت علاقاتها الاقتصادية هناك. على سبيل المثال، طورت استثماراتها في أذربيجان وهناك فرص كثيرة لزيادة حجم التجارة بين البلدين".

ويرجح الكاتب في هذا السياق أن الخليج والقوقاز يمكنهما الاستفادة من "بروز المنطقتين في رقعة الشطرنج الدولية منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا، مما عطل إمدادات الطاقة والغذاء العالمية وخلق فرصاً وإمكانات تنموية جديدة من خلال إقامة علاقات تعاون أوثق"، معتبراً في مقالة نشرتها "عرب نيوز" الناطقة بالانجليزية أن الطريق الأمثل لذلك يكون عبر الدخول في "عضوية المنظمات المتعددة الأطراف والإقليمية"

عودة للقيمة الاستراتيجية التي تشكلها المنظمة التي انتمت إليها السعودية، فإن مجلة "آسيان ريفيو" الصادرة عن التكتل، توضح أن المنطقة "تعد منتجاً ومصدراً رئيساً لمختلف المنتجات الكهربائية والإلكترونية، وإنها أكبر مصدر في العالم للدوائر الإلكترونية المتكاملة وتخزين بيانات الكمبيوتر وأجهزة الهاتف، وفي الزراعة تعد منتجاً رئيساً لزيت النخيل والمطاط والمحاصيل الزراعية الأخرى، وأكبر مصدر في العالم للرز".

وتزدهر في المجموعة صناعة السيارات، بحسب المجلة، فهي كما تقول "أكبر منتج ومصدر لشاحنات بيك آب في العالم، ومنتج رئيس لبعض طرازات السيارات، وفيها عدد من شركات السيارات العالمية وكبرى شركات تصنيع قطع غيار ومكونات السيارات، ومصانع النسيج وغيرها".

إمكانات دول المجموعة على الصعيدين البشري والصناعي جعلت واحدة منها فقط هي سنغافورة تستقطب خلال عام، 100 مليون دولار استثمارات أجنبية من دولة واحدة فقط هي أميركا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير