ملخص
الانكماش في اقتصاد بريطانيا بمعدل شهري جاء أقل من توقعات السوق والاقتصاديين وبنسبة شهرية قد تجعل محصلة أرقام الربع الثاني من العام إيجابية.
على رغم أن الأرقام الرسمية الصادرة في بريطانيا أمس الخميس أظهرت انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في شهر مايو (أيار) الماضي، بنسبة 0.1- في المئة مقارنة بشهر أبريل (نيسان) السابق له، فإن ذلك لم يزد من احتمالات الركود في بريطانيا هذا العام كما كان متوقعاً من قبل، هذا على رغم أن الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا حقق نمواً إيجابياً في شهر أبريل 2023، بنسبة 0.2 في المئة، بحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني.
وكان مسح لوكالة "رويترز" قبل صدور بيان مكتب الإحصاء توقع انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.3- في شهر مايو الماضي.
إلى ذلك يكون الانكماش في اقتصاد بريطانيا بمعدل شهري جاء أقل من توقعات السوق والاقتصاديين وبنسبة شهرية قد تجعل محصلة أرقام الربع الثاني من العام إيجابية أو في الأقل ليست انكماشاً، وعادة يدخل الاقتصاد في ركود إذا انكمش لربعين متتاليين في العام.
وهذا ما جعل المعلقين يتخلون قليلاً عن التشاؤم في شأن احتمال الركود الاقتصادي في بريطانيا هذا العام في الأقل، وإن كانت بقية المؤشرات الاقتصادية، خصوصاً استمرار التضخم المرتفع ورفع أسعار الفائدة الأساسية وزيادة معدلات الأجور، ربما تدفع نحو الركود.
يعد الاقتصاد البريطاني مثالاً على نماذج توقعات الأسواق والاقتصاديين بالنسبة إلى احتمالات الركود الاقتصادي العالمي، لكن يظل الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، المعيار الأهم لاحتمالات الركود الاقتصادي العالمي.
ويشهد ذلك الاقتصاد أيضاً تأرجحاً في المؤشرات على زيادة احتمالات الركود أو إمكانية تفاديه، إلا أن ما يكاد يجمع عليه الاقتصاديون والمحللون هو تباطؤ النمو بشدة.
مؤشرات متضاربة
في حوار مع صحيفة "فايننشال تايمز" الثلاثاء الماضي قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك جون ويليامز، إنه "لم يعد يعتقد أن الاقتصاد الأميركي سيدخل في ركود، إنما ستكون فترة طويلة من التباطؤ الشديد في النمو".
وويليامز عضو في لجنة السوق المفتوحة بالاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي وصديق مقرب من رئيسه جاي باول، مع ذلك يرى المصرفي المخضرم أن البنك المركزي ما زال أمامه "عمل للقيام به" من دون أن يعني ذلك إمكانية رفع سعر الفائدة مجدداً ولو بربع نقطة مئوية (نسبة 0.25 في المئة).
كان الاحتياطي الفيدرالي توقف الشهر الماضي موقتاً عن رفع أسعار الفائدة في ظل مؤشرات على هدوء غليان الأسعار وأيضاً بانتظار نتائج رفعه المتتالي للفائدة لتتجاوز نسبة خمسة في المئة.
ويستشف من حوار جون ويليامز أنه بغض النظر عن رفع جديد للفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي أم لا، فإن البنك المركزي لن يبدأ في التوجه العكسي أي خفض أسعار الفائدة هذا العام، وربما على الأسواق الانتظار حتى قرب نهاية العام المقبل 2024.
تلك التكهنات باحتمال التباطؤ الشديد في النمو مع تفادي الركود تعتمد على مؤشرات عدة تتغير بسرعة وتبدو متضاربة أحياناً، فعلى سبيل المثال يعد "منحنى العائد المقلوب" (ارتفاع نسبة العائد على سندات الدين الأميركية القصيرة الأجل لمدة عامين) المؤشر الأهم تقليدياً على احتمال الركود في الاقتصاد الأميركي.
وبحسب نموذج التحليل لدى الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك فإن منحنى العائد المقلوب حالياً ينذر باحتمال الركود في غضون 12 شهراً، ويقدر البنك حدوث ذلك بنسبة 70 في المئة، مقابل 30 في المئة فحسب لاحتمال تفادي الركود.
حتى تقديرات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) ترجح أيضاً حدوث الركود في الاقتصاد الأميركي قبل نهاية هذا العام، إلا أن معدلات النمو الاقتصادي في الربع الأول، والمراجعة المحتملة للنمو في الربع الثاني، تشير إلى مرونة كبيرة وأن أكبر اقتصاد في العالم سيتفادى الركود.
ويلاحظ الاحتياطي الفيدرالي أيضاً التباطؤ الواضح في السوق العقارية الأميركية، التي تؤدي التحولات الكبرى فيها إلى الركود الاقتصادي.
في المقابل تشير أرقام سوق العمل وتوسع الاقتصاد في توفير الوظائف إلى أن احتمالات الركود تبدو بعيدة، حتى لو لم يكن النمو قوياً، أما الأهم طبعاً فهو القراءات الرسمية المتتالية لمؤشر التضخم الأساسي في الولايات المتحدة والتي تشير إلى أن الأسعار في اتجاه نزولي مما يعني عدم الحاجة إلى مزيد من التشديد النقدي.
تفاؤل حذر
أما بالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الصيني، فعلى رغم البيانات الرسمية الأخيرة التي تشير إلى تباطؤ النمو أكثر من المتوقع فالأرجح برأي معظم المحللين والاقتصاديين أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني سينمو بالقدر الذي حددته سلطات بكين الاقتصادية رسمياً وهو نسبة خمسة في المئة تقريباً.
ومع أن تلك النسبة تقل عن نصف معدلات النمو ما قبل أزمة وباء كورونا، إلا أنها تقارب ضعف توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لنمو الاقتصاد العالمي في 2023.
يقدر الاستراتيجي الشهير ديفيد روشيه في حوار مع شبكة "سي أن بي سي" الأميركية أن الاقتصاد العالمي يواجه فترة طويلة من النمو البطيء أو المنعدم مع استمرار أسعار الفائدة مرتفعة في معظم الاقتصادات حول العالم، لكنه يستبعد احتمال الركود حالياً.
ويرى روشيه أن على البنوك المركزية أن تغير مستهدفها للتضخم الذي على أساسه تحدد أسعار الفائدة، وهو حالياً في معظم الاقتصادات الرئيسة عند اثنين في المئة.
يشارك روشيه في ذلك عدد من الاقتصاديين من بينهم محمد العريان وغيره بأن ذلك المستهدف لمعدل التضخم من قبل البنوك المركزية لم يعد ملائماً، ومن الضروري تغييره إلى هامش أوسع بنسبة أعلى قليلاً.
وتظل الخلاصة من كل تلك التحليلات أنه على رغم تضاؤل فرص الركود فإن الاقتصاد العالمي يواجه فترة نمو بطيء أو عدم نمو، بمعنى أن يظل منحنى الناتج المحلي الإجمالي مستقيماً في أعلى الرسم البياني.