ملخص
المخابز التونسية غير المصنفة تتحصل بصفة غير قانونية على الدقيق بسعر متدن يبلغ 0.21 دولار للكيلوغرام الواحد.
تواجه الأسر التونسية نقصاً في الخبز منذ عدة أيام لتتحول متاعب الحصول على الخبز إلى تقليد يومي، وترتبط أزمة الخبز بالصعوبات التي تواجه المخابز التونسية في توفير الدقيق والسميد.
وينذر الوضع بالتفاقم بسبب الارتفاع المنتظر في الاستهلاك بحكم طبيعة الفترة الحالية، إذ تقترن بقدوم أعداد قياسية من السياح إضافة إلى حلول المغتربين لقضاء عطلتهم ببلدهم الأم.
وترجع أزمة نقص الدقيق في الأساس إلى تراجع إنتاج محاصيل الحبوب على خلفية فترات الجفاف المتتالية التي شهدتها تونس والتي امتدت إلى أربعة أعوام، علاوة على تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية وما سببته من اضطراب في سلاسل توريد الحبوب نظراً إلى تعويل تونس على السوق الأوكرانية بنسبة 50 في المئة في حين تدبر نحو 4 في المئة من حاجاتها من السوق الروسية.
وفي خطوة منها لتفادي الاحتقان التقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن بجميع الهياكل المعنية بمنظومة الحبوب والخبز، ودعت إلى قطع الطريق أمام عمليات التلاعب والاحتكار والمضاربة بطرق توزيع الدقيق بأنواعه، إذ قررت وضع برنامج رقابي صارم للتصدي للتجاوزات المتمثلة في الاحتكار والتلاعب بهذه المواد وتتبع مرتكبيها طبقاً للتشريع الجاري العمل به.
رقابة لصيقة
كما أمرت رئاسة الحكومة بتعديل التزويد بمواد السميد والدقيق من أجل تحقيق التوازنات اللازمة لتوفير الخبز، وقررت زيادة كميات الدقيق الموزعة على المطاحن من قبل ديوان الحبوب بـ 70 ألف قنطار (سبعة آلاف طن) من القمح اللين و50 ألف قنطار (خمسة آلاف طن) من القمح الصلب،
إضافة إلى ذلك زادت الحكومة التونسية من نسق توزيع الدقيق والسميد على المطاحن بدورها من قبل ديوان الحبوب (مؤسسة حكومية)، على أن تتم مراعاة المناطق التي تشكو نقصاً حاداً باعتبارها ذات أولوية وأن تشرف المصالح الإدارية المتخصصة على هذه الترتيبات.
إلى ذلك، ستتم مراجعة فترات العطلة الأسبوعية للمخابز وفق متطلبات حاجات الاستهلاك في بعض الجهات لتفادي حدوث نقص في الخبز، إلى جانب تطوير عملية مراقبة توزيع الحبوب من قبل المؤسسة المكلفة ذلك ورقمنتها بالكامل.
في المقابل، نبهت رئيسة الحكومة إلى ضرورة توجيه هذه المواد لمستحقيها في إشارة إلى خضوع الحبوب إلى الدعم الحكومي المباشر والحاجة إلى ضرب رقابة لصيقة على عملية توزيعه تفادياً للفساد.
فساد
من جهته، انتقد رئيس منظمة إرشاد المستهلك (منظمة مستقلة) لطفي الرياحي التجاوزات الخطيرة الحاصلة في توزيع الدقيق المدعم، قائلاً "عملية توزيع المواد المدعمة تشرف عليها مؤسسات حكومية وهي موجهة بالتحديد إلى المخابز المصنفة من قبل الدولة (مخابز متخصصة في بيع الخبز المدعم) خلافاً لمخابز غير مصنفة تختص في صنع وبيع الخبز الفاخر والمرطبات".
أضاف الرياحي أن "القانون ينص على أن يقتصر تزويد الدقيق المدعم على المخابز المصنفة في حين تتجسد عمليات التلاعب في تسريبه إلى المخابز غير المصنفة"، موضحاً أن "هذا ما ترتب عنه توجيه المواد المدعمة إلى غير مستحقيها من مصنعي المواد الفاخرة إضافة إلى تسجيل نقص فادح في كميات الخبز المدعم"، داعياً إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمحاربة هذه الممارسات.
وفي السياق نفسه، قال رئيس غرفة المخابز الخاصة (هيئة نقابية مستقلة بمنظمة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) محمد بوعنان، إن "المخابز غير المصنفة تتحصل بصفة غير قانونية على الدقيق بسعر متدن يبلغ 650 مليماً (0.211 دولار) للكيلوغرام الواحد بينما كلفته الرسمية تبلغ دينارين (0.650 دولار) وتتم تغطية الفارق من قبل صندوق الدعم وهو موجه إلى المخابز المتخصصة في توفير الخبز المدعم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار بوعنان إلى أن عدد المخابز المصنفة يصل إلى 3350 مخبزاً وتصل حاجاتها إلى 500 ألف قنطار (50 ألف طن) من الدقيق شهرياً ما يساوي 20 ألف قنطار (2000 طن) يومياً.
ولفت إلى أن تلك المخابز واجهت صعوبات في التزود بهذه الكميات طوال الأسبوعين السابقين جراء تأخير توزيع الكميات من قبل المطاحن (حكومية) وعددها الإجمالي 23 مطحنة، مضيفاً "هي الطرف المكلف بطحن الحبوب وتوزيعها بعد التزود بها من قبل ديوان الحبوب، ولم يسجل نقص في كميات الحبوب الموزعة من طرف الديوان في حين ترتب عن عطلة العيد تأخير في توزيع الدقيق من قبل المطاحن"، متوقعاً انفراج الأزمة في الأيام المقبلة بعد تدخل السلطات المعنية بضخ كميات إضافية من الدقيق.
تراكمات
يشار إلى أن الحكومة التونسية تواصل دعم المواد الأساسية ومنها الخبز، وتتراوح تسعيرة الخبز بين 230 مليماً (0.074 دولار) و190 مليم (0.061 دولار) بحسب الحجم في حين تبلغ تكلفته بين 700 مليم (0.228 دولار) و450 مليماً (0.146 دولار).
وخصصت الحكومة 2.5 مليار دينار (814 مليون دولار) لدعم المواد الأساسية بحسب ما أعلنت عنه بموازنة عام 2023، بعد أن شهدت ميزانية دعم المواد الأساسية ارتفاعاً عام 2022، وخصوصاً الحبوب، بسبب ارتفاع أسعاره على خلفية الأزمات المتلاحقة انطلاقاً من جائحة كورونا وصولاً إلى الحرب الأوكرانية.
من جهة أخرى، يعاني ديوان الحبوب المكلف بالتوريد وتزويد المطاحن من مصاعب، بعد أن تجاوزت ديونه 4.6 مليار دينار (1.49 مليار دولار)، كما يكلف من جهة أخرى بجمع المحاصيل من الحبوب والتي لم تتجاوز في الموسم الحالي 2.5 مليون قنطار (250 ألف طن) مقابل 11 مليون قنطار (1.1 مليون طن) عام 2022، مما ترتب عليه ارتفاع حجم الواردات من الحبوب وكلفته المرجحة للزيادة في السنة الحالية علاوة على الاضطرابات في تزويد السوق بحاجاته من الدقيق وندرة الخبز.