ملخص
تستهدف إسرائيل وقف الاعتراف بالشهادات الجامعية التي يحصل عليها الطلاب من جامعات فلسطينية أو عربية، ومنعهم من الالتحاق بسوق العمل.
فيما يترقب 5200 طالب مقدسي نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، لاختيار جامعاتهم وتوجهاتهم الأكاديمية المستقبلية، يسارع جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" إلى جانب بلدية القدس ووزارة القدس، الضغط على وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لعدم إلغاء بند مهم ضمن خطة خماسية إسرائيلية جديدة (2024-2028) لتطوير القدس الشرقية، حيث يشجع الشباب المقدسي على الدراسة في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل، ويخصص 450 مليون شيكل (128 مليون دولار)، لتمويل منح وتحضير للدراسة الجامعية للطلاب الفلسطينيين، وذلك في سياق مخطط يقول "الشاباك" إنه "مهم لأسرلة جهاز التعليم في القدس الشرقية، ويخفض المحفزات على تنفيذ أعمال إرهابية"، بحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس".
ويرى إسرائيليون أن تهديدات سموتريتش الجدية بتمرير الخطة من دون البند المتعلق بتشجيع الشباب المقدسي على الدراسة في مؤسسات إسرائيلية، سيؤدي لفقدان طلاب جامعيين، وسيرسل الأهالي أولادهم لدراسة المنهاج الفلسطيني في الجامعات الفلسطينية.
وكانت لجنة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية "كابينيت"، خلصت قبل سنوات، إلى أن تحسين ظروف حياة المقدسيين شرق القدس في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل وغيرها، سينعكس إيجاباً على المصلحة الأمنية الإسرائيلية.
ووفقاً للصحيفة، تقلصت الخطة الخمسية الجديدة التي تناولت مجال التعليم والتعليم العالي والبنى التحتية والفضاء العام وتسجيل الأراضي، من مبلغ أربعة مليارات شيكل (مليار و142 مليون دولار) لثلاثة مليارات (860 مليون دولار)، ثم إلى 2.1 مليار شيكل (600 مليون دولار)، بحسب الصيغة التي طرحت على الحكومة، أخيراً.
دوافع أمنية
ولأن الجامعة تعتبر مرحلة مفتوحة من التعلم الحقيقي الذي يكون أكثر تعقيداً وامتلاء بالتجارب التي تتجاوز ما يتم تدريسه وتلقينه للطلاب في قاعات المحاضـرات، حذرت أجهزة أمن إسرائيلية من أن انخراط الطلبة العرب في الجامعات العربية والفلسطينية "يعرضهم للانكشاف لمضامين معادية لإسرائيل، ولاحتمالات تجنيد بعضهم من قبل تنظيمات سرية".
وقال عضو الكنيسيت الإسرائيلي زئيف الكين إن "تأجيل الخطة لشرقي القدس من قبل وزراء اليمين مقلق جداً، لأنه إذا أوقفت الحكومة الاستثمارات في المنطقة فإن جميع الجهود التي بذلت ستذهب هباء"، مضيفاً "كلما أصبحت الفجوات بين شرق وغرب القدس أقل، أصبح ثمن الخسارة الذي سيدفعه سكان شرقي القدس نتيجة أي احتكاك أمني أعلى بكثير، بالتالي تنخفض إمكانات تشكيل الخطر الأمني من قبلهم".
ووفقاً لأرقام إسرائيلية رسمية، فإن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ارتفاعاً في التحاق الطلاب الفلسطينيين بمؤسسات التعليم العالي في إسرائيل إلى ثلاثة أضعاف تقريباً، وأن أكثر من 1500 طالب فلسطيني من القدس، حصلوا على البكالوريوس من مؤسسات إسرائيلية، في حين أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن هناك قفزة كبيرة في عدد الطلاب المقدسيين الفلسطينيين الملتحقين بالجامعة العبرية، حيث فاق عددهم 410 طلاب.
من جهته، رأى الناطق باسم أولياء الأمور في القدس رمضان طه أن "تحول الخطط الإسرائيلية تجاه شرقي القدس من الإقصاء إلى الاحتواء خلال السنوات الأخيرة، والتركيز على تشجيع التعليم والمنح ليس بدافع الود أو التطوير، بل لتهويد عقل المقدسيين، وإعدام الثقافة الوطنية لديهم".
أضاف طه لـ "اندبندنت عربية" أن "الحكومة الإسرائيلية تستغل الأزمات والمشكلات المركبة التي يعانيها واقع النظام التعليمي في القدس من أجل إحلال نظامها التعليمي (البيجروت) أملاً في تسهيل عملية الأسرلة، وتشجيع الطلبة المقدسيين على الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية وتعلم اللغة العبرية، وهو الأمر الذي قد يسهم في اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي".
سوق العمل
وكشفت دراسة أعدها معهد القدس لبحث السياسات أن معظم الخريجين المقدسيين الذين التحقوا بالمنهاج الفلسطيني بالدراسات الأكاديمية في الجامعات الفلسطينية لم يعملوا قط في سوق العمل الإسرائيلية، في حين أن 66 في المئة من خريجي المنهاج الإسرائيلي اندمجوا في سوق العمل وهم يعملون حالياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت الدراسة أن عدم إتقان اللغة العبرية كان من أصعب العوامل في اندماج المقدسيين في القدس بسوق العمل، وشهد 60 في المئة من السكان الشباب أنهم لا يعرفون العبرية على الإطلاق أو أن مستوى حديثهم بهذه اللغة كان منخفضاً إلى متوسط، كما أبانت أن 58 في المئة من الحاصلين على تعليم عال في القدس الشرقية درسوا في المؤسسات الفلسطينية، وفي كثير من الحالات، لا تعترف إسرائيل بالشهادات التي تم الحصول عليها من هذه المؤسسات، بالتالي لا يمكن للخريجين الاندماج في سوق العمل في المجال الذي درسوا فيه.
وكان وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر اقترح، بداية فبراير (شباط) الماضي، وقف الاعتراف الرسمي بالشهادات الأكاديمية الصادرة عن مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، وبحسب ما ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" قال ديختر إن "الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الفلسطينية يتعرضون لمواد ورسائل معادية لإسرائيل وحتى تشجيع الإرهاب التي يعودون معها إلى تل أبيب وينقلونها إلى طلابهم".
في حين رأت رئيسة لجنة التربية والتعليم السابقة شارين هاسكل من حزب "الليكود" أن أكثر من 20 في المئة من المعلمين بالمدارس العربية في إسرائيل تخرجوا في جامعات فلسطينية "بعدما امتصوا مضامين تصور إسرائيل كعدو".
وفي هذا السياق، قال رئيس الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين بالقدس زكريا عودة "للأسف أصبح التوجه للجامعات الإسرائيلية أسهل لبعض طلاب القدس من حيث إمكانية الحصول على فرصة عمل جيدة بعد التخرج، حيث تكون الرغبة لتوظيف حملة الشهادة الإسرائيلية أولاً، وهذا الأمر يعتبر حاسماً بالنسبة لعدد من الطلاب المقدسيين عند اختيار وجهتهم الجامعية، بخاصة أن خريجي الجامعات الفلسطينية يحتاجون فور تخرجهم لاعتراف وامتحان مزاولة مهنة كي يتم معادلة شهاداتهم، وهذا يلزم الطالب العربي قضاء عام أو عامين إضافيين بعد التخرج، كي يتمكن من دخول سوق العمل في المؤسسات التابعة للجهات الإسرائيلية".
عقوبات صارمة
وتزامناً مع طرح الخطة الخمسية الجديدة لتطوير شرقي القدس، التي يقول "الشاباك" إنها "مفيدة لأمن إسرائيل"، صادقت اللجنة الوزارية للتشريع، قبل أيام قليلة، على مشروع قانون يهدف إلى حظر النشاط السياسي للطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية بزعم دعم "منظمات إرهابية".
ويقترح القانون "وضع حد للتحريض في الأكاديميات، وتأكيد أنه لا يجوز التعبير عن دعم الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل أو عمل إرهابي أو منظمة إرهابية، وأنه لا يجوز رفع علم دولة معادية أو منظمة إرهابية أو السلطة الفلسطينية فوق مباني مؤسسة التعليم العالي".
ووفقاً للاقتراح، فإن انتهاك هذه المحظورات سيؤدي إلى إيقاف الطالب من قبل المؤسسة، لمدة لا تقل عن 30 يوماً، فيما سيتم إبعاد الطالب الذي يرتكب مثل هذه المخالفة مرة أخرى، نهائياً من الدراسة في تلك المؤسسة، وسيتم حرمانه من حق الاعتراف بشهادة ممنوحة في إسرائيل أو في الخارج لمدة 10 أعوام، كما ينص مشروع القانون على "إغلاق خلية طلابية (تنظيم طلابي في الجامعة) تعبر عن دعمها لعمل أو نشاط إرهابي أو منظمة إرهابية من قبل المؤسسة الأكاديمية المعنية".
وفي تعليقه على مشروع القانون، قال وزير التعليم الإسرائيلي يوآف كيش "أتمنى ألا يكون هناك مثل هذه الحالات في الأكاديميات، لكن من الواضح للجميع أنه من المستحيل على الطلاب الذين يدرسون في دولة إسرائيل أن يدعموا أعمالاً إرهابية وتنظيمات إرهابية تمس مواطني الدولة، تحت رعاية المؤسسات الأكاديمية".
في حين دعا مجلس أمناء الجامعة العبرية في القدس، اللجنة الوزارية للتشريع إلى معارضة مشروع القانون، حيث كتب المجلس في بيان أن "المفهوم الذي بموجبه يتعين على إدارة المؤسسات الانشغال بالتحري عن أقوال طلاب وإملاء عقوبات تفرضها المؤسسة الأكاديمية، هو أمر مرفوض".
من جهتها، تعارض المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، مشروع القانون قائلة إن "من شأنه المس بحرية التعبير والاحتجاج، وبحرية العمل أيضاً، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى منع التعليم العالي في سياقات لا علاقة لها أبداً بالإرهاب".
خطوة أولى
في الخطة الخمسية السابقة، التي ينتهي سريانها، العام الحالي، استحوذ قطاع التعليم على الحصة الأكبر من الميزانية الإسرائيلية بقيمة بلغت 445 مليون شيكل (130 مليون دولار) في الأقل، وما يقارب 89 مليون شيكل (25 مليون دولار) تنفق سنوياً على تشكيل القطاع التعليمي بالقدس الشرقية، وتركز على زيادة الإقبال على المنهاج الإسرائيلي في المدارس وتقديم حوافز تعليمية وميزانيات استئجار مبان وغيرها، وكذلك توسيع نطاق التعليم اللامنهجي وتعليم اللغة العبرية والتكنولوجيا، كما يقوم أحد برامج الخطة على تعليم أطفال الروضات من أعمار ثلاث إلى خمس سنوات كلمات وتعابير أساسية باللغة العبرية.
وفي مبادرة مشتركة بين وزارة القدس وبلديتها، استثمر فيها 10 ملايين شيكل (3.5 مليون دولار)، افتتح، الإثنين الماضي، مجمع للتكنولوجيا المتقدمة "هايتك" بالقدس الشرقية، الذي يستضيف شركات "الهايتك" مجاناً مقابل توظيف مبرمجين من شرق القدس، وهي الخطوة الأولى بحسب البلدية نحو إنشاء "وادي السيليكون" (حرم جامعي كبير للهايتك في حي وادي الجوز شرقي القدس)، الذي سيمتد على 200 ألف متر مربع للمناطق التجارية والتوظيفية والصناعية، وسيتم استثمار نحو 200 مليون شيكل (57 مليون دولار) فيه.