ملخص
تتوفر تونس على أكثر من مليون هكتار من الغابات
استعادت مدينة طبرقة على الساحل الشمالي الغربي لتونس حركيتها وعاد معبر "ملولة" الرابط بين المدينة والأراضي الجزائرية إلى نشاطه المعتاد، إثر السيطرة الكلية على الحرائق التي نشبت في غابات ملولة الحدودية.
وكانت الحرائق قد التهمت مساحات شاسعة من الغابات، والحقول، في محافظتي باجة وجندوبة الواقعتين في شمال غربي تونس، كما طالت غابات محافظات سليانة وبنزرت شمالاً، ومحافظتي القصرين والقيروان في الوسط. وفي حين لم تسجل خسائر في الأرواح جراء هذه الحرائق، إلا أنها خلفت أضراراً مادية في مساحات الغابات، علاوة على إلحاق الضرر بعدد من المنازل، والمشاريع الصغرى التي كابد أصحابها مشقة إنشائها في هذه المناطق الداخلية التي تشكو حيفاً تنموياً منذ عقود.
وعلى رغم تمكن الحماية المدنية، وعناصر حماية الغابات، ووحدات الجيش، من السيطرة على الحرائق، فإن تجددها كل سنة وخسارة تونس سنوياً آلاف الهكتارات من الغابات يثيران التساؤل حول نجاعة الآليات المستخدمة لإطفاء الحرائق وسبل المحافظة على الثروة الغابية.
إجلاء عشرات العائلات وخسارة 500 هكتار من الغابات
وأكد الناطق الرسمي باسم الحماية المدنية، معز تريعة أن "وحدات الحماية المدنية لا تزال تكافح من أجل السيطرة نهائياً على جيوب الحرائق في وشتاتة ونفزة في محافظة باجة، وملولة الحدودية في محافظة جندوبة"، لافتاً إلى أن السيطرة تكاد تكون نهائية على كل الحرائق".
وقد أتت الحرائق في منطقة ملولة على 500 هكتار من الغابات، ما دفع بالسلطات المحلية إلى إجلاء نحو 800 من سكان المنطقة براً وبحراً إلى مراكز إيواء موقتة وسط مدينة طبرقة.
وأشاد تريعة "بتعاون كل الوحدات من الحماية المدنية والجيش الوطني والغابات من أجل السيطرة على الحرائق"، مشيراً إلى أن "الإمكانات اللوجيستية متوفرة والوحدات قادرة على التعاطي مع هذه الحرائق كلما تضافرت جهود جميع الوحدات".
خمس سنوات لتجدد الكساء الغابي
من جهته أكد رئيس دائرة الغابات في باجة الشمالية، فتحي عوامري أن "الحرائق أتت على جزء من المنبت الغابي في المنطقة، كما خلفت أضراراً كبيرة في الأشجار الغابية كالصنوبر الحلبي والفرنان"، مشيداً بجهود المواطنين في تطويق الحريق بالتعاون مع مختلف الوحدات التي التحقت بالمنطقة".
وأشار عوامري إلى أن "تجديد الكساء الغابي يتطلب خمس سنوات، بعد أن تخضع المنطقة التي التهمتها النيران إلى عناية خاصة، حيث يمنع فيها الرعي، كما يمنع دخولها".ويذكر أن تونس سجلت، خلال الأيام القليلة الماضية، درجات حرارة قياسية إذ بلغت 49 درجة مئوية في بعض المناطق، بحسب بيانات المعهد الوطني للرصد الجوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النيران تنسف أحلام شباب المنطقة
وأتت النيران على عدد من المنازل والحقول العائلية، كما نسفت أحلام عدد من شباب المنطقة، على غرار الشاب، حكيم الرويسي، القاطن في منطقة ملولة الحدودية وصاحب مشروع لتربية الدجاج، ويملك 90 خلية نحل.
تحدث حكيم بصوت متقطع، عن خسارته لمشروعه، البالغة قيمته نحو 45 ألف دينار (15 ألف دولار) لافتاً إلى أنه "لم يؤمن مشروعه، بالتالي خسر حلمه في لحظات معدودات".
ويستحضر الرويسي الصعوبات التي واجهها من أجل إنشاء مشروعه متضرعاً إلى الله أن يعوضه خسارته، وأن يعينه على استعادة أنفاسه وإعادة إطلاق مشروعه من جديد.
ويعد حكيم الرويسي نموذجاً للشاب المتعلق بمنطقته التي وهبها الله جمالاً، يجمع بين سحر البحر وجمال الغابة، ويناشد السلطات والبنوك أن تساعده على أن يعيد بعث مشروعه.
من جهتها، خسرت وسيلة ممتلكاتها من القوارص وفاكهة "الكريمة" المعروفة بها المنطقة، وبدت متأثرة على ما آل إليه بيتها المتواضع بعد أن دهمته النيران، وأتت على عدد من خلايا النحل التي تعتني بها في حديقتها المجاورة.
وتساءلت بحسرة كبيرة عن مصيرها بعدما باتت في العراء، وفقدت ممتلكاتها وبيتها الذي اتشح بسواد الدخان المنبعث من النيران.
رصيد تونس من الغابات يزيد على مليون هكتار
وتتجدد الحرائق كل سنة تقريباً، ويتشبث سكان المناطق الغابية والمقدر عددهم بنحو مليون شخص، بالغابة التي تدر عليهم من خيراتها إلا أن المحنة لا تنتهي وتتكرر في كل صيف، لتلتهم الحرائق ما بين ثلاثة وأربعة آلاف هكتار من المساحات الغابية سنوياً، لعوامل عدة من بينها الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، علاوة على أن الكساء الغابي قابل للاشتعال، ولا يقاوم الحرائق وأصناف الأشجار الموجودة في الغابات في تونس هي من الأصناف الأكثر قابلية للاحتراق.
وقال أستاذ التنمية المستدامة المتخصص في البيئة، عادل الهنتاتي، إن "تونس خسرت السنة الماضية (2022)، أكثر من 25 ألف هكتار من الغابات بسبب الحرائق"، داعياً إلى "مزيد العناية بسكان الغابات، وتعزيز تواصلهم مع مصالح الغابات عند الشرارة الأولى من الحريق من أجل تطويق الحرائق قبل تمددها وانتشاره". وأضاف الهنتاتي أن "تونس تتوفر على 1.2 مليون هكتار من الغابات، ويتم سنوياً تشجير ما بين 10 و15 ألف هكتار إلا أن هذا المجهود يتلاشى بسبب حدة الحرائق".
ووضعت تونس "خطة وطنية لحماية الغابات من الحرائق" بمشاركة أربع وزارت، وهي: الفلاحة والدفاع والداخلية والتجهيز، وتهدف إلى تقليص المساحات المحروقة ودعم الإنذار المبكر والتدخل السريع.