Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التعري وسيلة للاحتجاج والمبالغة في حق التعبير عبر العصور

في تراثنا العربي ملامح هذه الظاهرة موجودة في قصيدة خيالية لخليل مطران ورد فيها "ما كانت الحسناء ترفع سترها..."

 الاحتجاج بالتعري للفت النظر وسيلة باتت مستخدمة دعماً للقضايا (بكسلز)

ملخص

التعري أسلوب جريء وصادم وموجود من العصور القديمة تعبيراً عن قضايا عدة فهل فعلاً هو مفيد؟

تطالعنا لوحة السيدة العارية تمطي الخيل، وتتدثر بشعرها الطويل كشعار للرفض منذ القرن الحادي عشر. إنها الإنجليزية الليدي غوديفا، زوجة اللورد ليوفريك، التي على رغم انتمائها للطبقة الأرستقراطية العليا إلا أنها نالت شهرتها من تعاطفها مع الفقراء. وتروي قصتها أو أسطورتها أنها كانت تحث زوجها على التوقف عن فرض الضرائب على سكان مدينة كوفنتري، لتخفيف أعبائهم، ولكن من دون جدوى. ولما يأس من إلحاحها وافق على تلبية طلبها بشرط أن تجوب البلدة على حصانها عارية. فوافقت وخلعت ملابسها وغطت جسدها بشعرها الطويل وامتطت حصانها. وسارت في شوارع المدينة، ويقال إن السكان مكثوا في منازلهم وأسدلوا الستائر احتراماً لها، باستثناء رجل يدعى توم، اختلس النظر من النافذة فأصيب بالعمى. وقد خلدت هذه الرواية بعدد من اللوحات والمنحوتات في الفن القديم والحديث.

كلف احتجاج ورفض غوديفا لسياسة زوجها السير عارية في الشوارع، إلا أن قصصاً كثيرة كرّست التعري أو خلع بعض من قطع الثياب بهدف الاحتجاج على قضايا مختلفة في أهميتها وعمقها، من الطقس إلى التسريح من الوظائف، إلى الوضع المعيشي وسواه من القضايا.

وخلع الثياب مراحل، قد تكون بقطعة أو أكثر بحسب البلد والثقافة والمجتمع. ففي قصيدة "مقتل بزرجمهر: يقول الشاعر خليل مطران في الشطر الأخير عن لسان ابنة الوزير بزرجمهر، وهي تقول لكسرى الذي أمر بإعدامه عن طريق رسوله، "ما كانت الحسناء ترفع سترها... لو أن في هذي الجموع رجالا". وهو موقف آخر واحتجاج على ظلم وقع بحق والدها، عندما صمتت الجموع ولم تتشفع للوزير العادل.

وفي حين تجرد البعض كلياً من ثيابهم لخلق صدمة، لتُسمع أصواتهم بقضايا يدعمونها، أسدلت سيدات إيرانيات حجابهن تحت شعار الحرية الشخصية، فكانت مهسا أميني ضحية هذا التعبير الذي كلّفها حياتها، وكلّف البلاد تظاهرات في طولها وعرضها.

السرطان والفرو والبيئة والمثلية

يرتبط فعل التعري في مجتمعاتنا الحديثة بالإضاءة على فكرة معينة، كون التعري لا يزال يثير الجدل والتساؤلات بين مؤيد ومعارض.

من أبرز حملات التعري، تلك التي قامت بها منظمة "بيتا" PETA من أجل الرفق بالحيوانات. حيث شارك عدد كبير من المشاهير في حملة تحت عنوان "أفضل أن أكون عارياً بدلاً من ارتداء الفرو"، للتنديد باستخدام الفرو في تصميم الأزياء. مثل باميلا أندرسون، وكيم بيسنجر وابنتها، وكلوي كردشيان، وإيفيا مينديس وغيرهن.

كما حظيت حملات التوعية بسرطان الثدي بمبادرات إظهار صور عارية كلياً أو جزئياً لمشاهير إناث وذكور، ترويجاً للتوعية بسرطان الثدي، وتأكيد أهمية الفحص الدوري والكشف المبكر. من أبرز المشاركين: كايلي مينوغ، آمبر روز، سينثيا نيكسون، وريتشارد راوندتري وسواهم.

وقام مشاهير آخرون بالتصوير عراة أو شبه عراة لزيادة الوعي حول القضايا البيئية مثل قضايا الحفاظ على الغابات، والبيئة البحرية وتغير المناخ. إضافة إلى حملات تحسين الصورة الذاتية والقبول بالذات التي شارك فيها بعض المشاهير صوراً عارية أو غير معدّلة لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لتشجيع القبول الذاتي وتعزيز الثقة بالنفس، مشجعين الآخرين على الشعور بالثقة بأجسادهم. ونشرت مجلة "فوغ" البريطانية على غلافها الشهر الماضي صورة شبه عارية لنجمة مسلسل "هاري بوتر" ميريام مارغوليس التي تبلغ من العمر 82 سنة قائلة إنها تكره الأثداء الضخمة والبطن المتدلي والسيقان الملتوية، وليست مسرورة بها. لكنها تتقبلها.

كما نشر عدد من الشخصيات المعروفة صوراً عارية أو شبه عارية دعماً لحقوق المجتمع المثلي، ولتعزيز القبول والمساواة. وصوّر الفنان الروماني تيبيريو كابوديان 200 رجل مثلي عراة في محاولة لمعالجة رهاب المثلية الجنسية. وقال إنه بالنسبة للعديد من الرجال المصوَرين كان أسهل لهم خلع ملابسهم من سرد قصصهم.

التعري لحقوق العمال

في عام 2012 بعد أيام من الاعتصام هدد عمال أحد معامل القطن في مصر، كانوا يطالبون بصرف رواتبهم المتأخرة حوالى سنة، بالتصعيد، وبخلع ملابسهم الداخلية أمام مبنى مجلس الوزراء في حال استمرار تجاهل مطالبهم.

وفي سياق متصل قام عام 2021 في وقفة احتجاجية أكثر من 50 مضيفة طيران كن يعملن في الخطوط الجوية الإيطالية "أليطاليا" بخلع أزيائهن الرسمية اعتراضاً على فقدان وظائفهن وخفض رواتبهن، ووقفن في إحدى ساحات روما بملابسهن الداخلية وهن يهتفن "نحن أليطاليا". ويقلن بما معناه "نزعوا منا كل شيء، كما ننزع ثيابنا". ونقلت شاشات التلفزة والإعلام ومواقع التواصل هذا الحدث مباشرة على الهواء.

اعتراضاً على الطقس والحكومة

عام 2015 انتشر فيديو لمذيعة طقس كوبية تدعى مايلين أوتيرو فرنانديز على قناة Global TV وهي تعبّر عن الحر، وتخلع ملابسها قطعة قطعة على الهواء حتى أصبحت بثياب السباحة على وقع ضحكات زملائها في الإستوديو.

قررت إحدى محطات التلفزة في هونغ كونغ عام 2011 تمثيل حالة الطقس عبر ارتداء أو خلع المذيعة لثيابها بحسب الحرارة والتمايل والارتجاف بحسب قوة الريح والعواصف.

أما في تركيا فقد خلع مقدّم الأخبار الرئيسي في قناة HRT التركية المحلية علي يولجو ملابسه على الهواء مباشرة، في عزّ الشتاء في فبراير (شباط) الماضي احتجاجاً على تعامل الحكومة التركية مع تداعيات الزلزالين اللذين ضربا ولاية هاتاي. وبدأ النشرة باللباس الداخلي، قائلاً "فلتسمعنا الحكومة، وتسمعنا المعارضة، أقوم بخلع ملابسي لأنني أريد لهذا الفيديو أن ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أريد أن يُسمع صوت هاتاي". قبل أن يعاود ارتداء قميصه، راوياً أن ملابسه الداخلية قد حصل عليها من إحدى شحنات الإغاثة.

نصف خلع

وكان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة باراك أوباما قد خلع سترته عدة مرات، مرة في أحد الصفوف في الجامعة أثناء إلقاء محاضرة وطلب من الطلاب أن يخلعوا ستراتهم، ومرة أثناء إلقاء خطاب في برلين شاكراً الحضور على حرارة الترحيب قائلاً "الجو دافئ جداً، سأخلع سترتي، وأي شخص آخر يريد أطلب منه ألا يتردد. يمكن أن نكون أقل رسمية بين الأصدقاء".

ومما لا شك فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول أنظار العالم إلى صوره شبه العارية وهو يمتطي جواده، وصور بلباس السباحة التي قلما عمد رئيس بلاد إلى نشر صوره بلباس البحر وهو يغطس في إحدى البرك الجليدية. ما أثار سخرية من زعماء الدول السبع الاقتصادية، إذ تساءلوا إن كان عليهم أن يخلعوا ثيابهم ليبدوا أكثر قوة، فجاء ردّه "بإمكانهم أن يخلعوا ثيابهم فوق الخصر، أو تحت الخصر إن أرادوا، ولكن سيكون منظراً مقززاً"، بحسب "بي بي سي".

وقام رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري أثناء خطابه في آذار (مارس) عام 2011 بخلع سترته ونزع ربطة عنقه وتشمير أكمامه بطريقة باراك أوباما. الأمر الذي رافقه الكثير من النكات والسخرية حينها، فلم يكررها الحريري كما فعل أوباما في مناسبات عدّة.

 

لماذا يخلع الناس ملابسهم؟

هذه عينات مختلفة أرادت أن تضيء على قضايا، أو أشخاص أرادوا أن يلفتوا الأنظار بطريقة صادمة. ويوجد الكثير من النماذج التي كان التعري أسلوباً تعتمده مثل حركة "فيمين" FEMEN التي تنظم احتجاجات عارية حول العالم ضد السياحة الجنسية، والمؤسسات الدينية، وقضايا اجتماعية وحقوقية. إضافة إلى تحركات عارية أو شبه عارية عديدة قامت بها جهات مختلفة إما للتوعية حول أخطار التلوث أو للتوعية عن مرض الإيدز أو لشؤون أخرى. فلماذا تستخدم هذه الوسيلة التي لا تمت أحياناً بالقضية المطروحة بصلة؟

  تقول رولا عصفور معالجة السلوك المعرفي لـ "اندبندنت عربية" إنه إذا أردنا تفسير سلوك أي شخص لا بد من الحديث عن المثلث المعرفي أو المثلث الإدراكي، وهو أداة بسيطة نستطيع من خلالها فهم حقيقة السلوك البشري، فكل فكرة إيجابية تخطر على بال الشخص ينتج منها شعور إيجابي وبالتالي سلوك إيجابي وبالعكس. وتتأثر أفكار الإنسان بالتجارب الحياتية الخاصة به أو الخاصة بالآخرين، والمعتقدات الشخصية عن النفس، وعن الآخرين، والقناعات المتعلقة بالذات أو عمن نتعامل معهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وتضيف "بالعادة أي شخص يتصرف تصرفاً خارجاً عن المألوف يكون الهدف الرئيسي بالنسبة له "لفت الانتباه"، وهي طريقة يستخدمها الإنسان منذ الطفولة للفت نظر والديه والحصول على اهتمامهم. لذا من الطبيعي أن يقوم بعض الأشخاص بتصرفات غير مألوفة، عند الحاجة، للتعبير عن مطالبهم بعد شعورهم بالظلم، أو القهر، أو الذل، أو اليأس، على المستوى الشخصي والاجتماعي ولسنوات عدة، شرط ألا يكون الشخص الذي قام بهذا السلوك غير مصاب باضطرابات أو أمراض نفسية. والسبب في اختيارهم لنوع السلوك مثل: التعري بالشارع أمام المارة، هو إيمانهم أن لفت الانتباه لقضيتهم الكبيرة بحسب رؤيتهم لن يتحقق إلا إذا قاموا بسلوك احتجاجي يلفت نظر الجميع حتى وأن كان مستهجناً أو مرفوضاً اجتماعياً. وهذا الاعتقاد ناتج من سماعهم أو رؤيتهم لتجارب حقق أصحابها الهدف المرجو كتغيير الحال، أو التخلص من الظلم والقهر، بعد السلوك غير المألوف".
وتشير إلى ضرورة أن يعي من يقوم بهذا النوع من الاحتجاج "أن خلع الملابس هو مجرد وسيلة من أجل إيصال رسالة مهمة، أو من أجل إثارة قضية معينة، لكنه لا يكفي من أجل إحداث التغيير المجتمعي، بل إنه يحتاج إلى نشاطات مساندة وداعمة مثل: التواصل مع أصحاب القرار، وتوقيع العرائض، والمشاركة في التظاهرات السلمية، ونشر القضية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".

وعن ردود أفعال الناس تجاه التصرفات غير المألوفة، تقول "نلاحظ من خلال ردود الأفعال أن الغالبية وإن كان يرفض السلوك لأن له علاقة بأخلاقيات ومبادئ المجتمع، إلا أنه يتعاطف مع الحالة الإنسانية، وقد ينضم للمشاركة كما حدث مع المضيفات الإيطاليات اللواتي خلعن ملابسهن أمام الكاميرات احتجاجاً على إغلاق الشركة وتسريح الموظفين".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير