ملخص
وزير الداخلية الفرنسي انحاز إلى مطالب عناصر الشرطة ما يشير إلى صدام مرتقب مع القضاء.
خرج وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان عن صمته حيال حركة الغضب بين صفوف عناصر الشرطة معرباً عن تضامنه الكامل مع رجال الأمن. فالوزير الذي كان برفقة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في زيارة إلى كاليدونيا على بعد ستة آلاف كيلومتر عن باريس توجه فور عودته إلى العاصمة، وتحديداً مركز الشرطة في الدائرة 19 حيث عبر عن تفهمه لمطالب رجال الشرطة معتبراً أنهم لا "يطالبون بأن يكونوا فوق القانون"، لكنهم في المقابل "يجب ألا يكونوا تحت القانون".
وزير الداخلية الفرنسي اعتبر أن رجاله يطالبون بالاحترام، منتقداً في الوقت نفسه الحملات الإعلامية التي تطالهم، كالانتقادات والتجريح والنيل من كرامتهم من قبل طبقة سياسية، موجهاً انتقاده المبطن إلى صاحب مقولة "الشرطة تقتل"، زعيم حزب أقصى اليسار "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلانشون.
حركة الغضب انطلقت من مارسيليا، وسرعان ما توسعت لتشمل مناطق أخرى في الجنوب وليون ورين والمنطقة الباريسية، وذلك إثر قرار قضائي بتوقيف رجل أمن ووضعه قيد الحجز الاحتياطي في السجن لمشاركته في حادثة عنف على شاب في مارسيليا خلال الأحداث التي شهدتها فرنسا، أخيراً.
مطالب النقابات
تحركات جيرالد دارمانان لم تتوقف عند هذه المحطة، بل اجتمع بعد زيارة مديرية الشرطة في الدائرة الـ19 إلى ممثلين عن كافة نقابات الشرطة في وزارة الداخلية الفرنسية، تم خلاله استعراض مطالب النقابات التي شملت "الحق في التحفظ على هويات عناصر الشرطة في المحاضر واستبدالها برمز، حفاظاً على أمنهم وعائلاتهم، والحصول على وضعية خاصة منذ بداية العملية القضائية، وحق الحصول على الحماية الوظيفية التي تقضي بعدم قطع المعاش الشهري خلال التوقيف الاحتياطي، والحصول على المساعدة المالية اللازمة لدفع تكاليف الدفاع، وتأمين حماية العائلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يعني تأكيد الوزير دارمانان وقوفه إلى جانب عناصر الأمن وإشادته برئيس الشرطة الفرنسية الذي استنكر توقيف أحد رجاله، حل الأزمة، فتحقيق المطالب المالية والحماية يدخل في نطاق عمل وزارة الداخلية، أما فيما يتعلق بمطلب الحصول على وضعية خاصة في حال التوقيف الاحتياطي، فهو منوط بصلاحيات القضاء، ما يضع وزير الداخلية أمام معادلة صعبة.
هذه النقطة ستشكل محط جدل بين القضاة ورجال القانون من جهة، والشرطة من جهة أخرى، باعتبار أن الأخيرة تطالب بمعاملة خاصة، لا يتساوى فيها رجال الأمن مع سائر المواطنين الفرنسيين.
وللدفاع عن شرعية مطلبهم، اعتبر ممثلو نقابات الشرطة أن طبيعة عملهم والمهام التي يتولون تنفيذها، تضعهم أصلاً في حالة استثنائية، وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار.
والخلاصة مما تقدم أن تهدئة غضب الشرطة لم يحل الأزمة، فالوعود بتحقيق عدد من مطالبهم، لا تعني وقف حركة الاحتجاج، وكل هذا ينبئ بأن تشهد الأيام المقبلة جدلاً سياسياً واسعاً. وهو في صلب تجاذبات بين القضاء والشرطة.
المجلس الدستوري الفرنسي بدوره لن يسمح بوضع شرعي تحفظ للشرطي الحصول على معاملة خاصة في حال ثبت ضلوعه في عمل مخالف لأخلاقية مهنته وحين يكون أحدهم قيد الحجز الاحتياطي.
ظروف عمل صعبة
الوزير الفرنسي جيرالد دارمانان لم يجد أمامه سوى إعادة التذكير بعدد عناصر الشرطة الذين أصيبوا بجروح تراوحت بين طفيفة وخطرة خلال أعمال الشغب التي شهدتها البلاد أخيراً، ووصل إلى 900 مصاب، وحيث تعرض بعضهم لاعتداءات جاوزت حد الموت، كما ذكر بظروف عملهم الصعبة والخطرة.
التعليقات على تصريحات دارمانان، لم تتأخر ومن بينها المنتقدة التي اعتبرت أن وزير الداخلية لم يحفظ المسافة اللازمة بينه وبين مطالب النقابات فيما يتعلق بوضعية خاصة للشرطة، وبدا وكأنه مستعد للتنازلات لدرء الانقسام بسبب حركة الغضب.
وباتت الخشية اليوم أن يصل الوضع إلى ما شهدته المؤسسة الأمنية، خلال عامي 2015 و2016، أي تصاعد حركة اجتماعية تخرج عن سيطرة النقابات.
بحسب المتخصص الأمني في جامعة سيرجي بونتواز، أوليفييه كان، فإن حجم الاستقالات في صفوف الشرطة الفرنسية لا يعلن عنه وبلغ 10 آلاف هذا العام، ما يعتبر رقماً قياسياً، مستطرداً بالقول إن هؤلاء يتخلون عن مراكزهم في الشرطة الوطنية ويلتحقون بالشرطة البلدية التي تقدم ظروف عمل أفضل، أضف إلى ذلك عدد حالات الانتحار التي بلغت ذروتها العام الماضي.
ويرى "كان" أن وزير الداخلية الفرنسي لن يتمكن من تحقيق كافة مطالب النقابات كون بعضها لا يتلاءم مع القانون، ما يعني أن تحدياً كبيراً لا يزال ماثلاً أمام "دارمانان"، بخاصة في ظل وجود حالات أخرى ستبرز إلى العلن وبلغ عددها حتى الآن نحو 30 حالة، والتي قد تتوالى تباعاً، وفي حال حصول عمليات توقيف أخرى لأفراد الأمن، فإن التخوف الأساس يتمثل بإمكانية تصلب حركة القاعدة الاجتماعية.