ملخص
مؤشر مديري المشتريات في مصر أظهر أن انكماش القطاع الخاص غير النفطي بالبلاد سجل في يوليو الماضي أبطأ وتيرة له في نحو عامين
شددت الضغوط الاقتصادية السلبية الداخلية والخارجية من حصارها على القطاع الصناعي المصري. ففي ظل استمرار معاناة المصنعين في جلب المواد الخام ومستلزمات الإنتاج من الخارج مع شح العملة الأجنبية فاجأهم البنك المركزي المصري بقرار "غير متوقع" برفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس أو ما يعادل واحداً في المئة، الخميس الماضي.
إذ قررت لجنة السياسة النقدية، التابعة للبنك المركزي المصري في آخر اجتماعاتها، الخميس، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 19.25 في المئة، و20.25 في المئة و19.75 في المئة، على الترتيب، كما رُفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 19.75 في المئة.
قرار لجنة السياسة النقدية المفاجئ للمتخصصين والمحللين جاء بعد أن أبقت اللجنة على أسعار الفائدة من دون تغيير في اجتماعين متتالين الأول في مايو (أيار) الماضي والثاني في يونيو (حزيران) 2023.
رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم
وأرجعت اللجنة قرارها إلى محاولات السيطرة على التضخم، إذ أكدت أن "رفع أسعار الفائدة مدفوعاً بارتفاع واسع النطاق في أسعار معظم بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين نتيجة لاستمرار صدمات العرض"، مشيرة إلى أنه "في ضوء ما سبق، وأخذاً في الاعتبار توازنات الأخطار المحيطة بالتضخم، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي بمقدار 100 نقطة أساس لتفادي الضغوط التضخمية والسيطرة على توقعات التضخم"
ووصل المعدل السنوي للتضخم العام في مصر إلى مستوى 35.7 في المئة خلال يونيو 2023 من مستوى 32.7 في المئة خلال مايو 2023، كما ارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى مستوى 41 في المئة خلال يونيو 2023 من معدل بلغ 40.3 في المئة خلال مايو 2023.
تباطؤ انكماش القطاع الخاص غير النفطي
تزامناً مع قرار البنك المركزي غير المتوقع أظهر مؤشر مديري المشتريات في مصر، الخميس الماضي، أن انكماش القطاع الخاص غير النفطي بالبلاد سجل في يوليو الماضي أبطأ وتيرة له في نحو عامين، حتى في الوقت الذي تظل فيه التوقعات ضعيفة لحدوث تحسن قريباً.
وارتفع المؤشر إلى 49.2 نقطة في يوليو الماضي من 49.1 في يونيو 2023، لكنه لا يزال دون مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش، إلى ذلك انكمش النشاط على مدى 32 شهراً متصلة غير أن انكماشاً في يوليو الماضي كان الأبطأ منذ أغسطس (آب) 2021.
وقالت "ستاندرد آند بورز غلوبال "عقب نتائج يوليو الماضي، سجلت الشركات غير النفطية المصرية شهراً آخر من الانكماش المتواضع نسبياً في كل من الإنتاج والطلبيات الجديدة مقارنة مع مستوياتهما المسجلة في بداية العام الحالي"
وأضافت "لكن التراجع لا يزال واسع النطاق مع تسجيل انخفاضات في جميع القطاعات الأربعة التي يشملها المسح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وارتفع المؤشر الفرعي للطلبيات الجديدة إلى 48.5 نقطة من 48.4 نقطة في يونيو2023 بينما ارتفع المؤشر الفرعي للإنتاج إلى 48.9 نقطة من 48.8 نقطة.
وزاد المؤشر الفرعي لتوقعات الإنتاج المستقبلية إلى 52.9 نقطة من 51.6 نقطة في يونيو ليظل قرب أدنى مستوياته على الإطلاق.
وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي في "ستاندرد أند بورز غلوبال"، ديفيد أوين "لا تزال توقعات الشركات للمستقبل ضعيفة إلى حد كبير إذ توقع ستة في المئة فحسب من المشاركين في لجنة المسح نمو الإنتاج خلال الـ12 شهراً المقبلة"، مضيفاً "كانت هناك أيضاً إشارات إيجابية بالنسبة إلى الضغوط التضخمية، وهي ما سترحب بها الشركات والعملاء على حد سواء".
وقالت "ستاندرد آند بورز غلوبال"، إن "التوظيف تراجع للشهر الثامن في يوليو الماضي".
أزمة استيراد المواد الخام
لا تزال أزمة استيراد المواد الخام والسلع والمواد الأولية مستمرة على رغم نجاح الحكومة المصرية في حل الأزمة جزئياً على مستوى السلع الأساسية علاوة على الإعلاف بينما لا تزال الأزمة قائمة في استيراد مواد خام ومستلزمات إنتاج صناعية كما قال رئيس جمعية مستثمري مدينة بدر الصناعية (شمال شرقي القاهرة) بهاء العادلي لـ"اندبندنت عربية".
أضاف العدلي أن "مدينة بدر الصناعية تضم نحو 1000 مصنع توقفت نسبة كبيرة منها عن الإنتاج، وأخرى قللت من طاقتها الإنتاجية بينما عدد لا يستهان به من المصانع أغلقت أبوابها وصفت أعمالها"، موضحاً أن "السبب الرئيس لما يحدث في المدينة الصناعية نتيجة لعدم قدرة أصحاب المصانع على استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام لتشغيل مصانعهم مع شح الدولار الأميركي"، مشيراً إلى أن "البنوك المحلية تعجز عن توفير العملة الصعبة لرجال الأعمال والمصنعين حتى يتمكنوا من إنهاء صفقاتهم الاستيرادية وهذا أمر يمكن تقبله نظراً للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد"، مستدركاً "لكن الأمر غير المفهوم هو عدم سماح البنوك لرجال الأعمال والمستثمرين من تدبير العملة الصعبة من السوق الموازية (السوداء) في حالة عدم قدرة البنوك على توفيرها"، مطالباً البنوك المحلية بالسماح لرجال الأعمال والمستثمرين بتدبير العملة الصعبة لتنفيذ صفقاتهم العالقة.
ارتفاع كلفة الاقتراض يتحملها المستهلك
من جهته، اعتبر نقيب المستثمرين الصناعيين محمد جنيدي، قرار البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة يزيد الطين بله قائلاً لـ"اندبندنت عربية" إن "زيادة أسعار الفائدة تمثل أداة ضغط جديدة على المستثمرين والمصنعين، خصوصاً بعد إلغاء البنك المركزي كافة المبادرات للقطاع الصناعي التي كانت تمنح العاملين به قروضاً بأسعار عائد منخفضة دعماً لهم"، موضحاً أن "زيادة الفائدة تعني ارتفاع كلفة الاقتراض مما يزيد من الأعباء على أصحاب المصانع عند الاقتراض سواء لبناء مصانع وضخ استثمارات جديدة أم الاقتراض لدفع عجلة الإنتاج والتوسعات الاستثمارية للمصانع القائمة"، وأشار جنيدي إلى أن "كلفة الاقتراض سيحملها المصنع للمنتجات على التاجر بينما يحملها الأخير على البضائع على المستهلك النهائي"، ولفت إلى أن "المتضرر النهائي من رفع أسعار الفائدة هو المستهلك النهائي كما سترفع أسعار السلع من جديد في الأسواق ويستمر التضخم في الارتفاع وهذا عكس ما يبحث عنه البنك المركزي المصري حالياً".
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أخطر البنك المركزي المصري البنوك المحلية ومجتمع المال والأعمال بالتوقف عن منح التمويلات المتعددة الأشكال في إطار مبادرات لدعم القطاع الخاص الصناعي والزراعي والمقاولات، علاوة على قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة بسعر عائد ثمانية في المئة، على أن يجري سداد الرصيد المستخدم في إطار المبادرة بشكل تدريجي بحسب آجال التسهيلات الائتمانية المتاحة.
وضخ البنك المركزي المصري منذ إطلاق مبادرات التمويل نحو ثمانية تريليونات جنيه (258 مليار دولار) كمبادرات لدعم الصناعات والأنشطة الاقتصادية كافة بفائدة منخفضة بلغت ثمانية في المئة قبل أن يتوقف عنها تماماً أثناء مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد بقيمة تتخطى الثلاثة مليارات دولار.
وبعد مرور خمسة أشهر، أعلن البنك المركزي عن مبادرة جديدة لدعم القطاعات الإنتاجية بنسبة عائد 11 في المئة بقيمة إجمالية تصل إلى 150 مليار جنيه (4.85 مليار دولار) منها 140 ملياراً (4.52 مليار دولار) لتمويل عمليات رأس المال العامل، و10 مليارات جنيه (323 مليون دولار) لتمويل شراء الآلات والمعدات رأس المال العامل وشراء الآلات والمعدات.
وعن تلك المبادرة قال جنيدي، إن "المبادرة الجديدة لم تلق القبول بين المستثمرين ورجال الأعمال والمصنعين نظراً لمحدودية التمويل التي تتيحها للعميل الواحد ما جعلتها تقتصر على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر دون الشركات الكبرى"، موضحاً أن "الحد الأقصى لتمويل العميل الواحد في إطار المبادرة مبلغ لا يزيد على 75 مليون جنيه (2.4 مليون دولار) فحسب، وللعميل الواحد والأطراف المرتبطة به مبلغ 112.5 مليون جنيه (3.61 مليون دولار) تشمل تمويل رأس المال العامل وشراء الآلات والمعدات في ضوء حجم الأعمال والقواعد المصرفية المنظم".