ملخص
رأى رئيس اتحاد الصناعات العراقية أن العراق يمكن أن يدخل في صناعة السفن والقطارات من خلال استثمار الموقع الجغرافي الذي يحتاج إلى بنى تحتية لخلق شراكة مع مؤسسات عالمية لتغطية الحاجة المحلية والانفتاح على دول المنطقة
تحاول وزارة الصناعة العراقية إعادة إحياء قطاع تجميع السيارات والشاحنات في البلاد الذي تعرض خلال السنوات الماضية لتراجع في عمله بعد تحرير سوق السيارات بالكامل وإلغاء كل أشكال الدعم التي كانت توفر لهذا القطاع، ومنها لوحة السيارات المجانية.
ومنذ عام 2011 أعيدت الحياة إلى قطاع تجميع السيارات في مدينة الإسكندرية الصناعية بجنوب بغداد، التي أعيد تأهيلها بعد أن دمرت بالكامل خلال عمليات النهب والسلب التي تلت سقوط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003. وبدأت الشركة العامة لصناعة السيارات العراقية المملوكة للدولة في حينها تجميع سيارات إيرانية مثل "السايبا" و"البيجو" و"السمند"، والتي أطلقت عليها تسميات عراقية فيما بعد مثل "أور" و"بابل".
كورية وصينية
وبعد عام 2015 عقدت الشركة اتفاقاً مع شركتي "كيا موتور" و"هيونداي" الكوريتين لصناعة السيارات لغرض تجميع السيارات الصالون والشاحنات المتوسطة والكبيرة، إذ تم العمل لنحو ثلاث سنوات قبل أن يتوقف بشكل شبه كامل منذ انتشار فيروس كورونا مطلع عام 2020، كما أعلن العراق في فبراير (شباط) 2022 عن صناعة سيارة "بايك" الصينية من خلال تصنيع نحو 120 سيارة سنوياً، إلا أنها لم تحظَ بقبول كبير لدى الشارع العراقي.
إيقاف الدعم والقروض
وأصدرت الحكومة العراقية سلسلة قرارات منذ عام 2013، أسهمت في تحرير سوق السيارات وإلغاء كافة الاستثناءات التي كانت تمنح للشركة العامة للسيارات، ومنها تخصيص لوحة مجانية للسيارات التي يتم تجميعها والسماح للمواطنين بشراء الأرقام لسياراتهم بشكل مباشر من الدولة، فضلاً عن توقف معظم المصارف العراقية عن دعم وبيع سيارات الشركة بالتقسيط من خلال إقراض المواطنين كما حصل في الأعوام الممتدة بين 2011 و2015.
خفض الرسوم
كما أصدرت الحكومة العراقية عام 2019 قراراً بتخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات الداخلة إلى العراق من 25 إلى 15 في المئة، لكن القرار لم ينفذ إلا في يونيو (حزيران) الماضي، لتكون موحدة مع النسب المستقطعة في إقليم كردستان العراق للمرة الأولى منذ عقدين. كل هذه الخطوات أسهمت بشكل كبير في انخفاض الطلب على السيارات التي تجمعها الشركة العامة لصناعة السيارات بمختلف أنواعها، وجعل تجارة السيارات حالياً أكثر رواجاً، على رغم تذبذب سعر الدولار مقابل الدينار العراقي.
إصرار على المنافسة
وعلى رغم هذه التطورات التي شهدها سوق السيارات في العراق، فإن شركة صناعة السيارات الحكومية عازمة على المنافسة ودخول السوق بعروض مختلفة، أهمها صناعة السيارات الكهربائية.
وقال مدير الشركة دانة محمد سعيد إن "الشركة العامة لصناعة السيارات دمجت عام 2016 مع شركتين أخريين هما شركة الصناعات الميكانيكية وشركة صناعة البطاريات"، مشيراً إلى وجود 11 خطاً لتجميع للسيارات الصينية والإيرانية إضافة إلى شركة "كيا" الكورية.
أكثر من سبعة ملايين مركبة
وأضاف سعيد أن الشركة وقعت أخيراً عقداً مع شركة "فورد" لتجميع هذه السيارات بالعراق، لافتاً إلى أن "معظم الشركات العالمية كانت سابقاً تتجنب عقد شراكة مع المؤسسة، وحالياً هناك كثير من الشركات العالمية تطلب الشراكة".
وأوضح مدير الشركة العامة للسيارات والمعدات أن هناك مفاوضات مع شركات عالمية في سبيل توقيع عقود مشاركة من أجل تجميع سيارات بالعراق، مشيراً إلى أن الشركة كانت تجمع السيارات وتصنع الهيكل بالكامل بخبرات أجنبية.
السيارات الهجينة
وتابع سعيد أن الشركة تحاول حالياً صناعة سيارات (الهايبرد) الهجينة بين المحرك الذي يعمل بالوقود والكهرباء، ودخلنا في مفاوضات مع شركات في هذا الجانب من أجل تسجيل السيارة باسم الشركة، مؤكداً أن صناعة السيارة بشكل كامل ليس بالأمر الصعب.
المواصفات محددة
وبين مدير الشركة العامة للسيارات أن هناك محددات عالمية لصناعة السيارات، لكنها لحظت تفاوتاً بين عام 1980 و2023 من حيث المتانة لكونها كانت تضم معادن أكثر سرعان ما انخفضت مع مرور الزمن لتزداد الإلكترونيات بسبب المنافسة، مشيراً إلى أن السيارات الموجودة في الشركة خاضعة لشرطي النوعية ومتطلبات السلامة.
وكشف سعيد عن أنه طلب من الشركة الإيرانية التي تجمع سياراتها في العراق خلال زيارة لها أخيراً، الاهتمام بموضوع السلامة وزيادات متطلبات السلامة، لافتاً إلى أن هذا الأمر يعني زيادة كلفة السيارة.
وبحسب إحصائية لوزارة التخطيط، يوجد في العراق سبعة ملايين سيارة، أربعة ملايين منها في بغداد بواقع 126 سيارة لكل 1000 شخص و127 سيارة لكل كيلومتر معبد.
إشراك القطاع الخاص
من جهته دعا رئيس اتحاد الصناعات العراقية علي الساعدي إلى إدخال القطاع الخاص في عملية صناعة السيارات، مشدداً على ضرورة تصنيع معظم أجزاء السيارات في العراق بدل الاتجاه للتجميع.
وقال الساعدي إنه من الضروري صناعة سيارات ذات مناشئ عالمية وإعطاء أولوية للسلامة والمواصفات وعدم تجميع سيارات ذات مواصفات رديئة.
وتساءل الساعدي "لماذا نسمي المؤسسة بالشركة العامة لصناعة السيارات في وقت أن جميع أجزاء السيارات تجمع في العراق"، مشدداً على ضرورة وضع سقف زمني لصناعة سيارات بالكامل في العراق.
موارد بلاد الرافدين
فيما يرى المتخصص بالشأن الاقتصادي صفوان قصي ضرورة استثمار موارد العراق في صناعة كافة أنواع السيارات، دعا إلى إيجاد شراكات مع مؤسسات عالمية في مجال صناعة السيارات. وقال قصي إن "الاستثمار في مجال صناعة الشاحنات سيكون مدراً للدخل العراقي، مما سيمكنه من توفير الدعم اللوجيستي لهذه الصناعة التي تحتاج إلى تكنولوجيا عالية"، مشيراً إلى أن السوق المحلية في حاجة إلى هذه الاستثمارات التي تدخل بها كبريات الشركات العالمية، سواء اليابانية والأميركية لكي يكون لدينا أسطول للنقل البري.
وأضاف أن العراق يمكن أن يدخل في صناعة السفن والقطارات من خلال استثمار الموقع الجغرافي الذي يحتاج إلى بنى تحتية لخلق شراكة مع مؤسسات عالمية لتغطية الحاجة المحلية والانفتاح على دول المنطقة.
سوق فوضوية
وأوضح قصي أن سوق السيارات في العراق فوضوي يعتمد على مناشئ من كل دول العالم، بالتالي كلف الاستهلاك وقطع الغيار تتنافى مع تعدد المناشئ، معتبراً أن تنظيم قطاع النقل يحتاج إلى وجود شركات تقدم الخدمات الخاصة بالسيارات بجودة عالية وكلف مناسبة بدلاً من الفوضى الحالية.
ولفت قصي إلى أن البلاد في حاجة إلى مستثمر عالمي يدرس السوق المحلية وتضع الحكومة العراقية نسب الأمان في عدم رفع الأسعار واحتكار السوق، مبيناً أن الشركة العامة للسيارات لديها خطوط إنتاجية من سيارات "ميتسوبيشي" و"فولفو" و"فيات"، ولكن التسويق ضعيف والكلف غير مدروسة.
وتابع قصي أن استيراد مواد وتجميعها في العراق إجراء يرفع كلف الإنتاج، إلا أننا إذا استطعنا جلب مستثمر وخلق صناعة للسيارات واستثمار الصناعة المحلية مثل معمل الحديد والصلب في البصرة والمواد البلاستيكية وتطوير صناعة الإطارات والبطاريات لتغذية قطاعات أخرى بهدف خلق فرص عمل ولتغذية دول المنطقة، من شأنها تحسين هذا القطاع من النواحي كافة.
وأوضح قصي أن "الهدف ليس تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإنما التصدير للمنطقة لكون الصناعة لا تقتصر على سيارات نقل الأشخاص، وإنما الشاحنات، ولتغذية طريق التنمية في وسائل النقل في كافة تسمياتها، مؤكداً أن هذا الأمر في حاجة إلى إدارة هذا الملف بعقلية استثمارية تضمن إمكانية استثمار الطاقة الشمسية في صناعة السيارات وإنشاء محطات لتغذية السيارات الكهربائية بالطاقة".