Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

حزام بن راشد يكتب رواية بوليسية بهدف اجتماعي

"اختفاء سحر" تلتزم قضايا المرأة وتواجه الذكورية

لوحة للرسام عبد الرحمن السليمان (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

"اختفاء سحر" تلتزم قضايا المرأة وتواجه الذكورية

على مدار منجزه الأدبي طرق الكاتب السعودي حزام بن راشد عديداً من القضايا الاجتماعية الشائكة، لا سيما تلك التي تتصل بنظرة المجتمع العربي عموماً إلى المرأة وطريقة تعاطيه مع مشكلاتها وقضاياها وما تجرعته من تهميش نتيجة ميراث ذكوري ثقيل وضعها في مرتبة أدنى وعطل حقوقها وقدراتها. وفي روايته "اختفاء سحر" (نوفا بلس – الكويت) قرر الكاتب أن يواصل طرق القضايا الاجتماعية والأخلاقية ذاتها، ولكن عبر سرد بوليسي ينطلق من لعبة اعترافات تفجر لغزاً، ومطاردة يحفها كثير من التشويق والإثارة.

اختار الكاتب مدينة جدة فضاءً مكانياً للأحداث، أما الفضاء الزمني فكان العقد الثاني من الألفية الثالثة. وقرر أن يمهد عبر عتبات النص الأولى للقضية الرئيسة، التي تناولها عبر السرد، والتي تتصل بالشيزوفرنيا المجتمعية، والكيل بمكيالين في التعامل مع الرجل والمرأة، لا سيما عند خيانة أي منهما، "عندما تكشف خيانة الرجل، يجتمع الجميع حول المرأة من أجل تهدئتها، وعندما تكشف خيانة المرأة، يجتمع الجميع حولها أيضاً من أجل رجمها".

ومع تدفق السرد برزت حبكتان وحكايتان متوازيتان، دارت أحداث الأولى "الثانوية" حول زوجة الراوي "مرام"، المعلمة الطيبة التي لم يكن لها علاقات سابقة، مما جعلها تحظى بقبول واختيار البطل، صاحب العلاقات النسائية المتعددة، والعقد الذكورية المتجذرة. غير أنها كانت تتبنى موقفاً مجدداً مع طالباتها، اصطدم بصخرة الجمود، فتحطمت فوقها كل محاولات التجديد. وحين أصرت على تجاوز هذا االجمود، تعرضت لمكيدة من زميلاتها المعلمات، أودت بها إلى المستشفى في حالة نفسية سيئة "بناتي الطالبات... إنكن تتهاون بعدم التقيد بالحجاب الإسلامي... كل من تقصر ستتم معاقبتها بالعلن مثل هاتين الطالبتين حتى يصبحن عبرة، تقدمت المعلمة منيرة حاملة المقص، وسلمته إلى المعلمة حسنة، هنا جن جنون زوجتي واندفعت نحو المنصة، وسحبت المقص بقوة، وهددت حسنة: أمراضك النفسية فرغيها في منزلك"، ص 30.

الحبكة الرئيسة

لم تكن حكاية مرام ونضالها من أجل التجديد سوى حبكة ثانوية عضدت الحبكة الرئيسة للنص التي انطلقت بعدد من الرسائل المرعبة تلقاها الراوي بعد دعوته على صفحته على تطبيق "إنستغرام"، وعبر أوراق قام بتعليقها في بعض المناطق، لمشاركته اعترافات مرعبة ممن يمكنهم ذلك، رغبة منه في تجديد عمله الصحافي، وإعداد موضوع مثير، يهزم كآبته التي سيطرت عليه خلال تلك الفترة، لكن اللعبة تحولت إلى كابوس، ولغز، ومطاردة، وأحداث مثيرة تمكن الكاتب عبرها من إثارة الرعب والفزع على طول خط السرد، الذي انكشفت خلاله طبقات عديدة للحكاية نفسها، أسهمت كل واحدة في انزياح الأخرى، ودحضها. وهكذا استمر الكاتب عبر كل طبقة من طبقات الحكاية، في الدفع بالمفاجآت، التي زادت من الطابع التشويقي للنص. أما الرابط بين الحكايتين، الرئيسة والثانوية، فقد أخفاه حتى نهاية السرد. وبينما منح الكاتب المحقق الصحافي، صوت السرد الذاتي، فإنه أتاح في الوقت ذاته مساحة أخرى لصوت صاحب الرسائل المجهولة، كي يقود فيها السرد من خلال رسائله، ما أتاح عدالة الصراع، وموضوعية الرؤية.

على رغم عدم وجود جثة في رواية، تعد الجريمة أهم عناصرها الأساسية، فإن الرسائل المجهولة أحالت إلى حدوث حادثة قتل، تفسر غياب واختفاء إحداهن، ما عزز من الغرابة، والخوف، وجعل المطاردة أكثر إثارة، لا سيما وقد أحاط الغموض بالجاني، والضحية، والأدلة معاً. وقد انتهج الكاتب رواية المشكل كأحد أنواع السرد البوليسي، إذ لعب المحقق دور البطولة في الأحداث، وكان اختياره محققاً صحافياً - وليس شرطياً - كي يقوم بعملية البحث والإيقاع بالمجرم، اختياراً موفقاً، فقد حقق عبره التجديد، وفي الوقت نفسه ضمن أن تكون شخصيته مؤهلة للبحث، والتقصي، والتحليل، والتفنيد، والاستنتاج، وهي أمور تفرضها طبيعة العمل الصحافي. وقد استفاد بن راشد من تقنية الرسائل في صورتها الإلكترونية، إذ اتسعت معها مساحات البوح وجرأته. وفي الوقت نفسه عززت الغموض، الذي زاد من إثارة سرد حمل على رغم طابعه البوليسي، أهدافاً وغايات اجتماعية وأخلاقية.

هيمنة الصراع

اتسقت هيمنة الصراع على كل مفاصل السرد، مع طابعه البوليسي، فقد أذكى الكاتب عبره الوقع التشويقي للأحداث، إضافة إلى الدور الذي لعبه في التطور والنمو الدرامي. وبرز في مستويات عدة، منها الصراع الخارجي الذي احتدم بين الراوي وبين صاحب الرسائل المجهولة، بين الراوي وضحايا علاقاته النسائية المتعددة، بين الصيدلي وزوجته التي حاولت إذلاله، وفرض سطوتها عليه، بعد اكتشافها تاريخه السابق على زواجهما، في الشذوذ الجنسي، كما برز في الحكاية الثانوية صراع فكري، بين محاولات التجديد التي مثلتها "مرام"، وبين الجمود والتمسك بالقديم، حتى وإن كان ينافي العقل، ومثلته "حسنة" و"منيرة". وعلى الصعيد النفسي للشخصية المحورية، برز مستوى آخر من الصراع الداخلي، فقد انقسم "تركي" بين رغبته في التوقف عن إدمان العلاقات الجسدية، التي استمرت حتى بعد زواجه، وبين عجزه عن التوقف. وقد أودى به هذا الصراع للوقوع في براثن "جلد الذات"، وهي حالة أشد وطأة من مجرد نقد الذات وتأنبيها. وتسلل هذا الجلد أو العطب النفسي إلى أحلامه، التي كان لها علاقة وثيقة بالأحداث... "كنت مولعاً بالنساء حتى بعد زواجي من فتاة طيبة جداً، كان الهدف من الزواج أن أبتعد عن وحل السيئات، لكنني وجدت نفسي أعود إليه بعد أسبوعين فقط"، ص 18.

هكذا أضاء الكاتب بعض السمات النفسية لشخوصه، وما تعانيه من عطب. وحاول الوقوف على علاقة أزمة البطل الداخلية، بالسلوكيات الاجتماعية، والنظرة الراسخة التي تضع النساء في المجتمعات العربية في مرتبة أدنى. وحاول الوقوف أيضاً على الأبعاد الثقافية، التي عززت ورسخت مثل هذه النظرة، وتلك السلوكيات... "لن يخرجك من هذا التوتر سوى مزيد من المواعدات، كافئ نفسك بالنساء. وجدت النساء من أجل شهوتنا فقط. كل الأزمان تثبت أن النساء مكافأة مغرية للرجل، سابقاً عند انتصاره بالحرب يأخذهن كسبايا، وحالياً. ويوم الحساب يكافأ بالجائزة الكبرى 72 حورية"، ص 110، كما تطرق إلى مشكلات وسمات نفسية أخرى، مثل مازوخية الصيدلي، التي دفعته للزواج من امرأة تشبه زوجة خاله الخائنة، ووساوسه القهرية، نتيجة ما تعرض له من قهر مجتمع، لا يعرف التسامح، ولا يغفر الأخطاء.

تيار الوعي

قادت رغبة الكاتب في استجلاء أمراض النفس الإنسانية وتناقضاتها، إلى حضور كثيف للمونولوغ، مما أثرى حالة الفزع التي بثها السرد، كسمة أصيلة لهذا النوع من الروايات البوليسية. وأتاح الكاتب عبرها إمكانية التماهي مع النص، لا سيما معما تمتعت به الشخوص من جاذبية، عززتها نواقصها وتناقضاتها، كما زاد من حالة التماهي، محاولات إشراك القارئ في لعبة السرد، تارة عبر مخاطبته بشكل مباشر، وتارة أخرى عبر دفعه لمشاركة الراوي في حل الأحجيات، التي وصلته في الرسائل المجهولة، "تحليلك صحيح ولا يعلم بحقيقتي هذه سوى زوجتي والآن أنت، لقد قررت أن كل من علم عن حقيقتي سأنهي وجوده، اذهب إلى صندوق بريدك وابحث عن الرسالة رقم 3 يوجد بها تسعة أسطر، خذ من كل سطر أول حرف واجمعهم ستصل إلى جملة من كلمتين موجهة لك"، ص 74.

اقرأ المزيد

وقد حفز الكاتب مشاركة القارئ، وضمن عودته للرسائل، ومحاولة حل تلك الأحجيات، عبر تشويش الحل، وتجنب الإشارة إليه صراحة، كما استفاد من خبراته في كتابة السيناريو، فاستخدم تكنيكاً سينمائياً، سرع عبره من إيقاع السرد، وأتاح رؤية الأحداث، وكذا مشاعر الشخوص، وما يعتمل في عوالمها الداخلية، من خوف، وفزع، وألم.

نظرة مغايرة

على رغم حضور قضية التمييز ضد المرأة، كقضية رئيسة داخل النص، لم تكن الشخوص النسائية في الرواية، نمطية، تتسم بالهشاشة أو الضعف، ما وشى برغبة الكاتب في رصد محاولات المرأة للمقاومة، كما ما بدا في شخصية "مرام"، أو ما قد يطرأ عليها من توحش وإجرام، نتيجة ما عاشته من عصور من الامتهان، كما بدا في سلوك زوجة خال الصيدلي، التي قتلت زوجها بمعاونة عشيقها، وأيضاً في انتقام "سحر" بعد ما تعرضت له من استغلال. وإلى ذلك، أثار الكاتب قضايا اجتماعية أخرى منها صعوبة انخراط الشباب بعد تخرجهم في سوق العمل، الاتجار بالمخدرات، العنف الأسري، القبلية التي توجب قوانين صارمة لا تصيب في الكثير من الأحيان، كما رصد بعض إشكاليات المجتمع الخاصة بممارسات تقيد حريات الناس العفوية، في حين تمارس مؤسسات بعينها العقاب، دون استناد إلى قاعدة واضحة. وإضافة إلى ما أثاره الكاتب من قضايا، وسم سرده بنزوع حكمي. ومرر عديد من الرؤى. فالتمسك باليد الخطأ لن ينجي من السقوط، والنجاة من الطرق الموحشة لا يتسنى إلا بعبورها، ولا أصعب من مناقشة شخص يؤمن أن الله يقف مع معه، ومع جماعته ضدك.

المزيد من ثقافة