Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياحة البسطاء... الوجهات كثيرة والميزانية محدودة

العوائق المالية التي تواجه العائلات المحدودة الدخل في العالم العربي جعلت الرحلة الصيفية غير ممكنة كما في الماضي

ملخص

العثور على وجهة سياحية داخلية تناسب الميزانية أصبح أمراً مرهقاً لكثير من العائلات العربية خلال هذا الصيف

تستدعي كلمة "سياحة" صوراً نمطية وأفكاراً تقليدية عن الطبقات الثرية والمخملية، إذ تنفق آلاف الدولارات في أيام معدودات، متعة وسفر وتنقل وترحال بلا حدود، طبيعة خضراء حيث مزارع إنجليزية وورود هولندية، وأخرى بيضاء حيث تزلج على جليد الجبال السويسرية أو الفرنسية أو البلغارية، مزارات تاريخية عامرة بالمباني الأثرية في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، شواطئ مبهرة، ثم سهرات مذهلة في نيس وباريس وكان، وقائمة القوالب الجامدة المتصلة بالسياحة كثيرة.

أما محدودو الدخل فيستدعون صوراً نمطية أخرى، لكن لا تخرج عن إطار الاضطرار، حيث البقاء في بيوت درجة حرارتها قد تفوق 50 درجة مئوية، أو الاكتفاء بالتعرف على أماكن السفر والسياحة عبر مطالعة الصور ومشاهدة الفيديوهات، أو الارتكان إلى حلم بعيد المنال بأن يأتي يوم ترتحل فيه الأسرة صوب البحر أو في اتجاه الجبل.

لكن بين الصورتين النمطيتين المتطرفتين الجامدتين منطقة وسط فيها أشخاص محدودو الدخل على شاطئ بحر أو أعلى جبل أو وسط حديقة، يحظون بقدر من المتعة، ويخرجون ببعض البهجة. سياحة البسطاء... صحيح أنها منخفضة الكلفة، لكنها تظل في نهاية الصيف بهجة حتى لمن لا يملك.

الأردن وسياحة البسطاء... ملاذ ترفيهي بأسعار معقولة

في الأردن لا يشترط أن يملك المواطنون ثروات طائلة حتى يحظوا بقدر من السياحة الداخلية، إذ تعمل الدولة على تشجيع السياحة الداخلية بموازاة حركة السياحة القادمة من الخارج، باعتبارها الملاذ الترفيهي الأول والأخير المتاح لهم، وبأسعار معقولة.

ويزخر الأردن بعديد من المواقع السياحية الجذابة والثقافة الغنية، وهو ما يجعله نقطة جذب لعديد من السياح، الذين يزورونه للتمتع بإمكاناته الطبيعية والتاريخية، لكن استطلاعاً أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية العام الماضي أظهر أن نحو 62 في المئة من الأردنيين يعتقدون أن كلفة السياحة الداخلية بالبلاد مرتفعة، بعيداً عن فكرة سياحة البسطاء.

تعتبر السياحة في الأردن من أهم القطاعات في اقتصاد البلاد، إذ تشكل 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن البسطاء وغير المقتدرين لا تسعفهم قدراتهم المالية سوى لتجارب سياحية بسيطة ومتواضعة، إذ تعد فكرة التجول في البلدة القديمة داخل العاصمة عمان، والاستمتاع بجولة في الأسواق التقليدية والبازارات في البلدة القديمة واستكشاف الثقافة المحلية واحدة من أبرز وجهات السياحة لدى ذوي الدخل المحدود، ولا تكلف سوى بضعة دنانير.

 

ويلجأ آخرون من محبي الطبيعة إلى التخييم في مواقع مخصصة بكلفة منخفضة جداً أو زيارة المتنزهات العامة، كما تجذب الآثار والمسارح الرومانية وشواطئ العقبة والبحر الميت كثيرين وأيضاً بكلفة معقولة. هذه المقاصد السياحية التي لا تتطلب رسوماً مرتفعة تمثل نقاط جذب رئيسة لسياحة البسطاء، بما فيها أنشطة السياحة التي قد تعرض بعضهم للخطر، مثل تسلق المرتفعات من دون رقابة والسباحة في السدود المائية.

وعلى رغم ارتفاع كلفة السياحة الداخلية بالنسبة إلى المواطن الأردني مقارنة بمتوسط دخله، أسهم برنامج "أردننا جنة" الذي أطلقته هيئة تنشيط السياحة في الترويج للأماكن السياحية وتوفير سياحة رخيصة للمواطن، ووصلت أعداد المشاركين بالبرنامج بعد ثلاثة أشهر من انطلاقه إلى 63 ألف شخص عبر 2256 حافلة وآلاف الأدلاء السياحيين.

ويستهدف البرنامج تنشيط السياحة في ما يسمى بـ"المثلث الذهبي" سياحياً وفي كل المواسم، وذلك وفق مساعد المدير العام لهيئة تنشيط السياحة يزن الخضير، ويؤمن البرنامج نقلاً مجانياً بحافلات نقل سياحي مجهزة وحديثة نحو الوجهات السياحية مع دليل سياحي وتوفير وجبات الطعام ضمن برنامج "اليوم الواحد".

"المطلات" مهرب ومتنفس للبسطاء 

في اتجاه آخر يلجأ البسطاء إلى منشآت صغيرة متواضعة على تلال العاصمة وغيرها لارتفاع كلفة المصايف في العقبة والبحر الميت، وظهر في الأردن في العقد الأخير نمط جديد من السياحة الداخلية يقوم على استثمار وترويج الإطلالات المميزة في بعض مناطق العاصمة عمان والمدن الأخرى، بهدف مواجهة البطالة من جهة وتوفير مقصد سياحي رخيص الكلفة، بما يلبي حاجة غير المقتدرين من ذوي الدخول المحدودة.

وتتيح منشآت صغيرة ومشاريع فردية متواضعة بإمكانات قليلة مشرفة على تلال العاصمة عمان والمحافظات الأخرى للمواطنين الجلسات الهادئة والمناظر الطبيعية بعيداً من ضجيج المدينة وضوضائها صيفاً وشتاء بما يعرف بـ "المطلات"، كما يسميها الأردنيون باللهجة المحلية.

لكن الشعور العام لدى الأردنيين هو أن السياحة الداخلية مرتفعة السعر، وتفتقر إلى الخدمات العامة، مما يدفع بكثيرين إلى التوجه نحو تركيا أو مصر كونها أرخص سعراً.

يؤكد المستشار الإعلامي السابق في وزارة السياحة زياد البطاينة أنه لا يمكن أن تنهض السياحة في أي مكان من دون أن تكون هناك سياحة داخلية نشطة تسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي، مرجعاً عزوف الأردنيين عن الانخراط في برامج سياحية داخلية بأن نسب الإشغال المرتفعة من سياح أجانب في معظم الفنادق في العقبة ترفع الأسعار كثيراً مما يجعلها خارج متناول الغالبية، كما أن ارتفاع كلفة المبيت في فنادق خمس نجوم عند مقارنتها بمثيلتها في أي من المناطق السياحية في البلاد المجاورة تزيد من ضعف السياحة الداخلية.

ويضيف البطاينة أن الأردنيين يشكون غياب الترفيه في المناطق السياحة مثل العقبة والبتراء، إذ تقتصر على الأنشطة الفندقية، مضيفاً أن كلفة الإقامة لليلة واحدة في المنشآت السياحية الخدمية في المملكة تعتبر عالية جداً، وتكاد تعادل أربعة أيام في شرم الشيخ (المصرية) في فندق خمس نجوم.

ولا يقتصر الأمر على ارتفاع كلفة الخدمات في المرافق السياحية واقتصار الاهتمام على السياح الأجانب، إنما يتعداه ليطاول أسعار الخدمات والسلع وأجور النقل، وكلها أمور تحد من إقبال الأردنيين على السياحة الداخلية، ناهيك بمحدودية الخريطة السياحية الداخلية بالنسبة إلى العائلات الأردنية.

مصر... خيارات "الغلابة" قرب المدن 

وفي مصر وضع مناقض، حيث اتساع خريطة السياحة الداخلية المتاحة للعائلات والأفراد، ومتطابق لأن ضيق ذات اليد بات يضرب أعداداً متزايدة من المصريين، وهو ما يجبرهم صيفاً على اللجوء لـ"مصايف الغلابة".

"مصايف الغلابة" عبارة تتسع لفئات عديدة في المجتمع المصري، أغلبها كان يتركز في الثلث الأخير من الهرم الطبقي، وهو الثلث القريب من قاعدة الهرم. ومنذ عام 2016، مع ضعف العملة الوطنية وغلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، زاد الثلث ويكاد يصل إلى النصف. هذه الأعداد الكبيرة تلجأ إلى "مصايف الغلابة" صيفاً هرباً من الحرارة أو بحثاً عن مهرب من ضغوط الحياة ليوم أو يومين أو حتى بضع ساعات.

ساعات قليلة تمضيها آلاف العائلات المصرية على شواطئ قريبة من القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) كفيلة بغسل هموم عام مضى، ولو بصفة موقتة. الشواطئ الأقرب والأشهر بين البسطاء هي العين السخنة التي على رغم تخمتها بعشرات القرى السياحية فئة خمسة وأربعة نجوم، فإن مساحات محدودة من الشواطئ المطلة على خليج السويس تركت "عامة".

 

الشواطئ العامة صارت عملة نادرة في مصر، ما زالت موجودة فعلياً في كل المدن الشاطئية، مثل الإسكندرية وبورسعيد ومرسى مطروح وغيرها، لكنها لم تعد "عامة" بالمعنى المعروف. رسم الدخول ورسم الجلوس ورسم استخدام الحمامات ورسم المظلة وغيرها، حولت الشواطئ العامة إلى شواطئ نصف عامة.

على سبيل المثال شواطئ الإسكندرية يبلغ عددها 61 شاطئاً "عاماً" مقسمة فئات، بين مميزة وسياحية و"الخدمة لمن يطلبها" ومجانية، والأخيرة عددها اثنان فقط. رسم دخول الشاطئ المميز مثل "العصافرة" و"سيدي بشر" 15 جنيهاً مصرياً للفرد الواحد، أي أن أسرة مكونة من أربعة أفراد تدفع 60 جنيهاً مصرياً لليوم الواحد، أي أقل من دولارين بقليل.

يشار إلى أن الحد الأدنى للأجور هو 2700 جنيه مصري في الشهر، أي ما يعادل 88 دولاراً أميركياً، ويشار أيضاً إلى أن نسبة من رواد "مصايف الغلابة" تعمل باليومية.

يوميات ثرية 

يوميات الصيف وسياحته الداخلية في مصر بالغة الثراء والطرافة، المشاهد ممتعة ومتعددة، والمكونات متعددة وثرية وأغلبها متفرد. تفرد شراء مسبح قابل للطي بـ 5 أو 6 آلاف جنيه مصري، ثم وضعه بين عمارات سكنية في حي احتمالات توجه سكانه لمصيف بضعة أيام أو يوم واحد أو سويعات محدودة شبه معدومة، ثم ملئه بالماء عبر خرطوم، وإعلان مفاجأة كبرى لأطفال الحي الكرام، حيث مسبح بمواصفات عالمية بـ 10 جنيهات للطفل لمدة ساعتين هو تفرد مبتكر من كل الجهات. مكسب مؤكد وسريع، إقبال شديد وكبير والأهم حال من البهجة والسعادة في أجواء صيفية لا تختلف كثيراً عن أجواء مسابح الفنادق والنوادي الرياضية الراقية سوى في الأجواء المحيطة، لكن تظل البهجة واحدة.

وتتوالى بهجة سياحة محدودي الدخل متحدية التعويم وآثاره، والغلاء وإرهاصاته، والتضخم وكوارثه المعيشية. مصايف البسطاء التقليدية وأبرزها بلطيم (محافظة كفر الشيخ) وجمصة (محافظة الدقهلية) ورأس البر (محافظة دمياط) باتت تستقبل خليطاً من البسطاء "الكسيبة" ممن يحققون دخلاً معقولاً، لكن عبر أعمال غير ثابتة مثل السباكين والنجارين وفنيي الكهرباء وإصلاح السيارات وغيرهم، إضافة إلى خليط من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة.

تقدم هذه المصايف الشعبية خليطاً من أماكن الإقامة والخدمات التي تناسب هذه الطبقات على اختلافها، فشواهد التغيير الاجتماعي والاقتصادي فيها كثيرة، إلى جانب تنامي ظاهرة تكدس المصطافين في غرف صغيرة، حيث تشترك خمس أو ست أسر في تأجير شقة شاطئية واحدة يتكدسون فيها بغرض ترشيد النفقات تتقلص مدد الإقامة بغرض التوفير، إضافة إلى تخصيص مواقع خدمية جديدة تستقطب فئات اجتماعية واقتصادية أعلى في الترتيب الطبقي.

 

الترتيب الطبقي هذه الأيام يمر بمرحلة عنيفة، عملية الهجرة من أعلى إلى أسفل على قدم وساق، ومن أسفل إلى أسفل أكثر تدور رحاها بشكل غير مسبوق. هذا التحرك "العنيف" يتجسد في سياحة محدودي الدخل ومعدوميه بشكل واضح في الصيف الحالي.

الصيف الحالي وعلى وقع الأزمة الاقتصادية وعلى إيقاع الانقطاع المتكرر للكهرباء، يشهد عودة جماعية للمصايف ووسائل الترفيه متناهية القصر. ساعتان أو ثلاث ساعات في الحديقة العامة التي تتوسط شوارع المدن السكنية الجديدة المتاخمة للقاهرة، مثل السادس من أكتوبر والشروق والتجمع وغيرها قادرة على تجديد نشاط عديد من العائلات مع الإبقاء على ما في الجيب من دون مساس.

تصطحب الأسر أو مجموعات الأصدقاء وجبات مجهزة في البيوت ومشروبات معدة مسبقاً مع ما تيسر من كرة أو بطاقات لعب وحصائر للجلوس، ومنهم من يختار أن يحصل على قيلولة في عرض الطريق. بعضهم من غير المنتمين إلى هذه الفئات يتعجبون من بهجة مصطافي عرض الطريق، وهم يأكلون ويشربون ويلعبون ويحصلون على قيلولة على خلفية عوادم السيارات المارة في الاتجاهين حولهم ومن دون خدمات بديهية من مقاه تقدم "الكابتشينو" و"الفرابتشينو"، أو مسابح تتيح لهم قليلاً من السباحة، ثم الاستلقاء لاكتساب درجة من الاسمرار، لكن العبرة لمصطافي السويعات متناهية الصغر ليست في اسم القهوة التي يحتسونها أو نوع الترفيه الذي يمارسونه بقدر ما تكمن في مقدار البهجة الذي يكتسبونه.

آخرون يحظون ببضع ساعات يومياً من السياحة الداخلية، لكنها داخلية جداً، حيث ممرات وطرقات المراكز التجارية الكبرى باتت مقصداً مهماً لسياحة البسطاء وترفيههم. التسكع في "المولات" ظاهرة تنتعش بشكل واضح في أشهر الصيف، فساعات النهار تشهد توافد الجموع الغفيرة من الشباب والأطفال من الجنسين، حيث التسكع في أجواء يطغى عليها الهواء البارد، إضافة إلى إحساس "كاذب" بالثراء، حيث الديكورات فارهة وواجهات المحال فاخرة. أما ساعات النهار فيطغى على التوافد الجماهيري سمة عائلية، حيث الأسر الممتدة تجد في جنبات "المولات" مهرباً من الحر، واستمتاعاً افتراضياً بحياة الأغنياء.

الجزائر... البحث عن حلول سريعة 

الشد الاقتصادي الصيفي والجذب الطبقي السياحي نفسهما ليسا حكراً على مصر وبسطائها، ففي الجزائر فرص ذوي الدخل المحدود في الظفر بسياحة غير مكلفة بعيدة المنال، وذلك جراء تأثر المواطن بتراجع القدرة الشرائية والغلاء وارتفاع مستويات التضخم. وعلى رغم ذلك فإن هذه الطبقة من الجزائريين تسعى إلى إيجاد حلول بديلة للهرب من ضغوط الحياة والتمتع بوقت من الراحة عبر سياحة البسطاء، بما يتماشى وموازنتها السنوية بهدف تغيير الجو وكسر الروتين القاتل.

ويلجأ أصحاب الدخل المحدود من سكان المناطق الساحلية أو القريبة منها إلى السياحة "اليومية"، التي تعتمد على التوجه إلى الشاطئ صباحاً والعودة للبيت مساء، مما يعطي فرصة للأطفال للتمتع ببرودة البحر أو الذهاب إلى الغابة والمناطق المفتوحة التي توجد بها الألعاب الترفيهية.

 

وباتت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما "فيسبوك"، تعرض أهم الوجهات البحرية العائلية التي يمكن للفرد التوجه إليها، التي لا تكلف كثيراً غير دفع مستحقات ركن السيارة والمظلة الشمسية للراغبين، مع إمكان أخذ الأكل من البيت أو شرائه جاهزاً.

وباتت عروض السفر الصيفي إلى تونس وتركيا وغيرهما قاصرة على الأثرياء، تقول ربة أسرة اسمها صورية تعيش في العاصمة إن تكاليف الأسرة المكونة من أربعة أفراد حتمت على زوجها بأن يلغي الإجازة الصيفية المعتادة هذا العام، واستبدالها برحلة إلى البحر مرة في الأسبوع بدلاً من استئجار بيت شاطئي لفترة طويلة.

وبكثير من الحيرة، يتحدث محمد الموظف في قطاع التعليم عن رحلته اليومية في الشبكة العنكبوتية للعثور على وجهة سياحة داخلية تناسب موازنته من دون جدوى.

وعادة ما تستهدف الفنادق المطلة على طول الساحل البحري، الغربية منها والشرقية، أبناء الجالية الجزائرية في الخارج لقضاء العطلة في الوطن، فالأسعار مناسبة للمغتربين مقارنة بدول أخرى بخاصة في أوروبا.

إقامات جامعية لا تكفي 

وأمام العوائق المالية التي تواجه العائلات محدودة الدخل الباحثة عن رحلة صيفية معقولة، بدأت الحكومة الجزائرية العام الماضي عملية تأجير الأحياء الجامعية لإقامة المصطافين بأسعار معقولة، وذلك لمساعدة العائلات ذات الدخل المتواضع.

وعن هذا الحل الحكومي يقول عضو المكتب الوطني للوكالات السياحية منير مساعدية إن الإقامات الجامعية أسهمت في استقطاب العائلات الضعيفة الدخل، إلا أنها تبقى غير كافية لاحتواء كل الراغبين وغير القادرين. ويطالب بدعم السلطات المحلية أي البلديات في 14 ولاية ساحلية للاستثمار في الجانب السياحي، الذي يبقى بعيداً من الطموحات، بحسب ما يؤكد.

ويضيف أن الجزائر تحظى بشريط ساحلي طويل جداً لا يحتاج إلا إلى تهيئة المناطق السياحية بين الشواطئ والغابات، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في نقص المداخيل المخصصة للجانب السياحي، وهو ما يحول دون إقامة معسكرات صيفية شاطئية.

ويقول إن السبب في ارتفاع أسعار الفنادق يعود لفواتير الكهرباء والغاز الباهظة التي يسددها أصحاب الفنادق، لذلك يدعو وزارة الطاقة إلى مساعدة أصحاب الفنادق بخفض قيمة هذه الأعباء، إضافة إلى دعمها من أجل الاستعانة بالطاقة المتجددة.

تنشيط السياحة الداخلية في الجزائر التي تستهدف قطاعاً عريضاً من أصحاب الدخول المحدودة لا تنقصه الموارد الطبيعية أو البشرية، إنما يتعلق الأمر وفق خبراء سياحيين بالعقل القائم على هذا القطاع المدر للثروة الذي لا يزال واقعاً في قبضة مخاوف من الانفتاح وتطوير المنظومة السياحية، لا سيما الداخلية.

اليد المغلولة أو ربما القدرة المحدودة التي تحول دون تطوير قطاع السياحة الداخلية سمة في عدد من الدول العربية، في المغرب يخضع قطاع السياحة للتطوير المستمر لتعظيم الفوائد الناجمة عن قدوم السياح الأجانب، إلا أن قليلاً من برامج التطوير يوجه للسياحة الداخلية، لا سيما تلك الموجهة لمحدودي الدخل، ويظل السفر رفاهية صعبة المنال للقاعدة العريضة، لا سيما في ظل موجة التضخم وارتفاع الأسعار.

المغرب... مهمة صعبة

في المغرب يصعب على ذوي الدخل المحدود البسطاء الاستفادة من آلية السياحة الداخلية، بالنظر إلى تراجع القدرة الشرائية في البلاد. والأسباب كثيرة، فهناك آثار جائحة كورونا، وتداعيات الحرب روسيا في أوكرانيا التي أسهمت في رفع أسعار المحروقات، بالتالي موجة غلاء شاملة بما في ذلك أسعار الفنادق ووسائل النقل. وعلى رغم ذلك فإن هذه الفئة قادرة على ابتكارات بسيطة مثل الإقامة عند الأقارب، أو اللجوء للقطاع السياحي غير النظامي مثل تأجير بيوت بأسعار رخيصة، أو إقامة في مخيمات بمقابل زهيد.

الخبير السياحي الزبير بوحوت يقول إنه "إذا كان أصحاب الدخل المحدود يجدون صعوبة في تغطية تكاليف الحياة الأساسية من أكل وسكن وتطبيب ومصاريف دراسة الأطفال، فما بالك بتكاليف السياحة التي تظل مرتفعة بالنظر للقدرة الشرائية حتى بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة".

وأضاف "على رغم ذلك فإن بعض الآباء للرضوخ لضغط العائلة من أجل السفر يتم تدبير الرحلة عبر الإقامة لدى الأهل والأقارب أو في فنادق خارج التصنيف أو مخيمات، كما يلجأون لوسائل النقل الرخيص".

ويقول إن "معدلات السياحة والسفر ترتفع بشكل مباشر بعد كل أزمة، وبما أن العالم خرج لتوه من أزمة كورونا فإن إحصاءات السياحة في ارتفاع مطرد، وكدليل على ذلك يشهد المغرب نسب قياسية (زيادة بنسبة 50 في المئة) للسياح على رأسهم المهاجرون المغاربة. ومن المنتظر أن تشهد السياحة الداخلية إقبالاً كبيراً، إثر أشهر من القيود على السفر، التي واكبت جائحة كورونا".

 

ويضيف بوحوت إن مؤسسات الأعمال الاجتماعية في الوزارات وعديد من الإدارات العمومية تسهم بشكل كبير في التخفيف من حدة انخفاض القدرة الشرائية لدى الموظفين، كما تخصص فرص إقامة سكنية لموظفيها بمبالغ معقولة لقضاء عطلاتهم الصيفية.

ويشهد المغرب حملات لتشجيع السياحة الداخلية، التزمت الحكومة في بعضها بخفض تكاليفها، لدعم ذوي الدخل المحدود ومساعدتهم في السفر، لكن الخبير السياحي قلل من أهمية تلك البرامج، معتبراً إياها شعارات مرحلية، موضحاً أن تشجيع السياحة الداخلية يتطلب وجود مؤسسات سياحية قادرة على استقبال جميع الطبقات الاجتماعية، بما فيها ذوو الدخل المحدود. وقال "إذا عرفنا تلك الفئة بالعمال الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجر، والمحدد في المغرب بـ 3 آلاف درهم شهرياً (نحو 300 دولار)، فإن منهم من لا يتمكن من تأجير غرفة في فندق أو بيت، ولو كان أجرها زهيداً لا يتعدى مثلا 200 درهم (ما يعادل 20 دولاراً)، بالتالي إذا أقام هناك لمدة أسبوع فإن الكلفة ستقارب نصف دخله الشهري".

الشابة ثورية المرجاني تقول "بالنسبة إلي كموظفة في القطاع الخاص ولي دخل محدود جداً، يصعب علي السفر والتمتع بالعطلة السنوية في أي من المدن السياحية المغربية، وذلك في ظل الظروف الاقتصادية الحالية". مضيفة "الحاجة الملحة في كسر روتين سنة كاملة من العمل المستمر، وتراكم التعب النفسي والجسدي تفرض ضرورة تدبير مالي بسيط لقضاء عطلة قصيرة".

تونس... الفقر والسياحة لا يلتقيان 

قضاء عطلة قصيرة ليس بالمسألة السهلة حتى في تونس، حيث الفقر والسياحة خطان لا يلتقيان، فمع انتهاء موسم الدراسة والامتحانات وانطلاق موسم الإجازات السنوية تسعى غالبية العائلات التونسية إلى القيام بعطلة قصيرة لا سيما في المناطق الساحلية، لكن تبقى الموازنة هي المحدد الوحيد لكيفية قضاء هذه العطلة.

سامي الجماعي، رب أسرة مكونة من ستة أشخاص، يقول إن أسعار العطلات أصبحت غير ملائمة لذوي الدخل المتوسط في تونس، خصوصاً في فصل الصيف مع قدوم السياح الأجانب بكثرة، ويضيف "قبل ثلاث سنوات كان باستطاعتي أخذ عائلتي وقضاء بضعة أيام في إحدى المدن السياحية، لكن اليوم لم يعد ذلك متاحاً مع زيادة عدد أفراد العائلة وارتفاع الأسعار، بالتالي لم يعد باستطاعتنا ادخار موازنة للسياحة في فصل الصيف".

من جانبها تقول منية الجريدي إن فكرة قضاء أسرة مكونة من خمسة إجازة طويلة في مدينة سياحية أصبحت غير ممكنة بسبب ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أن أحد سبل مواجهة الغلاء وضيق الموازنة تأجير بيت على البحر لأسبوع واحد فقط.

يقول صاحب وكالة سفر محمد الرابحي "وكالات السفر أصبحت توجه جزءاً من تخطيطها للعائلات التونسية ذات الدخل المتوسط، وهناك عديد من العروض بعضها بالتقسيط تيسيراً على الجميع، وهو ما يسهم في تنشيط السياحة الداخلية".

 

وتغيب البيانات الرسمية الخاصة بمعدلات الإنفاق الأسري على الترفيه، إلا أن المعدل الوطني العام للنفقات العائلية على الترفيه في تونس لا يزيد على واحد في المئة من إجمالي الإنفاق الأسري، وبلغ معدل الإنفاق الفردي السنوي لغايات ترفيهية 48 ديناراً (16 دولاراً) في عام 2021، مقارنة مع 46 ديناراً في عام 2015.

وقد أثر نقص وسائل الترفيه في المناطق الداخلية من تونس في معدلات نفقات الأسر المخصصة لهذا القطاع خلال السنوات الأخيرة، مما يفسر تراجع قيمة الموازنات الأسرية المخصصة لها على رغم ارتفاع كلفة الخدمات.

ويمثل الإنفاق على الترفيه والثقافة 0.8 في المئة فقط من إجمالي إنفاق العائلات التونسية، بحسب بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي لعام 2021، وذلك مقارنة مع معدل إنفاق بلغ 1.1 في المئة عام 2015.

مريم الوسلاتي تقطن مدينة الكاف الواقعة شمال غربي تونس، وتقول "نحن الفئة المحرومة في تونس، نسبة الفقر ترتفع غرب البلاد، وهي المناطق التي تعاني نقص التنمية وغياب وسائل الترفيه، ويضاف إلى ذلك عدم قدرة السكان المادية على تحمل كلفة السفر أو السياحة".

وتدعو الوسلاتي الدولة والمجتمع المدني إلى التفكير في هذه الفئة بتخصيص عروض بأسعار معقولة أو حتى مجانية لإتاحة فرصة السفر لمحدودي الدخل.

تقول الصحافية المتخصصة في الشأن الاقتصادي إيمان الحامدي إن الإنفاق الأسري على الترفيه والسياحة في تونس ضعيف جداً، ويتأثر بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي وتراجع مداخيل العائلات، وتضيف أن البند المخصص للترفيه قليل جداً لدى الأسر ذات الدخل المحدود وقد ينعدم تماماً لدى الأسر الفقيرة.

ومعروف أن الأسر المحدودة الدخل تلجأ إلى الشواطئ العامة للترفيه بأقل كلفة ممكنة، لكن هذه الفرصة متاحة فقط لمن يقطنون الشريط الشرقي في تونس، بينما يحرم الفقراء في الشريط الغربي من كل إمكانات السياحة والترفيه لعدم قدرتهم على تحمل كلفة التنقل والسكن.

لبنان... الطبيعة الرحبة ضمن سياحة البسطاء 

ولحسن الحظ أن الوضع في لبنان أفضل نسبياً، حيث السياحة الداخلية للبنانيين متاحة للجميع على رغم الأوضاع العامة في البلاد، فهو ضوء خافت لكن يظل ضوءاً.

وقبل أسبوعين عاد الشاب محمد وزوجته من السعودية لقضاء الإجازة السنوية في لبنان، ويقول مبتهجاً إن "البلاد استعادت شيئاً من صورتها السياحية السابقة وباتت تتوافر الأنشطة والخيارات على مستوى بيوت الضيافة أو الشاليهات الجبلية والساحلية"، لكنه في المقابل يقول إن الأسعار مبالغ فيها وربما أضعاف ما يتوقعه السائح، مشيراً إلى أنه بحث عن مكان إقامة مناسب في جبل لبنان لكنه فوجئ بأن قيمة الليلة الواحدة تتراوح بين 180 و500 دولار أميركي، فاضطر إلى اللجوء إلى الحد الأدنى للأسعار في منطقة كسروان، أما أماكن الترفيه والسهر فالسعر يبدأ من 200 دولار أميركي، وقد تصل إلى 900 دولار بحسب المكان والخدمات.

وبعيداً من السياحة المكلفة تتجه العامة من الناس إلى الوجهات "المنافسة اقتصادياً"، وتبرز الدعوة إلى اكتشاف التنوع الطبيعي والبيئي والثقافي الذي يتمتع به لبنان، ويتم تنظيم رحلات أسبوعية خارج بيروت بأسعار معقولة تتراوح بين ثمانية و15 دولاراً أميركياً.

 

وتشكل تلك الرحلات فرصة لاكتشاف غابات منطقة عكار المعمرة وأعالي جبال الضنية العذراء وصفاء وادي القديسين في بشري ونقاء جزر النخيل في ميناء طرابلس وروعة "بالوع بلعا" في جرد البترون، ناهيك عن وجهات مختلفة في جبل لبنان من جرد العاقورة في أقصى بلاد جبيل إلى سحر طبيعة يحشوش في كسروان، وتنوع محمية أرز الشوف وصولاً إلى عاصمة الجنوب، إذ قلعة صيدا البحرية ونقاء شاطئ صور وشلالات جزين البديعة.

ويشعر اللبنانيون بقدر من الراحة لوجود عروض كهذه للسياحة الداخلية، وتقول الشابة زينة من عكار "نحن من عائلات محدودة الدخل ولا يمكننا أن نقصد الأماكن الغالية، لذلك نحرص على التسجيل في الرحلات الأسبوعية التي تختلف وجهتها من أسبوع إلى آخر، و10 دولارات فقط تكفي لاستكشاف معالم وادي قنوبين والكنائس والمحابس والاستجمام والتمتع بالسير على ضفاف نهر قاديشا".

وإضافة إلى الرحلات الداخلية تنشط عروض السياحة الخارجية منخفضة الكلفة إلى سوريا والأردن، وأسهم التحسن النسبي للأوضاع الأمنية في دمشق في تشجيع اللبنانيين على السياحة، إذ يحظى الزائر بفرصة لزيارة أسواق الشام والآثار الأموية وكنائس معلولا وصيدنايا في مقابل 50 دولاراً فقط.

كما ازدهرت الرحلات إلى الأردن، وتبلغ كلفة الرحلة لثلاثة أيام نحو 200 دولار على أن تصبح 240 دولاراً و240 دولاراً لأربعة أيام، وهناك يتعرف الزائر اللبناني على آثار بترا والبحر الميت والمغطس ونهر الأردن ووادي رام.

"الحزمة الكاملة" على رغم الأزمة

وتبقى تركيا في قمة الوجهات المفضلة لدى اللبنانيين، وتسهم العروض التي تقدمها المكاتب السياحية وشركات الطيران والمنافسة بينها لتقديم تذاكر سفر مخفضة تبلغ 120 دولاراً، وفي حال زيادة الوزن تصل إلى 150 دولاراً. وتفضل شريحة من اللبنانيين خيار "الحزمة الكاملة" التي تشمل التذكرة والإقامة والنقل، وتتفاوت الأسعار بين المكاتب لكنها تتراوح بين 375 و500 دولار أميركي.

وتضع تلك الرحلات مناطق تستحق الزيارة لكنها لم تحظ بشعبية كافية في مقدم الوجهات السياحية، كما تمنح محدودي الدخل فرصة الاستجمام منخفض الكلفة. ولعب بعض المؤثرين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي دوراً في تعريف اللبنانيين والسياح بتلك الأماكن السياحية المغمورة ضمن قالب مرئي تفاعلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا السياق يتحدث صاحب صفحة  "Thestrollingtarzan" عن أهمية استغلال المزايا التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تنشيط السياحة الداخلية في البلاد، مشيراً إلى أن "شرائح من مختلف الأعمار والخلفيات تحب الطبيعة وبحاجة إلى من يدلها على أماكن جديدة وتحفيزها، وهذا ما نجح فيه جيل التواصل الاجتماعي الذي استثمر في المميزات المتاحة من أجل تعريف الناس بالأنشطة الطبيعية".

وشهدت الأعوام القليلة الماضية تحولاً آخر على مستوى السياحة المحلية اللبنانية، إذ نشطت بيوت الضيافة التي تسجل نسب إشغال قياسية في مختلف المناطق اللبنانية، وبات متيسراً قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مناطق الأطراف البعيدة من بيروت في قلب الجبال ووسط الوديان.

ويشير بلال البعريني، وهو مالك منتجع سياحي في عكار، إلى تفاوت الأسعار بحسب نوع الخدمات وجودتها وسعة المكان الذي يمكن أن يتسع لـ 12 شخصاً. ويتراوح سعر الإقامة فيها بين 20 و75 دولاراً أميركياً، ويدعو الزائرين والسائحين إلى زيارة واستكشاف المناطق الجبلية لأن خدماتها جيدة ومنخفضة الكلفة مقارنة بالمدن الكبرى.

ويقول البعريني إن نحو 60 في المئة من النزلاء غير لبنانيين، مشيراً إلى أن السياح يأتون على رغم الحد الأدنى المبذول في الإعلان والتسويق، والأكثرية تعاود الزيارة بسبب الراحة التي تجدها والمناخ الفريد والطبيعة الساحرة التي يصفها بـ "علاج للصحة الجسدية والنفسية".

العراق... كماليات ضرورية 

الصحة الجسدية والنفسية، أو ربما اعتلالها، جعلت السياحة والترفيه ضرورة لأصحاب الأجساد والنفسيات المنهكة، ففي العراق لم تعد السياحة من الكماليات غير الضرورية، فمع ضغوط الحياة التي تتزايد في بلد مضطرب باتت السياحة المنفذ للعوائل العراقية للتخلص من أعباء الحياة، لا سيما مع وجود وجهات سياحية منخفضة الكلف، ويلجأ ذوو الدخل المحدود للسياحة إلى مناطق شمال العراق أو الأهوار أو السفر خارج العراق، لا سيما إسطنبول وأنطاليا وبيروت التي تعد وجهات سياحية منخفضة الكلفة مقارنة مع دول أخرى.

وتقول هيئة السياحة في إقليم كردستان إن نحو 6 ملايين سائح زاروا إقليم كردستان عام 2022، وغالبيتهم من محافظات وسط وجنوب العراق، وبذلك يشكل الإقليم الوجهة الأكثر استقبالاً للسياحة الداخلية.

ويوجد في إقليم كردستان أكثر من 200 موقع سياحي و25 منتجعاً سياحياً، إضافة إلى تنوع السياحة بين شتوية حيث تساقط الثلوج على سفوح الجبال، وصيفية حيث مناطق الشلالات إضافة إلى السياحة العلاجية والتاريخية.

 

ويوضح مسؤول الرحلات السياحية في إحدى الشركات السياحية محمد ماجد أنه لم تعد فكرة السياحة بعيدة من أصحاب الدخل المحدود في العراق مع وجود رحلات طيران منخفضة الكلفة، وبينها وجهات سياحية مثل أنطاليا وإسطنبول وبيروت.

وتقدر كلفة البرنامج السياحي لبيروت أو أنطاليا بـ 500 دولار، وهي كلفة تناسب أصحاب الدخل المحدود.

وفي السياق نفسه يوضح صاحب شركة الخدمات السياحية علي هادي أن هناك كثيراً من العائلات ذات الدخل المحدود تنتظر ما تقدمه الشركات السياحية من عروض سياحية لشمال العراق أو بيروت، وغالباً ما تكون كلفة عائلة مكونة من أربعة أشخاص 300 دولار في رحلة سياحية لشمال العراق، لا سيما في فصل الشتاء للتجوال في الجبال المغطاة بالثلوج، وهي كلفة منخفضة الثمن وتناسب الغالبية.

باريس كلفة باهظة عكس سياحة البسطاء 

"كلفتني رحلتي لباريس لمدة خمسة أيام 3 آلاف دولار إضافة إلى الإقامة، مما يجعل مثل هذه الرحلات بعيدة تماماً من مقدرة غالبية العائلات العراقية"، بحسب ما تقول الأستاذة في جامعة بغداد وفاء صباح. وتضيف أن الرحلات السياحية لجورجيا وأرمينيا وغيرها من الدول الأوربية لا يمكن أن تكون وجهات لذوي الدخل المحدود لكلفتها العالية وصعوبة الحصول على التأشيرات اللازمة.

وتضيف أن الأسر العراقية تلجأ إلى رحلات المجموعات السياحية لزيارة الدول القريبة من العراق مثل سوريا التي تشهد توافد السياحة الدينية، وغالباً يكون السفر إليها براً مما يجعل كلفة الرحلة منخفضة ومناسبة لذوي الدخل المحدود.

ويشار إلى أن جواز السفر العراقي يتذيل قائمة جوازات السفر العالمية والعربية كل عام، وغالباً ما يطلب من حامل الجواز العراقي الحصول على تأشيرة قبل السفر إلى غالبية دول العالم، مما يمثل عائقاً كبيراً أمام العائلات العراقية الراغبة في السفر للخارج، وهو ما يضيف أعباء مالية وعقبات على السفر.

وفي هذا السياق يوضح مسؤول الرحلات السياحية محمد ماجد مسؤول أن أبرز عائق يواجه المسافر أو السائح العراقي هو الحصول على تأشيرة.

ويقول علي هادي، وهو صاحب شركة سياحة، إن العقبات التي تضعها الدول أمام حصول السائح العراقي على تأشيرة جعلت فرص السياحة الخارجية للعراقي محدودة للغاية، ويضيف أن دولاً مثل تركيا تضع ضمن شروط الحصول على تأشيرة السياحة تقديم سند ملكية البيت أو عقد الإيجار، أو أن يكون المتقدم موظفاً حكومياً، وهي شروط لا تتوافر في الجميع.

السعودية... سياحة لمحدودي الدخل أيضاً

ويعتقد الجميع أن أهل السعودية لا يواجهون عوائق تذكر أو قيوداً تحول بينهم وبين السياحة والسفر، لكن الحقيقة غير ذلك، وفي كل عام مع مقتبل الإجازة الصيفية تهتم العائلات السعودية بتجهيز خطة ترفيهية سياحية، وقد بلغ عدد السياح السعوديين المغادرين لغرض الترفيه مما يقارب 6 ملايين سائح في إحصاء الربع الثالث لعام 2022 بحسب وزارة السياحة السعودية، وغالباً تتركز الوجهات إلى دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى عدد من الدول التي تشتهر بشواطئها الجاذبة.

وتظل هناك نسبة من ذوي الدخل المحدود الذين لا يحظون بخيارات عدة لوجهاتهم السياحية، فرحلة الصيف بالنسبة إليهم تمثل تحدياً بسبب كلفة السفر والإقامة، ومع ذلك هناك بعض الخيارات المتاحة. وتشير الأرقام الرسمية إلى الوجهات القريبة الأكثر زيارة، حيث البحرين في مقدم الوجهات، إذ استقبلت 1176 ألفاً، تلتها الكويت بـ 972 ألفاً، ثم الإمارات بـ 787 ألفاً، ومصر بـ 707 آلاف، وأخيراً الأردن الذي استقبل 586 سائحاً سعودياً خلال العام الأخير.

 

وهذه الدول قريبة جغرافياً من السعودية مما يتيح إمكان السفر إليها بالسيارة كونها أقل كلفة، وحتى في حال السفر من دون سيارة تظل التذاكر معقولة الكلفة، وهناك من يسافر إلى دول الجوار ثم يسافر منها إلى دول أخرى، إذ تكون تذاكر السفر أقل مقارنة بالسفر المباشر من السعودية.

ويقول المهتم بالسفر والسياحة فيصل مهنى إن "كثيراً من أهل المنطقة الشرقية يسافرون من طريق البحرين والخفجي والنعيرية وحفر الباطن عبر الكويت، وأهل الشمال عبر طريق الأردن، وأهل الأحساء من طريق قطر، وأهل الغربية من طريق مصر".

وأحياناً تكون السياحة الداخلية خياراً أمثل لفئة الدخل المحدود، وتعد منطقة مكة أكثر الوجهات زيارة من قبل السعوديين، إذ حققت 13.5 مليون سائح بما نسبته 21 في المئة من إجمال السياح، وتأتي منطقة الرياض في المرتبة الثانية بـ 14 في المئة، ثم المدينة المنورة بـ 13 في المئة، والمنطقة الشرقية ومنطقة عسير بـ 11 في المئة لكل منهما، وذلك بحسب إحصاء نشرته وزارة السياحة.

سياحة الصحراء و"القطية"

وهناك سياحة من نوع آخر يفضلها ذوو الدخل المحدود، فالسعودية معروفة بأراضيها الصحراوية ذات الرمال الصفراء والبيئة والطبيعة المناسبة للتخييم أو كما تسمى في السعودية ومناطق الخليج بـ "الكشتة"، وتتيح هذه المناطق لذوي الدخل المحدود خياراً مناسباً للترفيه، إذ أصبحت المشاريع المحلية توفر أماكن وخيماً متكاملة مع وسائل للتبريد لتصبح فعالية غير مقتصرة على فصل الشتاء.

ويكون خيار المشاركة في دفع الكلف أو ما يسمى في السعودية ومناطق دول الخليج السفر بـ "القطية"، أي مشاركة كلف السفر بين عدد من الأشخاص بالتساوي، وتطبق الفكرة نفسها في وجهات السياحة الداخلية العائلية إذ يتشارك الجميع كلفة المنتجع التي تقضي فيه العائلات عطلاتها.

وفكرة "القطية" أو السفر بمشاركة الكُلف قد تكون مشابهة مع فكرة السفر بنظام التقسيط، وتزايد عدد الشركات السياحية التي تتعاقد مع شركات التقسيط مثل "تابي"، وهي أول مزود في الشرق الأوسط لخدمة الشراء الآن والدفع لاحقاً عبر تسديد القسط على أربع دفعات. وتتعاون معها تطبيقات عدة متخصصة في السفر وتتضمن في باقاتها السياحية عدداً من خطوط الطيران ومنها الخطوط السعودية، كما انضم إلى تلك التطبيقات الطيران الاقتصادي السعودي "ناس" في الثاني من أغسطس (حزيران) من هذا العام، ووقعت شراكتها مع "تابي" لتصبح اقتصادية ومقسطة أيضاً.

ويثير خيار التقسيط الجدل بين مؤيد ومعارض، فهناك من يراه كماليات لا تستحق مغامرة التقسيط، ويقول خالد سعود إن "التهاون باستعمال خدمة التقسيط من طريق تطبيقات التقسيط في الكماليات والرفاهيات أصبح منتشراً بشكل مخيف، وهناك أمثلة ممن تورطوا في حلقة التقسيط وبات ما يتبقى من راتبهم الشهري لا يكفي، إذ لا يبقى من رواتبهم الشهرية ما يكفي لمواجهة متطلبات الحياة اليومية، لكن محبي السفر يجدون رحلاتهم مطلباً ذا أولوية يكبدهم رواتبهم". ومطلب السفر والسياحة والترفيه جماعي لا يستثني أحداً من سكان المعمورة، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لا سيما حين تكون إمكانات السفر والسياحة محدودة وربما غائبة تماماً، لكن ضيق ذات اليد لم يكن يوماً حائلاً أمام الاستمتاع ولو بقدر من الحياة، فمحدودو الدخل لديهم من مهارات الابتكار وقدرات الإبداع ما يتيح لهم الاستمتاع ببضع ساعات أو أيام تكون أشبه بنسمة هواء سواء على البحر أو في وسط الصحراء، تعينهم على استكمال المسيرة الصعبة على أمل تكرار الفرصة في العام التالي.

المزيد من تحقيقات ومطولات