Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من أثينا إلى الإنترنت... تطور الانتخاب والتصويت

بدأ في القرن الخامس قبل الميلاد بالسماح لليونانيين الذكور الأحرار دون غيرهم بالمشاركة في الاقتراع واليوم طاول سكان جميع الدول

يُعتبر الانتخاب والتصويت أساسين للديمقراطية (أ ف ب)

ملخص

من المتوقع أن يتجاوز عدد الناخبين في العالم خلال 2024 حاجز ملياري ناخب، مما يجعل هذا العام واحداً من أكثر الأعوام حيوية في الساحة السياسية العالمية.

بإمكاننا وصف 2024 بعام الانتخابات بامتياز، إذ تشهد عدد من الدول حول العالم انتخابات مهمة على مستويات مختلفة، سواء كانت رئاسية أو تشريعية، من الهند إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومن فرنسا إلى البرازيل، تتوجه أنظار الملايين من الناخبين إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في رسم مستقبل بلادهم.

ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الناخبين في العالم هذا العام حاجز ملياري ناخب، مما يجعل هذا العام واحداً من أكثر الأعوام حيوية في الساحة السياسية العالمية.

وتعد الانتخابات البريطانية التي تجرى اليوم محورية ليس فقط لبريطانيا ولكن أيضاً للمراقبين السياسيين حول العالم، إذ يتطلع الجميع إلى النتائج وما ستعنيه لمستقبل المملكة المتحدة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الحالية.

لكن متى بدأت فكرة التصويت والانتخاب ولماذا تحمل أهمية كبيرة لواقع ومستقبل الشعوب؟

أصل الانتخاب والتصويت

الانتخاب هو العملية التي يتم من خلالها اختيار الأفراد للمناصب العامة أو اتخاذ القرارات السياسية من قبل مجموعة من الأشخاص المؤهلين، والتصويت هو الأداة التي تُستخدم في هذه العملية، إذ يعبر الأفراد عن اختياراتهم وآرائهم من خلال الإدلاء بأصواتهم.

يُعتبر الانتخاب والتصويت أساسين للديمقراطية، فهما يسمحان للمواطنين بالمشاركة في الحكم واتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم، ومن خلال الانتخابات، يمكن للمواطنين محاسبة الحكومات وتغييرها بطرق سلمية، مما يعزز شرعية النظام السياسي واستقراره.

في أثينا القديمة حوالي القرن الخامس قبل الميلاد كان هناك نظام ديمقراطي مباشر، وكان المواطنون الذكور الأحرار يجتمعون في الجمعية العمومية للتصويت على القضايا المهمة، وكان هذا النظام محدوداً للغاية، إذ لم يكن يشمل النساء أو العبيد أو الأجانب.

في الجمهورية الرومانية (509-27 قبل الميلاد) كانت هناك نظم تصويتية معقدة تُستخدم لانتخاب القضاة والممثلين في مجلس الشيوخ، وكانت الأصوات تُحسب وفقاً للطبقات الاجتماعية، مما جعل النظام يميل نحو النخبوية.

على مر العصور، تطورت نظم الانتخاب لتصبح أكثر شمولية وديمقراطية، وفي العصور الوسطى كانت هناك انتخابات محدودة في بعض المدن الأوروبية، ومع انطلاق الثورة الصناعية والثورات الديمقراطية في القرن الـ19 بدأت تظهر نظم انتخابية حديثة تسمح بمشاركة أوسع من السكان.

كانت الولايات المتحدة الدولة الأولى التي شهدت أول عملية انتخاب مسجلة ومنظمة في العصر الحديث، إذ جرت الانتخابات الرئاسية في عامي 1788-1789.

في قلب العالم القديم ومع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، ظهرت مفاهيم جديدة في الحكم والإدارة تمحورت حول الشورى والعدل، وكان للنبي محمد دور كبير في تأسيس هذه المفاهيم، إذ شاور أصحابه في عدد من الأمور مما أسس لمبدأ الشورى بوصفه جزءاً أساساً من الحكم الإسلامي.

تعني الشورى المشاورة وأخذ رأي الآخرين، وقد نص القرآن الكريم على أهميتها في آيات عدة، وبعد وفاة النبي محمد طُبق مبدأ الشورى في اختيار الخلفاء الراشدين، وكان أول انتخاب في الإسلام هو اختيار الخليفة الأول أبي بكر الصديق إذ اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة وتداولوا في اختيار قائد لهم.

 

 

مع توسع الدولة الإسلامية تطورت نظم الشورى لتشمل مختلف مستويات الحكم والإدارة، وفي العصر العباسي على سبيل المثال، كانت هناك مجالس شورى تتكون من علماء وقادة المجتمع للمشورة في الأمور السياسية والإدارية، وعلى رغم أن عملية الاختيار لم تكن دائماً بالديمقراطية المعروفة اليوم، فإن الشورى شكلت أساساً لنظام حكم يحاول تحقيق العدل والمشاركة في اتخاذ القرارات.

 أنواع الانتخاب ونظمه

تأتي الانتخابات بصور وأنواع عدة تتناسب ومختلف مستويات الحكم والإدارة، وتنقسم الانتخابات بصورة رئيسة إلى انتخابات رئاسية، وهي العملية التي يتم من خلالها اختيار رئيس الدولة، وتختلف آليات هذه الانتخابات من بلد إلى آخر؛ ففي بعض الدول يتم انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب بينما تقوم هيئة انتخابية أو برلمان بذلك في دول أخرى.

وهناك الانتخابات البرلمانية التي يتم من خلالها اختيار أعضاء البرلمان الذين يمثلون المواطنين ويشاركون في التشريع، ويمكن أن تكون الانتخابات البرلمانية بنظام الدوائر الفردية أو بنظام التمثيل النسبي.

أما الانتخابات المحلية فتشمل اختيار المسؤولين المحليين مثل رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية، وتهدف هذه الانتخابات إلى تمكين المواطنين من المشاركة في إدارة شؤونهم المحلية وتلبية حاجاتهم المباشرة.

وتنقسم نظم الانتخاب إلى أنواع عدة، أولها نظام الانتخاب الفردي الذي يعتمد على الدوائر الفردية إذ يفوز المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في دائرته، ومن مزايا هذا النظام البساطة وسهولة الفهم، لكنه قد يؤدي إلى تركز السلطة في يد حزب واحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقوم نظام الانتخاب النسبي على توزيع المقاعد البرلمانية بناء على نسبة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب السياسية، ويتيح هذا النظام تمثيلاً أوسع لمختلف التيارات السياسية ويعزز التعددية.

في المقابل يجمع نظام الانتخاب المختلط بين النظامين الفردي والنسبي، فيتم انتخاب بعض المقاعد عبر الدوائر الفردية وبعض آخر عبر القائمة النسبية، ويهدف إلى الجمع بين مزايا كلا النظامين وتقليل عيوبهما.

حقوق التصويت ودخول المرأة

في البداية كانت حقوق التصويت محصورة بفئات محددة مثل الأثرياء والنبلاء ومع مرور الوقت توسعت هذه الحقوق لتشمل جميع المواطنين البالغين، وشهد القرن الـ20 تطورات كبيرة في هذا المجال مع منح حق التصويت للنساء والأقليات العرقية.

لكن وعلى رغم التطور الكبير في حقوق التصويت فلا تزال هناك قيود في بعض الدول، مثل الحرمان من التصويت بناء على الجنس أو العرق أو الانتماء السياسي، وكذلك تعاني بعض الدول التلاعب بالقوانين الانتخابية لتقليل تأثير بعض الفئات.

بدأت حركات نسوية في القرن الـ19 تطالب بحق النساء في التصويت، ومن أبرز هذه الحركات حركة "حق التصويت للمرأة" في الولايات المتحدة وحركة "السفراجيت" في بريطانيا.

وناضلت النساء لأعوام طويلة مستخدمات وسائل عدة مثل التظاهرات والكتابة والنشاط السياسي، وكانت نيوزيلندا أول بلد يمنح النساء حق التصويت عام 1893.

حققت النساء تقدماً كبيراً في الحصول على حقوقهن الانتخابية والمشاركة في الحياة السياسية، واليوم تشغل النساء مناصب قيادية في عدد من الدول ويسهمن بفاعلية في صنع القرارات، وكانت فنلندا أول بلد يمنح النساء حق الترشح عام 1906.

تحديات ومؤثرات

على رغم التقدم الكبير في نظم الانتخاب فلا تزال هناك تحديات تهدد نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، من تدخل المال وتأثير الإعلام إلى تراجع ثقة الناخبين.

ويؤثر المال بصورة كبيرة في العملية الانتخابية، إذ يمكن أن يؤدي إلى فساد الانتخابات من خلال شراء الأصوات أو التأثير في الحملات الانتخابية، ويهدد هذا التحدي نزاهة الانتخابات وشفافيتها.

وتؤدي وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل آراء الناخبين، وقد يؤدي التلاعب الإعلامي أو التحيز إلى تضليل الناخبين وتشويه العملية الديمقراطية.

 

 

في المقابل تؤدي حالات الفساد والتلاعب أو التزوير في الانتخابات إلى فقدان الثقة في النظام الانتخابي، ويمكن أن تتسبب قلة الثقة هذه في تقليل نسبة المشاركة الانتخابية ومن ثم تؤدي إلى إضعاف الديمقراطية.

مستقبل الانتخاب والتصويت

مع تطور التكنولوجيا واتجاهات التحديث المستمرة يشهد مستقبل الانتخاب والتصويت تحولات كبيرة نحو تعزيز الشفافية وزيادة المشاركة الشعبية في العملية الديمقراطية، ويمكن أن تسهم التكنولوجيا في تحسين نظم الانتخاب من خلال استخدام التصويت الإلكتروني أو ما يعرف بتقنية الـ "بلوكتشين" (Blockchain) لضمان النزاهة، وتسهيل الوصول إلى المعلومات، ومع تطور التقنية يتوقع أن تحدث ثورة في عمليات الانتخاب والتصويت حول العالم، مما يعزز من الشفافية والأمان في هذه العمليات الحيوية للديمقراطية، وتعد هذه التقنية مثالية لتطبيقات الانتخابات بسبب خصائصها الفريدة مثل اللامركزية والأمان، إذ توفر عدداً من الفوائد.

تشمل الاتجاهات الجديدة تعزيز مشاركة الشباب، وزيادة الوعي السياسي من خلال التعليم والتوعية، وتبني نظم انتخابية أكثر شمولية وعدالة تضمن تمثيل الجميع.

لكن في عصرنا الرقمي الحالي تتزايد أيضاً المخاوف من استخدام التكنولوجيا، وبخاصة الذكاء الاصطناعي في توجيه الرأي العام بطرق غير أخلاقية وضارة، ويعد هذا التحدي خاصاً بالنسبة إلى السياسة والانتخابات، إذ يمكن للأنظمة الذكية توليد معلومات مضللة ونشرها، ودعاية كاذبة بصورة أوتوماتيكية، مما يؤثر سلباً في النقاش العام ويهدد بتأثير نتائج الانتخابات واستقرار الأنظمة الديمقراطية.

وأخيراً، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن تخوفه من إمكانية إنشاء حسابات إلكترونية يديرها الذكاء الاصطناعي، التي يمكنها نشر دعاية كاذبة وأفكار مضللة بصورة غير مسبوقة، ومن الممكن أن يؤدي مثل هذا الاتجاه إلى زيادة الانقسام وتقويض الثقة العامة في العملية السياسية.

بغض النظر عن كل هذه التحديات والمخاوف، يبقى الانتخاب والتصويت من أهم الأدوات لبناء مجتمعات ديمقراطية عادلة ومتساوية، إذ يتيحان للمواطنين التعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم بحرية ونزاهة.

ومن الضروري تعزيز الوعي بأهمية المشاركة في الانتخابات وتشجيع جميع الفئات على ممارسة حقهم في التصويت، لضمان تمثيل عادل وشامل لكل مكونات المجتمع ومن ثم تحقيق ديمقراطية حقيقية ومستدامة، جميع الشعوب في أمس الحاجة إليها خلال العام الحالي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات