ملخص
مراقبون يرصدون تغيراً في الموقف الإريتري تجاه إثيوبيا بعد خوضهما حرباً معاً ضد جبهة تحرير تيغراي والسر حالياً في إقليم أمهرة.
فتحت تحركات عسكرية إريترية على الحدود الإثيوبية الباب على مصراعيه للحديث عن دعم أسمرة مسلحي أمهرة تزامناً مع تحركات الجيش الإثيوبي في الإقليم.
وقالت مصادر إعلامية في أديس أبابا إن الحكومة الإريترية أصدرت تعليمات جدية لقواتها المسلحة، لرفع حالة التأهب القصوى، ومنع الإجازات لعناصرها، وذلك على خلفية تفجر الحرب الداخلية في إثيوبيا.
وذكرت مصادر إعلامية إثيوبية عدة، من بينها قناة (Ethio forum)، أن إريتريا رفعت حالة التأهب للحد الأقصى داخل قواتها المسلحة، لا سيما المرابطة على حدود البلدين، موضحة أن تحركات واسعة لوحدات الجيش قد لوحظت خلال الأسبوعين الماضيين، في وقت متزامن مع الحملة العسكرية الإثيوبية في إقليم أمهرة، تحسباً لسد أي أخطار على حدودها الجنوبية.
ونقلت القناة عن مصادر عسكرية إثيوبية قولها "إن التحركات العسكرية الإريترية، تبدو ذات طابع دفاعي، بخاصة في النقاط الحدودية المشتركة مع إثيوبيا والسودان"، والتي تقع في حدود إقليم أمهرة، حيث تدور حالياً معارك ضارية بين ميليشيات "الفانو" غير الحكومية والجيش النظامي، في إطار حملة "إنفاذ القانون" التي أجازها مجلس الوزراء الإثيوبي الأسبوع الماضي.
وتتمتع أسمرة بعلاقات متميزة مع كلا الطرفين، إذ اشترك جيشها في حرب تيغراي الأخيرة، بجانب الجيش النظامي الإثيوبي وقوات أمهرة ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
إلا أن أوساطاً سياسية إثيوبية موالية للحكومة الفيدرالية تتهم نظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، بتقديم دعم سياسي ولوجيستي لميليشيات أمهرة، في حين تنفي أسمرة تورطها في تقديم أي دعم لأي طرف داخلي إثيوبي.
وكان الرئيس الإريتري أشار أثناء إشرافه على تخريج إحدى الدفعات العسكرية في معسكر ساوا غرب البلاد، إلى استمرار مهمة الدفاع عن سيادة بلاده التي تواجه أخطاراً خارجية.
مخاوف مبررة
بدوره، رأى المتخصص السياسي في شؤون القرن الأفريقي، عبدالرحمن سيد، "أن اتفاقية سلام بريتوريا المبرمة بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي لم يتم تنفيذ بنودها كما ينبغي حتى الآن"، موضحاً أن الاتفاقية تنص على "نزع سلاح جبهة تيغراي" وإعادة إدماج قواتها في الجيش الفيدرالي، لكن ذلك لم يتم بشكل عملي حتى الآن.
وأضاف "يعني ذلك أن الاتفاقية حققت للجبهة مكاسب عجزت عن تحقيقها على المستوى العسكري، إذ تركت أديس أبابا الفرصة سانحة، للجبهة للعودة والسيطرة على مقاليد السلطة في الإقليم، فضلاً عن احتفاظها بعلاقات خارجية قوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والغرب عموماً".
وتابع "دخول حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في نزاع مباشر مع ميليشيات أمهرة، التي كانت السند الرئيس للجيش الفيدرالي في حرب تيغراي، عد بمثابة (انقلاب على حلفاء الأمس)، بخاصة أن جبهة تيغراي لم تغير من خطابها السياسي المعادي لميليشيات أمهرة وللنظام الإريتري، فضلاً عن مطالباتها بمناطق والقيت وراية في إثيوبيا، وبادمي في إريتريا".
ولعل هذا السيناريو الداعم لجبهة تحرير تيغراي يثير مخاوف إريتريا تجاه بقاء المهددات القادمة من الحدود الإثيوبية، خصوصاً في ظل اتباع آبي أحمد سياسات موالية للغرب والولايات المتحدة تحديداً، فيما تشهد علاقات واشنطن بأسمرة مراحل أزمة منذ عقود.
وبالعودة للحرب الدائرة في إقليم أمهرة، يرى عبدالرحمن سيد "أن تراجع ميليشيات فانو الأمهرية من المدن الرئيسة في الإقليم أمام تقدم الجيش النظامي بأسلحة ثقيلة"، قد يضاف إلى عوامل القلق لدى النظام الإريتري الذي يعتبره البعض "حليفاً محتملاً للأمهريين"، خصوصاً بعد دعمه المعلن بأحقيتهم في استعادة منطقتي "والقيت وراية" اللتين ظلتا لأكثر من ثلاثة عقود تحت سيطرة إقليم تيغراي.
ويعتقد "أن الدعم الإريتري لمطالب أمهرة"، المتمثلة في استعادة تلك المناطق، يتعلق في جزء منه "بالإبقاء على التواصل البري بين الإقليم وإريتريا"، بجانب إيمانه بأنها تتبع تاريخياً أمهرة.
العدو المشترك
من جانب آخر، ثمة أسباب تعزز علاقات أسمرة بمطالب ونخب إقليم أمهرة الإثيوبي وقواه السياسية، لعل أهمها وجود "عدو مشترك"، يتمثل في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
هنا يرى المتخصص السياسي في شؤون القرن الأفريقي، أن بقاء جبهة تيغراي مسيطرة في الإقليم، خلافاً للالتزامات التي تفرضها اتفاقية بريتوريا والمتعلقة بنزع سلاح الجبهة وتشكيل حكومة وفاق وطني فيه، جعل الطرفين الإريتري والأمهري يتوجسان من الوضع الناتج من تجاهل كل من الحكومة المركزية والجبهة الالتزام الحرفي بالاتفاقية، موضحاً أن كل ذلك تزامن مع فتور العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة، كنتيجة لهذه المواقف، وفي المقابل مؤشرات توحي بتوطيد إريتريا علاقاتها مع القوى السياسية في أمهرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "تقدم الجيش النظامي الإثيوبي وسيطرته على الأوضاع في أمهرة قد يعني إضعاف أهم حليف للرئيس أفورقي"، وقد يفضي إلى انتزاع منطقة الوالقيت من سيطرة الإقليم وإعادتها إلى تيغراي المدعومة أميركياً، مما يقطع المنفذ البري بين أمهرة وإريتريا.
وفي حال استمر الوضع الحالي فرجح أن يكون خيار الرئيس الإريتري دعم إقليم أمهرة وتعزيز دفاعاته في الحدود المشتركة مع إثيوبيا، إضافة إلى اعتماده على حلفاء كبار مثل الصين وروسيا عسكرياً ودبلوماسياً، لمواجهة الضغوط الغربية.
ويتوقع أن يقود ذلك إلى نشوب حرب بالوكالة بين إثيوبيا وإريتريا لتعزيز نفوذ الدول الكبرى المتصارعة حول المناطق الحيوية في منطقة القرن الأفريقي وباب المندب في البحر الأحمر.
سياسات المحاور
من جانبه، اعتبر المتخصص في الشأن السياسي الإريتري، سليمان حسين، "أن حالة الاستنفار داخل وحدات الجيش الإريتري - إن صحت المعلومة - تعد أمراً طبيعياً، نظراً إلى الأوضاع الأمنية والعسكرية، التي يمر بها إقليم القرن الأفريقي، بخاصة في ظل حرب السودان، وكذلك في الداخل الإثيوبي أي إقليمي أمهرة وتيغراي"، مضيفاً "إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة وجود نية للمشاركة في القتال الدائر في إقليم أمهرة".
وقال "هناك بعض الخلافات بين أسمرة وأديس أبابا، بخاصة تجاه الطريقة التي اتبعتها حكومة آبي أحمد لملف جبهة تيغراي، بعد توقيع اتفاق بريتوريا"، مشيراً إلى أن الطرف الإريتري يرى ذلك بمثابة "رضوخ للرؤية الأميركية"، إلا أن أسمرة تدرك جيداً محدودية الهامش المتاح لأديس أبابا، لكون اقتصادها يعتمد على المساعدات الخارجية، علاوة على الأزمات الداخلية التي تعانيها، مما يبرر تعاملها بشكل مغاير للتعامل الإريتري مع القوى الخارجية.
وينفي المحلل الإريتري صحة المعلومات المتداولة حول فتور العلاقات بين بلاده وإثيوبيا، متهماً "جهات بعينها في أديس أبابا تردد هذه الفرضية نظراً إلى تقاطعها مع رغباتها السياسية".
ويدلل على ذلك باللقاء الودي، الذي جمع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على هامش قمة جوار السودان في القاهرة، حيث قدم الأخير دعوة للأول لزيارة أديس أبابا.
وفي حديثه لـ"اندبندنت عربية" حول موالاة إريتريا المحور الروسي الصيني، قال سليمان حسين "هذه نتيجة طبيعية للسياسات الغربية تجاه أسمرة، موضحاً أن بلاده ليست الوحيدة في هذا التوجه العام والمتنامي في القارة الأفريقية".
وأشار إلى أن "هناك تياراً متصاعداً في أفريقيا يؤشر إلى رغبة بعض دول القارة في التحرر من القبضة الغربية، سواء الفرنسية أو الأميركية، وفقاً لظروف كل دولة وطريقتها في التعبير عن رفضها تلك الهيمنة الغربية"، نافياً أن تكون إثيوبيا قد اختارت بشكل كلي دعم وتأييد المحور الغربي، إذ إن مشاركتها أخيراً على مستوى رئيس الوزراء آبي أحمد في القمة الأفريقية الروسية توضح قدرتها في موازنة علاقاتها بين المعسكرين.
ويختم المتخصص في الشأن السياسي الإريتري رؤيته بالقول "في اعتقادي أن إثيوبيا تدرك تماماً بأن واشنطن ومن خلفها الغرب عموماً قد دعموا جبهة تيغراي في الحرب التي دارت في الإقليم الشمالي، ولكنها اختارت أن تتعامل بطريقة تمكنها من تقليل الضغوط السياسية والاقتصادية، والتي كادت تؤدي إلى تفكك الدولة الإثيوبية".
مؤشرات الخلاف
بدوره، رأى المتخصص السياسي الإثيوبي، محاري سلمون، "أن هناك إعادة بناء لتحالفات القوى في إثيوبيا" بخاصة بعد توقيع اتفاقية بريتوريا، إذ إن إدارة آبي أحمد تحاول فك العزلة الدولية، من خلال محاولة تنفيذ أهم بنود الاتفاقية، بما في ذلك ضرورة إدماج كل الميليشيات المسلحة تحت إدارة وزارة الدفاع، مما وضعها أمام صخرة ميليشيات أمهرة الرافضة لهذا البند.
وينوه بأن ذلك يتعارض أيضاً مع الظرف الإريتري الذي يرى بضرورة عزل وإقصاء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بالتالي تتقاطع رؤيته برغبة ميليشيات الفانو في إقليم أمهرة، مرجحاً وجود تنسيق بين أسمرة وبحر دار، ليس لجهة محاربة الجيش النظامي الإثيوبي، بل لفرض شروط معينة، أهمها نزع سلاح تيغراي، إضافة إلى ضمان عدم سيطرة الجبهة مجدداً على مقدرات الإقليم الشمالي.
ويشير إلى تصريح سابق لرئيس الوزراء الإثيوبي، والذي حذر فيه جهات خارجية لم يسمها، بضرورة "الكف عن التدخل في الشؤون الإثيوبية"، مما فهم أنه موجه لنظام الرئيس الإريتري، الحليف السابق في حرب تيغراي.
ويعدد محاري جملة من المؤشرات إلى توتر العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا، من بينها ما تردد عن سعي الأخيرة على المستوى الدبلوماسي والقانوني، إلى إيجاد منفذ على البحر الأحمر، إذ استدعى وزير الخارجية الإثيوبي عدداً من الدبلوماسيين السابقين وأساتذة القانون الدولي، لإعداد مذكرات قانونية عن أحقية بلاده للحصول على منفذ بحري، استناداً إلى المطالب التاريخية، موضحاً أن الموقف من جبهة تيغراي يمثل رأس الجليد البارز فيما هناك جملة من الخلافات التي تعكر العلاقات بين البلدين.