Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مفتش الشرطة يزور العائلة البرجوازية ويقلبها مسرحيا

نص بريطاني في صيغة مشهدية مصرية تكشف الفساد الأخلاقي

مشهد من مسرحية "الزائر" المصرية (خدمة الفرقة)

ملخص

نص بريطاني في صيغة مشهدية مصرية تكشف الفساد الأخلاقي

إذا كان الروائي والمسرحي والناشط السياسي البريطاني جي بي بريستلي (1894-1984) كتب نصه المسرحي الشهير" زيارة مفتش الشرطة" عام 1945، وفضح خلاله الفساد الأخلاقي للطبقة البورجوازية البريطانية، فقد اكتسب النص عالميته لكونه يناقش قضية إنسانية لا تخص مجتمعاً أو زمناً بعينهما، بل تنسحب على المجتمعات والأزمنة كافة.

لقد اهتمت هذه الطبقة، كما صورها بريستلي في نصه، بذاتها فقط. لم تعبأ بغيرها من الطبقات الأدنى، بل إنها لم تتورع عن إيقاع الأذى بها، وما تلك الفتاة التي انتحرت جراء ما لحقها من أذى أسرة ثرية بكاملها، إلا نموذجاً عن مئات الفتيات غيرها، أوقعهن حظهن العثر في براثن مجتمع تعاني صفوته فساداً أخلاقياً، ولا تعرف شيئاً عن فكرة المسؤولية المشتركة بين الجميع، التي آمن بها الكاتب ذو النزعة الاشتراكية.

كتب بريستلي مسرحيته في وقت كان المجتمع البريطاني يعاني مشكلات اجتماعية واقتصادية ضخمة جراء الحرب العالمية الثانية. وقبل أن يصل حزب العمال إلى السلطة ويصدر تشريعات اقتصادية واجتماعية عام 1946 في سبيل إعادة التوازن إلى المجتمع، وتوفير برامج حماية اجتماعية وصحية للمواطنين، وغيرها من الإصلاحات التي سعى إليها. المسرحية التي تقع في ثلاثة فصول، وتدور خلال ليلة واحدة، جاءت حافلة بالإثارة والتشويق، وأحكم الكاتب قبضته على حبكتها، طارحاً فكرته الأخلاقية بنعومة شديدة، وبعيداً من فكرة الوعظ أو الإرشاد، وبعيداً حتى من الفكرة البوليسية التي وسمت الأحداث وشحنتها بقدر عال من الإثارة والترقب.

انتحار فتاة

تفاصيل كثيرة استبعدها المخرج إبراهيم أشرف من نص "زيارة مفتش الشرطة" في العرض الذي قدمه مع طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية في أكاديمية الفنون المصرية، تحت عنوان" الزائر" (دراماتورجيا محمد حمدي وإبراهيم أشرف) استبعد بعض الاستفاضات اللغوية التي لا تؤثر في الرؤية الكلية لعرضه. يأتي الشاب جيرالد كروفت، ابن العائلة الثرية، لخطبة الفتاة شيلا ابنة آرثر بيرلينغ صاحب أحد المصانع والعضو السابق في الحكومة المحلية، ويفاجأ آرثر، أثناء الاحتفال بالخطبة، بقدوم غوول، مفتش الشرطة، من أجل التحقيق في قضية انتحار الفتاة إيفا سيمث التي كانت تعمل في مصنع آرثر. يبدأ المفتش في توجيه بعض الأسئلة إلى آرثر، ومن الأجوبة نعرف أن الفتاة كانت تعمل في مصنعه وقام بطردها لتبنيها مطالب العمال برفع رواتبهم، وعدم استجابتها للإغراءات التي قدمها لها، كي تكف عن الوقوف في صف العمال.

الابنة أيضاً لعبت دوراً في دفع الفتاة إلى مصيرها. تعترف بأنها تسببت في طرد إيفا من عملها كبائعة في أحد محال الملابس، بعد أن طردها والدها من مصنعه، لأنها لم تعاملها بالشكل الذي يرضيها. أما الخطيب فقد أقام معها علاقة جنسية بعد أن طردت من محل الملابس وأصبحت بلا عمل. الأمر نفس فعله الشاب إريك ابن آرثر، فهو اغتصب هذه الفتاة عنوة بعد أن أوهمها بحبه لها. وعندما تذهب الفتاة إلى الجمعية الخيرية التي ترأسها الأم، طالبة الحصول على معونة لأنها بلا عمل، ترفض الأم مساعدتها بعد أن علمت أنها حامل، وتطلب منها أن يقوم والد الجنين بمساعدتها، وهي لا تعلم أن والد الجنين هو ابنها إريك.

الكل مدان

هكذا يستطيع المفتش الحصول على اعترافات أفراد الأسرة جميعاً، وكذلك الخطيب، بعد أن حاول كل منهم إنكار علاقته بالفتاة، فالكل مشترك في جريمة انتحار الفتاة ولو بمقدار ما.

ينصرف المفتش بعد أن ترك الأسرة في حالة انهيار تام، لكنها بعد انصرافه تحاول التحقق من أمره، فتكتشف أن اسمه غير موجود في سجلات مفتشي شرطة المدينة، كما أن مستشفى المدينة لم تصل إليه فتاة منتحرة. وفي خضم فرح الأسرة بزوال هذا الكابوس واستعدادها لمعاودة احتفالها بالخطبة، تفاجأ بمحقق آخر جاء للغرض نفسه.لدينا إذاً مفتشان للشرطة، أحدهما مزيف، والآخر لم نتعرف على طبيعته، ولكن من يكون المزيف؟ هل هو الضمير الغائب لتلك الطبقة الرأسمالية التي لا تنشغل سوى بذاتها، ولا تعرف شيئاً عن المسؤولية المشتركة التي نادى بها دائماً كاتب النص، وتجسد هذا الضمير في عقولهم الباطنة بعد أن لعب الخمر برؤوسهم في تلك الليلة؟

أياً كانت الأسئلة والمفارقات، وربما عدم منطقية بعض الأحداث، فكيف تلعب المصادفة كل هذه الأدوار ضد الفتاة؟ إن الأمر هنا قد يكون على سبيل المجاز، بغرض توصيل رسالة الكاتب وكشف مساوئ هذه الطبقة، وهو مجاز مقبول، فنياً وواقعياً.

قراءة الشخصيات

نجح الممثلون في تجسيد شخصيات هذه الأسرة بشكل يفقدنا التعاطف معها. فهم قرأوا الشخصيات جيداً، وتعرفوا على طبيعتها ودوافعها. الأب (لعب دوره إياد أمين) أقرب إلى الشخص الفارغ، يردد بعض العبارات التي لا يعرف من قائلها، وينسبها إلى غير أصحابها، فقط ليبدو مثقفاً، مما يعكس المظاهر الكاذبة التي تحرص عليها هذه الطبقة. ولا يشغله سوى حسابات المكسب والخسارة، ينصح ابنه وخطيب ابنته بالاهتمام بشؤونهما الخاصة وعدم الانشغال بغيرها.

الأم (نورا المهدي) شخصية متعجرفة غير مشغولة هي الأخرى سوى بالمظاهر، بدت قاسية ومسيطرة. أما الخطيب (عمر صلاح) فهو على خطى آرثر الأب، غير منشغل سوى بذاته، ودائماً ما يبدي إعجابه بآراء أرثر. الابنة (مونيكا هاني) والابن (فادي ثروت) ربما كانا أكثر شعوراً بالذنب وأقل انشغالاً بالذات. كما لو أن الكاتب هنا يعقد أملاً على الجيل الجديد في أن يتبنى رسالته، ليكون جزءاً من كل متجانس يفكر بطريقة مختلفة عن جيل الآباء، يفكر بطريقة تكاملية تفرض عليه أن يكون جزءاً من كل.

نجحت يارا المليجي في لعب دور الفتاة إيفا سميث، التي قهرها الجميع، بوعي وإقناع بوصفها ممثلة محترفة. إحساس عال بأزمة الشخصية، واستخدام جيد للجسد وجهاز الصوت، يعكس وضع فتاة تعرضت لكل هذه المتاعب. أما أمير عبدالواحد، الذي لعب دور المفتش المزيف، فقد أداه برصانة ورسوخ وفهم جيد لطبيعة رجل الشرطة الحاذق، الذي يعرف كيف يصطاد فريسته. التمثيل عموماً في هذا العرض كان من أبرز العناصر، وأكثرها لفتاً للانتباه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جاء العرض في فصل واحد ومنظر واحد (صممه هشام روني)، صالة استقبال في بيت أسرة تبدو عليها ملامح الثراء. اعتنى مصمم الديكور بالتفاصيل الدقيقة لهذه الصالة لإبراز المكانة التي تتمتع بها الأسرة، وكذلك الفترة الزمنية التي تقع فيها الأحداث.

في العمق، نافذة مفتوحة وظفها المخرج لتنفيذ ما يشبه المونتاج السينمائي، تدخل الفتاة إيفا سميث من خلالها لتجسيد مشاهدها المختلفة، بشكل استرجاعي، مع أفراد الأسرة، وقد يكون مشهد قيام الابن باغتصابها من أنجح المشاهد على مستوى التنفيذ.

في لحظة انهيار أفراد الأسرة، بعد أن كشف المفتش دور كل منهم في دفع الفتاة إلى الانتحار، لم تكن هناك عناصر مساعدة، لتعمق هذا الانهيار، كالإضاءة والديكور والموسيقى، وحده التمثيل تكفل بالأمر. أما العناصر الأخرى فلم تكن قادرة على تجسيد تلك اللحظة الحدية التي انتقلت فيها الأسرة من حال إلى آخر. هي مسألة تتعلق بالخبرة، وربما بالإمكانات المالية والتقنية. في كل الأحوال نحن أمام عرض مسرحي يفصح عن وعي صناعه، الجمالي والفكري. عرض ممتع على مستوى الصورة، والرؤية التي قدمها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة