Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكاية الشاعر اليمني القميشي الذي قال لا

انتقد نظام الحكم خلال الحقبة الماركسية وقابل الرئيس اليمني سالمين فأكرمه

الشاعر اليمني الراحل عبدربه القميشي الذي قاد الحراك الثقافي والأدبي في فن الشعر الشعبي (اندبندنت عربية)

ملخص

عكست احتفالية تكريم الشاعر اليمني الراحل عبدربه القميشي مكانة أشعاره في قلوب الناس خصوصاً مع ما تحمله من موقف رافض لممارسات نظام الحقبة الاشتراكية في دولة جنوب اليمن السابقة.

شهدت محافظة شبوة جنوب اليمن فعالية استثنائية إحياءً لذكرى الشاعر اليمني الراحل عبدربه القميشي الذي قاد الحراك الثقافي والأدبي في فن الشعر الشعبي خلال العقود الأخيرة قبل أن يرحل في يناير (كانون الثاني) الماضي.

خلال الفعالية الرسمية التي نظمها مكتب الثقافة التابع للحكومة المحلية تبارت الكلمات في الإشادة بمكانة الراحل، ووصفه مساعد حاكم المحافظة أحمد عبدالحبيب بـ"أيقونة الشعر وأمير الشعراء"، بينما ألقيت عدداً من الكلمات والقصائد التي رثت القميشي، وتطرقت إلى سمات ومحطات تجاربه الشعرية المتنوعة، مستعرضة باعه الطويل في إجادة مختلف ضروب وأغراض الشعر الشعبي بالمحافظة واليمن عامة، وهو إبداع نادراً ما تجده في نظرائه من الشعراء المعاصرين.

من يكون؟

ولد الشاعر عبدربه عوض القميشي عام 1956 في عزلة وادي هدى بمحافظة شبوة وسط اليمن، تلقى تعليمه الابتدائي في معلامة (كتاتيب) الشيخ بانافع، وختم بها المصحف الشريف ودراسته الابتدائية.

 

بدأ ولعه بالشعر في سن مبكرة، حتى إنه عند بلوغه سن العاشرة اشتهر بحفظ القصائد الطويلة والمساجلات الشعرية لشعراء الستينيات المشهورين أمثال السيد محسن البغدادي ومحمد باسرده وعلي بن حبتور وعلي باسعيد وبن دابي القميشي، وفي سن الـ18 نبغ بوصفه شاعراً يجاري كبار الشعراء، وكانت أول مبارزة شعرية له مع الشاعر محسن البغدادي في 1974.

في مواجهة النظام

في ظل نظام جمهورية جنوب اليمن السابقة ذات التوجه الماركسي والقبضة الحديدية خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات عاش القميشي يلقي أشعاره السياسية، مما أثار استياء نظام الحكم آنذاك بسبب تناوله في أشعاره بعض أخطاء النظام الاشتراكي مثل سحل رجال الدين وتأميم ممتلكات المواطنين وإبعاد الخبرات العلمية ومصادرة الحريات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذات يوم بعد أن ألقى قصائده في إحدى حفلات الزواج، استُدعي من قبل النظام بزعم أنه يلقي الشعر من دون ترخيص. بعد سجنه أياماً عدة ومتابعة محبيه وعائلته للإفراج عنه، أبدت الحكومة المحلية استعدادها لإطلاق سراحه بشرط أن يتوقف عن قول الشعر، ويحصل على ترخيص من رئيس الجمهورية حينها سالم علي ربيع (سالمين) لإلقائه.

ذهب الشاعر إلى عدن لمقابلة رئيس الجمهورية، وتمكن بعد أيام من لقاء الرئيس سالمين، وألقى أمامه قصيدة طويلة، من بين أبياتها:

قال البكيري جيت بازاور عدن

بازاور الرئيس زعيم القومية

سلام لك يا أبوالشعوب الزاهرة

مردوف لك يا رئيس الجمهورية

وقد سمح الرئيس سالمين للشاعر القميشي بإلقاء أشعاره واعتمد له راتباً شهرياً، غير أنه لم يتراجع في شعره عن انتقاد الحقبة الاشتراكية.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، وفي مدة حكم رئيس دولة جنوب اليمن السابقة الرئيس علي ناصر محمد انتقد القميشي بعض ممارسات تلك المرحلة، فأعيد سجنه ولم يُطلق إلا بتعهد كتابي بعدم التطرق إلى الأمور السياسية إطلاقاً، والتزم ذلك في ظل الصراع السياسي الذي شهده جنوب اليمن.

تنفس الشاعر الصعداء مع وحدة اليمن عام 1990، إذ وجد مجالاً أكثر حرية لإلقاء الشعر. أصبح شاعر القبائل الحميرية ومحافظة شبوة عامة يجول ويصول، منتقداً السلبيات مهما كان مصدرها.

بعد رحلة طويلة مع الإبداع الشعري المتميز التي استمرت لأكثر من نصف قرن، ترجل فارس الشعر الشعبي في الـ28 من يناير الماضي بعد معاناة مع المرض.

شعبية الشاعر وعشق الشعر

الحضور الجماهيري الحاشد في الفعالية كان لافتاً، ولم يغب الشباب والأطفال عنها، فيما انتشرت صور الشاعر في أرجاء المركز الثقافي الذي أقيمت فيه المناسبة، وبالتوازي أقيم معرض لصور الشاعر، وعُرض فيلم وثائقي عنه، وكل هذا الاهتمام بالشاعر بحسب مدير عام مكتب الثقافة في محافظة شبوة الدكتور فيصل البعسي يكمن في شعبية ومكانة الشاعر الكبيرة من جهة، وعشق اليمنيين للشعر الشعبي.

 

يقول البعسي إن التفاعل والحضور الجماهيري المميزين في احتفالية الشاعر يعكسان المكانة التي يتمتع بها الفقيد في قلوب محبيه وجمهوره، وما يعنيه ذلك من تقدير لإرثه الشعري وقيمته الثقافية والأدبية.

يضيف، لم يكن رحيل القميشي فقداناً لشخص فحسب، فالخسارة ليست لأهله وذويه ومحبيه فقط، بل خسارة للأدب والثقافة والشعر الشعبي في المحافظة والوطن عموماً. لقد فقدنا صوتاً أصيلاً أحب الشعر وأحبه الشعر، وعبر من خلاله عن حبه لوطنه ومحافظته وأهلها بكل مكوناتها الاجتماعية، وأدى رسالته بكل فخر وإخلاص.

 وتابع، عكست قصائد القميشي المعاني الجميلة والقيم النبيلة والسامية والأعراف والأسلاف والتقاليد الحميدة التي تميزه شخصياً.

وأوضح البعسي، أن إرث القميشي يعد موروثاً ثقافياً وفكرياً غنياً، سيظل خالداً في الذاكرة الجمعية كما خلدت ذاكرتنا الجمعية إرث من سبقوه من الشعراء الكبار في بلادنا الذين لا يتسع المجال لذكرهم هنا.

واختتم البعسي حديثه بالقول إن التكريم الحقيقي لشاعرنا يجب أن يتجسد عملياً من خلال العمل على تجميع إرثه الشعري وتدوينه في ديوان خاص ونشره للأجيال المقبلة، حتى يظل ضياؤه باقياً بيننا كتراث شعبي أصيل نفتخر به وبصمة لا تمحى في الشعر الشعبي بالبلاد.

الانتشار والتأثير

ليس مستغرباً كل هذا الاهتمام بالشعراء في اليمن، لتعلق أهل اليمن بهذا النوع الأدبي والموروث الثقافي والإنساني، وهذا بحسب تأكيد الباحث والمهتم بالشعر الشعبي الدكتور علي صالح الخلاقي الذي يرى أن الشعر الشعبي بات يكتسب أهمية كبيرة وله مكانته الواسعة من الانتشار والتأثير لا تقل أهمية عن الشعر الفصيح. وأشار إلى ما يحظى به شعر العامية في قلوب الجماهير فهو إليهم أقرب من أي فن أدبي آخر، ولذا نجد المولعين بهذا الشعر كثراً.

 

 

 صدارة الأدب الشعبي

يوضح الخلاقي، في منطقة يافع على سبيل المثال تتربع فنون الشعر الشعبي على الساحة الأدبية، ويحظى التراث الشعبي بشغف جماهيري واسع من المهتمين، ولذا أنجبت كبار شعراء اليمن، وما زالت أشعار شائف الخالدي، وثابت اليهري والكهالي وأحمد بن عسكر وغيرهم، محل اهتمام الجمهور لأنها تحمل لغة مبسطة يفهمها الناس.

 يتابع، لذلك نجد أن الناس يحبون ويعشقون هذا الأدب والفن التراثي، بخاصة أن الإنتاج فيه غزير، فمثلاً للشاعر الراحل الخالدي 200 شريط مسجل يتناقلها الناس في معظم محافظات اليمن جنوباً وشمالاً.

 

 يضيف، كثير من الشعراء الشعبيين يعبرون بأسلوب بسيط، ويأتون بأشعارهم من دون تكلف، بعكس شعراء الفصيح الذين يهتمون بالألفاظ التي ربما يصعب فهمها على العامة.

ويستطرد الخلافي من واقع تجربتي مع الشعر الشعبي أجد أن أعمال الشعراء الشعبيين أكثر قبولاً وانتشاراً في المكتبات حتى إنها تنفد من الأسواق بسرعة، ويكتسبون شهرة واسعة بين الناس. وتولى الجمهور والمنتديات والقبائل اهتماماً كبيراً بتكريم الشعراء وإقامة حفلات التكريم الكبيرة لهم والإغداق عليهم بالهدايا والأموال.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة