ملخص
قد يكون النظام نجح بفصل مسارات التفاوض مع الإدارة الأميركية وأن يدفع لإتمام اتفاقية تبادل السجناء مقابل الحصول على جزء من الأموال المجمدة في كوريا والعراق واليابان
أن يقول وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان، إن الشرط الأساس لإعادة إحياء الاتفاق النووي هو التزام جميع الأطراف الموقعة عليه بما جاء فيه، يعني أن الحراك الدبلوماسي الإيراني باتجاه مختلف الأطراف، بخاصة الزيارة التي قام بها أخيراً إلى العاصمة اليابانية طوكيو، يصب في إطار المساعي والجهود التي يبذلها النظام الإيراني لمنع انهيار اتفاق عام 2015، خصوصاً أن المسافة الزمنية ما بين نهاية العقوبات المفروضة على البرنامج الصاروخي الباليستي قد اقتربت، ومن المفترض أن تنتهي مع حلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وتتخوف طهران من أن تذهب دول الترويكا الأوروبية إلى تنفيذ تهديداتها بتمديد هذه العقوبات، والإبقاء على الحظر المفروض على هذه الأسلحة، وهو الموقف الذي ذهبت إليه الترويكا نتيجة التعاون العسكري بين طهران وموسكو في الحرب الأوكرانية وعدم وجود مؤشرات على إمكانية تراجع هذا التعاون حتى الآن، لا سيما بعد انتقال هذا التعاون إلى مستوى متقدم قد يكون إنشاء مصنع إيراني - روسي مشترك للطائرات المسيرة على الأراضي الروسية، وتحديداً تلك الطائرات من نوع "شاهد" 136 التي ساعدت موسكو في قلب موزاين المعركة لصالحها، وسدت النقص الذي ظهر في ترسانتها العسكرية، واحداً من ترجماته.
وعلى رغم الصراع المحتدم الذي يدور داخل قوى النظام الإيراني حول جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي بين راغب في إحيائه ومعارض شرس له، وحالة الارتياح التي يعشيها الجناح المعارض للاتفاق والعودة إليه، بخاصة جماعة الثابتون "بايداريها" بزعامة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي السابق سعيد جليلي، فإن الجناح العقلاني داخل التيار المحافظ، لا يرى ضرراً من العودة إلى هذا الاتفاق وإحيائه من جديد، على أن يكون هذا الجهد على خط مواز للجهود التي تبذل من أجل التوصل إلى صيغة توافقية مع الإدارة الأميركية تسمح بإطلاق الأموال المجمدة في عدد من البنوك الخارجية، بخاصة البنوك الكورية الجنوبية، إضافة إلى الجهود الجديدة التي يبذلها عبداللهيان مع الجانب الياباني من أجل التوصل إلى صيغة تسمح لطهران بالحصول على جزء من هذه الأموال لدى اليابان.
قد يكون النظام نجح بفصل مسارات التفاوض مع الإدارة الأميركية، وأن يدفع لإتمام اتفاقية تبادل السجناء مقابل الحصول على جزء من الأموال المجمدة في كوريا والعراق واليابان، بعد مفاوضات غير مباشرة استمرت نحو سنتين، وكان من المفترض أن يعلن عن تنفيذها قبل ستة أشهر، إلا أن التأجيل جاء من الطرف الإيراني نتيجة الصراعات الداخلية والضغوط التي مارسها المعارضون لهذه المفاوضات. هذا الفصل وتفكيك المسارات، لا يعني عدم وجود ملفات أخرى على طاولة التفاوض غير المباشر، تتعلق بأنشطة تخصيب اليورانيوم وما تملكه إيران من مواد مخزنة على أراضيها تتناقض مع ما جاء في الاتفاق النووي الذي تؤكد طهران أنها ملتزمة ومتمسكة به، وتسعى لإحيائه ضمن الشروط التي أشار لها عبداللهيان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا ما كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد لاقى نظيره الإيراني في منتصف الطريق عندما أكد، كما عبداللهيان، أن المفاوضات حول السجناء كانت مسألة إنسانية ولم يتم التطرق لأي ملف آخر حتى الموضوع النووي، إلا أن بعض المؤشرات التي عبرت عنها مواقف المرشد الأعلى للنظام وكشفت عنها بعض التسريبات حول المفاوضات من الطرفين الأميركي والإيراني، سبق أن أشارت إلى تبادل رسائل ومواقف عبر الوسيط تتعلق بأنشطة تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي ومخزون اليورانيوم المتراكم داخل المنشآت الإيرانية.
المرشد الإيراني خلال لقائه المسؤولين والعاملين في البرنامج النووي، وضع شرطاً واحداً على المفاوضات الجارية مع واشنطن والوكالة الدولية، يتعلق برفض أي شرط يجبر إيران على تفكيك منشآتها التي أعادت بناءها وترميمها بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق عام 2018، كنوع من الضمانات، وحتى يكون النظام قادراً على استئناف أنشطته في حال أخل أطراف الاتفاق بتعهداتهم.
لا شك أن النظام الإيراني الذي رفع سقف مواقفه الرافضة للشروط أو المطالب الأميركية حول الأنشطة النووية، مارس نوعاً من الالتفاف وأبدى ليونة في تقديم ورقة طمأنة لواشنطن والمجتمع الدولي حول طموحاته النووية، وذلك من طريق الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأجاب عن كل أسئلة الوكالة حول مواقع وأنشطة سرية لم يعلن عنها، وتجميد عمليات تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة، وهنا تتحدث بعض الأوساط الإيرانية المعنية معلنة أن طهران وافقت على خفض مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجات عالية، ليس بقبول العودة إلى مبدأ التصدير إلى طرف ثالث (روسيا)، بل من خلال "تمييعه" أي تقليل كثافة جزء كبير منه إلى مستويات أدنى، وذلك كمؤشر جدي على التزام طهران عدم الاقتراب من مستويات التصنيع العسكري.
وعلى رغم أن اتفاقية تبادل السجناء وإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة لا تعدو كونها اتفاقية "غذاء ودواء"، لأن الأموال المطلقة لن تنقل إلى إيران وبنكها المركزي مقارنة بعملية مماثلة جرت في زمن الرئيس السابق حسن روحاني، بالتزامن مع المفاوضات النووية، فروحاني وفريقه استطاعوا الحصول على 1.7 مليار دولار نقداً نقلت إلى طهران مباشرة، في حين أن الأموال المطلقة في الاتفاق الجديد من البنوك الكورية والعراقية ستوضع في حساب خاص في أحد البنوك القطرية، إلا أن إيران لا تملك الحق بالتصرف بها كما تريد، بل ستكون خاضعة لرقابة أميركية مشددة حتى لا تصرف في أماكن خارج الاتفاق، إلا أن النظام حاول تصوير هذا الاتفاق بالإنجاز الذي يحسب لحكومة رئيسي التي واجهت أزمة احتجاجات دفعت الولايات المتحدة لتعطيل التفاوض لنحو سنة، وعودة واشنطن إلى التفاوض، والاتفاق يشكل مؤشراً حسب رؤية النظام، على "اعتراف واشنطن بالسلطة الإيرانية وفشل كل محاولاتها الإطاحة بالنظام".