Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرسالة الفرنسية للبنانيين محاصرة بالشروط والتحفظات

تكتلات سياسية تراها فرض إملاءات وتدخلاً في السيادة وأخرى تعتبرها مقبولة موضوعاً

المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (أ ف ب)

ملخص

تلقى النواب في لبنان رسالة من الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تطالبهم بتحديد مواقفهم خطياً حول مواصفات الرئيس الجديد والمشاريع ذات الأولوية.

أخذت المبادرة الفرنسية لإنهاء "الشغور الرئاسي" في لبنان بعداً جديداً وغير مألوفاً بالنسبة إلى الساسة اللبنانيين، فبعد أن أخذت طابع الزيارات والجولات، ظهرت الرسالة الموجهة إلى النواب باللغتين العربية والفرنسية.

طالب المبعوث الفرنسي في رسالته، إجابات مكتوبة عن نقاط محددة، وتحديد الأولويات والمشاريع المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية المقبل خلال السنوات الست المقبلة، إضافة إلى الصفات والكفاءات التي يجدر أن يتحلى بها الرئيس المستقبلي، على أن ترسل الإجابات موجزة إلى السفارة الفرنسية قبل نهاية أغسطس (آب) الجاري.

 تطرح المبادرة الفرنسية مجموعة من الإشكالات حول هامش الحرية والحركة الذي سيمتلكه الرئيس المنتخب، إضافة إلى دوره في ظل الاتفاق المسبق من الأحزاب حول مشروعه السياسي والاقتصادي، وموقفه من التسويات السياسية والاقتصادية، وكذلك قدرته على الرفض كي لا يتحول إلى "رئيس واجهة" بصلاحيات شكلية.      

مسار طويل

تأتي الرسالة الفرنسية في إطار الاهتمام التاريخي الخاص الذي توليه فرنسا للبنان والذي بدأ "ما قبل الدولة الكبيرة" إبان حقبة الامتيازات ونظام الحماية الأجنبية في ظل السلطنة العثمانية، وترسخ من خلال إقرار النفوذ على لبنان وسوريا عبر اتفاق سايكس-بيكو، وتجلى الدور الفرنسي الأكبر من خلال إعلان الدولة الكبيرة برعاية الجنرال غورو في الأول من سبتمبر (أيلول) 1920.

بقيت فرنسا صاحبة النفوذ الواسع في لبنان، وشكلت أنموذجاً ثقافياً وسياسياً للبلاد الناشئة، حيث استلهم منها اللبناني النظام السياسي والقوانين والتنظيم القضائي والمناهج التربوية وغيرها، واستمر هذا التناغم إلى عهود قريبة، وفي الزمن الحديث شكلت ثنائية "رفيق الحريري – جاك شيراك" الرافعة لحقبة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية.

وبعد اغتيال الحريري، استمرت فرنسا في لعب دور الداعم لـ "مطلب سيادة لبنان"، والضغط لخروج الجيش السوري، وفي يوليو (تموز) 2007 انتقلت باريس إلى مقعد "الوسيط" من خلال الدعوة للقاءات حوارية بين قادة الكتل السياسية في "لاسال دو سانكلو" من أجل إيجاد مخرج للتأزم السياسي الذي أعقب حرب يوليو 2006، قبل أن تأتي أحداث السابع من مايو (أيار) 2008، وتزيد من الانقسامات العمودية بين الطوائف السياسية اللبنانية.

في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020، دخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المناطق المتضررة في بيروت، وأخذ المشهد رمزية خاصة بسبب عجز القادة اللبنانيين من الحصول على صورة "الأب الصالح" مع أهالي الضحايا والمتضررين، ومن ثم رعاية طاولة مستديرة لممثلي الكتل والأحزاب السياسية، التي تلاها دخول "الوسيط الفرنسي" على خط السياسة اللبنانية، كضابط لإيقاع خلافات السياسة، ومرتب للصفقات الرئاسية التي كادت توصل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة في بعبدا لو لا المعارضة المسيحية الشديدة.

في يوليو الماضي، استقبلت بيروت جان إيف لودريان بصفته الجديدة، وسيطاً على خط الخلافات اللبنانية المأزومة، وفي الفترة الفاصلة عن سبتمبر والحوار المأمول فرنسياً، أرسل الجانب الوسيط رسالة إلى النواب، يطلب فيها إجابات مكتوبة عن أسئلة ونقاط واضحة بغية معرفة مواقف الأطراف بوضوح.

عقبات حاضرة

قوبلت الرسالة الفرنسية بتحفظ كبير من قوى المعارضة اللبنانية التي أصدرت بياناً مشتركاً، عكس موقف نواب "القوات اللبنانية"، و"الكتائب"، و"كتلة تجدد"، ونواب تغييريين، ومستقلين، إذ رحب البيان بـ "المساعي التوفيقية التي يقوم بها الموفد الفرنسي"، مؤكداً في المقابل عدم جدوى أي صيغة تحاور مع "حزب الله" وحلفائه، كما حذرت المعارضة من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة الحزب، محتفظة بحقها في "مواجهة أي مسار يؤدي إلى استمرار خطفه للدولة".

وأعلنت المعارضة أن شكل التفاوض الوحيد المقبول ضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل بعد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنين الخارجي والداخلي بالجيش اللبناني، وكذلك التمسك باللامركزية الموسعة ووثيقة الوطني لا سيما الطائف، وإضافة إلى تطبيق الدستور وقرارات الشرعية الدولية.

وأعاد بيان المعارضة التأكيد على مضمون بيان الدوحة الصادر عن مجموعة الدول الخمس، في تحديد المواصفات المطلوب توفرها في شخص الرئيس العتيد "المتوافقة مع مطالب المعارضة".

ودعا البيان إلى توحيد قوى المعارضة في إطار المواجهة التصعيدية، وعلى أجندة مشتركة للإصلاحات بخاصة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار الإصلاحات وهيكلة القطاع العام واستكمال التدقيق الجنائي في مختلف المؤسسات.

شددت المعارضة على المواجهة الديمقراطية والسلمية واستمرار مقاطعتها لأي جلسة تشريعية لعدم دستورية الجلسات قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك دعوة القضاء والجيش والقوى الأمنية إلى تحمل مسؤولياتها بحزم وحكمة، والتمسك بضرورة متابعة التحقيق في جرائم "تفجير مرفأ بيروت" و"عين إبل" و"الكحالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ختم البيان بدعوة المجتمع الدولي إلى "العمل الفوري على تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لا سيما القرارات 1559، 1680، و1701.

يشكل بيان المعارضة الموقع من 31 نائباً تأكيداً جديداً على حالة الانقسام في البلاد، التي تحتاج أكثر من مبادرة فرنسية "ناعمة" لفك قطبها، بسبب الاختلاف العميق حول الرؤى المستقبلية وهوية البلاد.

في حديث صحافي أعرب نائب القوات اللبنانية جورج عدوان عن استغرابه لرسالة لودريان التي يطلب فيها من الكتل النيابية والنواب تحديد المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية في السنوات الست المقبلة، وتحديد الصفات والكفاءات التي يجدر بالرئيس التحلي بها، معتبراً إياها "سابقة وتتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية لأنها تطلب من الكتل تحديد مشاريع الرئيس ومواصفاته بشكل خطي حتى لا تغير أي كتلة موقفها".

تنازل الفاعلية

منذ 210 أيام، يستمر النائبان نجاة عون صليبا، والنقيب ملحم خلف في اعتصامهما داخل المجلس النيابي، وتشبه نجاة الرسالة التي تلتقها صباح الأربعاء 16 أغسطس بـ"واجبات الإجازة الصيفية للطلاب"، مستغربةً حالة الاستسلام لدى الأطراف السياسية اللبنانية، "فقد تخلوا عن واجباتهم كافة لصالح الخارج، وكأنهم يقولون نحن ذاهبون للقيام بالسياحة والاستجمام، وليقوموا هم بترتيب التسويات".

تتشكك صليبا في الغاية من الرسالة الفرنسية، متسائلة "هل هناك بند في الدستور اللبناني، يشير إلى الحاجة إلى مبادرة فرنسية لانتخاب رئيس للجمهورية؟، أم أن الخارج يقوم بما تمليه عليه مصالحه الخاصة؟"، لترد قائلة "لكل طرف خارجي مصالح سياسية أو اقتصادية، ولا يمكن التغاضي عن عقود الغاز والنفط، أو حتى القطاعات الأخرى في النقل والنفايات والمرافق العامة".

ورداً على سؤال حول إصرار المبادرة على الردود الخطية، وهل ستستخدم من أجل أرشفة المواقف، ومنع الكتل من تبديل مواقفها، لفتت صليبا إلى "احتمال أن تكون الغاية منها اعتماد أسلوب علمي، لأن الاستبيان يهدف عادة لحصر النقاط والقضايا التي يمكن طرحها في أي بحث أو حوار، وتصنيف المواقف والطلبات".

قائمة الأولويات

من جهة أخرى، يتمسك التيار الوطني الحر بورقة الأولويات الرئاسية "لإعادة بناء الدولة ومحاربة الفساد والإصلاح"، التي سلمها لمختلف الأطراف الفاعلة على خط التسوية الرئاسية، إذ يؤكد النائب جورج عطا الله أن "التيار يمتلك تصوراً واضحاً للانتخابات الرئاسية والعهد المقبل"، مضيفاً "أبلغنا الموفد الفرنسي في آخر لقاء لنا عن إيجابية تجاه الحوار، ولكن شرط الالتزام بثلاثة مبادىء هي حصر الحوار بالملف الرئاسي والمواصفات والبرنامج، وتحديد إطار زمني له كي لا يطول ويستغل في تضييع الوقت بانتظار إشارات خارجية كأن تتراوح المدة بين أسبوع و 10 أيام، أما النقطة الثالثة فهي التزام رئيس مجلس النواب الدعوة إلى جلسة بدورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية، وفق مبدأ فليفز من يفوز"، متابعاً "أبلغنا من الموفد الفرنسي أن صيغة التواصل قد تكون عامة أو مجزأة أو ثنائية على أن تكون في قصر الصنوبر وليس مجلس النواب".   

يعقب عطا الله على ما ينشر حول جلسات تجمع رئيس التيار جبران باسيل مع قيادة "حزب الله"، وصولاً إلى مقايضة بين رئاسة سليمان فرنجية وبعض القوانين، قائلاً إن "ما يشاع غير دقيق، فلم تعقد سوى جلستين، ويستكمل التواصل بالمراسلات، كما أن التيار متمسك بالمطالب الإصلاحية ومقابلة الإيجابية بإيجابية مع رفع "الفيتو" عن الاسم المرشح للبحث إذ ليس بالضرورة الموافقة عليه"، مشيراً إلى أن "تلبية الشروط الإصلاحية لا تعني تلقائياً القبول بالاسم المطروح للرئاسة".

ويعتقد عطا الله أنه "في حال لم تثمر المحاولة الفرنسية الحالية قد نذهب إلى فرض إجراءات أوروبية وأميركية ضد الشخصيات المعرقلة للانتخابات الرئاسية"، مكرراً الحديث عن "استمرار التقاطع مع قوى المعارضة حول المرشح جهاد أزعور، لكن التواصل ما زال قائماً، وفي حال عقد جلسة انتخابات حالياً سنقترع له".

التوافق الممكن

أثارت الرسالة الفرنسية تحفظات شكلية لدى أكثرية الأطراف السياسية، ولكن في المقابل، برزت أجواء مرحبة بوصفها مناسبة لفتح فجوة في جدار الأزمة، إذ يضع عضو "تكتل الاعتدال الوطني" النائب أحمد الخير "الرسالة" في خانة "المبادرة التي تقودها فرنسا بالتنسيق مع أصدقاء لبنان باللجنة الخماسية، لحل الأزمة وتقريب وجهات النظر لانتخاب رئيس جديد للجمهورية تمهيداً لحوار سبتمبر، في ظل الفراغ الذي تتحمل كل القوى السياسية مسؤولية استمراره".

وأضاف الخير "فرنسا تحاول أن تساعدنا كلبنانيين انطلاقاً من العلاقة المميزة والتاريخية، وتسعى منذ أشهر لإيجاد حل من خلال زيارات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان ولقاءاته الاستطلاعية مع كل القوى السياسية التي تجاوبت منذ اللحظة الأولى مع المسعى الفرنسي، ورحبت به وأبدت كل الانفتاح لإنجاحه باعتباره جهداً للمساعدة على حل الأزمة بالحوار بين اللبنانيين، وليس باعتباره تدخلاً خارجياً لفرض إملاءات على أهل لبنان".

يتطرق الخير إلى التحفظات التي صدررت حول الرسالة، لافتاً إلى أنها "قد تكون غير موفقة من ناحية الشكل، لكن ما يهمنا هو المضمون الذي يركز على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية والمواصفات المطلوبة، ويفترض منا تجاوز الشكليات".

وجدد النائب أحمد الخير التمسك بـ "الثوابت الوطنية والعربية التي تجسدت مضامينها في رسالة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في ذكرى رأس السنة الهجرية، تأكيداً على موقع الطائفة السنية في المعادلة الوطنية كصمام أمان للصيغة والدستور والعيش الواحد، وأساس في التوازن الوطني والحفاظ على هوية لبنان العربية"، مشدداً على ثوابت الالتزام بدستور الطائف وانتخاب رئيس للجمهورية يكون حكماً وليس طرفاً، وإعادة تكوين السلطة التنفيذية من خلال تشكيل حكومة قادرة على الإصلاح والعمل.

وقال الخير إن التكتل خارج أي اصطفاف، ومنفتح على أي حوار أو مسعى لحل الأزمة، مكرراً "مرشحنا هو التوافق، ونحن أقرب إلى أي مرشح توافق يلبي المواصفات المطلوبة للرئيس العتيد والمرحلة المقبلة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي