ملخص
مراقبون يشيرون إلى أن المواطن الأفريقي يشعر بأنه لا يستفيد من ثرواته ولذلك يريد الخلاص من المستعمر القديم.
فيما لا تزال الخطوات العملية المنتظرة من المجتمع الإقليمي والدولي تجاه انقلاب النيجر مجهولة الفعل والعواقب، بخاصة أن خطوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لم تخرج عن طور التهديد والوعيد، يثار التساؤل عن التأييد الشعبي للانقلابيين، وإلى أي مدى يعد خياراً يستندون إليه في معركة تمسكهم بالسلطة.
كانت تصريحات قادة الانقلاب العسكري في النيجر ذات وقع جماهيري حينما أعلنوا في بيانهم الأول رفضهم لأي تدخل في الشئون الداخلية، وعدم رضوخهم لأي تهديد، واتهموا القيادة السابقة بالفشل أمنياً واقتصادياً واجتماعياً كتبرير لاستيلائهم على السلطة. كما أعلنوا إلغاء اتفاقيات عسكرية عدة مبرمة مع فرنسا، تتعلق بـ"تمركز" قواتها.
ووسط المطالبات والتهديدات المتتالية من المجتمع الدولي، وفي مقدمته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، والتلويح المستمر بالتدخل العسكري، أظهر المجلس العسكري تحدياً جديداً في 14 أغسطس (آب) الجاري، بإعلانه عن نوايا محاكمة الرئيس المعزول محمد بازوم بتهمة الخيانة العظمى وتقويض الأمن القومي.
ويجيء الإعلان كدلالة على تمسك العسكريين بمواقفهم، ورفضهم الانصياع لأي مهادنات في وجه القوى المطالبة بإرجاع الرئيس المنتخب إلى السلطة، إلى جانب استنفار جديد للشعب النيجري الذي أظهر منذ الإعلان الأول للانقلاب تأييداً مسانداً للعسكر.
التدخل والعدول
الخطوات التي تبعت مسار الأحداث، وتناقض المواقف ما بين إعلان التدخل العسكري ثم العدول، ثم اللقاءات المتتالية لمجموعة "إيكواس" وفشلها في اتخاذ قرار عسكري أعطى للانقلابيين دلالة على ضعف الطرف الآخر، بخاصة أن التركيز الآن تحول اتجاه صحة الرئيس المعزول، إذ حذر رئيس نيجيريا بولا تينوبو الجمعة، من "عواقب خطرة" في حال تدهور صحته.
ويرى مراقبون في محاكمة الرئيس المعزول وإلصاق أقصى التهم ممثلة في الخيانة العظمى، خطوة ذات معنيين، الأول كسب مزيد من التأييد والتعاطف الشعبي بخاصة من الطبقة المثقفة التي لا تخفي تذمرها على الفقر والبؤس الذي يعيشه شعب النيجر كأفقر شعوب العالم، على رغم ما تختزنه أرضه من بترول ويورانيوم.
ثانياً، على مستوى التفاوض رفع مستوى المعركة إلى أقصى درجاتها في وجه المجتمع الإقليمي والدولي المعارض للانقلاب، مما يتيح للانقلابيين هامش تفاوض يقوي من قبضتهم على السلطة نظير أي تخفيف للتهم الموجهة ضد الرئيس المعزول، أو حتى التنازل عن المحاكمة برمتها كمساومة متوقعة مقابل بقائهم في السلطة.
حصيلة صفر
حسن مكي محمد أحمد المتخصص في الشئون الأفريقية يقول، إن "ما عاشه شعب النيجر من تجربة مع الدولة المستعمرة فرنسا طوال فترة ما قبل وبعد الاستقلال عام 1960، حصيلتها كانت (صفر) في مختلف الأوجه الاقتصادية والتنموية التي يطمح فيها الشعب النيجري بمقابل ما تمتلكه بلاده من إمكانات معدنية، مقارنة بدول أفريقية خطت خطوات متقدمة في التنمية، لذا فهم يريدون تغيير هذا المشروع الاستعماري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "بوجه عام فإن المواطن الأفريقي يشعر بأنه لا يستفيد من ثرواته، ولذلك يريد الخلاص من هذه الحالة، فبدأت بوركينافاسو، ومالي، وغينيا، وأفريقيا الوسطى بالتخلي عن فرنسا، بعد أن ظلت بعضها تحت الوصاية الفرنسية لعقود طويلة متعاقبة. واستغلت روسيا شعور الخيبة ذلك لتتمدد في المنطقة من خلال قوات "فاغنر" التي أصبحت تساند المد الجماهيري في بلدان غرب أفريقيا".
ويتابع، "المواطن الأفريقي يريد الخروج من الوصاية الفرنسية، والأعوام المقبلة ستكون سنوات روسيا والصين ودول أخرى كالهند وتركيا، في منطقة غرب أفريقيا. وقد رأت شعوب أفريقيا للصين أعمالاً تنموية حقيقية، في إثيوبيا مثلاً السكك الحديدية والطرق والتصنيع، ورأوا في السودان استخراج البترول، إلى جانب دول أفريقية أخرى تشهد للصين في مشاريع ملموسة".
وعي الإنسان الأفريقي
اللواء طبيب متقاعد من الجيش السوداني، محمد محمود، يقول إن "القارة الأفريقية تشهد وعياً على المستوى الجماهيري نتج عن سهولة تداول المعلومة، وإدراك رجل الشارع أن ما هو فيه من بؤس وراءه الدول الغربية المستعمرة التي ظلت تستغل الثروات لمصالحها دون أدنى روح إنسانية ترافق تصرفاتها، وحتى بعد تحرر الدول الأفريقية تحول الاستعمار المباشر إلى استغلال غير مباشر للثروات".
وتابع، "في حين تسخر أوروبا ثروات الإنسان الأفريقي لنهضتها، لا تلتفت لأي دواع إنسانية تجاهه، فيموت أبناؤه من الجوع والمرض، وفي عرض البحار وهم ينشدون الحياة الكريمة".
وواصل، "المؤسسات العسكرية، سواء في النيجر أو في مالي أو بوركينا فاسو أو غيرها من دول أفريقية، تستشعر مسؤوليتها تجاه إنسانها وهي الحامية له ولثرواته، والجيل الحالي هو جيل التغيير، والمؤسسات العسكرية عليها واجب في حماية دولها يفرضه القسم الذي يؤديه الضابط منذ بداية انتمائه لها"، معتبراً أن "ما يجري في غرب أفريقيا ثورة تغيير سياسي كدلالة على رفض شعبي لظلم الإنسان الأوروبي، ستتبعه تغيرات حقيقية على المستوى الأفريقي والعالمي".
يرى محمود أن "هناك توجهات من دول العالم الثالث وفي مقدمتها الدول الأفريقية نحو تعدد القطبية وكسر احتكارية الغرب للحضارة، والتوجه إلى أقطاب جديدة كالصين وروسيا والهند وتركيا وإيران، وهذا ما يمكننا أن نفسر على ضوئه حالة الانقلابات الأفريقية التي تجد دعماً من شعوب المنطقة، بدليل ثبات أنظمتها في مالي وبوركينا فاسو، وسيفرض القادة العسكريون في النيجر أنفسهم على رغم الحصار".
المتخصص في الشئون الدولية عادل عبد العزيز حامد، يقول إن "التأييد الشعبي للانقلابيين كان أمراً فعالاً ومثل السند الحقيقي في وجه التهديدات، لكن لا يجب أن يكون هو الخيار الوحيد الذي يستند إليه العسكريون، فلا بد من وضع الخطط والبرامج المستقبلية لحكم البلاد ليتحقق عبرها الاستقلال الحقيقي من جميع أوجه الاستعمار، والخروج بالوطن نحو التنمية وحكم القانون وتحقيق الرفاهية".
ينوه حامد بأن "التشدق بنبذ الاستعمار، وحتى بالديمقراطية كشعار فقط من دون وضع خطط وبرامج حقيقية طموحة للتنمية لا يشكل معنى لدى لمواطن الفقير سواء في النيجر أو غيرها من الدول الأفريقية".
ويوضح أن "المطلوب والمنتظر من القادة الأفارقة الجدد إلى جانب تحرير أوطانهم، هو العمل الجاد والشفافية والاجتهاد في جذب الاستثمارات وخلق المشاريع التنموية، وخدمة بلادهم بشتى السبل لانتشالها من التأخر والنهوض بها، ومن ثم ضمان استمرارية وقوف المواطن معهم في دولة يتحقق فيها القانون وتتوفر فيها المواطنة الحقة".