Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

هل ستغير الولايات المتحدة نظرتها وتعاملها مع دول "بريكس"؟

تحتاج واشنطن إلى تعديل سياساتها لضمان وضع جيد في عالم متعدد الأقطاب

تحدت "بريكس" بعض المبادئ الرئيسة للقيادة العالمية للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي (أ ف ب)

ملخص

أصبحت مجموعة "بريكس" هائلة من حيث الناتج المحلي الإجمالي والتجارة العالمية

مع بدء اجتماع قادة مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة الكبيرة والتي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في جوهانسبورغ، اليوم 22 أغسطس (آب)، لا شك أن صانعي السياسة الخارجية في واشنطن سيتابعون الاجتماع بعناية، وتحدت "بريكس" بعض المبادئ الرئيسة للقيادة العالمية للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي، والآن تتطلع المجموعة إلى التوسع مع وجود 23 مرشحاً رسمياً، وإذا قبلت المجموعة إيران أو كوبا أو فنزويلا، فمن المرجح أن يدعم ذلك المواقف المناهضة للولايات المتحدة، ومع ذلك تشير دراسات وأبحاث أميركية إلى أن تقارب دول "بريكس" لا يؤدي بالضرورة إلى مزيد من التوتر مع الولايات المتحدة، كما أن الحجة القائلة إن "بريكس" تحركها الصين اتضح أنها غير حقيقية، فما الذي يمكن أن تتوقعه واشنطن؟ وكيف يمكنها التعاطي مع "بريكس"؟

 

نظرة جيوسياسية

في الوقت الذي تنعقد فيه قمة "بريكس" في جنوب أفريقيا يراقب صانعو السياسات والباحثون في واشنطن هذا التحالف الاقتصادي بنظرة جيوسياسية، ليس فقط لأن هذه الدول الخمس تمثل، بحسب صحيفة "تشاينا دايلي" الصينية 43 في المئة من سكان العالم، و16 في المئة من التجارة العالمية، و31.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي ما يزيد على مجموعة الدول السبع الغربية بمقياس القوة الشرائية، ولكن أيضاً لأن المجموعة تسعى إلى التوسع بضم عدد من الأعضاء الجدد المرشحين والذين وصل عددهم إلى 24 دولة.

وإذا كان الاقتصادي في "غولدمان ساكس" جيم أونيل الذي صاغ تسمية "بريك" للإشارة إلى أربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين قبل أن تصبح "بريكس" بعد انضمام جنوب أفريقيا، قد وصف المجموعة بأنها رمز للأمل الاقتصادي والتفاؤل للبلدان النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية المعروفة أيضاً باسم الجنوب العالمي، إلا أن هذا التحالف الاقتصادي، تطور ببطء إلى تحالف جيوسياسي إلى حد كبير يهدف إلى دفع أجندة ونهج للشؤون العالمية يختلف عن مجموعة "السبع" التي يهيمن عليها الغرب، وهو ما تجلى بشكل واضح بعد حرب روسيا في أوكرانيا بعدم تأييد أي من أعضاء مجموعة "بريكس" فرض عقوبات على روسيا وفقاً للرئيس السابق لمركز "ويلسون" في واشنطن السفير مارك غرين.

 

تحدي القيادة الأميركية

وكانت مجموعة هذه الدول تتحدى بعض المبادئ الرئيسة لقيادة أميركا العالم خلال السنوات الأخيرة، فعلى الصعيد الدبلوماسي قوضت استراتيجية البيت الأبيض تجاه أوكرانيا من خلال التصدي لاستخدام الغرب سلاح العقوبات ضد روسيا، وعلى الصعيد الاقتصادي، سعت، بقيادة موسكو ودعم بكين، إلى التخلص من الهيمنة الأميركية من خلال إضعاف دور الدولار كعملة احتياط دولية، ومع تطلع المجموعة إلى التوسع تخشى الولايات المتحدة أن يؤدي قبول أعضاء مثل إيران أو كوبا أو فنزويلا إلى دعم المواقف المناهضة للولايات المتحدة داخل المجموعة.

وعلى رغم مما كشف عنه مشروع تحالفات القوى الصاعدة في جامعة "تافتس" على مدى سنوات عدة من خلال تحليل تطور "بريكس" وعلاقتها بالولايات المتحدة، فقد تبين أن الصورة الشائعة بأن الصين تهيمن على المجموعة لتنفيذ أجندة معادية لأميركا غير صحيح وفي غير محله.

ومع ذلك فإن هذه الدول تترابط حول مصالح التنمية المشتركة والسعي إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب لا تهيمن فيه أي قوة واحدة، لكن المجموعة تحولت إلى قوة تفاوض قوية تتحدى الآن أهداف واشنطن الجيوسياسية والاقتصادية. وتجاهل "بريكس" كقوة سياسية رئيسة، الأمر الذي يجعل تجاهل أميركا المجموعة الذي كان سمة لها في الماضي ليس خياراً قابلاً للتطبيق، بحسب ميهايلا بابا الباحثة في كلية "فليتشر" بجامعة "تافتس".

كبح تقريع الولايات المتحدة

وعندما بدأت مجموعة "بريك" بالتعاون عام 2008 قبل انضمام جنوب أفريقيا في عام 2010، كان الأعضاء مدركين أن وجود المجموعة يمكن أن يؤدي إلى توترات مع صانعي السياسة الذين كانوا ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها "دولة لا غنى عنها" في العالم، وفقاً لفرانك أودونيل المحاضر في برنامج الدراسات الدولية بكلية "بوسطن".

وعلى سبيل المثال اعتبر وزير الخارجية البرازيلي السابق سيلسو أموريم في ذلك الوقت، أنه من المهم تعزيز نظام عالمي لضمان المشاركة الكاملة للبلدان النامية في هيئات صنع القرار. ورأى أن دول "بريك" ينبغي أن تكون كجسر بين البلدان الصناعية والنامية من أجل التنمية المستدامة وسياسة اقتصادية دولية أكثر توازناً.

وفي حين أن هذه التحالفات من شأنها أن تضعف قوة الولايات المتحدة، فقد امتنعت دول "بريك" صراحة عن الخطاب المناهض للولايات المتحدة، وبعد قمة "بريك" عام 2009، أوضحت وزارة الخارجية الصينية أن التعاون بين هذه الدول يجب ألا يكون موجهاً ضد طرف ثالث، فيما أكد وزير الخارجية الهندي شيفشانكار مينون أنه لن يكون هناك أي تقريع للولايات المتحدة من المجموعة، ورفض بشكل مباشر جهود الصين وروسيا لإضعاف هيمنة الدولار.

لكن الكيان الجديد استكمل جهوده نحو التعددية القطبية بما في ذلك التعاون الصيني - الروسي والحوار الثلاثي بين الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إذ لم يتم وضع تصور لدول "بريك" كمنتدى للأفكار بدلاً من الأيديولوجيات، ولكن تم تصميمها لتكون مجموعة منفتحة وشفافة.

هل من توتر مع واشنطن؟

غير أنه مع مرور السنين أصبحت مجموعة "بريكس" هائلة من جهة الناتج المحلي الإجمالي والتجارة العالمية، بالتالي أصبح لديها قدر كبير من القدرة على المساومة إذا عملت بلدان المجموعة معاً وهو ما تفعله بشكل متزايد، مثلما حدث خلال حرب أوكرانيا، إذ ضمن شركاء موسكو في "بريكس" البقاء الاقتصادي والدبلوماسي لروسيا في مواجهة المحاولات الغربية لعزلها دولياً، وشاركت البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا مع روسيا في 166 حدثاً من أحداث مجموعة "بريكس"، عام 2022، كما أصبح بعض الأعضاء أسواق تصدير مهمة لموسكو.

وعلى رغم الاختلافات الهائلة بين دول "بريكس" فإن التطور السياسي للمجموعة، والذي أضافت من خلاله مجالات جديدة للتعاون وهيئات إضافية أصبح مثيراً للإعجاب، إذ يوضح مؤشر جامعة "تافتس" لقياس كيفية تقارب دول "بريكس" بين عامي 2009 و2021 أن تقارباً وتعاوناً عميقاً استمر يتنامى في 47 سياسة محددة، بدءاً من الاقتصاد والأمن إلى التنمية المستدامة، بخاصة في ما يتعلق بالتنمية الصناعية والتمويل.

اقرأ المزيد

لكن تقارب هذه المجموعة لا يؤدي بالضرورة إلى مزيد من التوتر مع الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات جامعة "تافتس" التي رصدت تباعداً محدوداً بين السياسات المشتركة لهذه الدول وسياسات الولايات المتحدة في شأن مجموعة واسعة من القضايا، كما تعارضت البيانات أيضاً مع الحجة القائلة إن "بريكس" تحركها الصين، بينما لم تتمكن الصين من تقديم بعض مقترحات السياسة الرئيسة، وعلى سبيل المثال سعت بكين منذ قمة "بريكس" 2011، إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة بين دول هذه المجموعة، لكنها لم تستطع الحصول على دعم من الدول الأخرى فيها.

وعلى رغم آليات تنسيق التجارة المختلفة التي تجمع دول "بريكس" فإن التجارة الإجمالية بين دول المجموعة لا تزال منخفضة ولم تتجاوز ستة في المئة فقط من التجارة المشتركة.

متى يحدث التوتر؟

ومع ذلك ظهرت توترات بين الولايات المتحدة و"بريكس"، بخاصة عندما تتحول دول هذه المجموعة إلى ما يشبه الكتلة، وكذلك عندما تكون المصالح الأميركية العالمية على المحك، وظهر ذلك جلياً عام 2015 إذ كانت نقطة تحول، فقد حققت المجموعة نمواً مؤسسياً كبيراً في ظل رئاسة روسيا، وتزامن ذلك مع قيام موسكو بتعزيز محورها تجاه الصين ودول "بريكس" في أعقاب العقوبات الغربية على ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، إذ كانت روسيا حريصة على تطوير بدائل لآليات السوق التي يسيطر عليها الغرب والتي لم يعد بإمكانها الاستفادة منها.

ومع ذلك فإن الدول المهمة للتقارب بين دول "بريكس" هي أيضاً شريكة استراتيجية مقربة للولايات المتحدة، إذ لعبت الهند دوراً رئيساً في تعزيز البعد الأمني لتعاون "بريكس"، ودافعت عن أجندة مكافحة الإرهاب التي أثارت معارضة الولايات المتحدة بسبب تعريفها الغامض.

ومع إمكانية ظهور قيود أخرى على قوة الولايات المتحدة بانتقال دول المجموعة إلى استخدام العملات المحلية بدلاً من الدولار وتشجيع البلدان المرشحة لها على فعل الشيء نفسه، فضلاً عن تنامي جهود الصين وروسيا لإشراك دول هذه المجموعة في إدارة الفضاء الخارجي، يجد صانعو القرار في واشنطن أنفسهم في وضع المراقب مع حذر شديد من التداعيات المحتملة.

هل تتغير النظرة والتعاطي؟

وعلى مدى سنوات طويلة تجاهلت سياسة الولايات المتحدة إلى حد كبير المجموعة ككيان، نظراً إلى أن جهاز صنع السياسات الخارجية والدفاعية الأميركي يعنى بتوجهاته الإقليمية وفقاً لأستاذ الدراسات الدولية في جامعة "القلب المقدس" تشان هان، إذ انتقل اهتمام الولايات المتحدة في السنوات الـ20 الماضية من الشرق الأوسط إلى آسيا وأخيراً إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وطوال هذه الفترة اتبعت الولايات المتحدة سياسة عامة مع دول "بريكس"، ترتكز على تطوير العلاقات الثنائية مع البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، تزامناً مع إدارة التوترات مع الصين وعزل روسيا، بينما يتمثل التحدي الذي يواجه إدارة الرئيس جو بايدن في فهم كيفية تأثير عمليات ومؤسسات "بريكس" كمجموعة على المصالح العالمية للولايات المتحدة.

وفي غضون ذلك يثير توسع دول المجموعة أسئلة جديدة، فعندما وجه الصحافيون أسئلة إلى إدارة بايدن عن شركاء الولايات المتحدة مثل الجزائر ومصر ودول أخرى ترغب في الانضمام إلى "بريكس،" أوضحت أنها لا تطلب من الشركاء الاختيار بين الولايات المتحدة والدول الأخرى.

مواءمة أفضل

غير أن الطلب الدولي المتزايد للانضمام إلى هذه المجموعة يدعو إلى تفكير أعمق في واشنطن حول كيفية اتباع واشنطن سياسة خارجية ناجحة مع "بريكس"، وما إذا كان ينبغي تصميم سياسة خارجية تركز على هذه المجموعة وتلبي حاجات التنمية، بدلاً من تقسيم البلدان إلى ديمقراطيات صديقة وغيرها، ويمكن للسياسة التي تركز على دول "بريكس" أن ترى إدارة بايدن تقود قضايا التنمية العالمية وبناء علاقات وثيقة تركز على التنمية وتشجع على مواءمة أفضل بين بلدان الجنوب العالمي والولايات المتحدة.

كما يمكن أن تشرع إدارة بايدن في تعميق التعاون مع الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وبعض مرشحي "بريكس" الجدد، على أن تشمل مجالات التركيز القضايا التي كافحت فيها دول هذه المجموعة لتنسيق سياستها، مثل تطوير الذكاء الاصطناعي والحوكمة، وأمن الطاقة والقيود العالمية على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

ومن خلال تطوير سياسة "بريكس" يمكن أن يساعد ذلك في إعادة تصور السياسة الخارجية للولايات المتحدة وضمان أن تكون الولايات المتحدة في وضع جيد في عالم متعدد الأقطاب.

المزيد من تقارير