Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبل "معركة الرئاسة" المعارضة المصرية تفتش عن حياتها

تشكو التضييق وعدم الوصول إلى الشارع والدولة تشترط أن تكون رؤاها "بناءة" لتتمكن من العمل

تعاني الأحزاب ما يشبه الموت السياسي حيث لا تملك أرضية حقيقية ولا تمارس دورها في رقابة السلطة (أ ف ب)

ملخص

تساؤلات كثيرة حول ماهية المعارضة في مصر وحجمها ودورها في الحياة السياسية

في بلد يطغى فيه الهم الاقتصادي على أحاديث المواطنين يكثر الحديث في مصر الآن عن السياسات البديلة وهي مهمة المعارضة في أي نظام سياسي، مما يثير التساؤل حول ماهية المعارضة في مصر وحجمها ودورها في الحياة السياسية.

ففي حين لم يأت الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من خلفية حزبية، كما أعرب في أكثر من مناسبة عن رفضه تأسيس حزب سياسي خاص به، لا يمكن اعتبار أي من الأحزاب المصرية "حزب السلطة" بشكل رسمي، لكن المواقف التي تبديها تلك المنابر السياسية تكشف عن اتجاهاتها.

يبلغ عدد الأحزاب المصرية حالياً 87 حزباً بحسب موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" (جهة حكومية)، بينما يصل عددها إلى 104، بحسب تقديرات أخرى، بسبب وجود أحزاب كثيرة تحت التأسيس، في ما يضم مجلس النواب ممثلين لـ13 حزباً فقط يتصدرها "مستقبل وطن" بـ316 نائباً، وأقلها حزب "إرادة جيل" صاحب المقعد الواحد، ويشغل نحو ربع مقاعد البرلمان مستقلون.

وبينما تبدي الغالبية العظمى من الأحزاب مواقف مؤيدة للسياسات الحكومية في مجملها، يبدو التكتل المعارض الأبرز هو "الحركة المدنية الديمقراطية"، التي أسست عام 2017 وتضم في صفوفها 12 حزباً سياسياً وشخصيات عامة، وكان من أبرز مواقفها رفض التعديلات الدستورية التي أقرت عام 2019 وسمحت للرئيس السيسي بتمديد فترة حكمه لولاية ثالثة تمتد إلى ست سنوات، بعد أن كان الدستور يمنح رئيس الجمهورية مدتين بحد أقصى ثماني سنوات.

ليست أحزاباً فقط

لكن اختزال المعارضة في الأحزاب يصفه عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع بـ"السطحية"، لأن بعضها ينتمي للمعارضة وآخر ينتمي لما يسمى "الموالاة"، موضحاً أن المعارضة تبرز في صور وأشكال مختلفة إما مرتبطة بالمجتمع المدني أو بوسائل إعلام حزبية أو مستقلة أو النقابات.

وقال ربيع لـ"اندبندنت عربية" إن البرلمان الحالي يضم مجموعة من الأحزاب التي وصفها بالشكلية، فهناك 568 نائباً في البرلمان بينهم 315 عضواً في حزب "مستقبل وطن" و50 عضواً بحزب "الشعب الجمهوري" (المؤيدان للدولة)، إلى جانب 11 حزباً آخرين لديهم ما يتراوح بين عضو و20 عضواً، ولكنها تعددية شكلية فهي أحزاب مصطنعة من جانب السلطة، بحسب قوله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى ربيع أن المعارضة طرأت عليها بعض التحولات في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى بيع قنوات فضائية مملوكة لرجال أعمال لصالح جهات سيادية في ما وصفه بـ"التأميم"، علاوة على وضع قوانين مقيدة لعمل المجتمع المدني، إضافة إلى تقوقع الحراك النقابي في أطر خدمية.

كذلك يجد رئيس حزب "التجمع" سيد عبدالعال أن المعارضة لا يسمح لها بالحصول على المعلومات، مؤكداً لـ"اندبندنت عربية" أنه كلما كانت البيانات متاحة للباحثين والبرلمانيين والحزبيين استطاعت المعارضة أن تقدم معلومات بديلة في ضوء تلك المعلومات المتوافرة، لكن حجب المعلومات والبيانات سيجعل الرؤية لديها ضبابية، مطالباً بضرورة أن تكون هناك آلية قانونية لمحاسبة المسؤولين الحكوميين إذا حجبوا المعلومات - بخلاف المعلومات التي تمس قضايا الأمن القومي - حتى تستطيع المعارضة صياغة بدائلها في ضوء المعلومات المتاحة.

وأضاف عبدالعال "حينما يسأل المواطن مثلاً عن أسباب الارتفاعات الجنونية للأسعار في السوق تكون الإجابة من الحكومة أن ذلك بسبب تبعات وتداعيات أزمة فيروس كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية، لكن تلك التفسيرات قد لا تكون كافية في كثير من الأحيان للمواطن"، موضحاً أن "فوضى السوق مسؤول عنها في المقام الأول الحكومة وغياب الرقابة، ويجب الاعتراف بأن أجهزة الرقابة ضعيفة والحكومة غير قادرة على ضبط الأسواق بالتالي تعمل لخدمة الاحتكارات في السلع الغذائية".

 

 

وبالعودة إلى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، فإن الأحزاب المعارضة معزولة عن الشارع، ويعزو هاشم ربيع ذلك إلى الملاحقات الأمنية المستمرة، وتعامل السلطة مع الأحزاب من منطلق ما سماه "صك الوطنية" الذي تمنحه للبعض وتنزعه عن الآخرين، بجانب تخوف المواطن من الالتحاق بالأحزاب، وهي جميعاً عوامل أسهمت في ضعف المعارضة وتسببت في عدم وجود أرضية حقيقية لها، فضلاً عن عدم قدرتها على رقابة السلطة وحدوث ما يشبه الموت السياسي، وفق تعبيره.

تغير المعارضة

أمام ذلك الواقع للأحزاب المصرية ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي لتكون متنفساً لمن هم على يسار السلطة، إذ انطلقت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 بدعوة من صفحة "كلنا خالد سعيد" على "فيسبوك"، واستمرت تلك المواقع كمؤشر للرأي العام تجاه مختلف القضايا أو بمثابة "برلمان شعبي" مواز.

رئيس حزب التجمع، ثاني أقدم الأحزاب المصرية، يقر بأن وسائل المعارضة تغيرت مع تطور منصات التواصل الاجتماعي، إذ أصبح بإمكان كثر التعبير عن أنفسهم ومواقفهم بصورة مباشرة عبر تلك المنصات، لكنه يرى أن الأحزاب تظل هي الوسيلة والمنفذ الأكثر فاعلية، لكن المطلوب منها أن تبذل مجهوداً أكبر في تقديم بدائل ممكنة وليس بدائل خيالية، وفق تعبيره.

ويصف رئيس الحزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي" فريد زهران حال المعارضة المصرية بـ"الضعيفة"، مرجعاً ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أولها ما سماه حال التضييق الأمني والسياسي، والثاني يرجع تاريخياً لوجود مصادرة على المعارضة المصرية تمتد منذ عام 1954 بعد حل الأحزاب وتجريم العمل الحزبي، لتعود المعارضة بعد ذلك إلى الوجود والعمل في ظل قوانين مقيدة للحريات، وثالثاً عدم تحقيق ثورة 25 يناير ما كان يصبو إليه الناس منها ويحلمون به، مما أصابهم بالإحباط وجعل جمهوراً واسعاً يفقد الثقة في السياسة وينصرف عن المشاركة فيها.

ترحيب مشروط

على رغم ذلك يجزم زهران بأنه لا يمكن لأي مجتمع العيش من دون معارضة حقيقية لفترة طويلة، كما يؤكد عبدالعال أنه طالما أن هناك حكومة فهناك معارضة، لأنه ليس بالضرورة أن تلقى كل سياسات الحكومة قبولاً لدى الشعب، وهو ما يمكن أن تعبر عنه الأحزاب والنقابات بالوسائل المتاحة لديها.

 

 

الرئيس المصري رحب في أكثر من مناسبة بوجود أصوات معارضة، فخلال افتتاح مشروعات صحية في فبراير (شباط) 2021، قال السيسي إن الاعتراض والتعبير عن الرأي حق للناس ولكنه اشترط ألا تكون المعارضة هدفاً لذاتها، "لأن الهدف في النهاية، سواء من التعبير عن الرأي أو المعارضة، هو تحسين أحوال الناس وحياتهم".

يتفق مع رؤية الرئيس السيسي رئيس حزب "الغد" موسى مصطفى موسى، الذي قال لـ"اندبندنت عربية" إن المعارضة الحقيقية ينبغي أن تكون بناءة وتساعد في تحسين أداء الدولة وتعمل من منطلق أرضية وطنية مشتركة ويكون لها مبادئ واضحة، مشيراً إلى أن أية دولة لا توجد فيها معارضة تكون عليها علامات استفهام لأن المعارضة الجادة البناءة أمر مفيد وليس ضاراً.

ودعا موسى، الذي خسر الانتخابات الرئاسية أمام السيسي عام 2018، إلى إتاحة الفرصة والمجال أمام المعارضة التي تخدم مصالح الوطن، محذراً مما وصفه بالمعارضة الفتاكة المضرة التي تعمل ضد أهداف الوطن ويتم استغلالها من جانب أصحاب الأجندات الخارجية.

معارضة "محبوسة"

في المقابل، يرى مستشار مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" عماد جاد، أن المعارضة لا تسعى إلى هدم النظام كما يظن البعض، لكنها تراقبه وتقدم رؤى وأفكاراً تسعى بها إلى الوصول للسلطة عبر صناديق الانتخاب، وهذه المعارضة موجودة بالفعل ولكنها "محبوسة" وفق توصيفه، موضحاً أن النظم السلطوية هي التي تستطيع العيش من دون معارضة، وغالباً ما تصل بالبلاد في النهاية إلى كوارث.

وقال جاد لـ"اندبندنت عربية" إن المعارضة تعاني أشكالاً مختلفة من التضييق، قائلاً "لا يستطيع حزب أن يعقد ندوة أو يقيم مؤتمراً الآن"، موضحاً أنه لو فتح المجال العام بشكل حقيقي سيتم تشكيل أحزاب مدنية لديها رؤية.

 

 

ويعتقد جاد أن النظام السياسي حريص طوال الوقت على وجود شكل ما للإسلام السياسي، سواء من الإخوان أو السلفيين، في لعبة تشبه "القط والفأر" وفق تعبيره، لكن الأخطر على النظام هو البديل المدني الذي من الممكن أن يشكل تغييراً حقيقياً.

كذلك، يرى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني أحمد الشرقاوي أن مصر تأخرت في خلق مناخ سياسي طبيعي يتيح للمعارضة الوجود والتلاحم مع الجماهير، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أن تغييب السياسة في المجتمع ينحصر في أوقات الحروب والأزمات الكبرى، وهو استثناء وليس قاعدة، ومشيراً إلى أنه إذا كان الإرهاب والاضطرابات الأمنية قد أثرت في المناخ العام في مصر، فإن ذلك لم يعد الواقع الآن بعد استقرار نظام الحكم، واختفت مبررات عدم فتح الباب أمام المجال العام وإطلاق حريات العمل الحزبي والسياسي والإعلام.

الحوار الوطني

يعتبر الشرقاوي، وهو أحد الأصوات المعارضة البارزة في مجلس النواب، أن الحوار الوطني يشكل فرصة حقيقية أمام النظام والقوى السياسية المعارضة معاً إذا أحسنوا استغلالها ستحقق مكاسب للجميع شريطة توافر الإرادة السياسية، موضحاً أن "التجربة لا تزال على المحك حتى الآن".

يشار إلى أن الجلسات النقاشية للحوار الوطني كانت قد انطلقت في مايو (أيار) الماضي بمشاركة واسعة وفعالة من مختلف القوى السياسية والنقابية والمجتمع الأهلي والشخصيات العامة والخبراء، وتعهد الرئيس المصري في يونيو (حزيران) الماضي بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني من دون قيد أو شرط، طالما أنها تقع ضمن صلاحياته الدستورية، مشيداً بالمناقشات التي تضمنها الحوار.

 

 

ونفذ السيسي تعهده، الأربعاء الماضي، حين أعلن إحالة مخرجات الحوار الوطني إلى الجهات المعنية بالدولة لدراستها وتطبيق ما يمكن منها في إطار صلاحيات الرئيس القانونية والدستورية. وأعرب في تدوينة عبر منصة "إكس" عن اهتمامه البالغ بتلقيه "مجموعة من مخرجات الحوار الوطني، التي تنوعت ما بين مقترحات تشريعية، وإجراءات تنفيذية، في جميع المحاور السياسية والاقتصادية والمجتمعية". وأشار إلى أنه من بين تلك المخرجات ما يستوجب تعديلات تشريعية، وسيتقدم بها إلى مجلس النواب لبحث آلياتها التنفيذية والتشريعية.

وعلى رغم إشارة الشرقاوي إلى أن مسار الحوار لم يكن كما يتمناه، فإنه أعرب عن تطلعه لمرحلة ما بعد الحوار الوطني، وهو ما سيتم الحكم عليه مستقبلاً في الانفتاح الإعلامي والحريات السياسية والسماح للمعارضة بالالتحام مع الجماهير من دون قيود.

أجندات خارجية

يطرح عضو مجلس النواب مصطفى بكري رؤية مغايرة، موضحاً أنه ينبغي على الدولة أن تحترم الرأي والرأي الآخر وفقاً لما تنص عليه القوانين والدستور، مشيراً إلى أنه لا يمكن تجريم صاحب الرأي لمجرد أنه أدلى برأيه، لكنه يرى في الوقت ذاته أن الآراء المعارضة يجب أن تكون مسؤولة، وهو أمر تحكمه القوانين التي تحدد مسؤولية الفرد عن إثارة ما يمس الأمن القومي أو التدخل في خصوصية الناس وغير ذلك من الأمور المحظورة قانوناً ودستوراً.

 

 

ويفرق بكري في حديثه لـ"اندبندنت عربية" بين من سماهم "أصحاب الأجندات الخارجية وهم معروفون" بحسب رأيه، والمعارضة التي لها رأي يجب أن يحترم، وتتمثل في البرلمان أو الأحزاب أو بعض منظمات المجتمع المدني، بخلاف معارضة بعض الأشخاص بشكل فردي، وهؤلاء منهم من يرفض الأوضاع ويطرح الحلول، ومنهم من يرى أن الوقت الراهن يستوجب الوقوف مع الدولة في مواجهة التحديات التي تواجهها، معتبراً أن "المعارضة الجادة" لا يمكن الاستغناء عنها، فـ"الرأي الآخر مهم لأنه ينير الطريق ويسعى إلى تلافي الأخطاء".

الفريق الرئاسي

أحدث الحركات المعارضة في مصر هي "التيار الليبرالي الحر"، الذي تم الإعلان عنه في يونيو الماضي، ويضم أحزاباً وشخصيات ليبرالية بعضها عضو في "الحركة المدنية الديمقراطية"، في حين أكد الداعي إلى تأسيس "التيار" وهو رئيس حزب "المحافظين" أكمل قرطام، أن "التيار الحر" ليس بديلاً لـ"الحركة المدنية الديمقراطية".

ومع قرب عقد الانتخابات الرئاسية مطلع العام المقبل توجهت الأنظار إلى قوى المعارضة، إذ لم تعلن "الحركة المدنية" عن دعم مرشح، في حين اقترح رئيس حزب "المحافظين" تشكيل فريق رئاسي يضم الراغبين في الترشح للرئاسة من قوى المعارضة، في خطوة لتوحيد الصفوف خلف مرشح واحد فقط لمنافسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي لم يعلن حتى الآن عن عزمه الترشح لولاية ثالثة، لكن أحزاباً مثل "مستقبل وطن" و"المصريين الأحرار" و"المؤتمر" أعلنت دعمها له.

فكرة "الفريق الرئاسي" التي خرجت من اجتماع عدد من قيادات الحركة المدنية في الساحل الشمالي لم تلق إجماعاً بين الشخصيات المعارضة، إذ كتب المعارض المستقل يحيى حسين عبدالهادي، الذي حضر الاجتماع، على صفحته بموقع "فيسبوك" إن طرح تشكيل فريق رئاسي تباينت حوله الآراء بين رافض للمشاركة في الانتخابات من الأساس، ورافض لفكرة الفريق الرئاسي، وآخرين وافقوا عليها ولكن لم يخرج الاجتماع باتفاق.

المزيد من تقارير