ملخص
اتسمت أسطح المنازل المصرية قديما بكونها ملتقى للسكان ومقرا للمناسبات السعيدة، واليوم باتت مستودعا للفوضى وسط محاولات إحيائها بالزرع
حال من الإهمال أصابت معظم أسطح المنازل في مصر خلال العقود الأخيرة بعدما كانت سابقاً تمثل جزءاً رئيساً من البناية يتم الاهتمام به من قبل ساكنيها بل استخدامه في أغراض مختلفة للسكان.
اليوم باتت أسطح الأبنية بمعظمها مخزناً لـ"الكراكيب" والأشياء غير المستخدمة، وفكرة العناية بها غالباً غير مطروحة من الأساس باعتبار أنها مسؤولية يجب أن تتوزع على كل ساكني المبنى في وقت يكون معظمهم غير مهتم بعكس أعوام مضت.
تحكي الجدة سهام ذات الـ67 سنة عن حفل خطبتها الذي أقيم على سطح منزلهم مطلع ثمانينيات القرن الماضي، "كان هذا شائعاً خلال هذه الفترة وشارك الجيران في الإعداد للحفل بتعليق الأنوار والإسهام ببعض الكراسي والمناضد، وعلى فترات متقاربة يتم تنظيف السطح باعتباره جزءاً من البناية، وثمة غرفة موجودة في الأعلى تؤجر لساكن غالباً ما يكون طالباً أو موظفاً مغترباً لا يحتاج إلى أكثر من غرفة بسعر قليل".
البناية الكائنة في واحد من الشوارع المتفرعة من ميدان الجيزة الشهير بالقاهرة التي أقيم على سطحها حفل الخطبة منذ 42 عاماً لا تزال موجودة، ولكن تغيرت حال سطحها مع تبدل الأحوال في كل شيء، فتشير الجدة سهام إلى أنه "مع مطلع التسعينيات بدأ انتشار القنوات الفضائية وجاء كل ساكن بالطبق الخاص به ليتحول السطح إلى غابة من الأسلاك، ومع انتقال بعض السكان من المكان ومجيء غيرهم انقطع التواصل والعلاقات الوطيدة التي كانت تربط الجيران ليبدأ كل منهم بنقل بعض الأغراض المهملة من منزله لتخزينها على السطح ليتحول إلى شكله القبيح الحالي، وساعد على تفاقم الأزمة انتشار ثقافة امتلاك الشقق بدلاً من إيجارها فمالك العقار يبيع الشقق وانتهى الأمر، أما قديماً، فكان المالك مقيماً في المبنى ويحرص على شؤونه ويهتم بنظافته حتى يكون ذلك عامل جذب للناس لاستئجار الشقق فيه".
طاقة الكراكيب
الوضع الحالي لهذه البناية لم يقتصر عليها، بل امتد إلى كثير غيرها ليصبح هو الإطار السائد لمعظم أسطح المنازل التي قل الاهتمام بها وأصبحت مخزناً لـ"الكراكيب" والأطباق اللاقطة وربما في بعض الأحيان مركزاً لخزانات المياه، مما ينعكس بدوره على الطابع العام للمكان.
تقول سها عيد، المتخصصة في مجال طاقة المكان، "الفوضى بشكل عام تمثل طاقة سلبية، إذ تغلق مسارات الطاقة في الأماكن التي توجد فيها فكما نحتاج إلى الأوكسجين لنتنفس تحتاج الأماكن إلى المفهوم ذاته، وهذه الكراكيب أو الأغراض غير المستخدمة يجب فرزها والتخلص منها بشكل دوري، ويكون الأمر أكثر تفاقماً في حال البنايات الضخمة باعتبار أن معظم السكان يلقون بمقتنياتهم القديمة على السطح، خصوصاً كبيرة الحجم التي يصعب الاحتفاظ بها في المنازل ويؤثر هذا بشكل كبير ليس فقط في قاطني البناية وإنما أيضاً في سكان المنازل المجاورة الذين تطل شرفاتهم عليها".
تضيف، "أسطح المنازل من الممكن أن تتحول إلى منفذ للراحة النفسية وملتقى اجتماعي إذا تعاون الناس للعناية بها بتخلصهم من الكراكيب ومشاركتهم في وضع بعض المقاعد والمناضد مع إضافة بعض النباتات، فسيتحول السطح إلى متنزه يستخدمه الأشخاص كمكان يتميز بالهدوء ويتيح لهم الاسترخاء والراحة النفسية وفي الوقت ذاته سيخلق حالاً اجتماعية افتقدناها، فالناس حالياً لا يزورون بعضهم بعضاً وربما لا يعرف سكان العمارة الواحدة جيرانهم من الأساس. من هنا فالأمر يتطلب بعض المبادرات للعمل على التخلص من هذا الوضع وتحسين حال الأسطح، خصوصاً أنه أمر لا يحتاج إلى أي كلفة ولكن بعض الجهد فقط".
السطح في السينما
أعمال سينمائية عدة انعكست فيها "السطوح" كما يطلق عليها المصريون قدمت شكلها وواقعها باختلاف المرحلة الزمنية، فتارة كانت مسكناً للبطل الفقير وأخرى ملتقى للعشاق بعيداً من الأعين، وثالثة مكاناً لنشاطات يومية عادية مثل نشر الغسيل في الشمس أو تربية الحمام والطيور، ومن بين أشهر الأفلام التي كان السطح فيها بطلاً "عاشت للحب" من بطولة زبيدة ثروت وكمال الشناوي في خمسينيات القرن الماضي فظهر السطح الأنيق المزين بتكعيبة العنب الذي كان سكناً لطالب الطب، وفي العصر الحديث ظهر شكل التحول الذي أصاب المجتمع ومن بينه أسطح المنازل في فيلم مثل "عمارة يعقوبيان".
ثقافة الروف
السطح بمفهومه المتعارف عليه في الأحياء الشعبية وحتى في بعض المناطق الراقية ظهرت له نسخة جديدة (مودرن) مع اختلاف شكل الحياة وتبدل الأحوال، فأصبح في المناطق الفاخرة ومع ظهور ثقافة المجمعات (كمباوند) في مصر يطلق عليه الـ"روف" ويستخدم كوسيلة لتسويق بيع الطابق الأخير في المباني حيث غالباً لا يكون الطلب عليه كبيراً، فيتم بيعه مع الـ"روف" الذي سيكون في ملكية الساكن وحده ويستطيع تحويله إلى "روف غاردن" كمكان للاستجمام وللعب الأطفال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المهندس هاني (48 سنة) إنه اشترى منذ ثلاثة أعوام شقة في الدور الأخير مع الـ"روف" الذي اعتنى به ووضع فيه مكتباً لممارسة عمله إذ إنه يعمل أحياناً من منزله إضافة إلى زراعته لبعض النباتات ووضع أرجوحة وأعدّ مكاناً مخصصاً للعب الأطفال، ويوضح "فضلت شراء شقة دور أخير مع الروف على أخرى تقع في الدور الأرضي مع الحديقة باعتبار أن الروف سيكون أكثر خصوصية".
ويضيف، "في العمارة التي كنت أسكن بها سابقاً تحول السطح إلى مخزن، فأحد السكان وضع بعض الأجهزة الكهربائية المعطلة وآخر ألقى كمية أخشاب فائضة من تجديده لشقته، وثالث وضع كميات من الصناديق التي تحوي أغراضاً ليست لها أي قيمة وللأسف أصبح هذا هو السائد في معظم العمارات".
زراعة الأسطح
خلال الأعوام الأخيرة ظهرت بعض المبادرات الإيجابية الداعية إلى الاهتمام بأسطح المنازل وحقق بعضها نجاحاً لافتاً ولاقى قبولاً من الناس، بينها مبادرات زراعة الأسطح التي يرى كثير من المتخصصين أنها من أفضل الحلول التي يمكن اعتمادها لقلة كلفتها ونتائجها الجيدة وانعكاسها على البيئة بزيادتها للمسطحات الخضراء بشكل سهل وغير مكلف ويمكن للأفراد من غير المتخصصين اعتمادها.
"مزرعة بيتنا" هي واحدة من المبادرات المهتمة بمجال زراعة الأسطح ويقول مؤسسها حسام شعبان "مجال الزراعة بشكل عام مرتبط بدراستي ولكني فكرت في عمل شيء جديد يكون له انعكاس على المجتمع فهو من ناحية يزيد من المسطحات الخضراء وله تأثير كبير في البيئة، وفي الوقت ذاته يجمل شكل الأسطح ويحقق مبدأ العودة للطبيعة الذي أصبحت له أولوية عند قطاع كبير من الناس حالياً".
ويضيف، "نساعد في المبادرة الأشخاص الذي يرغبون في الزراعة على الأسطح من البداية ونوفر الخامات ونزرعها ومن بعدها نقدم الدعم ونوفر الاستشارات لو احتاج إليها صاحب السطح لاحقاً، وبالفعل هناك إقبال من الناس نسبياً مقارنة بالسابق. وإلى جانب أسطح المنازل زرعنا بعض أسطح المستشفيات لتوفير مظهر جميل ولتأمين حاجاتها من بعض المحاصيل المزروعة بشكل طبيعي".
يتابع، "في الفترة الأخيرة ونتيجة للظروف الاقتصادية اتجه بعضهم إلى فكرة الزراعة على الأسطح لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل وبالفعل هناك كثير من المحاصيل تصلح للزراعة فوق الأسطح وتعطي نتائج جيدة ومن أبرزها الورقيات بأنواعها، وبعض أنواع الفواكه مثل الفراولة، وكثير من الثمريات مثل الطماطم والخيار والفلفل والباذنجان. فالأمر بسيط ونتائجه ممتازة ولكنه يحتاج إلى زيادة الوعي ليحقق الانتشار بصورة أكبر".