ملخص
بنغلاديش هي الدولة الوحيدة التي وافقت على إيفاد أطباء إلى ليبيا.
على رغم التحسن النسبي الذي شهدته القطاعات الخدمية في ليبيا خلال العامين الأخيرين، مقارنة بالأزمات العميقة التي عرفتها في ذروة الحرب الأهلية بين عامي 2013 و2020، فإنه لم يشمل قطاع الصحة الذي ما زال يعاني الأمرين بسبب نقص الكوادر الطبية المؤهلة، لتستمر معاناة الليبيين في البحث عن العلاج الشافي لمرضاهم في دول الجوار وخصوصاً مصر وتونس.
هذه المعاناة تتضاعف في الجنوب الليبي، لا سيما قراه ومدنه النائية والبعيدة عن مراكز القرار في طرابلس وبنغازي، حتى إن بعض المستشفيات القروية ضعيفة الإمكانات أصلاً، خلت على عروشها وباتت غير قادرة على تقديم العلاج للمرضى في كثير من الأوقات بسبب نقص الدواء والأطقم الطبية.
حكومة الوحدة في طرابلس، تحركت لسد هذا العجز في الكادر الطبي بمستشفيات ليبيا عموماً والجنوب بشكل خاص باستقدام طواقم طبية من بنغلاديش، التي قالت إنها الدولة الوحيدة التي قبلت بإيفاد أطباء إليها في المرحلة الحالية.
سد العجز
نائب رئيس حكومة الوحدة في طرابلس، رمضان أبو جناح، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الصحة المكلف، قال إن "مجموعة جديدة من الأطباء البنغاليين ستصل إلى ليبيا يومي 28 و29 أغسطس (آب) الجاري، لسد العجز في المرافق الصحية النائية".
وأشار بوجناح إلى أن "اللجنة المشكلة لاستقطاب العناصر الطبية والطبية المساعدة نجحت في جلب 53 طبيباً حتى الآن من دولة بنغلاديش، وهي الدولة الوحيدة التي وافقت على مشروع الاستقدام بما يتناسب مع المعايير التي حددتها الوزارة ومنها الرواتب".
ونوه وزير الصحة إلى أن "ملف استقدام أطباء طرح لسد العجز القائم في المرافق الصحية بالجنوب خلال الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، وستوزع العناصر الوافدة على الأماكن النائية بالمناطق الغربية والشرقية والجنوبية، ومنها سيناون والقريات والشويرف، إضافة إلى المركزين الطبيين في مصراتة وسبها، وكذلك مركز علاج أمراض القلب".
وأضاف بوجناح أن "المرافق الصحية الواقعة بمناطق الجنوب تعاني نقصاً شديداً في العناصر الطبية والطبية المساعدة، على رغم الإجراءات التي اتخذتها حكومة الوحدة لتشجيع العنصر الوطني للعمل بالجنوب، إذ أصبحت هناك هجرة إلى الشمال بحثاً عن ظروف أفضل للعيش".
توزيع مناطقي
من جانبه، أعلن رئيس لجنة توزيع العناصر الطبية والطبية المساعدة الوافدة عبدالعاطي عبدالسلام، أن "الدفعة الأولى من الأطباء الوافدين التي وصلت ليبيا تم توزيعهم على مستشفيات الجنوب"، مبيناً أنها "تتألف من 21 طبيباً ومساعداً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين عبدالسلام، بحسب المكتب الإعلامي لوزارة الصحة، فإن "الدفعة الثانية ستصل خلال أسبوعين وتضم 120 طبياً ومساعداً"، لافتاً إلى أنه "تم الحصول على مواقفة مكتب استخدام الصحة بوزارة العمل، لاستقدام 2000 متخصص من دولة بنغلاديش، لسد حاجات المستشفيات من الأطباء والمساعدين".
وشدد رئيس لجنة التوزيع على أن هذا العدد لم يحدد بشكل عشوائي بل بما يتناسب مع حاجات المستشفيات الجنوبية، مشيراً إلى أنه "تمت مخاطبة المستشفيات والمراكز الطبية، في شأن حاجاتها من الكوادر المتخصصة، لاستقدام العناصر بحسب حاجة القطاع الصحي".
اختبارات دقيقة
وفي شأن الطريقة التي تم بها التأكد من كفاءة الأطقم الطبية المتعاقد معها من بنغلاديش، شدد عبدالسلام على أنه "تم استقدام هذه العناصر بعد خضوعها لامتحانات من قبل لجنة مشكلة من وزير الصحة رمضان بوجناح، أوفدت لدولة بنغلاديش، كما تم التعاقد مع العناصر الوافدة وفق اللوائح والقوانين المعمول بها لدى الدولة الليبية"، مؤكداً أن "مدة العقد ستكون عام واحد قابل للتجديد".
وخلص إلى أن "العناصر الطبية والطبية المساعدة الوافدة من دولة بنغلاديش ستسد العجز في تخصصات متنوعة تشمل التمريض والعناية الفائقة والأطفال والقلب، وكذلك تمريض حديثي الولادة والعمليات الجراحية والأورام والأعصاب وإعادة التأهيل، وأيضاً استشاريون في التخصصات كافة".
تجربة ناجحة
تجربة الاعتماد على كوادر طبية أجنبية ليست جديدة على ليبيا، بل بدأت منذ استقلال البلاد وازدهرت في عقد السبعينيات من القرن الماضي، عندما تعاقدت الدولة الليبية مع الآلاف من الأطباء والممرضين الأجانب، خصوصاً من دول آسيا وشرق أوروبا، وعمل بعضهم في ليبيا حتى 2011 حيث شهدت البلاد بعدها موجة نزوح للأطقم الطبية الأجنبية تسببت بفراغ كبير في المستشفيات التي ما زالت تعاني من أثاره حتى اليوم.
قطاع كبير من الشارع الليبي خصوصاً من الأجيال القديمة التي عايشت هذه المرحلة يصف تلك المرحلة بأنها ذهبية في قطاع الصحة ببلادهم، حيث كانت الأطقم الأجنبية في المستشفيات بتلك الفترة محترفة ومؤهلة وتقدم خدمة طبية على أعلى مستوى للمواطنين وبشكل مجاني.
علاج موقت
الطبيب الليبي بمستشفى الجلاء في بنغازي، منصور العمامي، وصف الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الصحة الليبية باستقدام كوادر طبية من بنغلاديش بـ"الحل الموقت ولكنه أفضل من الفراغ الحالي".
ويرى العمامي أن "دولة بنغلاديش لا تصنف من الدول المتقدمة في الطب حتى على المستوى الآسيوي، ونحن بحكم عملنا نعرف أنها دولة بها كوادر طبية مساعدة جيدة، مثل الممرضين وفنيي التخدير".
وبالنسبة إلى أسباب الأزمة في مستشفيات الجنوب الليبي يقول، إنها مرتبطة بأزمات أخرى منها الجانب الأمني حيث ما زال الجنوب يعاني أمنياً مما يصعب انتقال أطباء من الشمال إليه لتغطية العجز في مستشفياته، وكذلك الضعف الشديد في التجهيزات الطبية الذي يجعل تأدية دورهم هناك مستحيلاً".
وأضاف العمامي "هناك جانب سياسي متعلق بالمركزية الشاملة في ليبيا والتي تجعل الاهتمام بأزمات الجنوب وقضاياه الملحة أمراً ثانوياً، وكذلك عدم الإلمام بمعاناة السكان الجنوبيين لندرة تنقل الوزراء ورؤساء الحكومات إليه، على رغم أن هذه الأزمات هي الأكثر حدة في كل أرجاء ليبيا".