ملخص
كيف وجد وزير الطاقة اللبناني أن من يدفع فاتورة الكهرباء يخسِّر الدولة أكثر ممن لا يدفع؟
يحبس اللبنانيون أنفاسهم بانتظار نتائج أعمال الحفر الاستكشافي الذي انطلق في البلوك رقم 9، لمعرفة إذا كانت هناك كميات تجارية من النفط والغاز في "المكامن" المستهدفة، وذلك خلال الأيام الـ 70 المقبلة بعد صدور النتائج المخبرية، يعقد اللبنانيون آمالاً اقتصادية كبيرة على استخراج هذه الثروات لمواجهة الانهيار المالي الذي يواجه بلادهم.
وأعلنت شركة "توتال إنيرجي" المشغّل للرّقعة رقم 9 في المياه اللبنانيّة مع حصة 35 في المئة، إلى جانب شريكيها إيني 35 في المئة وقطر للطاقة 30 في المئة، عن إطلاق أنشطة الاستكشاف في 24 أغسطس (آب) الجاري، الذي يعتبره اللبنانيون "يوماً تاريخياً" يشكل "اختراقاً" يتيماً للمشهد المتعدد الأزمات.
وفي مقابل الاحتفال الرمزي الذي أقامته "توتال" على الحفارة " ترانس أوشن بارنتس"، بحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري إضافة إلى وزير الطاقة وليد فياض وحشد من الموظفين والإداريين، لا يمكن تجاهل القلق الذي عبرت عنه شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين يتخوفون من انسحاب الفساد المستشري في معظم المؤسسات الرسمية على هذا الملف الحيوي، إذ يعتبرون أن المسؤولين عن انهيار البلد وإفلاسه لا يؤتمنون على إخراج ثرواته النفطية.
الشراكة مع إسرائيل
وفي السياق أكدت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هايتايان، أن "المسار" حتى الآن يسير وفق الجدول المتفق عليه منذ إعلان "توتال" خطة عملها بعد توقيع الاتفاق الجديد لدخول "قطر للطاقة" في تحالف الشركات بعد خروج "نوفاتيك" الروسية، وبرأيها مع بدء عمليات الحفر لن تتجاوز مدة التنقيب الثلاثة 3 أشهر على أقصى تقدير.
وكشفت أنه في حال وجد فيه الغاز في المكمن الذي يقع ضمن المنطقة الاقتصادية اللبنانية، يطبق عليه العقد المبرم بين لبنان و"توتال"، أما إذا كان مقسوماً بين لبنان وإسرائيل فعلى الشركة أن تعقد اتفاقاً مالياً مع إسرائيل لتطوير الحقل واستخراج الغاز.
وأشارت إلى أنه في حال كانت النتائج المخبرية سلبية كما حصل في البلوك رقم 4، عندها يجب إعادة التفكير في قطاع النفط برمته، حيث ستكون هذه المرة الثانية التي يتم فيها الحفر من دون جدوى، في حين لا يوجد إقبال من شركات التنقيب لتقديم العروض منذ فتح دورة التراخيص الثانية في أبريل (نيسان) الماضي.
وسألت، هل سيستفيد لبنان من أموال الغاز بوجود هذه الطبقة السياسية؟ منتقدةً منهجية المحاصصة والفساد السائدة والتي تغذي الشكوك لدى المواطن بإمكانية استفادته من هذا القطاع، مشددة على أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية في بنية النظام الحالي هي الأساس.
"زلة" الوزير
وفي الوقت الذي ينتظر فيه لبنان إمكانية دخوله في نادي الدول النفطية، لا يزال التخبط سيد الموقف في ملف الكهرباء، حيث سجل لوزير الطاقة "سقطة" إعلامية أثناء تبريره أسباب العجز المستمر في موازنة كهرباء لبنان، إذ قال "أن سعر الكيلوواط يبلغ 18 سنتاً في حين تبيعه المؤسسة بـ 9 سنتات، ما يعني أن المواطن الذي يستهلك 100 كيلوواط ولا يدفع فاتورته يخسر الدولة 18 دولاراً في حين أن المواطن الذي يستهلك ألف كيلوواط ويدفع الرسوم المتوجبة يخسر الدولة 900 دولار"، الأمر الذي اعتبره الكثيرون تفسيراً "ساذجاً" ولو كان بالأرقام واقعياً، إذ يبرر تهرب المواطنين من دفع الرسوم، في حين رد فياض على منتقديه معتبراً أنه يصارح المواطنين بالحقيقة.
وفي وقت لم تكد الوساطات تؤجل موقتاً الأزمة مع شركة "برايم ساوث" المشغلة لمعملي توليد الطاقة الرئيسين في البلاد "دير عمار" و"الزهراني" اللذين يوفران 550 ميغاواط من الطاقة، بسبب تأخر الدولة عن سداد مستحقاتها البالغة 85 مليون دولار، حتى برزت أزمة وصول ثلاث بواخر تحمل وقوداً لإمداد محطتي توليد الكهرباء في الزهراني جنوباً وفي دير عمار شمالاً، وهي ترسو منذ أيام قبالة الشواطئ اللبنانية من دون أن تتمكن من إفراغ حمولتها بسبب تعثر الدولة عن سداد ثمنها البالغ 30 مليون دولار، حيث لا تزال قضية فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان متعثرة بعد قرار الأخير بوقف تسديد نفقات الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علماً أن كل يوم تأخير عن الموعد المحدد لتفريغ السفن الراسية حمولتها يؤدي إلى غرامات مالية تقدر بـ 20 ألف دولار يومياً عن كل سفينة، ولطالما سجل تكرار للسيناريو نفسه حيث وصلت مدة انتظار السفن في المياه الإقليمية لأكثر من شهرين في أوقات سابقة.
وأشار وزير الطاقة وليد فياض إلى أن ثمن تلك الحمولة مؤمن ويمكن تغطيته، سواء بواسطة السلفة المعطاة بموجب قرار مجلس الوزراء، كرأسمال تشغيلي لمؤسسة كهرباء لبنان (والبالغة قيمتها 300 مليون دولار أميركي والتي استخدم منها فقط حوالى 193 مليون دولار وبالتالي يتبقى منها حوالى 107 ملايين دولار) أو بواسطة أموال التحصيل بالليرة اللبنانية لمؤسسة كهرباء لبنان التي تتكدس يومياً في حساباتها لدى مصرف لبنان من دون أن يتم تحويلها إلى دولار أميركي وفق الآلية المحددة من مصرف لبنان.
وأشار إلى أن خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء في لبنان كانت تتضمن إنفاق 600 مليون دولار لشراء وقود لرفع التغذية الكهربائية تدريجاً لحوالى 8 إلى 10 ساعات يومياً ولكن تم تخفيضها إلى 300 مليون دولار لأسباب خارجة عن إرادة وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان، مما انعكس قسرياً على تعديل في ساعات التغذية لتصبح من 4 إلى 6 ساعات يومياً.
فضائح البواخر
وفي هذا السياق، أوضح الخبير في شؤون الطاقة محمد بصبوص، أن تقرير التدقيق الجنائي أكد أن مصرف لبنان حول من ودائعه الأجنبية 24.5 مليار دولار منذ عام 2010 لغاية عام 2021 لمصلحة وزارة الطاقة أو إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وقال إنه "في حال العودة إلى عام 2008 مع الوزير آلان طابوريان يرتفع المبلغ إلى 29 مليار دولار".
كاشفاً أنه بمبلغ كهذا كان يفترض الوصول إلى إنتاج 45 ألف ميغاوات، ما يؤكد برأيه أن "هذه المبالغ صُرفت هدراً وفساداً"، تضاف إليها فضيحة صفقة البواخر التي كان من المفترض أن تكون بواخر توليد الطاقة العائمة لفترة ثلاث سنوات يتم خلالها البدء ببناء معامل لتغطية الإنتاج المطلوب وتوزيعه بشكل عادل، إلا أنها استمرت لتسع سنوات من دون بناء أو تطوير أي معمل وذلك نتيجة استفادة بعض "النافذين" من صفقات استيراد الفيول للبواخر.
وشرح بصبوص أن نسبة الهدر التقني وغير التقني على الشبكة وصلت إلى 51 في المئة ما يعني أنه عندما كان يُضخّ مليار دولار بقطاع الإنتاج هناك 500 مليون دولار تُهدر، لافتاً إلى أن البنك الدولي بجميع تقاريره يؤشر لمشكلة قطاع الكهرباء في لبنان ويقول بشكل واضح إنّ عملية إصلاح القطاع وأنه لا يمكن رفع تعرفة الكهرباء إلا عند خفض الهدر التقني وتحسين الجباية وإزالة التعديات عن الشبكة.
وانتقد تصاريح وزير الطاقة بشأن الجباية ورفع التعرفة، كاشفاً أنه بعد رفع تعرفة الكهرباء يفترض أن تنتفي حاجة مؤسسة كهرباء لبنان لسلفات إضافية، إلا أن ما شهدناه هو جباية 37 مليون دولار، علماً أن هناك 1499500 مشترك، ويتبيّن بعملية حسابية أن نسبة الجباية لم تتخط 35 في المئة، ما يعني أن هناك انخفاضاً عن السابق حيث كانت تقارب 50 في المئة.