ملخص
الإنفاق على القضايا البيئية في الأراضي الفلسطينية لا يتعدى واحداً في المئة من الناتج المحلي
خلال فصلي الربيع والصيف تعاني سلام كنعان (35 سنة) في العثور على أماكن مفتوحة لممارسة رياضة المشي في الطبيعة، التي كان لها مفعول سحري في تخليصها من التوتر والإجهاد. فقريتها سردا القريبة من رام لله، تعج بالتوسع العمراني وبناء المنازل وشق الطرق، وخلال السنوات الأخيرة تحولت القرية الشهيرة بالتلال الخضراء الخلابة المليئة بشجر البلوط والصنوبر وتنوع الحياة البرية والنباتية فيها، إلى كتل أسمنتية متراصة، وما تبقى من سفوح ووديان، باتت مكباً لمخلفات البناء والإنشاءات ونفايات بعض المصانع، إذ يلقي سائقو الشاحنات حمولتها من مخلفات البناء ومخلفات تقطيع الحجارة والألمنيوم والبلاستيك وإطارات السيارات المستعملة وغيرها، غالباً بشكل عشوائي على جوانب الطرق وفي الأراضي المفتوحة والأودية من دون أي اكتراث، إذ لا توجد في جميع أنحاء الضفة الغربية مواقع رسمية خاصة للتخلص من نفايات البناء والردم.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة جودة البيئة الفلسطينية وصلت كمية النفايات الصلبة المتولدة في فلسطين عام 2022 إلى حوالى 1.7 مليون طن سنوياً، منها نحو 1.1 مليون في الضفة الغربية ونحو 0.6 مليون طن في قطاع غزة، وتشكل نفايات المخلفات الإنشائية ما نسبته 27 في المئة من إجمالي مكونات النفايات الصلبة المتولدة، فيما بلغت نسبة النفايات البلاستيكية حوالى 14.6 في المئة.
حشد الجهود
وتعتبر مشكلة مخلفات البناء وتراكمها في الأودية وعند جوانب الطرقات التي أثرت في المشهد الطبيعي في الضفة الغربية، واحدة من تحديات بيئية معقدة يواجهها الفلسطينيون يومياً نتيجة التغيرات المناخية والتعديات والانتهاكات البيئية، التي دفعت برنامج العدالة البيئية والمناخية في فلسطين المنبثق عن ائتلاف المؤسسات الزراعية الفلسطينية (PAIC) وشبكة المنظمات البيئية الفلسطينية (PENGON)، لإطلاق مبادرة شبابية عاجلة تطالب بوقف "الجرائم البيئية وحشد الجهود لمواجهة التدهور البيئي والمساهمة في الحفاظ على الموارد الطبيعية الفلسطينية"، يتخللها إطلاق عريضة إلكترونية (موقع إلكتروني) لجمع 100 ألف توقيع لمطالبة مجلس الوزراء الفلسطيني بوضع القضايا البيئية على سلم أولويات الحكومة، ودعم المبادرات الشبابية التي تهدف إلى حماية البيئة وتعزيز الاستدامة، إلى جانب رفع الوعي المجتمعي من خلال الأفلام القصيرة والبرامج الإذاعية ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشديد العقوبات في حق المتجاوزين على القوانين البيئية، عبر تفعيل دور الشرطة البيئية في متابعة الجرائم البيئية وتطبيق القوانين بصرامة.
وحول أهمية المبادرة الشبابية تقول منسقة الشبكة عبير بطمة إن "تسليط الضوء على موضوع البيئة وأهمية الحفاظ عليها جاء ضمن الاحتفال باليوم العالمي للشباب هذا العام، في إطار لفت الانتباه لما يمتلكه الشباب من قدرة وإبداع وإمكانات على إحداث تغيير في البيئة وعيش حياة صحية وسليمة". وأضافت "عدم وجود نظام عقوبات رادع، سمح بارتكاب عديد من التعديات الخطرة على البيئة ومواردها الطبيعية، وغياب السيادة الفلسطينية عن جميع المناطق بسبب الاحتلال، أدى إلى صعوبة في تحقيق العدالة البيئية في فلسطين".
وتيرة متسارعة
وفقاً لبيان المبادرة فإن "الجشع الأسمنتي الذي يمارسه فلسطينيون، لم يبق من سهل مرج بن عامر (أكثر المناطق الزراعية خصوبة على مستوى الأراضي الفلسطينية) سوى 10 ملايين متر مربع من أصل 100 مليون، وحول الأغوار الفلسطينية من سلة غذاء إلى منتجعات وفنادق ومرافق سياحية وترفيهية على حساب الأراضي الزراعية". ولفت البيان إلى أن بعض المصانع التي أقيمت على أراضي المحميات الطبيعية استنزفت أشجارها كمصدر للأخشاب، وأن المحاجر والكسارات في عديد من المناطق الريفية تسببت بأمراض مزمنة وآثار كارثية للسكان. وبين ناشطون أن شاحنات مياه الصرف الصحي التي تسكب المياه العادمة في الأراضي الزراعية، وحرائق المواد البلاستيكية لاستخراج النحاس وبعض المعادن، والتحطيب والصيد الجائر للطيور والحيوانات البرية، أدت إلى تدمير البيئة الفلسطينية وتدهورها بشكل غير مسبوق.
وتشير الأرقام التي جمعها متخصصون إلى أن الشرطة البيئية منذ تشكيلها عام 2018 تعاطت مع 817 قضية بيئية فقط، من دون تغطية إعلامية ولا مشاركة للرأي العام لفضح تلك الانتهاكات والتصدي لها، في حين ذكر الموقع الإلكتروني لبرنامج العدالة البيئية والمناخية - فلسطين (ECJP)أن التعديات والجرائم البيئية ازدادت بوتيرة متسارعة، على رغم تزايد الاهتمام الحكومي بالبيئة. وبحسب ائتلاف المؤسسات الأهلية الزراعية الفلسطينية (PAIC)، فإن الإنفاق على القضايا البيئية لا يتعدى واحداً في المئة من الناتج المحلي.
بدوره قال رئيس قسم الأمن البيئي في إدارة سلطة السياحة والآثار منتصر التميمي "كلفت إدارة شرطة السياحة والآثار بمتابعة الأمن البيئي كملف متكامل لضبط ومنع الجريمة البيئية، وخلق ثقافة مجتمعية للحفاظ على بيئية آمنة وفقاً لنص المادة 33 من القانون الأساسي الفلسطيني". وأوضح أن الشرطة تتابع باستمرار كل الشكاوى التي تتعلق بالجرائم البيئية، لافتاً إلى أن "جهاز الشرطة البيئية سجل 213 قضية عام 2022 لوحده، أحال منها للنيابة للعامة 54 قضية وانتهت منها بكتابة 89 تعهداً". وأعلن التميمي أن الشرطة الفلسطينية تواجه معيقات في الوصول إلى مناطق المصنفة "جيم" التي تتجلى فيها معظم الانتهاكات البيئية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حاجة ماسة
من جانبه أكد المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة مراد المدني ملاحقة مرتكبي الجرائم البيئية وتقديمهم للقضاء، موضحاً أن "الهيئة تجري حالياً الإجراءات النهائية لاعتماد نظام المواد والنفايات الخطرة الذي يشكل أداة قادرة على معاقبة المجرمين بمستوى الجريمة".
وتعتقد الباحثة في مجال العمل المجتمعي لينا إسماعيل أن فرض العقوبات والغرامات المالية على مرتكبي الجرائم البيئية يجب أن تسبقه محفزات للمواطنين بعدم التلويث والإضرار بالبيئة، وأضافت "هناك حاجة ماسة إلى توفير بنية تحتية لإعادة تدوير النفايات ومخلفات البناء وتصريف المياه العادمة ومعالجتها، إلى جانب وضع سياسات تهدف إلى حماية البيئة كالحد من استعمال الأكياس البلاستيكية، بخاصة وأن معدل استهلاك الفرد الفلسطيني سنوياً بلغ نحو 500 كيس، وهذا يستوجب دق ناقوس الوعي للأجيال الشابة للحد من الكارثة البيئية المحتملة."
خطوات إسرائيلية
في المقابل كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نهاية مايو (آيار) الماضي عن أن الحكومة الإسرائيلية تنوي تطبيق قوانينها المتعلقة بالبيئة على الضفة الغربية تمهيداً لبناء منشآت في القرى الفلسطينية والمستوطنات، لمعالجة النفايات وتدويرها وإنتاج كهرباء من خلال الحرق. وبحسب الصحيفة طرح وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتيرتيش ووزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان مقترحاً، ينص على تخصيص 20 مليون شيقل (حوالى 5 ملايين دولار) لإخلاء نفايات من 25 قرية فلسطينية في الضفة ومدينة أريحا، وإقامة منشآت في الضفة لمعالجة النفايات في القرى الفلسطينية والمستوطنات، وبينها منشآت لإعادة تدوير النفايات.
وينص مشروع القرار وفقاً لما هو معلن بإجراء تعديلات في التشريعات العسكرية الإسرائيلية التي يطبقها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، على نحو يمنح صلاحيات للإدارة المدنية التي يترأسها سموتريتش، لفرض غرامات ومصادرة شاحنات وسيارات لدى وجودها في مواقع تجميع نفايات تصنفها إسرائيل على أنها "غير قانونية".