ملخص
ما الفوارق التي استحدثت بين مذيعات الماضي والحاضر في العالم العربي؟
مع بداية بث المحطات التلفزيونية في العالم العربي في القرن الماضي، كان للمذيعة مذاق خاص في كل تفاصيلها، خصوصاً أن الوجه الأنثوي كان يضفي روحاً جميلة للشاشة، فإلى جانب الوجه الحسن كانت الثقافة وسرعة البديهة أهم ما تمتلكه المذيعات لكي تطل عبر الشاشات، أما في الوقت الحاضر فباتت المعايير مختلفة، إذ أصبحت أي جميلة تستطيع أن تطل عبر الشاشة على رغم افتقارها للمواصفات المطلوبة التي تؤهلها لتلك الإطلالات.
كان يجب أن نطرح سؤالاً عن ما الفوارق التي استحدثت بين مذيعات الماضي والحاضر في العالم العربي؟
البداية مع المذيعة اللبنانية سعاد قاروط العشي التي عاصرت الفترة الذهبية لـ"تلفزيون لبنان" الذي يعاني في هذه الفترة هاجس الإقفال، لذا فهي بدأت حديثها قبل أن تخوض في مسألة اختلاف مواصفات المذيعة بين جيلها والجيل الحالي قائلة "أريد أن أصرخ بأعلى صوتي وأقول آه وألف آه على هذه المحطة التي تحمل في طياتها تاريخ وذاكرة وطن، لافتة إلى أنها (أي المحطة) صدرت إلى العالم العربي أهم المذيعين والمذيعات، ولم يكن مقبولاً أن يطل عبر شاشتها أي شخص غير موهوب".
مؤهلات ومواصفات
وتسترسل العشي في كلامها عن بدايتها في هذه المحطة قائلة "رحلتي معها بدأت في عام 1973، عندما طلبت مساعدة من الرئيس الراحل صائب سلام بأن يدعمني في الانضمام إلى (تلفزيون لبنان) أني وجدت أن لدي المواصفات التي تؤهلني لأكون مذيعة."
وعن هذه المواصفات توضح العشي "لم تكن تعجيزية، بل كان المطلوب أن تتمتع الفتاة بالثقافة العامة التي تساعدها في محاورة أي ضيف بشكل مفاجئ، إضافة إلى سرعة البديهة والذكاء الذي يحمل في طياته العقل والفكر والروح".
ثقافة ولباقة
وتتابع مذيعة لبنان "ليس من الضروري أن تكون المذيعة الناجحة حاصلة على شهادة دكتوراه، بل يكفي أن تكون متعلمة بقدر مقبول، وصاحبة حضور ومثقفة جداً، إلى جانب وجود الموهبة والصوت المميز لديها لأن بصمة الصوت تساعد في التميز، وذلك يدفعها للوصول إلى قلوب الناس، وبعد ذلك يأتي دور الجمال الخارجي، لأن الوجه الحسن وحده لا يخدم".
وعن تراكم الخبرات عند المذيعة توضح العشي "كنا نتابع دورات في قواعد في اللغة العربية والإلقاء وأمور أخرى تساعد المذيعات في حواراتهن وإطلالتهن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدأت سعاد قاروط العشي مسيرتها في "تلفزيون لبنان" كمذيعة ربط فقرات في نهاية عام 1972، ثم اختارها المخرج سيمون أسمر لتشارك الراحلين سونيا بيروتي ووسيم طبارة في تقديم برنامج "ستديو الفن" عام 1973، وبعدها انتقلت لتكون المذيعة الرئيسة في نشرة الأخبار، وقدمت عشرات البرامج التلفزيونية حتى أصبحت أيقونة في عالم التلفزيون.
بهرجة شكلية
وعن اختلاف المعايير بين الماضي واليوم تؤكد سعاد أن "المشكلة في الوقت الحالي لم تعد مقتصرة على العالم العربي فقط، بل تعدتها إلى الغرب أيضاً، إذ أصبح الشكل أهم من المضمون عند المذيعات"، لافتة إلى أن "المشاهد يحتاج إلى فسحة ترفيهية مليئة بالفرح والسعادة على الشاشة مع مذيعات جميلات، لكن يجب تقديم هذه الفسحة بمحتوى مليء بالإفادة."
وأشارت قاروط العشي إلى أنه "لم يعد هناك اهتمام بالمضمون، إذ أصبح الشكل الخارجي والبهرجة هما المسيطران حتى على مذيعة الأخبار التي بات مظهرها مختلفاً عن السابق من ناحية الملابس والتسريحة والماكياج، علماً أنه يجب عليهن المحافظة على الذوق والاحترام لأنها تدخل إلى كل البيوت، وعليها أن تراعي الجميع باختلاف ترتيبهم وتطلعاتهم."
ونوهت العشي بضرورة الاهتمام اللغوي، مشيرة إلى أن "اللغة العربية باتت تبكي في الزاوية من كثرة إهمالها من الجيل الجديد من المذيعات، فنحن نعيش عصر الانحطاط في المؤسسات التلفزيونية."
اختبارات ودورات
أما المذيعة المصرية سهير شلبي صاحبة الخبرة التي تمتد لأكثر من 40 عاماً في مجال الإعلام المرئي تخبرنا عن الشروط التي واجهتها في بدايتها، قائلة "كانت قاسية وصعبة جداً، وتخضع المذيعات لاختبارات عدة"، متابعة "دخلت المسابقة مع 8 آلاف فتاة، واجتزت كل المراحل حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة رفقة ثماني فتيات أخريات، وكان هناك لجان تختبرنا تتضمن متخصصين من إعلاميين وصحافيين".
وأضافت شلبي "الاختبارات كانت متعددة، منها اللغة العربية والأجنبية والمعلومات العامة، إلى جانب تفاصيل عائلية واختبارات أداء وشكل وإلقاء وثقافة عامة وغيرها، وكان إلزامياً النجاح في كل هذه الدورات من أجل أن تمارس مهنة المذيعة."
وأشارت المذيعة المصرية إلى أن القواعد تغيرت الآن "فأصبح الأمر مخزياً، والجمال المطلوب أصبح اصطناعياً بعدما كان طبيعياً وبعيداً من أية إضافات تجميلية خارجية، حتى باتت كل المذيعات شكلاً واحداً، بل وألاحظ هذا الأمر في كل المحطات العربية".
ولفتت شلبي إلى أنه "لم يعد يوجد اختبارات وتدريبات، لذا نرى كثيراً من مذيعات الجيل الحالي ناقصات خبرة وتدريب، بينما جيلنا كان يراعي كل حرف تقوله المذيعة على الهواء بعيداً من أية عفوية مؤذية."
فروق شاسعة
من جهتها تحكي المذيعة اللبنانية ديانا فاخوري عن بدايتها المختلفة عن الوقت الراهن بالقول، "بدأت عملي في الصحافة عام 2005 وفي 2009 أصبحت مذيعة أخبار."
وعن المواصفات والمعايير بين بدايتها والوقت الحاضر، أوضحت ديانا "هناك فرق شاسع، فأنا خضعت لدورات مكثفة في اللغة العربية واللفظ والحضور والجلوس وإدارة البث المباشر، وكل ما يمكن أن تواجهه المذيعة في هذا الصدد."
وتابعت فاخوري "في السابق يجب أن تكون المذيعة خريجة إعلام وصاحبة إلمام بالوقوف والتعاطي مع الكاميرا، فضلاً عن امتلاكها الثقافة العامة والكاريزما، لذا فالشروط كانت صعبة للوصول إلى الشاشة، وكنا نخضع لمراحل متعددة كي نصل إلى مستوى جيد، أما اليوم فحدث ولا حرج، فالمعايير لم تعد موجودة بل اختفت، والقائمين على الإعلام لم يعد يهمهم المستوى الجيد".
وقالت المذيعة اللبنانية إن "95 في المئة ممن نراهن على الشاشة لا يملكن المؤهلات، حتى أصبحت أية فتاة شكلها مقبول ولديها ’واسطة‘ تطل على الناس في بيوتها."
المذيعة السورية ميساء هرمز بدأت مشوارها في الإعلام، وهي في عمر 22 سنة، فبعدما درست التربية في الجامعة خضعت لدورات عدة بين دمشق وبيروت، وتتلمذت على يد أهم الأسماء في مجال الإعلام والتلفزيون.
وبدأت هرمز مشوارها الإعلامي رسمياً بقناة "تلاقي" السورية، وفي رصيدها نحو 600 ساعة بث مباشر، جزء كبير منها كان من إعدادها، لكن منذ خمس سنوات سافرت إلى نيجيريا، وانتقلت من مجال الإعلام إلى الإعلان الرقمي من خلال شركة تملكها.
تطور زمني
وعن رأيها في مذيعات المحطات العربية تقول ميساء "هذه المهنة تطورت في كل مكان مع الزمن، مثل كل شيء من حيث المواصفات والتوجهات، فلم تعد ترتكز على الخبرة الصحافية والثقافية"، لافتة إلى أن الملابس والمظهر الخارجي المحافظ كان من أهم المعايير قديماً، وكذلك القدرة على التواصل الجيد.
وأشارت هرمز إلى أن "المظهر الخارجي أصبح العنصر الأهم حالياً، وأحياناً يأتي قبل الخبرة في بعض القنوات والبرامج، إذ بدأت الملابس تتنوع أكثر، ومالت نحو الجرأة مقارنة بالماضي، وأصبح عامل الجذب الأول لبعض البرامج الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك شعبية المذيعة".
ولفتت هرمز إلى أن الجمهور يميل إلى الجمال الخارجي وذلك لعوامل نفسية واجتماعية، لكن في الوقت نفسه يقدر الذكاء والثقافة والقدرة على التواصل الجيد، مؤكدة أن "الشكل الجمالي لا يضمن الشعبية على المدى الطويل."