ملخص
تنضج الانقلابات العسكرية في العالم عموماً داخل مطابخ السلطة، لكنها لا تتشابه في الأصناف، وإن كانت المقادير هي نفسها دائماً... فما نقاط التلاقي والاختلاف بين انقلابي الغابون والنيجر؟
تنضج الانقلابات العسكرية في العالم عموماً داخل مطابخ السلطة، لكنها لا تتشابه في الأصناف، وإن كانت المقادير هي نفسها دائماً، تحرك محدود وسريع من الدائرة العسكرية والأمنية المقربة من الرئيس المنقلب عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ثم إعلان البيان الأول ليرسم ملامح المشهد الجديد.
لكن المتتبع لانقلابات القارة السمراء منذ عام 2021 في مالي وبوركينافاسو وغينيا ثم أخيراً في النيجر والغابون، يعرف أنها تتشابه كلها في المجمل من حيث إنها تغيير بالقوة لنظام الحكم، ووضع حد للنظام الدستوري المعمول به، لكنها تتمايز في التفاصيل، خصوصاً من ناحية التنفيذ وصولاً إلى للعلاقات الجيوستراتيجية مع اللاعبين الكبار في المنطقة.
سمات مشتركة
يشبه انقلاب الغابون انقلاب غينيا كوناكري، لكونه جاء بعد إعلان فوز الرئيس بولاية ثالثة، ويشبه انقلاب تشاد لكون تولي محمد إدريس ديبي السلطة إثر إعلان وفاة والده إدريس ديبي إتنو في معركته مع متمردين، جاء بعد إعلان فوزه بولاية رئاسية سادسة.
ترى رئيسة قسم الإعلام بمركز الصحراء للدراسات والاستشارات أم لخوت يحي أنه "يتضح من خلال السياق العام للانقلاب العسكري، الذي أطاح الرئيس الغابوني علي بونغو، أنه أقرب إلى حركة تصحيح من الداخل برعاية فرنسية، إذ يبدو أن باريس استبقت الأحداث خوفاً من عدوى الانقلابات في المنطقة وحماية لمصالحها الكبيرة في الغابون، واستباقاً لدخول منافسيها على الخط، وذلك بعد أن بات واضحاً أن بونغو لم يعد قادراً على حماية هذه المصالح".
وعلى مستوى الشكل أشارت أم لخوت إلى تشابه آخر "اتسم به انقلاب الغابون، يجعله غير بعيد مما حدث في النجير، إذ أعلن ضباط من مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية الوقوف خلف الانقلاب، وتزعمه قائد الحرس الرئاسي الذي يعتبر الراعي الرسمي للنظام في الغابون خلال سنوات مرض بونغو وابتعاده عن الواجهة".
ويشبه انقلاب الغابون انقلاب النيجر من حيث السماح للرئيس المعزول علي بونغو بالتواصل مع المحيط الخارجي، إذ وجه رسالة مصورة عبر الهاتف من مكان إقامته الجبرية.
كما بدا الانقلاب وكأنه رد فعل على تزوير الانتخابات التي فاز فيها بونغو بولاية ثالثة امتداداً لأكثر من 50 سنة من حكم أسرته، وهي نقطة يختلف فيها عن انقلابي بوركينا فاسو والنيجر اللذين أنهيا حلم الديمقراطية الفتية في البلدين.
إضافة إلى أن الإدانات الغربية والأفريقية للانقلاب كانت خفيفة اللهجة، على عكس ردود الفعل حول الانقلابات الأخيرة في المنطقة، خصوصاً النيجر التي ما زالت فرنسا تضغط في شأن التدخل العسكري فيها لإنهاء الانقلاب.
اختلافات وفروق
على رغم تطابق الانقلابات في أفريقيا في الأقل من ناحية الشكل، إلا أن هناك اختلافات تعتريها وتشكل فروقاً بينها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الباحث المصري المتخصص في الشأن الأفريقي يوحنا أنور داوود يرى أن "الفرق الجوهري بين انقلابي النيجر والغابون يمكن في الوقت الذي أعلن فيه قادة الانقلاب بالنيجر منذ الأيام الأولى وقف جميع الاتفاقات العسكرية مع فرنسا ووقف تصدير اليورانيوم إليها، إلى أن طلبوا أخيراً من السفير الفرنسي مباشرة مغادرة البلاد، بينما أكد قادة الانقلاب في الغابون احترامهم جميع الاتفاقات الدولية وطالبوا الجاليات والبعثات الأجنبية بالهدوء وقدموا خطاباً حتى هذه اللحظة يمكن وصفه بالمتوازن وغير المتهور".
كما يمكن أن نلمس نقاط اختلاف أخرى تنبه إليها أم لخوت يحي بقولها "اختلاف انقلاب الغابون الجوهري يكمن في خلفيته الموالية لفرنسا، عكس الانقلابات التحررية التي تضغط باتجاه إنهاء الوجود الفرنسي في أفريقيا".
وتستقرئ رئيسة قسم الإعلام بمركز الصحراء طريقة تعامل باريس مع جديد الانقلابات في منطقة نفوذها التقليدية بقولها "ترجح طبيعة انقلاب الغابون أن تكون سياسة فرنسا القادمة في أفريقيا قائمة على تنفيذ الانقلابات بضباط مضموني الولاء قبل أن تتدخل جهات أخرى وتخرج الأمور عن سيطرتها كما حدث في دول غرب أفريقيا، مالي وبوركينا فاسو والنيجر".
ومما يعضد هذا السيناريو أن الانقلاب على بانغو كان من داخل النظام، وهو انقلاب أبيض لم تطلق فيه رصاصة، واحتجز فيه الرئيس المخلوع في ظروف "مقبولة" مع عائلته وأطبائه.
كما أن فرنسا دعمت أكبر منافسي بونغو في الانتخابات الرئاسية وضغطت من أجل توحد المعارضة خلفه سعياً إلى تجديد الدماء في النظام، وضماناً لاستمرار مصالحها في الغابون، وفق وجهة نظر أم لخوت.
بينما يشير يوحنا إلى تفصيلة أخرى تميز بها انقلاب الغابون، وهي "الإدانة المقتضبة من فرنسا، عكس انقلاب النيجر الذي دانته بشدة وعقدت بسببه اجتماع مجلس السلم والأمن الفرنسي وتضغط بقوة مع الدول حليفتها في المنطقة للتدخل عسكرياً لإعادة الرئيس بازوم للحكم".
وعن الفرق الأبرز بين انقلابي النيجر والغابون، يقول يوحنا "انقلاب النيجر تم على رئيس مدني منتخب منذ عامين فقط في انتخابات وصفت من كثير من المحللين بالنزيهة، بينما انقلاب الغابون كان على رئيس يحكم منذ 14 عاماً وورث الحكم عن أبيه الذي ظل يحكم الغابون لأربعة عقود متتالية وانتخب منذ أيام قليلة لدورة رئاسية ثالثة على رغم مشكلاته الصحية إثر إصابته بجلطة دماغية عام 2018 أثرت في حركته في انتخابات وصفها أغلب المحللين بالمزورة".
ملة واحدة
تفرض العقيدة العسكرية للانقلابيين في أفريقيا على معتنقيها التشبث بحتمية مواصلة اجتثاث النظام المنقلب عليه حتى آخر جندي في الميدان وآخر ذخيرة في رشاش، خصوصاً إذا كان المنقلب عليه مدنياً، كما في حال انقلابي النيجر وغينيا كوناكري.
وبحسب العارفين بذهنية العسكرية الأفريقية فإن الانقلاب فيها يكون ناجحاً ما دام المنقلبون نجحوا في تقييد حرية الرئيس وإذاعة البيان الأول، وأما ما يتبع ذلك فإنه تحصيل حاصل من إدانات خارجية واعتراف داخلي بالأمر الواقع، سواء من أحزاب الموالاة أو المعارضة، وكذلك المجتمع المدني وموجهي الرأي العام.
وهذا ما يفسر ابتهاج الشارع الأفريقي في عاصمتي آخر دولتين تمت الإطاحة فيهما برأسي الحكم، وهما نيامي وليبرفيل اللتان خرجت الجماهير فيهما تأييداً ومساندة للحكام الجدد.
كما تفرض أعراف الانقلابات، التي تشكلت على طول عمر الدول القطرية في أفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي التي تعد بالعشرات، أن يختار الانقلابيون قائد الحرس الجمهوري كواجهة وزعيم للمرحلة الانتقالية.
وتستقر مشهدية الانقلابات اليوم في منطقة وسط وغرب أفريقيا على نحو جديد، الثابت فيه أن الولاءات التقليدية للدول الغربية لم تعد كما كانت، فانقلابات مالي وبوركينا فاسو والنيجر كلها انقلابات مناهضة للوجود الفرنسي في المنطقة وقريبة من روسيا، بينما اتسمت انقلابات غينيا كوناكري والغابون بأنها ليست لها أي توجهات معادية لفرنسا، كما يشير إلى ذلك يوحنا.