ملخص
الجدل حول علاقة كايلي جينر وتيموتيه شالاميه تقوم على افتراض بأن النساء اللواتي يتناسبن وأحد القوالب الاجتماعية لا يمكن أن يلائمن أي قالب آخر... لكن هذا فعلياً أحد أوجه كراهية النساء
هكذا إذاً، أصبحت العلاقة معلنة بين كايلي جينر وتيموتيه شالاميه. وها هو العالم الافتراضي يهوج ويسخط ويشمئز ويهلل، بحسب خوارزمية وسائل التواصل الاجتماعي لديكم. تدور شائعات منذ أبريل (نيسان) حول وجود علاقة عاطفية بين أكثر ثنائي غير متوقع في الثقافة الشعبية. إنما الآن- وعقب انتشار مجموعة من الصور والفيديوهات للثنائي وهما يتبادلان القبل بشغف في آخر حفل موسيقي أحيته بيونسيه في لوس أنجليس- تأكدت العلاقة بين الاثنين. ويبدو أن الجمهور يعبر عن صدمته.
في أعقاب الانتشار الكبير للدلائل على العلاقة بعد ظهر الثلاثاء، غص "تويتر" بكميات هائلة من الميمز والملاحظات الساخرة. غرد أحدهم "ألم يكن مقلباً؟"، فيما كتب شخص آخر هازئاً "علاقة تيموثي وكايلي حقيقية إذاً يا إلهي". وأضاف ثالث "لم أرَ في حياتي أي ثنائي اعتباطي أكثر من تيموثي وكايلي".
وبرز ذهول العالم الرقمي بشكل خاص من خلال مقالة نشرتها مجلة "فوغ" البريطانية، قبل أن تعاود مسحها، سخرت من الثنائي ومن طريقة قضائهما الوقت سوياً. وتساءلت الكاتبة "هل يحمل لها فرش الماكياج فيما تنهمك برسم الكونتور لتحديد معالم وجهها؟" في إشارة إلى إمبراطورية مستحضرات التجميل التي تملكها جينر وتحمل اسمها. وتابعت تسأل "هل تساعده في مراجعة نصوص السيناريو لأفلام [المخرج] ويس أندرسون؟ وهل يعطي ستورمي دروساً باللغة الفرنسية"، مشيرة إلى ستورمي، ابنة جينر ذات السنوات الخمس، من صديقها السابق ترافيس سكوت. "وبالله، كيف انتهت بهما الحال معاً؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شارك الجمهور المقالة على نطاق واسع وسرعان ما انتقدت لكونها متحيزة ضد المرأة. لكن الأفكار التي تحملها ظهرت في كل ركن من أركان الفضاء الإلكتروني لأن كل تعبير عن الصدمة خبأ وراءه المعنى نفسه: موضوعياً، لا بد من أن جينر وشالاميه غير متطابقين على الصعيدين الفكري والمهني. وبسبب حجم الشهرة التي يتمتع بها كل منهما، جرى التركيز على هذه السردية بالتفصيل وانتشرت الميمز حولها لدرجة أن أحداً لم يشكك فيها أو يتساءل عن صحتها سوى في النادر. لكن كما تبين من رد الفعل على مقالة صحيفة فوغ، عندما تبدأ بالتعمق في مصدر كل هذه الفرضيات، تجد أساساً عفناً من كراهية النساء.
فلنفكك هذه السردية إذاً: من أين يأتي الافتراض المحدد بعدم التطابق بين الشخصين؟ شالاميه ممثل حائز على ترشيح لجائزة الأوسكار، وهو أحد الشخصيات المفضلة في عالم الأفلام المستقلة وبالنسبة إلى بعض أهم المخرجين في العالم، من بينهم غريتا غيرويغ ولوكا غوادانيينو. أما أفلامه، ومن بينها "ليدي بيرد" Lady Bird، و"نادني باسمك" Call Me by Your Name و"عظام وأشياء أخرى" Bones and All، فهي تشتهر بتحديها الحدود الاجتماعية وبالتهجين بين أنواع الأفلام.
فلننتقل الآن إلى جينر التي لا يمكن أن ننكر أن صورتها العامة مشوهة بعض الشيء بسبب انتمائها إلى أشد الأسر استقطاباً في الفضاء الرقمي: جماعة كارداشيان-جينر. ولا شك في أن بعضهم لا يراها أكثر من ذلك: الفتاة الصغرى في عائلة من نجوم تلفزيون الواقع المدللين الذين يشعرون بالاستحقاق ويملكون مالاً أكثر مما يتمتعون بالعقل. لا شك في أن هذا هو المغزى من طريقة الكلام عنها على الإنترنت في ما يتعلق بارتباطها بشالاميه، الممثل الذي لا بد من أن يكون متفوقاً عقلياً عليها- كما نفترض، بسبب الأفلام التي شارك فيها.
لكننا في الواقع لا نعرف كثيراً عن الشاب البالغ من العمر 27 سنة، باستثناء المعلومات القليلة التي شاركنا إياها في المقابلات: إنه يتحدث الفرنسية! لقد نشأ في نيويورك! حاول لفترة قصيرة أن يمتهن غناء الراب! لكننا في المقابل، نعرف كثيراً عن جينر. بعمر الـ17 فقط، أطلقت شركة "كايلي كوزمتكس" Kylie Cosmetics لمستحضرات التجميل التي تحولت إلى شركة تثمن بملايين الدولارات بعد أعوام قليلة على ذلك. صحيح أن الأرقام أثارت بعض الشكوك (وفي حادثة شهيرة، تراجعت مجلة فوربس عن إعلانها عام 2019 بأنها أصغر صاحبة مليارات صنعت ثروتها بنفسها)، لكن لا شك في مدى تأثير شركتها في قطاع التجميل حول العالم. ومع أنها لم تعُد المساهم الرئيس في الشركة، بعدما باعت حصتها البالغة 51 في المئة من الأسهم لمجموعة شركات "كوتي" المتخصصة في عالم الجمال عام 2019، لا تزال الوجه الإعلاني للعلامة التجارية وتلعب دوراً كبيراً فيها.
إضافة إلى ذلك، أنجبت جينر طفلين: ستورمي، وعمرها خمس سنوات وإير ويبستر، وعمره سنة واحدة. لا تسيئوا فهمي، أنا لا أعتقد بأن الصبية ذات الـ26 سنة تعاني كي تتحمل كلفة رعاية طفليها لكنني أعتقد بأن كونها أماً عازبة لطفلين صغيرين في وقت تشرف على شركة عالمية ناجحة ليس مهمة سهلة، بغض النظر عن مكانتها المالية.
فإن وضعنا هذه الحقائق نصب أعيننا، لماذا نسارع إلى الافتراض أن هذين الشخصين غير متناسبين فكرياً؟ إنها إدانة كبيرة لنظرة المجتمع إلى إنجازات النساء، عندما يستخف إلى هذه الدرجة بالمؤهلات الشخصية والمهنية لامرأة مثل جينر ويصورها على أنها ليست سوى نجمة تافهة من تلفزيون الواقع تمتلك حقائب جميلة. لكننا نفترض تلقائياً في الوقت نفسه، أن شالاميه شخص ألمعي بسبب الأفلام التي مثل فيها. هذه معاداة النساء بأوضح وأقبح وجوهها.
وفيما لا يوجد أي دليل على انعدام التوافق الفكري بين جينر وشالاميه (أشك كثيراً بأن المعلقين الافتراضيين يعرفون أياً منهما شخصياً) فهل ذلك يهم فعلاً؟ إن الذكاء أنواع كثيرة - بين أكاديمي وروحاني وبصري - لكن النوع الوحيد الذي يهم فعلاً في علاقة عاطفية هو واحد لا يمكن للمرء أن يتعلمه.
لا تُبنى العلاقات الناجحة على تبادل الإشارات الأدبية نفسها في حفلات العشاء بين شخصين، ولا على تبادل مقولات بروست أثناء احتساء القهوة بالحليب. بل تبنى على صلة. وهو أمر قد يتحقق نتيجة أسباب كثيرة غير الذكاء. لنأخذ مثالاً عليها التواصل والعقيدة والطموح والجاذب الجنسي والتشارك في نظم القيم وشكل التعلق. يمكن لبعض هذه العوامل أن تتأثر بالذكاء إلى حد معين، إنما ليس دائماً.
قد قيل إن الذكاء العاطفي هو أفضل الأسس في العلاقات الناجحة- ومن يعلم إن كان شالاميه وجينر غير متطابقين في ذلك المجال؟ مهما كان الرابط الذي يجمع بينهما، يبدو أنه قوي جداً نظراً إلى أنهما مرتبطان منذ أكثر من خمسة أشهر ويظهر أنهما منسجمان إلى أبعد درجة، إن احتكمنا لتلك الصور التي التُقطت في حفل بيونسيه الموسيقي.
والحق أننا نعيش في ظل ثقافة مهووسة بالتمحيص في كل جانب من جوانب حياة المشاهير وتحليله، وهذا ينسحب بشكل خاص على علاقاتهم. ومع أنه لا داعي لهذا الهوس الذي يقوم على نظرة اجتماعية مشوهة ترفض السماح لأي شخص في النطاق العام بالحفاظ على بعض الخصوصية، لا أظنه سينتهي عما قريب.
لكن الأمر الذي يمكننا أن نضع حداً له، وأنا آمل ذلك، هو الافتراض أن النساء اللواتي يتناسبن وأحد القوالب الاجتماعية لا يمكن أن يلائمن أي قالب آخر. أن النساء لا يمكن أن يتمتعن بالنجاح ويكن جذابات بحسب المعايير التقليدية في آن واحد. أنه من غير الممكن للنساء أن يكن نجمات تلفزيون الواقع وذكيات في الوقت ذاته. أن النساء لا يُحصرن بشكل وصورة واحدة فقط. وصلنا إلى عام 2023: لماذا ما زلنا نحارب هذه الأمور؟
© The Independent