ملخص
مع تدهور الأوضاع في دارفور يتعين على المجتمع الدولي الاتفاق على الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وتوفير المساعدات الأساسية ووقف الكارثة المتنامية
في عام 2003، شكلت الفظائع الجماعية المرتكبة في منطقة دارفور بالسودان صدمة بالنسبة إلى العالم، ورداً على ذلك، تحرك ائتلاف يضم منظمات تدافع عن حقوق الإنسان، اتهمت الرئيس السوداني عمر البشير وميليشيات الجنجويد التابعة له بارتكاب جرائم إبادة جماعية. وعلى رغم أن الأمم المتحدة أرسلت في نهاية المطاف قوات لحماية المدنيين السودانيين، إلا أن الاستجابة كانت بطيئة للغاية.
واليوم، تعصف الحرب بالسودان من جديد، وتُرتكب الفظائع على نطاق مماثل في دارفور، وخلفاء الجنجويد هذه المرة هم قوات "الدعم السريع"، الذين يقتلون ويغتصبون وينهبون المجتمعات المحلية ذاتها في دارفور. لقد كانت الاستجابة الدولية للحرب باردة جداً، ورد الفعل على الوضع في دارفور أبطأ من أي وقت مضى. على رغم أن ما يحدث في السودان هو نتيجة مباشرة لأزمة دارفور الأولى التي أدت إلى ظهور قوات "الدعم السريع" وقائدها الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
كان حميدتي من صغار قادة الجنجويد قبل عشرين عاماً، عندما أعلنت حكومة البشير فعلياً أن دارفور منطقة ينعدم فيها أي حس أخلاقي، وحيث كان الإفلات من العقاب هو القاعدة الوحيدة. بعد المذابح، عمت الفوضى ومن ثم حكم دارفور أسياد الجنجويد الجدد الذين شكلوا في ما بعد قوات "الدعم السريع"، الذراع شبه العسكرية للحكومة. في الواقع، تتمتع قوات "الدعم السريع" التابعة لحميدتي بقدرة قتالية تعادل قدرة القوات المسلحة السودانية الرسمية، التي يرأسها الفريق أول عبدالفتاح البرهان. عمل الجنرالان معاً للإطاحة بالبشير في أبريل (نيسان) 2019، ثم دخلا بعد ذلك في شراكة غير مستقرة مع حكومة مدنية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تعاونا مجدداً في انقلاب عسكري. وانهارت العلاقات، ومنذ أبريل، تُقاتل قوات "الدعم السريع" الجيش السوداني من أجل السلطة في شوارع الخرطوم.
ركزت مبادرات السلام التي اقترحها جيران السودان والولايات المتحدة على إنهاء القتال في العاصمة. لقد تجاهلوا الوضع في دارفور، حيث استأنفت قوات "الدعم السريع" وحلفاؤها المحليون حملة التطهير العرقي غير المنجزة بعد. وفي الحقيقة، ينبغي على الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (اللذين ما زالا حتى الآن غافلين على ما يبدو عن المذبحة والتطهير العرقي والمجاعة الجماعية التي تلوح في الأفق) أن يهددا قوات "الدعم السريع" باتخاذ إجراءات عقابية وإرسال مستشارين عسكريين لدعم إنشاء قوة حماية مدنية منبثقة من المجتمعات المحلية في دارفور.
أرض مضطربة
كانت لأعمال العنف التي بدأت في دارفور عام 2003 ثلاثة أسباب. الأول هو جغرافية دارفور، فهي منطقة شاسعة وفقيرة، سُميت على اسم السلطنة التاريخية لشعب الفور، الذين يشكلون ربع السكان. هناك أيضاً عشرات الجماعات الأخرى من السكان الأصليين، تعتبر دارفور موطناً لها، وأكبرها جماعتا المساليت والزغاوة. وتضم دارفور قبائل عربية أيضاً، تتكون أساساً من الرعاة الذين يربون الماشية في الشمال الأكثر جفافاً والسافانا في الجنوب، وقد هاجر أسلافهم إلى المنطقة منذ قرون. وتشكل هذه الجماعات مجتمعة 40 في المئة من السكان.
مع إهمال الحكومات السودانية المتعاقبة للمنطقة وتعرضها للجفاف، بدأ النسيج الاجتماعي في دارفور يتمزق في ثمانينيات القرن الماضي. نما عدد السكان بسرعة، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع معدل الولادات، ولكن أيضاً بسبب هجرة البدو العرب الصحراويين إلى دارفور بحثاً عن الأراضي. وبدأ التعايش الهش بين المزارعين والرعاة في الانهيار. وأدت الصراعات العرقية إلى تحريض قبائل الفور والمساليت والزغاوة ضد القبائل العربية. وتصاعد العنف، وبلغ ذروته في صراع 2003-2005، الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص.
وبحلول عام 2009، هدأت حدة الصراع بيد أن السلام كان بعيد المنال. سافر ممثلون رفيعو المستوى من الاتحاد الأفريقي إلى جميع أنحاء دارفور وأمضوا 40 يوماً في عقد لقاءات مفتوحة [اجتماعات في البلديات مع السكان]، استمعوا فيها إلى تجارب السكان المحليين وتحليلاتهم وشكاواهم. واتفق أعضاء كل المجتمعات المحلية على ضرورة معالجة مجموعة متشابكة من النزاعات، وبخاصة تلك المتعلقة بالأراضي والإدارة المحلية. كان حل الصراع المحلي ضرورياً، وكانت المجتمعات المحلية تعتمد نظام وساطة تقليدي، يديره كبار السن [الشيوخ]، واتفق سكان دارفور على أنه ما زال يفي بالغرض. ولم يكن على الحكومة السودانية سوى أن تعطي موافقتها. لكن البشير رفض تلبية هذا المطلب، واستخدم عوضاً عن ذلك سياسة فرق تسد، خوفاً من أن يتحدى سكان دارفور الموحدون سلطته.
وأصبحت الصراعات المحلية أكثر فتكاً بسبب عامل ثانٍ، هو امتداد الحرب الأهلية التشادية، التي بدأت في عام 1996 ودامت عقوداً من الزمن. واشتدت حدة هذه الحرب في العقد التالي، عندما حاول الديكتاتور الليبي معمر القذافي ضم تشاد، فحضن الساخطين من مختلف أنحاء الصحراء وزودهم بالأسلحة من أجل تحقيق هذه الغاية. وفي معسكرات التدريب الليبية، اتحد البدو، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "التجمع العربي"، حول خطة شريرة للاستيلاء على دارفور، وطرد السكان غير العرب، وإقامة وطن عربي بدوي. وباحتقارهم للحدود الدولية وازدرائهم لادعاءات التنوع والحكم المدني، عملوا على تغذية تفوق عرقي سام. لقد كانوا الجنجويد الأصليين، وخلفاؤهم اليوم هم الجنود والقوات شبه العسكرية وقطاع الطرق والمهربون الذين يرهبون دارفور.
كذلك، أسهمت السياسة الوطنية السودانية في التمرد في دارفور وقمعه الوحشي. وكانت مشاعر الاستياء لفترة طويلة من إهمال الخرطوم للمنطقة، والطريقة التي وقف بها البشير في صف العرب في النزاعات المحلية، سبباً في دفع الناشطين إلى حمل السلاح. وفي عام 2003، تعاونت حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة لشن هجمات مدمرة على الجيش السوداني. وكان رد فعل الجيش هو حشد الجنجويد الذين نهبوا ودمروا أي مجتمعات يشتبه في دعمها للمتمردين. وبعد تحقيق أجرته وزارة الخارجية الأميركية، أعلن وزير الخارجية كولن باول أن الجنجويد ارتكبوا إبادة جماعية.
عيون الغرب غافلة
كانت دارفور حالة نادرة لأزمة أفريقية أثارت استجابة دولية حماسية. ومن خلال حركة تأييد عالمية، حقق النشطاء في دارفور أهدافهم الرئيسة. وفي عام 2007، أنشئت قوة ضخمة لحفظ السلام، وهي البعثة المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، وكلفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحماية المدنيين. واستكمالاً، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير بناء على عشر تهم، من بينها ثلاث تتعلق بالإبادة الجماعية.
لكن السلام لم يعم في دارفور. وتوصلت المحادثات، التي ترأسها في البداية الاتحاد الأفريقي ثم قطر مع فريق من خبراء الأمم المتحدة، إلى اتفاقات لم تحظ إلا بدعم أقلية من المتمردين الذين ازداد تشرذمهم. وعرقلت الخرطوم خطة الاتحاد الأفريقي الرامية إلى إجراء عملية شاملة للإصلاح السياسي.
في المقابل، تُركت المسائل الكبرى من دون حل. وبقي النازحون في مخيماتهم الشاسعة التي أصبحت بحكم الأمر الواقع مدناً يؤمن غذاءها برنامج الغذاء العالمي. حكمت القبائل العربية دارفور، وشنت غزوات وأفلتت من العقاب، وتقاتلت في ما بينها ومع الميليشيات الأخرى حول الحدود القبلية، والأهم من ذلك، حول مَن سيتولى السيطرة على مناجم الذهب المربحة في المنطقة. وبرز حميدتي باعتباره قائد الجنجويد الأكثر قدرة، وتوسعت شركة عائلته التجارية، واستفاد من التهريب وحراسة الحدود. ترأس حميدتي تكتلاً تجارياً للمرتزقة عابراً للحدود الوطنية، وأصبح رب العمل الرئيسي لشباب دارفور.
لقد كانت دارفور حالة نادرة لأزمة أفريقية أثارت استجابة دولية حماسية
وعلى رغم اعتراضات جنرالاته، أضفى البشير الطابع الرسمي على كتائب حميدتي باعتبارها قوات "الدعم السريع" وأحضرها إلى الخرطوم بصفة حرسه الإمبراطوري. وقد كان ذلك خطأً فادحاً. في أبريل 2019، حاصر متظاهرون مدنيون سلميون مقر الجيش، مطالبين برحيل البشير، فأمر الديكتاتور جنرالاته بسحقهم. وفي التشاور الذي دار بين الجنرالات في وقت متأخر من الليل، أدلى حميدتي بصوته الحاسم لمصلحة الوقوف إلى جانب المدنيين، وأطيح بالبشير. لكن الجنرالات أرادوا السلطة لأنفسهم. وبعد ستة أسابيع، استخدمت قوات الدعم السريع القوة المميتة لتفريق المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، بيد أن المدنيين لم يتراجعوا. وبعد ذلك، وافق حميدتي والبرهان على المحادثات التي دعا إليها الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا ودعمتها من وراء الكواليس السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، التي هندست التوصل إلى حل وسط. فنتجت من ذلك حكومة عسكرية مدنية مضطربة. وبينما كان مجلس الوزراء يتصارع مع المشكلات الاقتصادية في السودان والحاجة إلى إشراك المتمردين في دارفور في اتفاق سلام جديد، عزز حميدتي أعماله، ووسع قواته، وقوى شبكاته الدولية، بما فيها دخوله في شراكة مع مجموعة "فاغنر".
وعلى رغم أن قوات حميدتي قتلت عشرات المدنيين، إلا أنه قدم نفسه على أنه بطل الشعب والحصن المنيع الواقف في وجه عودة عصابة الجنود والإسلاميين المتشددين التي حكمت السودان في عهد البشير. كذلك، نصب حميدتي نفسه كمتحدث باسم المناطق المحرومة في السودان ووسيط محادثات السلام مع متمردي دارفور. وفي وقت لاحق، وقع أولئك المتمردون على اتفاق سلام، سُمي اتفاق "جوبا"، وعادوا إلى دارفور. وتضمن الاتفاق وعوداً طموحة بالتنمية والإصلاح ودمج المقاتلين في الجيش. لكن من الناحية العملية، كان الأمر يقتصر على المناصب السياسية والوظائف وإعطاء المال للمتمردين وقادتهم. وكان حميدتي يأمل في أن ينضموا إلى ائتلافه، لكنهم لم يثقوا به باعتباره من الجنجويد الطموحين. والجدير بالذكر أن عودة المقاتلين المتمردين السابقين هددت السيطرة العربية على دارفور وأثارت أعمال عنف محلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في تلك اللحظة كان ينبغي للـ"يوناميد" أن تنفذ اتفاق "جوبا" وتحافظ على السلام بين الجماعات المسلحة المرتابة، ولكن عوضاً عن ذلك، بضغط من الجنرالات السودانيين على الأمم المتحدة لكي توقف عملياتها بشكل تدريجي، أنهت المنظمة مهمتها في يونيو (حزيران) 2021. وكُلفت قوة مشتركة من الجنود الحكوميين وقوات "الدعم السريع" والمتمردين السابقين بحماية المدنيين. كان سكان دارفور مذعورين، لكن الأمم المتحدة بدت غافلة عن الأخطار. في الواقع، اتسمت تلك الخطوة بالتفاؤل الأعمى الذي يبدو اليوم أنه كان مضللاً بشكل مدهش.
السيطرة على المدن
وبموجب اتفاق "جوبا"، أصبح المتمرد السابق، خميس أبو بكر، وهو من قبيلة المساليت، حاكماً لولاية غرب دارفور. وكانت الميليشيات العربية المحلية غير سعيدة، فوقعت أعمال عنف متفرقة بعد ذلك. لكن لم تأت أي بعثة تابعة للأمم المتحدة لإجراء تحقيقات أو دق ناقوس الخطر أو إرسال موظفين معنيين بالشؤون السياسية من أجل تسهيل السلام. وفي اللحظة التي بدأ فيها القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم يوم 15 أبريل من العام الحالي، اندلعت أعمال عنف واسعة النطاق أيضاً في غرب دارفور. ليس من الواضح من أشعل فتيل الصراع، لكن الميليشيات العربية بدأت حملة قتل ضد السكان المدنيين، فيما احتمى جنود الجيش، الخائفين وغير المسلحين، في مواقعهم العسكرية.
ويصف الناجون الذين فروا إلى تشاد القريبة، قوات "الدعم السريع" والمقاتلين العرب وهم يتنقلون من منزل إلى آخر في العاصمة الإقليمية الجنينة، ويقتلون ويغتصبون وينهبون، تاركين جثث الرجال والفتيان تتحلل في الشوارع. وفي مايو (أيار)، هاجمت القوات شبه العسكرية مستشفى المدينة ونهبت قصر السلطان. وفي يونيو، ندد أبو بكر بالعنف ووصفه بأنه "إبادة جماعية". وفي اليوم التالي، اختطفه رجال مسلحون يرتدون زي قوات "الدعم السريع" وقتلوه.
في الحقيقة، لا تتوافر في دارفور خدمة الهواتف المحمولة أو الإنترنت، مما يجعلها ثقباً أسود لا تخرج منه أي معلومات. ولكن يبدو أن قوات "الدعم السريع" سيطرت أيضاً على زالنجي، عاصمة وسط دارفور وأكبر مدينة لجماعة الفور العرقية. وانتقل قائد الميليشيات إلى مكتب المحافظ. وبطريقة موازية، تسقط بلدات دارفور واحدة تلو الأخرى في أيدي قوات "الدعم السريع". والآن، فإن القبائل العربية التي ترعى الماشية في شرق دارفور والتي حاولت البقاء على الحياد في الحرب السابقة، تجد نفسها أمام خيار وحيد هو التحالف مع قوات "الدعم السريع". أما المشايخ الريفيون، الذين كانت سلطتهم هي التي تحدد السياسة القبلية ذات يوم، فقد أصبحوا الآن خاضعين لإملاءات قادة الميليشيات الشباب. وفي الشهر الماضي، أعلن تسعة من كبار القادة دعمهم لقوات "الدعم السريع".
وحتى الآن، نأى أقوى المتمردين السابقين بنفسهم عن القتال، بمن فيهم مني ميناوي من حركة تحرير السودان. وهم يخشون قوات "الدعم السريع"، لكنهم لا يثقون في نوايا الجيش أو قدرته، ويتهمون حكومة البرهان بإهمال الحاجات الإنسانية الملحة في دارفور. وقد انضم آخرون إلى الجيش المحاصر للدفاع عن المدن الرئيسة. ومن غير المؤكد إلى متى يمكن للمتمردين السابقين أن يبقوا على الحياد، بخاصة وأن المجتمعات المستهدفة تحتاج إلى الحماية. في الواقع، إن وحدات الدفاع عن النفس في مجتمعات دارفور تحتاج بشكل عاجل إلى دعم دولي من أجل إنشاء مناطق آمنة في المدن ومخيمات النازحين.
واستطراداً، اجتاحت قوات "الدعم السريع" منطقة شمال كردفان المجاورة، والشيء الوحيد الذي أحبط استيلاءها على مدينة الأبيض هو التظاهرات الحاشدة التي نظمها سكانها. تتحرك قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية شرقاً لتعزيز قتالها من أجل الخرطوم، بينما تنطلق الشاحنات المحملة بالبضائع المنهوبة من العاصمة في الاتجاه المعاكس.
لا وجود لأي مخرج
ما يقود مستقبل السودان الآن هو أزمات دارفور (التوترات العرقية التي لا حل لها بعد وبحث البدو الصحراويين عن الأرض وفرص العمل). وحتى لو أعادت القوات المسلحة السودانية الرسمية تنظيم صفوفها، وتمكنت، بمساعدة عسكرية من حلفائها في مصر وتركيا، من طرد قوات "الدعم السريع" من الخرطوم، فلا الحكومة تملك حلاً للمشكلات التي تجتاح دارفور. ولا حتى حميدتي. في الحقيقة، وجهت قوات "الدعم السريع" ضربات قوية في وقت مبكر من معركة الخرطوم وصمدت في مواجهة هجوم مضاد عنيف. لكن أي دعم كان يحظى به حميدتي بين عامة الشعب قد تبخر بسبب سلوك جنوده الذين قتلوا واغتصبوا ونهبوا الأحياء السكنية، واستولوا على المستشفيات، ودنسوا المواقع الثقافية والمباني المدنية.
وفيما كانت النيران مستعرة في السودان، اختفى حميدتي عن الأنظار. بالنسبة إلى زعيم شعبوي يعتمد على إبراز شخصيته وتحديد الأجندة السياسية، كان هذا الصمت مفاجئاً. وأثار اختفاؤه إشاعات عن إصابته بجروح خطيرة. في 28 يوليو (تموز)، نشر شريط فيديو بدا فيه جامداً وشاحباً، تحدث فيه لمدة 20 ثانية لكي يحدد شروط السلام الخاصة به. ومنذ ذلك الحين، أطلق تسجيلات صوتية، من دون إظهار ملامحه. وهناك دلائل تشير إلى أنه يفقد سيطرته، إذ إن وحدات قوات "الدعم السريع" بدأت في أجزاء من دارفور تنقسم على أسس قبلية وتتقاتل بين بعضها.
وفي هذه الأثناء، بدأ السودانيون يختبرون حكم الجنجويد. وهو حكم استبدادي يمارس فيه الزعيم سلطته بقبضة من حديد، حكم عنيف وفاسد، يعتمد على التضامن القبلي، والعنصرية تجاه ذوي البشرة الداكنة، وازدراء المؤسسات والقوانين. وهو ينطوي على عمليات سطو واسعة النطاق، لن تتوقف على الأرجح إلا حين لا يبقى هناك أي مدن للنهب.
لقد اتسمت إجراءات الأمم المتحدة عام 2021 في دارفور بالتفاؤل الأعمى الذي يبدو مضللاً بشكل مدهش اليوم
ولا يوجد أي مؤشر على أي جهد دولي جدي لحل الأزمة. لم تُبذل سوى جهود وساطة فاترة، لا تركز إلا على وقف القتال في الخرطوم. ولم يُحرَز أي تقدم في قضية دارفور ولم يُظهر أحد أي اهتمام بها.
قبل عشرين عاماً، كانت الولايات المتحدة نشطة؛ أما اليوم فهي غائبة عن الساحة. في الواقع، جاءت أول إشارة على حدوث تغير في موقف واشنطن اللامبالي عندما قامت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بزيارة اللاجئين من دارفور في تشاد في وقت سابق من هذا الشهر. ولكن يبدو أن الولايات المتحدة في حيرة من أمرها بشأن ما يجب فعله إضافة إلى فرض عقوبات على قادة قوات "الدعم السريع" ودعم الجهود الإنسانية على الحدود. وبطريقة موازية، فإن الأمم المتحدة، التي تتمتع بصلاحية التصرف، تنتظر الاتحاد الأفريقي الذي لا يفعل شيئاً تقريباً.
بالاسترجاع، استُخدمت في الحرب السابقة موارد أكثر وإرادة سياسية أكبر بكثير (كانت بمعظمها في غير محلها)، لكنها لم تنجح في إنهاء تلك الحرب. وهذه المرة سيكون الأمر أكثر صعوبة. ولكن هناك عاملاً واحداً واعداً يبشر بالخير، وهو عدم وجود أي أخطار جيو-استراتيجية في دارفور. لذا، يجب أن تكون لجميع الأطراف مصلحة في وقف إراقة الدماء. ويتعين على البلدان التي هي على خلاف بشأن قضايا عالمية أخرى أن تكون قادرة على تنحية خلافاتها جانباً والاتفاق على الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين، وتوفير المساعدات الأساسية، ووقف الكارثة المتنامية التي من المرجح أن تتجاوز ما عانت منه دارفور قبل عقدين من الزمن.
عندما تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، سيجتمع الزعماء الأفارقة على هامشها لمناقشة الوضع في السودان. وسيتيح ذلك لهم، وللأمم المتحدة، فرصة إظهار أن أجندات صنع السلام وحماية المدنيين لا تزال حية، وسيمنح الولايات المتحدة فرصة لكي تضع كل ثقلها وراء إعادة التعامل جدياً مع قضية دارفور، وهذا أقل ما يستحقه سكان دارفور الذين طالت معاناتهم.
*أليكس دي وال هو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس. شارك في تأليف كتاب "الديمقراطية غير المكتملة في السودان: الوعد وخيانة ثورة شعبية" Sudan’s Unfinished Democracy: The Promise and Betrayal of a People’s Revolution، بالتعاون مع المؤلفين ويلو بيردج، وجاستن لينش، ورجاء مكاوي.