Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سبونج بوب" و"أكوامان" بماذا يخبرنا "إنسان البحر" الحديث؟

لم يعد ذلك المغامر القديم الذي ترميه الأمواج إلى المجهول بل أصبح واعياً لا يحتاج إلى العلم بقدر ما يحذر من كوارثه

في "سبونج بوب" يعيش الإنسان في مستعمرات مائية ومدن مزدهرة وهو هاجس مستمر مع الإنسان منذ القدم (أ ف ب)

ملخص

صورة إنسان البحر تغيرت تماماً بسبب تطور الإنسان تقنياً وعقلياً وسيطرته على البحار ودخوله في مرحلة أخطر من ذلك بكثير وهي مرحلة غزو أعماق المحيطات ومحاولة استعمارها.

قديماً كان إنسان البحر هو الصياد الماهر الذي يجوب البحار والمحيطات ويخوض مغامرات ساذجة مثل أن يطارد حوتاً شريراً (موبي ديك)، أو أن يكون قرصاناً مشاكساً يهاجم غيره من البشر ويمضي عمره بحثاً عن الكنوز، أو حتى الإنسان الضعيف الذي يحارب (الفك المفترس)، أو ذاك الذي تلقي به الأمواج إلى يابسة لا بشر فيها فيمضي بقية عمره وحيداً.

لكن هذه الصورة تغيرت تماماً بسبب تطور الإنسان تقنياً وعقلياً وسيطرته على البحار ودخوله في مرحلة أخطر من ذلك بكثير هي مرحلة غزو أعماق المحيطات ومحاولة استعمارها. فتطوير الإنسان لذاته ليتمتع بقدرات جديدة تؤهله للبقاء والازدهار تحت الماء هو هاجس مستمر مع الإنسان منذ القدم، لكن ذلك بحاجة إلى أدوات خارجية مثل الآلة والذكاء الاصطناعي، ومشكلة هذه الأدوات أنها لم تفلح في تحقيق أحلام الإنسان الكبرى واقتصرت مهمتها على تسهيل الحياة.

 

 

لذلك ظهرت حديثاً أعمال في السينما والإعلام تروّج لإمكانية تطور قدرات الإنسان اللازمة لذلك طبيعياً، على غرار ما أنجزته مخلوقات مائية حقيقية صغيرة نجحت في تنمية القدرات الذاتية لها وتحسين كفاءة أجسامها وحواسها لتصبح مناسبة للبيئة الجديدة القاسية التي تريد البقاء والازدهار فيها سواء كان ذلك براً أو بحراً أو حتى جواً.

"سبونج بوب"

في كل من فيلم الرسوم المتحركة "سبونج بوب" الذي صدر عام 1999، وفيلم الخيال العلمي "أكوامان" (2018) يصل الإنسان حديثاً إلى غايته من التطور للمرة الأولى من دون الاستعانة بأدوات كثيرة أو بأي نوع من أنواع الذكاء الاصطناعي، فيستغني مثلاً عن أدوات الغطس، بل إن الإنسان فيهما يحقق حلماً كبيراً هو بناء مدن ومستعمرات بشرية تحت الماء، ويعمل هناك ويزدهر من دون حاجة لكثير من التقنيات الحديثة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسبونج بوب سكوير بانتس كما يظهر من تسميته هو إنسان مائي أو بحري يقطن في أعماق المحيطات، ولأنه لا يحتاج إلى أدوات للتنفس ويتحرك في أعماق المحيطات بشكل طبيعي، أخذ صورة مخلوق خارق صغير مع أنه مجرد إسفنجة بدائية كالتي تستخدم في غسيل الأواني المطبخية، لذلك ركز صناع الشخصية على منح هذا المخلوق الذي يعبر عن أبسط أشكال الحياة الحيوانية بعداً بشرياً وإنسانياً متطوراً للغاية، فأضافوا إلى شخصيته المملة "البنطال المربع"، وهو زي بشري أضفى لمسة حداثية على المخلوق الساذج الذي لا يشبه من حيث الملابس وتفاصيل أخرى أياً من الأبطال الخارقين قديماً ومنهم "سوبرمان" و"سبايدرمان" و"باتمان" وغيرهم.

سر الفقاقيع

تعني التسمية الأصلية "سبونج بوب" أيضاً الإسفنجة التي تصدر الفقاقيع، والفقاقيع ليست من اقتراحات صناع الفيلم ومطوريه لأنها من مظاهر الشخصية الحقيقية - الساذجة - التي ابتكرها مدرس الأحياء ذو الميول الفنية ستيفن هيلينبرغ أثناء عمله الروتيني في معهد المحيطات في كاليفورنيا الأميركية عام 1984. وستيفن هو مبتكر الفقاعات ضمن شخصية الإسفنجة، لكن تحويل حكايته المملة عن المخلوق البحري إلى حكاية ممتعة فرض إزالة هذه الفقاعات من الشخصية الكرتونية، على رغم بقائها في الاسم المتداول للشخصية، وتكمن المفارقة في مسألة إظهار أو إخفاء تلك الفقاقيع في تباين وجهة النظر بين مبتكر الشخصية هيلينبرغ ومطوريها لاحقاً، والذين أرادوا إظهار المخلوق الساذج على صورة بطل خارق مرح يقدم كوميديا مسلية.

 

 

ومن المفترض أن تشير الفقاقيع إلى عملية حيوية مهمة وهي التنفس تحت الماء من دون أدوات للغطس، مع ذلك لم يتساءل أحد من المتابعين عن إمكانية أن يتنفس مخلوق له صفات إنسانية ويرتدي ملابس بشرية تحت الماء بشكل طبيعي من دون الحاجة إلى أجهزة وأدوات من هذا النوع على رغم توافرها وتطورها تقنياً.

لغز استبعاد الأدوات

وفق وجهة نظر مطوري الشخصية ومنهم المتخصص في مجال الرسوم المتحركة توم كيني، لا يحتاج مخلوق البحر ذو الصفات البشرية إلى أدوات غطس أو أجهزة تنفس اصطناعي، فالأدوات لم تفلح في تطوير شخصية إنسان الفضاء منذ 100 عام وحتى هذه اللحظة، حتى أولئك المشاهدين من الأناس العاديين والنقاد المتحذلقين لم يشيروا إلى هذه المفارقة التي مرت من دون انتباه، ولو أن هذا العمل الخيالي عرض قبل انطلاق سباقنا نحو صيغة أخرى أكثر تطوراً لجنسنا فضائياً أو برياً أو بحرياً لانهالت التساؤلات حول تلك القضية الهامشية، مما يعني أن إنسان الحداثة بعد "سبونج بوب" أصبح متلقياً مختلفاً تماماً عما كان عليه سابقاً، إذ فقد هذا الإنسان شغفه الذي وصل إلى حد الهوس وثقته العمياء بالأدوات عموماً، والبحرية والفضائية منها خصوصاً.

 

 

لم يستعن "رجل الماء" الحقيقي بأجهزة وأدوات التنفس أيضاً، مما يشير إلى تمهيد العلم لمرحلة جديدة من تطور الإنسان في زمن قادم متوقع هو زمن "إنسان البحر"، إذ تعتمد الحقبة الجديدة على العلم أكثر من الخرافة، لأن العلم هو الوسيلة الوحيدة الحقيقية حالياً لدى الإنسان بعد انقضاء زمن السحر والشعوذة. ويتميز الإنسان المتعلم في حقبة "سكوير بانتس" و"أكوامان" بكونه غير مؤمن بقدرة الأدوات المادية عموماً على تطويره أو تحويله إلى مخلوق جديد، كما هي الحال في تحويل أمير إلى ضفدع ضمن حكاية خيالية قديمة، أو تحقيق حلم بنت فقيرة بالتحول إلى أميرة من خلال التلويح بعصا مهما كان نوعها.

تشابه غير مريح

أخيراً، تختلف حكاية "أكوامان" كثيراً عن حكاية "سبونج بوب" على رغم تشابه كل منهما في قضايا رئيسة عدة أبرزها مسألة عدم حاجة الإنسان للآلة من أجل العيش والازدهار تحت الماء، والذي ينجز من خلال الشخصيتين بقدرات ذاتية، وتعد حكاية إنسان الماء الحقيقية "أكوامان" تطويراً لحكاية الإسفنجة، لكن الحكاية الحقيقية لرجل الماء حملت مؤشرات تشابه غير مريحة مع حكايات الإنسان في حقبة غزو الفضاء قبل قرن من الآن. ويظهر ذلك من خلال إصرار صناع فيلم "رجل الماء" حديثاً على التحذير من خطر مقبل إلى الإنسانية مقره هذه المرة أعماق المحيطات المظلمة، ووفق "أكوامان" فإن هناك مخلوقات بحرية ذات قوى خارقة أيضاً كانت تتهيأ لغزو الإنسان في بيئته بسبب تلويثه للمحيطات.

المزيد من منوعات