ملخص
تستعد البعثة الأممية في مالي "مينوسما" التي تضم 13 ألف جندي لمغادرة مالي بصفة نهائية
يشكل الاتفاق العسكري بين كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر خطوة أخرى نحو هيمنة الأنظمة العسكرية التي قادت انقلابات أخيراً غرب أفريقيا، وبسط سيطرتها ووقف أية محاولة لتثبيط جهودها في الاستمرار بالحكم، كما أنه رسالة واضحة لفرنسا الساعية إلى إنشاء تحالف مع دول المنطقة لمواجهة الانقلابات العسكرية غرب أفريقيا.
ويرى المراقبون أن الأنظمة العسكرية الجديدة في غرب أفريقيا باتت تتجه إلى فرض سياسة الأمر الواقع من قبل العسكر، وإقناع الشعوب بشرعية الانقلابات من خلال الترويج للأهداف الوطنية للعسكر وسعيهم إلى التخلص من فرنسا بوصفها، بحسب رأيهم، راعية الطغمة الحاكمة سابقاً، التي أفقرت البلدان ونشرت الفساد في دول غرب أفريقيا، ويعتبرون أن إنشاء تحالف دفاعي بين الدول الثلاث يأتي بهدف مواجهة التوترات المتزايدة في المنطقة بخاصة بعد تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" بشن حرب على النيجر بسبب انقلاب 26 يوليو (تموز) الماضي.
اتفاق لمواجهة فرنسا
ويأتي إنشاء هذا التحالف العسكري بعد تدهور العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا القوة الاستعمارية السابقة ودول الساحل الثلاث، التي حدثت فيها انقلابات عسكرية أخيراً ورفضت الوجود الفرنسي على ترابها.
ويقضي الاتفاق بإقامة بنية للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة بين الدول، ومواجهة "أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة، كما يعتبر عدواناً على الأطراف الأخرى ويستلزم واجب المساعدة ودعم جميع الأطراف، منفردة أو بشكل جماعي، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة وضمان الأمن داخل المنطقة التي يغطيها الحلف". ويشير الاتفاق، بصيغته المعلنة، إلى أن أي اعتداء عسكري على سيادة وسلامة النيجر يعتبر اعتداء على مالي وبوركينافاسو، وأنهما سيتدخلان باستخدام القوة العسكرية لوقف أي حرب ضدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ انقلاب 26 يوليو الماضي بالنيجر حافظت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" على موقف ثابت ورافض لسعي العسكر إلى السيطرة على الحكم بالنيجر، وطالبت باستعادة النظام الدستوري فوراً وإطلاق الرئيس المخلوع محمد بازوم وإعادته إلى منصبه، وهددت المنظمة مراراً وتكراراً بالتدخل المسلح وفرضت عقوبات اقتصادية شديدة على النيجر.
يقول الباحث السياسي النيجري أحمد هارون ديمابي إن بوركينافاسو ومالي المجاورتين للنيجر تعتقدان أن أية عملية عسكرية ضد النيجر ما هي إلا مقدمة للاعتداء مستقبلاً عليهما، على اعتبار أن الظروف التي تحكم هذه البلدان متشابهة وأنها خاضعة للحكم العسكري وترفض الوجود الفرنسي، ومن ثم فهما بدفاعهما عن النيجر يدافعان عن النظامين العسكريين القائمين في كل من مالي وبوركينافاسو، ويعتبر الباحث أن إعلان هذا التحالف كفيل بمنع أي عدوان مستقبلي على النيجر ما دام توجيه ضربة عسكرية للنيجر سيتسبب في نشوب حرب بالمنطقة بدخول مالي وبوركينا فاسو طرفين في الصراع. ويؤكد أن المضي في إنشاء الهيئات اللازمة لعمل التحالف وتحديد آليات عمله في أسرع وقت سيمنح أعضاء الحلف قوة كبرى وسيشجع بقية الدول على الالتحاق به بخاصة تلك التي شهدت انقلابات عسكرية أخيراً.
وتشير إحدى مواد بيان التحالف إلى أن "الميثاق مفتوح أمام أية دولة تشاركها الحقائق الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية نفسها، وتقبل أهداف التحالف" وأي طلب للعضوية "سيتم قبوله بالإجماع من قبل الدول الأطراف".
ويرى الباحث نفسه أن اهتمام الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق بمكافحة الإرهاب سيزيد من قوة هذا التحالف، بخاصة أن الاتفاق بينها يشير إلى ضرورة التعاون في هذا المجال. ويضيف "الجهود العسكرية التي ستعمل الأطراف المتعاقدة عليها بمنع أي تهديد عسكري وتوفير السلامة الإقليمية والسيادة الوطنية لكل دولة من الدول الأعضاء في التحالف ستعزز أكثر الحرب على الإرهاب، بالنظر إلى أن هذه الدول تعاني أكثر من غيرها نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل".
محاربة الإرهاب
وتعاني منطقة الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو تنامي الأنشطة الإرهابية التي تودي بحياة المئات، فبين يوليو وسبتمبر (أيلول) لقي أكثر من 250 شخصاً مصرعهم في هذه المنطقة الحدودية معظمهم مدنيون من القرى المعزولة على الحدود.
وكانت المنطقة الحدودية بين البلدان الثلاثة، وهي منطقة صحراوية شاسعة، قد سقطت في قبضة الجماعات المسلحة عام 2012، ثم نجح التدخل الفرنسي لاحقاً في دحر الجماعات الإرهابية لكنها ما لبثت أن عادت إلى أوج نشاطها خلال العامين الماضيين.
وما زالت فرنسا حاضرة في أفريقيا من خلال القوة الأوروبية "تاكوبا"، التي انطلقت "بمهمة تقديم المشورة والمساعدة والمرافقة في قتال الوحدات التقليدية للجيش المالي في الحرب، ومحاربة الجماعات الإرهابية المسلحة في منطقة الحدود الثلاثة"، في يوليو 2020.
وتستعد البعثة الأممية في مالي "مينوسما" التي تضم 13 ألف جندي لمغادرة مالي بصفة نهائية، كما تستعد قوات فرنسية تقدر بنحو 1600 جندي لمغادرة الساحل، مما يطرح أسئلة حول أمن المناطق المعزولة الواقعة في أقصى شمال مالي وبين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.