Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سباق عمالقة بين التنين الصيني والفيل الهندي

هل تخشى بكين نهضة نيودلهي تمثل انزياحاً تاريخياً لقوتها القائمة وقطبيتها المقبلة؟

جنديان صيني وهندي يرتديان الزي الرسمي قبالة بعضهما بعضا عند معبر ناثو لا الحدودي (أ ف ب)

ملخص

في خضم السباق العالمي بين الصين والهند للنفوذ هل تغذي أميركا المنافسة بين البلدين؟

هل القارة الآسيوية على موعد جديد مع تصاعد صراع تقليدي بين الهند والصين؟ وهل يمكن لنيودلهي أن تقلب الموازين استراتيجياً حال عزمت على مواجهة بكين على مختلف الصعد لا سيما الاقتصادية ثم العسكرية في مقبل الأيام؟

علامة الاستفهام المتقدمة أطلقتها في واقع الحال تطورات المشهد الجيوسياسي الدولي، لا سيما بعد قمة العشرين الأخيرة التي احتضنتها الهند، وكان على رأس مخرجاتها، فكرة "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط".

لم يغب عن أحد أن الصين تراهن على مبادرة "الحزام والطريق"، كمدخل لقطبيتها المقبلة من دون أدنى شك، ولهذا يأتي الحديث عن هذا الممر ليختصم الكثير من الحضور الصيني العالمي.

هل الهند هي المنافس المقبل بقوة للصين؟

ربما تعمد الولايات المتحدة على تقريب الهند لها بشكل أو بآخر، في محاولة منها لتقزيم الصين.

غير أن الأمر لا يمكن أن يمضي على هذا النحو، ذلك أن الصين تعي جيداً المخططات الأميركية، ولهذا فإنها تنسج خيوطها وتنسق خطوطها لا مع دول آسيا فحسب، ولكن مع بقية القوى الصاعدة اقتصادياً تحديداً، كما يتجلى الأمر في حال (بريكس+) بنوع خاص.

هل تنجح الهند في المنافسة مع الصين أم أن هناك حدوداً معينة لا يمكن تجاوزها، خوفاً أو حرصاً على الاستقرار الهش، إن جاز التعبير بين الجانبين، ودرءاً لمواجهات تقطع الطريق على التنمية المهمة للدولتين الكبيرتين، وخوفاً من أن يتطور المشهد إلى صراع عسكري؟

في هذه السطور نحاول استكشاف أبعاد المشهد الصيني – الهندي، وإلى أين يمضي؟، لا سيما في ضوء حقائق ديموغرافية جديدة، يمكنها أن تبدل الأوضاع وتغير الطباع بين البلدين لمصلحة الهند التي تجاوز عدد سكانها، الصينيين الذين سيتناقص عددهم إلى أقل من النصف بحلول 2050، والكثير من القضايا المهمة على الجانبين.

بكين- نيودلهي... صراع أخوة مفترضين

يبدو المشهد الصيني – الهندي اليوم، وكأنه من متناقضات القدر، إذ لم يكن يتوجب أن يضحى هناك منافسة أو صراع، وليس مواجهة عسكرية.

تحمل قصص أوائل الخمسينيات بين البلدين شعارات انطلقت مثل "هندي... صيني... إخوة"، والتي تحولت إلى أغنيات شهيرة بين البلدين، ما يعني أنه كانت هناك آمال وردية في نشوء وارتقاء وحدة آسيوية يحسب لها ألف حساب وحساب.

 

 

غير أن المشهد سرعان ما تغير، إذ لم يمض عقد من الزمن، وبالتحديد بحلول عام 1962، اندلعت المواجهات العسكرية بين الجانبين، بسبب قضايا حدودية.

يعن لنا أن نتساءل ومن غير أدنى حسن نية، "هل كان البريطانيون هم السبب، وعمدوا إلى ترسيم الحدود بين البلدين بما يفتح للمناوشات ثم المعارك، وبما يقطع الطريق على التعاون الاستراتيجي الخلاق بين الجانبين؟

باختصار غير مخل، الحدود هي السبب الرئيس في الأزمات المتصاعدة حتى الساعة بين البلدين، لا سيما أنها تمتد لمسافة 3440 كيلومتراً مربعاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتركز النزاع تاريخياً على نقطتين اثنتين، الأولى في الغرب وهي منطقة أسكاي تشن، والثانية في الشرق وهي منطقة أرمشال باراديش، وهي ولاية في الهند، تعتبر بكين أن نيودلهي تحتل أرمشال، والهند تعتبر أن الصين تحتل أسكاي تشن، التي تقع بالقرب من منطقة كشمير الكبرى.

لا يوفر المحللون الاستراتيجيون الأيادي البريطانية في تفعيل الفتنة بين الجانبين، منذ حقبة الاستعمار في القرن الـ19 فلطالما تعمد الأنجلو، بحسب روايات الجانبين، ترسيم الحدود بطريقة تؤدي إلى الخلافات والانقسامات ومطالب انفصالية، إذ تقسم العرقيات والقوميات بين دولتين، أو تحدد منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة إلى دولة فتضمها إلى جارتها، بالتالي تضمن استمرار الصراعات بين الاثنين، وقدرتها على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

وعلى رغم أنه منذ عام 1962، لم تنشب حرب كبرى بين الصين والهند، حرب بالمفهوم العسكري، إلا أن حروباً أخرى اقتصادية وسياسية، استخباراتية وأمنية، لا تزال مشتعلة بين الجانبين، على رغم المناوشات الحربية التي تجري بين الفينة والأخرى، وقد كان آخرها عام 2021، حين سقط قتلى من الجانبين.

إذاً، هل تخشى الصين نهضة الهند، وبما يحدث انزياح تاريخي لقوتها القائمة وقطبيتها المقبلة؟

"كواد" يعزز نيودلهي في وجه بكين

بدا واضحاً أن هناك من يعمل جاهداً على تعزيز الحضور الهندي في منطقة "الإندوباسيفيك" في مواجهة الصعود الصاروخي للصين.

في هذا السياق نظرت الصين إلى عضوية الهند في الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم (كواد)، والذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، على أنها عضوية تعزز من دورها التنافسي، إقليمياً أول الأمر وعالمياً تالياً.

هنا ينبغي القول إن مجموعة (كواد) تعد واحدة من أهم الأدوات التي ترقى الهند في طريق تنافسيتها مع الصين، الأمر الذي يطرح علامة استفهام، "هل تخلت الهند عن سياسة عدم الانحياز، تلك التي اشتهرت بها وعرفت عنها في خمسينيات القرن الماضي، بل كانت واحدة من الدول المؤسسة مع مصر ويوغسلافيا؟".

 

 

تبدو الهند اليوم دولة أكثر انفتاحاً على الغرب بصورة خاصة، وهي تكاد بذلك تعزف على الأوتار المتناقضة من جهة، وربما حفاظاً على مكتسباتها الاستراتيجية في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ من جهة ثانية.

غير أن الأمر لا يستقيم بشكل مطلق للهند، فهناك تحديات في الطريق، وعبر دروب العلاقة المعقدة والمركبة مع الصين.

لا تبدو الهند منطقة اليدين في تعاملها مع الصين، من منطلق كونها "مخلب قط استراتيجي" للولايات المتحدة، ذلك أن وجود الحدود التي تتجاوز ثلاثة آلاف كيلومتر كما أسلفنا، يفرض مراجعة مدققة ومحققة لأي خطوات تمضي فيها نيودلهي، ويمكنها أن تؤثر في أوضاع الصين الاستراتيجية، لا سيما أن بكين تشعر بأن طوقاً موالياً لواشنطن يضرب من حولها.

هنا يمكن القطع أن فكرة منافسة الهند للصين، جيوبوليتيكية، لن تكون سهلة أو يسيرة، بل ستجد عقبة أولى ضخمة في الصين، والتي لا تداري أو تواري نظرتها للرباعي (كواد)، إذ تعتبره نموذجاً مصغراً من الناتو، مهمته حماية منطقة المحيط الهندي، والذي تعتبره بكين ملكية عامة لجميع الدول المطلة عليه، ولا يتبع دولة الهند فقط، مما دفع الصين لتعزيز قوتها البحرية، ومن ثم تقوية نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، من خلال تعزيز علاقاتها مع عدد من الدول المجاورة، وهو ما اعتبره المحللون تحدياً صريحاً للتفوق البحري الهندي في المنطقة.

هل يعني ذلك أن صراعاً عسكرياً بحرياً يمكن أن يحدث في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؟، هذا الصراع، وربما التلويح به في حد ذاته، كفيل بأن يعتبر تحدياً قائماً وآتياً في البحر، ما يجعل تنافسية الهند، مقيدة وتحدياتها صعبة في الحال والاستقبال... هل من مزيد في هذا السياق؟

سباق بحري في المحيط الهندي

في أواخر سبتمبر (أيلول) 2020، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تحقيقاً مطولاً عن أنشطة الهند البحرية في مياه المحيط الهندي، كرد فعل على الاختراقات البحرية الصينية.

آنذاك، قالت الصحيفة الأميركية الشهيرة، إن الصراع الحدودي بين الهند والصين دفع نيودلهي إلى البحث عن رد استثنائي، تمثل في استعراض قوتها البحرية، وتعميق التعاون مع الديمقراطيات الأخرى التي تسعى لمواجهة طموحات بكين العالمية.

الذين لديهم علم بمخططات بكين العسكرية البحرية، يدركون تمام الإدراك النمو السريع للبحرية الصينية، إلا أنه على رغم ذلك تبقى قدراتها البحرية محدودة على العمل في منطقة بعيدة من شواطئها الأصلية، وعليها أن تكافح لتصل إلى مستوى البحرية الأميركية ووجودها وانتشارها.

هنا تبدو الهند قادرة على التحدي البحري الصيني، ذلك أنها تمتلك واحدة من أكبر القوات البحرية في العالم، وتقع على طرق ملاحية على جانبي المحيط الهندي، تربط الصين بمصادرها الرئيسة للنفط والغاز في الشرق الأوسط وأسواقها الرئيسة.

 

 

هل يعني ذلك أن الهند تتحكم في بعض المفاصل الاستراتيجية للصين بشكل أو بأخر؟، الجواب نجده عند الرئيس السابق للبحرية الهندية، الضابط المتقاعد آرون براكاش، بقوله إنه على الحدود الشمالية، أفضل ما يمكن أن نأمله، هو الوصول إلى طريق مسدود، ولكن في البحر لدينا ميزة على الصينيين.

ويضيف، "إن استعراض القوة في البحر يمكن أن يبعث برسالة إلى الصين مفادها أنك معرضة للخطر، وأنه يمكننا التدخل في طرق شحنك وإمدادات الطاقة الخاصة بك، وسوف يهتز اقتصادك".

وتدرك الصين هذا التحدي، وهي ماضية قدماً في بناء مجموعة من حاملات الطائرات والمدمرات والسفن البحرية العملاقة، لأكثر من سبب.

أولاً، أنها في حاجة إلى الممرات البحرية حول العالم لتكون أطرافاً فاعلة لها في رؤيتها المعروفة باسم "الحزام والطريق"، ولهذا نجدها تسعى جاهدة لوضع أياديها على أكبر عدد من الموانئ حول العالم.

ثانياً، إن الصين تعمل على تعزيز قوتها البحرية من خلال الوصول إلى العالم، حيث يمر 80 في المئة من النفط الصيني عبر المحيط الهندي، ومضيق "ملقا"، في حين أن 95 في المئة من التجارة الصينية مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا تمر أيضاً عبر المحيط الهندي.

هل يعني ذلك أن الاختراقات الصينية للمحيط الهندي ستتصاعد وتتزايد وتيرتها في مقبل الأيام؟، ربما يكون حديث الممر الهندي- الشرق أوسطي، صفحة جديدة ضمن صفحات الدور الهندي في المنطقة القلقة والمضطربة.

الممر الاقتصادي مواجهة الحزام والطريق

ضمن سياق التنافسية المشتد عوده بين الهند والصين، يأخذ حديث الممر الاقتصادي الجديد والذي سيمتد من الهند، إلى منطقة الخليج العربي، وصولاً لمياه الشرق الأوسط، ومنها إلى القارة الأوروبية، موقعه وموضعه، لا سيما أن الصين باتت تنظر له بعين غير راضية، وبافتراض أنه سيؤثر في خطتها الاستراتيجية الساعية لإحياء طريق الحرير القديم المعروف خلال القرن التاسع عشر، خطة "الحزام والطريق".

هنا التساؤل، "هل ستتمكن الهند بالفعل من التأثير في مقدرات المشروع الصيني الهائل، والذي هو وعن حق مشروع قطبيتها المقبلة لا محالة، والذي يتوقع له أن ينتهي في عام 2049، أي في الذكرى المئوية لمولد "جمهورية الصين الشعبية"؟

الثابت من منظور استراتيجي أن مشروع "الممر الاقتصادي" يتسم بنوايا جيوسياسية، واضحة، وتحاول الولايات المتحدة أن تحذو حذو الصين، من خلال بناء الممر الاقتصادي واسع النطاق للتنافس مع مبادرة "الحزام والطريق"، مما يضعف نفوذ الصين في الشرق الأوسط.

يستنسخ الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي خريطة "الطريق والحزام" الصيني، وتسعى الولايات المتحدة إلى أخذ زمام المبادرة في تصميم شبكة النقل في الشرق الأوسط، وتجعل الصين تفقد مزاياها في البنية التحتية في الشرق الأوسط، بالتالي الضغط على بكين للخروج من الاستراتيجية والهيكل الاقتصادي في الشرق الأوسط.

 تظهر الصين كتحد رئيس لهذا الممر من خلال علاقاتها مع الدول غير المشتركة في الممر، لا سيما إيران، والتي توثق بكين علاقتها الاستراتيجية معها يوماً تلو الآخر.

ليس سراً أن الصينيين بدورهم يعزفون على المتناقضات، الإيرانية – الغربية، ويستثمرون جيداً الخلافات حول المشروع الإيراني النووي لتعميق العلاقات مع طهران، اقتصادياً وعسكرياً.

ولعل زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أخيراً لطهران، تعكس وجهاً آخر من أوجه التعاون الروسي – الصيني في مواجهة الدعم الأميركي لأوكرانيا من جهة، والأميركي لتايوان من جهة تالية.

تدرك الصين أنها من خلال علاقتها مع إيران، تستطيع وضع عقبات في الطريق، فمن أجل ربط الهند والشرق الأوسط، إذا لم يكن الممر عبر أفغانستان وروسيا، وهذا بلا شك أمر مستحيل، فإن إيران هي الطريق الوحيد، وليس من الواضح ما إذا كان المشاركون في الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي، يعتزمون التعاون مع الحكومة الإيرانية.

التوازنات العربية بين الهند والصين

من بين التحديات التي تواجه الهند في تنافسيتها مع الصين، فكرة علاقاتها مع الكتل الجغرافية الخارجية، ومنها على سبيل المثال العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع العالم العربي، إذ ضبط المسافات يحتاج إلى توازنات دقيقة جداً، وقدرة كبيرة على صياغة سياسات تخدم كل الأطراف ومن غير غزل على متناقضات.

طويلاً جداً كانت الهند قريبة من العالم العربي، ومراحل التعاون مع دوله لا سيما في خمسينيات وستينيات وحتى أوائل سبعينيات القرن الماضي، جلية للعيان وواضحة في الأذهان.

عطفاً على ذلك، فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر الدور الذي لعبته الأيدي العاملة الهندية، وربما لا تزال تلعبه، على صعيد العملية التنموية في مناطق الخليج العربي ومنذ نحو خمسة عقود وحتى الساعة.

في هذا السياق يبدو العالم العربي مهتماً بتوثيق روابط تاريخية مع نيودلهي، غير أن هذا التوجه، يمكن النظر له بعين أخرى من جانب الصين، بمعنى أن قضية التفضيلات والأولويات ستطفو على السطح من جديد، ما يخلق سباقاً مثيراً بين الجانبين.

وعلى الجانب الصيني، فإنه لا يمكن تجاهل نفوذ بكين، خصوصاً بعد عقد القمة الصينية - العربية الأولى في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2022، واتفاق الجانبين فيها على بذل كل المجهودات لبناء مجتمع صيني - عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد، والتركيز على "ثماني مبادرات رئيسة" لتنفيذ التعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الأخضر ومنخفض الكربون، والبناء المشترك لـ"الحزام والطريق".

رسمياً تحدثت بكين عن هذا الممر الجديد على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بالقول، "ترحب الصين بجميع المبادرات التي يمكن أن تساعد في توحيد القوى وتعزيز بناء البنية التحتية العالمية، ومع ذلك يتعين علينا أن نكون حذرين من أن يؤدي" الممر الاقتصادي "إلى تقويض الوضع الجيد للتنمية والسلمية في الشرق الأوسط".

هل سيكون هذا الممر وما يمثله للصين عائقاً لتنافسيتها؟

ربما يحتاج الجواب إلى قراءة مفصلة، وإلى قرارات "ذات أبعاد سليمانية"، أي قرارات تتسم بحكمة سليمان، حفاظاً على المكتسبات والنجاحات التي حققها العرب في علاقاتهم مع الجارين اللدودين، الهند والصين، وبما لكل منهما من تقاطع خيوط، وتشابك خطوط، وفي وقت تبدو الثقة في العم سام، متغيرة ومتقلبة، ما يعني حتمية وجود خطوط للرجوع، وبدائل تمنع السقوط في جب "الأحادية الدولية"، من جديد إن جاز التعبير.

نيودلهي وبكين... صراع جنوب آسيا

من جبال الهملايا إلى الجزر الواقعة قبالة شبه القارة الهندية، تبدو المنافسة بين الهند والصين على أشدها، والمثير في المشهد، أن هذا الصراع تتعلق به نجاحات أو إخفاقات الاستراتيجية الأميركية في منطقة "الإندوباسيفيك"، والصراع القطبي مع الصين.

في منتصف أغسطس (آب) الماضي، نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية ذائعة الصيت، عن ديريك غورسمان المسؤول السابق عن تقديم الإحاطات الاستخباراتية لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن في آسيا والمحيط الهادئ قوله "إن الخبر السار في الأقل في الوقت الراهن، هو أن نيودلهي "الشريك المقرب لواشنطن"، نجحت عموماً في درء نفوذ بكين، المتصاعد في أرجاء المنطقة.

لكن إلى أي حد ومد ستتعمق هذه النجاحات، وهل ستقف الصين عاقدة الأذرع على الصدور أمام النجاحات الهندية؟

بحسب الكاتب الأميركي، والذي يعمل حالياً محللاً لشؤون الدفاع في مؤسسة راند وأستاذاً مساعداً في جامعة جنوب كاليفورنيا، فإن القلق الذي يساور نيودلهي هو أن بكين التي اشتبكت معها عسكرياً مرات عدة على الحدود البرية المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، تخطط لنسج شبكة تحالفات لتطويق الهند براً وبحراً، لتحل محلها كقوة مهيمنة على منطقة جنوب آسيا.

ويلفت المقال إلى أن كل دول المنطقة - باستثناء اليونان – مشاركة في مبادرة الحزام والطريق، والذي يعد برنامجاً واسع للاستثمار وتطوير البنى التحتية.

استطاعت بكين كذلك تأمين الوصول إلى موانئ رئيسة على طول المحيط الهندي، مثل غوادر في باكستان، وهمبانتوتا في سريلانكا، وتشياغونغ في بنغلاديش، مما أثار قلق نيودلهي في شأن ما يسمى "استراتيجية عقد اللؤلؤ"، التي تهدف إلى التضييق على الهند، بحسب قول غروسمان.

هل هذه النقاط كانت واضحة للهند، وتنبهت لها، ولما تمثله من خطورة استراتيجية على تنافسيتها في الإندوباسيفيك؟

يمكن القطع بأن ذلك كذلك، فقبل أربع سنوات اكتشفت الهند أن جيرانها هم في واقع الأمر مكمن القلق، وذلك بعد إعلان حكومات صديقة للصين في سدة الحكم، كما الحال في جزر المالديف ونيبال وسريلانكا باكستان، ميلاً واضحاً إلى بكين. وبرأي المسؤول الأميركي، فإن الهند ارتكبت جملة من الأخطاء الاستراتيجية في علاقاتها مع بعض جيرانها، مما أضر بـ"سياسة الجيران أولاً" التي ظلت تتبناها منذ زمن طويل.

وفي الخلاصة، يتبقى الكثير في هذا الملف والذي يحتمل قراءات استشرافية أخرى، فهناك العلاقة مع الولايات المتحدة، وما إذا كانت الصين سيقدر لها أن تنسج عقوداً من التوافق مع واشنطن، وساعتها ستكون الرباطات الهندية - الأميركية التي توثقت بنوع خاص بعد زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي الأخيرة لواشنطن، والعلاقة المتينة التي بدت بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن، عرضة لتقلبات براغماتية تقليدية من جانب العم سام.

عطفاً على ذلك ينبغي لنا التوقف أمام جزئية مهمة للغاية وهي تجاوز الهند للصين سكانياً، وتبعات الأمر على معدلات النمو الصينية، وهل ستكون عاملاً مضافاً لقوة الهند، أم أمر يختصم من قدرتها على تحقيق المزيد من معدلات التنمية، وهي التي صارت خامس أعلى معدل حول العالم، وسبقت بذلك بريطانيا في الترتيب.

وبجانب ذلك تبدو هناك فخاخ منصوبة للعلاقة بين بكين ونيودلهي، ومنها الفخ التايواني، والسؤال، "ما الذي ستفعله الهند حال دخول الصين في صراع مسلح مع الجزيرة؟ وأي دعم عسكري أو لوجيستي ستقدمه للولايات المتحدة الضامن الأول لأمن تايوان؟

المزيد من تقارير